الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشخصية في تحول .. قراءة في عمرة الدار ل .. هويدا صالح

محمد سمير عبد السلام

2008 / 4 / 2
الادب والفن


تقوم رواية " عمرة الدار " للأديبة هويدا صالح – هيئة قصور الثقافة 2007 – على رصد الساردة للحظة تحول الشخصية ، إلى النموذج الروحي المتخيل ، و الكامن في اللاوعي . هذا النموذج ينتشر ، و يتكرر في النص كمكون إبداعي لنشوء الشخصية في العالم ، و التاريخ ، و النص معا .
إن عوالم الجن ، و أرواح الأولياء و كراماتهم ، و حتمية تعاقب الظوهر في السحر تندمج في فانتازيا النص ، و تصير سياقا افتراضيا تتحقق فيه قوة الفرد المتمردة على واقعه الأول دون انفصال بين العالمين ، فساردة هويدا صالح لا تتمرد على الموروث الروحي الكامن في اللاوعي الجمعي للشخصيات ، و إنما تعيد قراءته وفقا لإمكاناته الإبداعية الخفية ؛ ففيه قوة الطاقة النصية حاضرة ضمن الحدث الواقعي المستعاد ، و كأن الطيف قد تجرد من حتميات الإحلال في نطاقه الثقافي ، و انطلق في النص ، ليحل في الشخصيات ، و يساعدها على اكتمال التحول باتجاه الذات الممتدة المتجاوزة للأنا الواقعي .
تكتشف الساردة وعي الشخصيات عن طريق تنوع التبئير الداخلي ، لتعاين بكارة أحلامهم بقوة المعرفة الروحية ، و تجسدها الأدائي ، و كأنها توحدت بالطيف الفانتازي المؤول لقصص الموروث ، و المتمرد على حتميتها ، و آليتها . إنها تقاوم وعي الشخص بذاته الثقافية المحدودة لتدخله في حالة النشوة ، و الغياب الروحي . هذا الغياب المجرد يجمع دلالات الفرح بالجسد كمدلول أنثوي ، و قداسة الأم ، و أحلام الخصوبة ، و مخاوف القوى الروحية الشريرة ، و معايشة الأولياء ، أو إكمال مسيرتهم . و لكن من خلال استعادة قوة الدافع الأول لولوج المتخيل المتجاوز للشخصي كبديل عن تقديس الشخص المتعين / التاريخي ، فطيفه النصي يحرر الأخيلة ، و الأساطير ، و الحكايات المتواترة عنه .
يرى كارل يونج أن حدس الخلود ينشأ من الذات الدائرية الممتدة في الزمان ، و المكان ، و مصدرها الخافية المتجاوزة للآنية ، و المقابلة للواعية ، و من احتوائها للأخيرة يتشكل الكائن ( راجع – كارل يونج – رمزية التحول – ترجمة نهاد خياطة ) .
تبحث شخصيات هويدا صالح عن هذه القوة المتخيلة الممتدة من خلال حلولها الآني المتجدد المتجاوز للماضي من خلال آثاره .
قد تدل الأرواح غير المحددة التي تحل في الأشياء ، و العناصر الكونية ، و الأماكن و الشخصيات على تقديس خفي للذات الأخرى التي لم تحقق اكتمالها في الشخصية ، و من ثم يغلب عليها الصراخ ، و الخوف ، و نسج أخيلة القوة المدمرة الكامنة في الذات الأخرى الغريبة ، و هنا يتمسك الفرد بوجوده التاريخي ، لكنه يطمح أن يملك قوة الذات التي لا يعرفها . إنه يتمرد على تكوينه و وضعه الثقافي في المجتمع من خلال هذه الغرابة التي تتمتع بقوة حتمية لا تقبل الجدل ؛ فالجدة تخاطب عمرة الدار ، و أولادها في الفرن ، بصورة يقينية تنقل القوة المتخيلة إلى شخصية الجدة نفسها كسر لا يمكن اختراق رمزيته ، و تحل روح رجل قوي اسمه الشيخ محمد في شخصية تحية ؛ إذ يتجلى فيها الانفصام ، و تنازع الوعي ، و اللاوعي في الصراخ ، و الغضب ، لكن لا وعي تحية يتجه أيضا لامتلاك قوة المعرفة التي تنتقل إليها من النموذج الذي يسحق جانب التهميش الأحادي فيها ، و هو الشيخ محمد الذي يوحي إليها ببعض النبوءات مثل إخبارها لعنتر زوجها بأن ما في بطن صباح زوجة عمر أنثى ، و تصدق الساردة نبوءة الشيخ لتؤكد قوة تحية الأخرى ، ففي داخل الساردة رغبة في إنجاز التحول .
