الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موصلي الهوى والروح

عبدالكريم الكيلاني
شاعر وروائي

(Abdulkareem Al Gilany)

2008 / 3 / 11
الادب والفن


انتابني شعور بالأسى وأنا أرى دجلة وهي تتخضب باحمرار أمواجها خجلا من آثام المتلاعبين بجدائلها الطفولية المشوبة بالأبيض الحالك , يزيد الأسى كل يوم وأنا أتلصص كالمجذوب من ثقب الرصاص على مدينتي الملطخة بالعهر الفوضوي , فلا أرى سوى قهقهات بائسة يمارسها المتبعثرون "الوندول" الجدد وآكلي لحوم الأحياء الموتى , ذوي المخالب الساخطة بالبشاعة , يستفزني كل يوم " بم طاخ " هذا المشهد العاري من الأنسانية , فأعود أدراجي محملا بأطناب الحزن والملل , أدثر أناملي بدثار الأمل علها تجد سبيلها لأيامي المكفهرّات , وأقول لنفسي التعبة " غدا ستعود دجلة الموصل الى زرقتها الساحرة " , أجوب شوارع موصلي وحيدا , فأخالني نمرا جريحا أو طاووسا منتوف الريش , لاأجد سوى قهقهات خاوية الا من الخبث , عيون غائرة ترمقني بنظراتها الشزرة , عيون غريبة لم أألفها من قبل , يدب في أوصالي رعب راعش , يلقي في روعي سهاما ذوات أنصال مسمومة تسفح دموعي الطفولية , أدور حول تاريخ مدينتي كما أدور حول نفسي , فأحتكم الى الدهشة , هل أنا دولاب أدور بسرعة البرق !!؟؟
أم طاحونة عتيقة أجرجر خيبتي وخذلان زمني معي اينما حللت ؟؟!!
استوقفني " أبوتمام " ذاك الشامخ في كورنيش موصلي وأساور الحزن يلف عمامته المتهرئة ويداه الممتدتان عبر الماضي فيسألني "
_ أين أنا ايها الطافح بالحيرة ؟؟ ومااسم هذه المدينة ؟؟
_ انها الموصل التي ولّتك بريدها وقضيت نحبك فيها ايها الشاعر .
- لم أراني غريبا عنها ؟ لم هي تبكي وتئن وتستبيح جمالها بلا وعي ؟؟
- انها تبكي لأنها استبيحت من قبل الوحوش البشرية الضارية , وتئن لأن الملوثين اغتصبوها وقطفوا زهرة ربيعها , انهم يرومون فض بكارتها عنوة ايها الشاعر.
- ومن هم هؤلاء , بالله عليك انجدني بماتعرف ؟
- ان الغاصبون في مدينتي غرباء .. يظهرون في ليل الغفلة كخفافيش الظلام ليحصدوا الارواح البريئة , وليرسموا بمخالبهم صور الموت والدمار , يطلقون على انفسهم ما يحلو لهم من أسماء , لكن أفعالهم كماترى وتنظر بأم عينك ؟؟ خالية من الانسانية والحياة ,
- أذن فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

تركت اباتمام وهو يبكي على أطلال موصله وينتحب ايما انتحاب , ولم التفت اليه كي لاتنهمر الدموع من عيني بغزارة ويكفيني ما أرى من دمار .
عبرت الشارع بعد ان هزني صوت (( مفخخة )) فلم أأبه لها لأننا اعتدنا عليها في تفاصيل يومياتنا وكأننا لانأبه للموت ولانستحق الحياة , سمعت أصواتا رائقة تتخللها أنغام موسيقى عذبة تبلغ مسامعي من بعيد وهي تقتحم صوت (( المفخخة )) كأنها تقاوم أعداء الانسان في مدينتي المسالمة , "كم يردلي يردلي سمرة قتلتيني خافي من رب السما وحدي خليتيني , انا رايح لحلب عليش توصيني أوصيك مشط ومغي ومكحلة لعيني مغي = مرآة ..." وكلما اقتربت من مصدر الصوت كان المشهد بهيجا أكثر .. والوجوه تتضح معالمها أكثر , ولكن الغرابة سيطرت على نفسي اللائبة حين رأيت ان المجتمعين هم من أزمان متفاوتة , فهذا الملاعثمان الموصلي يجانبه السري الرفاء الموصلي واسحاق الموصلي وربعي بن الافكل العنزي ومحمد صديق الجليلي وووو آخرون , وهم يحتفون بمدينتهم البهية وكانهم يرقبون الغد بعيون مفتوحة وقلوب مغمسة بالأمل , وهنا تيقنت بأن الموصل عصية بأهلها , قوية بارادتها, غنية بتراثها, لن ترض أن يعيث بها الفاسدون , ويحيلوا حاراتها الى مقابر , فابتسمت رغم مايحدث لأنني أيقنت أن الدمار زائل والموصل باقية , عائدة الى ربيعها وخضرتها وجمال صباحاتها ,, لكن متى ؟؟ هذا هو السؤال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة