الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصيرورة الإبداعية للزمن .. قراءة في فوق الحياة قليلا ل .. سيد الوكيل

محمد سمير عبد السلام

2008 / 4 / 8
الادب والفن


في نصه الروائي " فوق الحياة قليلا " يعيد سيد الوكيل إنتاج الزمن الإبداعي الخاص ، وفق منظومة سردية ، و ثقافية جديدة تبدأ من التعالي الفني ، و الإنساني ، و أخيلة الكائن الأعلى ، و تعاين اندماج هذه الأخيلة ببكارة التعرف على العوالم الفنية ، ثم التحليق و الارتفاع فوق الحياة ثم السقوط في الحياة اليومية ، و المعارك الصغيرة ، ثم بروز المقهى الثقافي ، و الحضور النصي للشخصيات ، و غلبة النظرة الإبداعية إلى كل من الأداء اليومي و تأويل الكينونة و العالم كدوال لعالم تتحقق فيه طفرة سلبية متمردة للشخصية ، مع كونه تشبيها يوشك أن يستبدل مفردات الحياة ، و يمتصها في نصيته التي صارت بالفعل واقعا يمكن أن يشكل منه السارد حياة البطل / الكاتب ، أو بعض الشخصيات الواقعية الواردة في النص مثل إبراهيم فهمي ، و نجيب محفوظ و غيرهما .
هل تميز رواية سيد الوكيل تلك النظرة الإبداعية للوجود كمحور لثقافة أخرى تحاول استبدال المشاعر التقليدية السائدة ؟ أم أنها ترصد هذا التوتر بين النظرة الإبداعية للعالم ، و إمكانية السخرية من تعالي المجاز على الواقع ؟
تذهب الوحدات السردية ، و الأفعال في الاتجاهين لتتولد منهما دلالات جديدة تعزز من الحنين إلى النصية ؛ و لكن ما هي النصية هنا ؟
إنها كتابة الواقع في صورة أدائية تكشف عن ألعابه ، و مجازاته بحيث يبرز النص و كأنه واقع جديد يعمل فيه التشبيه بصورة خفية غير معلنة . هذه الصورة تسخر من بكارة التعالي الكلي للذات المبدعة في بداية النص ، فقد اندمجت النصية بالعالم بحيث يمكن تأويل المقهى الثقافي ، و مسار بعض الشخصيات من خلال أخيلة النص و فاعليته الخفية ؛ و لهذا يظل الزمن الخاص للمبدع عند سيد الوكيل متمردا و سلبيا لا يحقق نجاحا في مطارداته . لكن هذه السلبية هي التي تحول الواقع باتجاه التشبيه ، بل تنتصر للتشبيه المكون من المفردات الواقعية نفسها ؛ تلك التي تجرد المطاردة من مدلولها التقليدي باتجاه صيرورة من الدوال تعزز من تواصلية الأداء التخييلي لشخصية المبدع دون أن ترجع كليا إلى هذا الأصل المتعالي ذي التكوين الثابت الذي يكثر الراوي من السخرية منه .
• الواقع و أحاسيس التجاوز :
بين الأحاسيس البشرية ، و ما يتجاوزها من مشاعر فنية فريدة تتشكل شخصية البطل / الشاعر عند سيد الوكيل . هناك إذا رغبة في االخروج ، و التمرد ، و الاستعادة لإرث طفرة الإنسان عند فريدريك نيتشه ، ثم الوصول بهذه الطفرة إلى مستوى الواقع في تداخله مع التشبيه و السيرة الشخصية للبطل .
في كتابه " هذا هو الإنسان " يصف نيتشه نصه هكذا تحدث زرادشت بأنه كتاب للأعالي ، حيث يبدو الواقع الإنساني بكليته فوق مسافة تحتية خيالية ، و تكمن الذات النورانية عنده في بحثها المستمر عن الغريب و المختلف و الاختلاف نفسه في أعلى الجبل بشكل طوعي ( راجع – نيتشه – هذا هو الإنسان – ترجمة على مصباح – دار الجمل بألمانيا ) .
لكي نؤول هذه المسافة التخيلية التي تسير ببطء نحو الواقع في نص سيد الوكيل ، ينبغي أن ننظر للفراغ الذي يسبق هذه الحالة ، في ثرائه بإرث التمرد و البحث عن الواقع البكر وفقا للأخيلة الإبداعية . هذا الواقع سيتغير في لحظات المجاز ، و يسخر منها في الوقت نفسه ، فعندما يدرك البطل الفتاة السمراء مع الشمس و البحر و تذكره بقصيدة لشوقي ، يتغزل فيها وفقا لإيقاع اللحظة فتنبني الحياة الواقعية التقليدية في حدث آخر هو الزواج ، و قد يناهض الحدث الآخر بنيته الأولى ، فراغه الأول من المحتوى ، لكنه تاريخيا نبع من هذا الفراغ الذي دفع بطل كامو لقتل عبثي في جو حار ، و كان هذا المشهد حاضرا كتأويل مجازي متكرر لهذه اللحظة التي تجمع السقوط ، و التعالي فوق الحياة .
إن بطل الرواية متوتر بين تدمير اللحظة ، و الانصياع لإيحاءاتها فهو يدفع فتاة الندوة الأدبية للغريزة ، بينما ينكر مغادرتها للحظة المجازية التي كانت فيها ، و كأن هذه اللحظة تحمل السخرية و السقوط بداخلها ، و لكن الفتاة نبعت من حالة المنتدى الافتراضية الأولى ، و كأن حدث السقوط يلي رغبة التعالي دائما ، و يعزز من السير ببطء نحوها مرة أخرى ، فبصورة غير واعية حول السارد هدى كمال من مجاز المطاردة الجسدية إلى الطرد خارج المجاز – الواقع التقليدي الجنسي معا ، إلى صورة سلبية نصية للمطاردة فقد عادت هدى لموقعها المتعالي بل اتسعت دائرته في صورتها الأخرى القصصية .
إن بطل سيد الوكيل يكشف قاعدة الواقع المجازية النيتشوية ؛ و لا يظل وحيدا ؛ فيندمج بالمكان / مقهى المثقفين ؛ فهو محتوى زمنه الخاص ؛ يقول " المقهى حياة كاملة ، كما رآها نجيب محفوظ ، و ماتها إبراهيم فهمي ، ما كان ينقصه إلا الموت لتكتمل له الحياة " .
في هذه اللحظة من حديث السارد عن المقهى ينقلب الواقع ، و محاكاته ، في اتجاه تداخل التشبيه مع الحقيقي ، و كمونه في نسيجه ، فقد صار زمن القاص المصري إبراهيم فهمي سيرة تشبيهية ، يعيشها البطل . أما ابتسامة محفوظ مع كلود سيمون تنقلب في اتجاه تمثيلي في لا وعي البطل فتصير اللحظة هي هذا النص الذي يطارده الكاتب من بداية النص ، بكل ما فيها من واقع متحول يتجاوز نفسه في الموت و الحياة .
المقهي ينتصر لمساراته النصية الثقافية ، لعالمه الافتراضي الخفي خارج آلية القتل أو الموت السائدة ، إنه بداية تشكل لمجموعة افتراضية تبحث عن الاختلاف ضمن السائد .
يكتب بودريار في التشبيهات و المحاكاة عن فكرة تناظر التشبيه مع الواقع أو استباقه له مما يعزز كمون المحاكاة في الحقيقي ( راجع Baudrillard – Simulacra And Simulation ) .
هكذا انفجرت علامة هدى كمال من محاكاة المطاردة الجسدية ، لتوقف الإشارات الواقعية عن محاكاة المجاز ؛ فيصير الواقعي نفسه / هدى كمال نصا يستلب الفاعل في ذروة خروجه و تحقق الطفرة الإنسانية التي كان يبحث عنها فوق الحياة من قبل .

• سخرية الوحدات السردية :
السارد في رواية فوق الحياة قليلا يرتكز بالدرجة الأولى على التبئير الداخلى للشخصية ، و لكنه يسخر من خيباتها الصغيرة المتعارضة مع بنية التعالي الأولى . السارد يتمرد أيضا على الوظائف التقليدية للشخصية ، يبحث عن خروجه التخيلي خارج هذا البطل الشاعر ، إنه يدمر هذا الملك ليجعل التجاوز أداء لا شخصا من خلال بنية الأنا المنقسمة نفسها .
قد تتجمع الوحدات السردية نحو بنية المطاردة ، و منطقها الدلالي ؛ فقد انبثقت صورة هدى كمال من مطاردة فراش المدرسة لها بسبب تبولها ، مثلما تجمعت صور السكين و روائح اللحم و البول و نزع المشد في لا وعي البطل ، لتظل المطاردة مستلبة في حدث الخروج من تحققها النهائي . هل هي الكتابة التي تقاوم المنطق بالكشف عن أصله الحدسي الأول ؟ هل كانت هدى هي الطفرة ؟
النص ؟ المسار الغائب ؟
تتناثر الوحدات السردية خارج بنية المطاردة كحدث مكتمل باتجاه تفريغ هذا الحدث من زمنيته ، و فاعليته .
• تأويل شخصية الفنان :
رواية فوق الحياة قليلا تقع بصورة تنتج دلالات جديدة ضمن الأعمال الكبرى التي تناولت شخصية الفنان ، و أهمها رواية صورة الفنان في شبابه لجيمس جويس الذي قرأ بدوره حياة ستيفن الفنان وفقا لطيران ديدالوس و سقوطه ، و تمرده على الأفكار السائدة في زمنه الخاص . الجنوح للتمرد عند جويس يتجاوز عقدة الذنب و السائد . و من هذه النقطة في التحليل الإبداعي لزمن المبدع الخاص في تيار الوعي عند جويس يبدأ سيد الوكيل في بناء شاعره من نصية المساحة الفارغة فوق الحياة حتى تكتمل في تكرارها على مقهى المثقفين . كذلك جاء نص عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم ليصف العوالم المتعالية التي كان البطل محسن يعايشها في الموسيقى و بخاصة عند استماعه في باريس لسيمفونية بيتهوفن الخامسة و تذكره لرأي نيتشه فيها بأنها تحوي كل عواطف البشرية السامية . و من التحليق و خوف السقوط تأتي سخرية راوي فوق الحياة قليلا من كل شيء تقليدي في حياة شاعره ، إنه يطارده مثل هدى كمال ليستعيد لحظة نشوئه النصية ، و هي النقطة التي أضافها سيد الوكيل لهذا الإرث الكبير المتناول لشخص الفنان ، حاملة بعدا ثقافيا جديدا للمكان و تحول سيرة التعالي باتجاه وحدات سردية متخيلة و واقعية معا .
محمد سمير عبد السلام – مصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا