الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار الصدري: بين الشعبية والشعبوية

حارث الحسن

2008 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ان تكون حزبا او تيارا شعبيا يعني ان تتمتع بالقدرة على قيادة الجمهور وبقبول الجمهور بقيادتك استنادا الى مصدر من مصادرالشرعية التي لاتتوفر لغيرك ، اما ان تكون حزبا او تيارا شعبويا فيعني ان تترك الجمهور يقودك حتى على حساب ماتمتعت به من صفات منحتك فرصة القيادة . هذه هي مشكلة التيار الصدري كما معظم التيارات الاسلامية الجماهيرية ، مشكلة العجز عن الفصل بين الشعبية والشعبوية ، بين منح الجمهور قيادة تعقلن وتنظم وتبرمج طاقاتهم وبين تسليم القيادة للجمهور بشكل يؤدي الى اللاعقلنة والتفتيت وعدم التنظيم واهدار الطاقة القادرة على الفعل...
لقد توفرت للتيار الصدري شعبية لم تتوفر لغيره فحولها الى شعبوية اضرته بقدر ما افادت غيره. تكمن ازمة التيار الصدري في عدة عوامل ربما كان اهمها فقدانه للهوية السياسية وعجزه عن اقامة خطوط فاصلة واضحة بين الديني والسياسي ، ووقوفه الطويل في المنطقة الرمادية بين المقدس والدنيوي، بين الازلي واليومي ، وبالتالي بين الفاعلية الطقوسية والفاعلية السياسية. تلك المشكلة لاتنفصل عن حقيقة ان التيار الصدري افتقر للقيادة الواعية المجربة فاصبح كقوة هائلة هائمة لاتستطيع التنكر لذاتها كما تعجز عن بلورة هذه الذات ، اصبح تيهانها مشروعا لاستثمار الاخرين في بورصة التناطح السياسي السطحي رغم ان انتظامها كان سيحولها الى مشروع يزيح الاخرين المقتاتين على السياسة بمنطق البورصة والربح السريع. المشكلة اعمق ايضا لان التيار الصدري يحمل هوية طبقية لم يستطع ادراكها مجددا بسبب عجزه عن الفصل بين الديني والاجتماعي والسياسي، وتلك الهوية كانت بحاجة الى ان تبلور وتعقلن وتدمج بالخلفية الثقافية والتاريخية للتيار ، وعندها كان بامكان الصدريين حقا ان ينتجوا تيارا شعبيا يترفع عن الاداء الشعبوي .
ازعم ان محرك الصدريين هو خلفيتهم الاجتماعية – الطبقية ، وتلك كان بامكانها ان تغدو مصدر قوتهم لو عرفوا كيف يصوغونها سياسيا لكن ماسبق ذكره من عوامل تتعلق بغياب الخبرة والوعي اضاعت هذه الفرصة ، حتى الان. ذلك العمق الاجتماعي – الطبقي هو ماميز التيار عن غيره من الاحزاب الاسلامية الشيعية التي اخذت تدريجيا تتحول الى ممثليات هشة للبرجوازية الشيعية الوليدة ، كان بالامكان لبعض الوقت ان يقام تحالف دعوي- صدري يبنى على الاسس التاريخية المشتركة الا ان هذه الامكانية اخذت تتلاشى تحت ضغط البون الفكري والمصلحي بين الطابع النخبوي للدعوة والطابع الشعبي (ثم الشعبوي) للصدريين ، وكذلك نتيجة التباين في فهم الارث التاريخي المشترك بين الاستيعاب الدعوي له على انه ارث فكري ، والاستيعاب الصدري له على انه ارث عائلي ، هو في الحالة الاولى اطار ايديولوجي يوصل مابين المجتمع والسياسة ويقبل مرونة يفرضها التحول في كليهما ، وفي الحالة الثانية هو امتداد سلالي مقدس يعاد انتاجه بسلوكيات طقوسية (الصلاة بالاكفان مثلا) في رمزية دينية-اجتماعية لاتجد لها منفذا للتعريف السياسي . وبالطبع ازمة القيادة لابد وان تفرض نفسها على امكانيات التحالف الموؤود بين سعي النخبة الدعوية مجندة بما تعتقد انه ارثها النضالي ووعيها السياسي الى توجيه التيار ، وسعي الاخير بما يعتقد انه ارث عائلي ذا امتداد ديني غير قابل للمسائلة الى عدم التخلي عن القيادة حتى لو كانت النتيجة تسليم تلك القيادة الى الجمهور. فشلت امكانية التحالف المفترض لان الكثير من الدعويين مارسوا مع الصدريين نفس الفعل السياسي الضيق الناشد الى التوظيف المجرد لقوة التيار في التنافس مع الاخرين بدل الاندماج الهيكلي كمقدمة للعقلنة والقيادة الشعبية ، ولان التيار اغرته قوته "الشعبية" عن ان يدرك حاجته الى نخبوية تجيد توجيه هذه القوة ومنحها الهوية السياسية.