لقد تحولت حتمية القوة الغريبة إلى نوع من التحرر ، و قبول الذات الروحية الممتدة بتناقضاتها النصية ، و التاريخية ، و الثقافية . يبدو هذا واضحا في شخصية عبد الرحيم ، فقد حكت فاطمة أن الجنية دخلته حين ضرب قطة سوداء بقدمه ، فكان ذاهلا أغلب الوقت ، و لا يعلم أحد أين يذهب . و لكننا نراه عقب موت الحاج صالح يتحدث بصوت الأخير ، و يرى نورا أسفل قاعة الشيخ على المقدسة ، و تأتي الساردة برمز الخضر الذي يؤكد كارل يونج على تجاوزه للزمنية في اللاوعي الجمعي ؛ لتؤكد الساردة تفوق النفس المتخيلة في دائريتها ، و تناوبها في وعي و لا وعي الشخصيات بصورة محررة من آليات الماضي ، فكل من تحية و الجدة ، و عبد الرحيم قد تطهر من أزمة الصراع مع القوة الغريبة المدمرة ، باتجاه التحقق المتخيل ، فجسد الجدة أكثر نضارة عقب الموت ، و صالح يحل في عبد الرحيم ، و تحية تملك معرفة سرية .
يرى جيمس فريزر أن روح الملك المقدسة قد تهاجر في ورثته ، و عموما فهي تتجسد في الآخر ، فكان البعض يحتشدون حول المحتضر للإمساك بروحه ، أو يسعون لامتلاك بعض لوازمه مثل خصلة شعر ، أو سن تمساح ( راجع – جيمس فريزر – The Golden Bough ) .
هكذا يلتبس صوت عبد الرحيم ، بأبيه الحامل لقداسة الشيخ على ، و غيره من الأصوات التي اكتسبت الامتداد الملكي الطيفي المحرر من الحدود الواقعية . إننا لم نعرف عبد الرحيم إلا من خلال عمليات الحلول الأقرب إلى اللعب ، و الاستبدال و التحول باتجاه قوة غير شخصية تمحو وجوده الشخصي قبل أن يبدأ .
و في مسار شخصية النضر تختلط دلالات التحول ، بقضايا النسوية ، في وعي الساردة ؛ لتؤكد جانب التأمل في المرأة ، و تكسبها قداسة المتخيل كمدلول مضاد للصراعات المولدة عن وضعها الهامشي ، لقد أتي الطيف للنضر البعيد عن هذه العوالم المتخيلة ، في صوت قوي يقول له : إلى متى ؟ فتحول سياقه الواقعي إلى أضواء سماوية تختلط بأصوات ذكر ، و ملائكة بأجنحة خضراء ، ثم يحل طيف الشيخ على مشكلته مع فايزة عقب هجره لها و زواجه من زبيدة ، عن طريق تجسد الشيخ في كيس نقود يرسله صالح لفايزة ، عقب هذا التجسد لم تقع عين النضر على زبيدة .
لقد انقلب تاريخ النضر عن طريق فاعلية الطيف النصي / الشيخ ، أو الصوت . هذه الفاعلية التي صارت تاريخية أدائية ، صارت سياقا كاملا ، و ليست لحظة تحول مفاجئة . و يعكس هذا اقتران التفوق الكامل للطيف المحرر بتجاوز الأزمة النسائية في النص . النضر هنا لم يكن شخصا ، و إنما جزءا من الطاقة التأملية الأنثوية الكونية غير المحددة ، و قد استبدلت تاريخه الذكري برمته .
و تبدو طاقة التأمل كصورة ممتدة في الوعي النسائي في شخصية الصغيرة سلوى التي تسللت عقب نوم الجدة إلى قاعة الشيخ على ، فرأت الحجرة يملؤها ضوء أبيض ، و يتمايل الذاكرون فيها .
و ظلت الصورة تلح عليها ، لا كحقيقة واقعية ، أو روحية حتمية ، لكنها مصدر للتحول يتجاوز فيه الضوء حدود الحجرة ، أو تاريخ سلوى الإنساني ، و إدراكها للعالم ، في اتجاه ذاتها المتخيلة .
إن لحظة التحول المتكررة في عمرة الدار لهويدا صالح هي لحظة نشوء الشخصية في النص و التاريخ ، و هي لحظة غيابها أيضا في الحلم النوراني ، و الكوني ، و الجسدي المناهض لتجسدها المحدود .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با