يقوم ارث العائلة الصدرية على الثنائية الفكرية (محمد باقر الصدر) والاجتماعية-السياسية (موسى الصدر) لكنها ثنائية اكتسبت تاثيرها من البعد الديني للعائلة ، ولذلك كان من الطبيعي ان يعجز مقتدى الصدر عن فصل ماهو ديني عن ماهو فكري واجتماعي وكان من الطبيعي ان يعجز انصاره عن ادراك الفصل ومن ثم توظيفه في الفعل السياسي، تم انتاج خلط مفرط بين الديني والسياسي والاجتماعي (جيش المهدي مثلا) فتعمقت ازمة الهوية لدى التيار بدلا من ان تكتسب وضوحا اكبر. كم كان الامر سيغدو مختلفا لو توفرت اللحظة التاريخية على قيادة قادرة على انتاج هوية سياسية – اجتماعية فضائها العمق الفكري لمحمد باقر الصدر (الهوية المتجاوزة لمحلية الطقوس نحو الطرح الكوني الشمولي) والعمق الاجتماعي لموسى الصدر (حركة المحرومين والتمثيل السياسي للطبقات المهمشة ) ، ولكن اللحظة التاريخية حملت معها قصورا عناصره نقاط الضعف المذكورة سابقا سمح بتحول التيار الى ظاهرة شعبوية وبالتالي فوضوية وهائمة ومعرضة لكل اشكال التفكك وعدم الانتظام .
ماكان الصدريون بحاجة اليه ليس الرمز الطقوسي المجرد عن اي بعد اجتماعي وسياسي، بل انهم كانوا بحاجة الى تعزيز هويتهم الاجتماعية –السياسية عبر اخضاع الطقوسي لها وليس العكس ، تلك الهوية وحدها كانت ستؤسس للتيار وضعا لايقبل معه التحول الى ضد لبناء الدولة بل الى مشكل لفضائها اجتماعي، هوية لايصبح معها هدفا لانتهازية الاخرين بل رقما رئيسيا يجبر الاخرين على ان يعيدوا بناء هوياتهم تحت الحاح وجوده. لم يكن التيار بحاجة الى ان يسقط في شرك تاكيد السلطة الدينية فتلك في الحقيقة ليست قضيته ولاحتى مصدر قوته بقدر ماهي منحصرة في تعريف قيادته، لم يكن التيار سيكسب الكثير باجبار طالبات الجامعة على التحجب وبالولوج الى ماهو شخصي في علاقة الفرد بدينه ، فتلك معارك ازاحته عن دوره الاجتماعي من حيث تصور انها تجسيد لهذا الدور، الاكثر من ذلك لم يكن التيار بحاجة الى هوية ميليشيوية تؤسس لفهم ضيق لمعنى السيطرة على الشارع عبر استبدال التاثير والعمق الاجتماعي لهذه السيطرة بالفعل المسلح وماينتجه من نصر متوهم.
غياب الوعي الطبقي لتكوين اساسه الانتماء الطبقي اللاشعوري افقد التيار الصدري فرصة ان يكون فعله السياسي-الاجتماعي مستندا على اطار برامجي واضح ، فحتى النشاطات "الانسانية" التي قامت بها مكاتب التيار وماحملته من ايحاءات تضامنية بين الفقراء والمهمشين تحولت تدريجيا الى تعميق للهوية الميليشيوية لتجير فيما بعد لخدمة امراء الحرب الذين غدت علاقتهم بالتيار كعلاقة اي كوادر قيادية بقواعد اي حزب شمولي اخر، دون ان نغفل جملة العوامل الموضوعية التي اثرت في سلوك هذا التيار وتحوله التدرجي الى الطابع الميليشيوي الشمولي ومن بينها الهجمات الارهابية الوحشية التي استهدفت محيطه الاجتماعي في غياب دولة قادرة على تولي مهمة الحماية . مع ذلك فان العوامل الذاتية المرتبطة بنمط من التثقيف العنفي بعد زمن طويل من التخريب المنهجي الذي قام به البعثيون للبنية الاجتماعية –الثقافية واستهدافهم لعناصر تكوين الذات الفردية الخلاقة في سياساتهم الجذرية نحو عسكرة المجتمع وتغليب القيم الامنية عليه، لعبت دورا اساسيا في سوء فهم التيار لمفهوم الغلبة السياسية-الاجتماعية ، وفي افتقاره لقدرة ادراك العمق الطبقي – الاجتماعي واستيعاب علاقتها بالفعل الطقوسي الديني (صلاة الجمعة مثلا) ، ثم في عجزه عن تجاوز المفاهيم المقولبة والمطلقة حول العلاقة مع "المحتل" الذي وللمفارقة اسهم في تحرير "الصدريين "قبل غيرهم ، تحرير كان من الممكن انضاجه ليغدو حركة اجتماعية – سياسية كاسحة لو كانت الصدفة التاريخية قد تمتعت بسخاء اكبر عبر التزامن مع وجود قيادة تحمل عناصر وعي هويتها فكر عالمي متجاوز للطقوسية الدينية و ثورية معقلنة مدركة للازمة الطبقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد