الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زواج المسيار الإسرائيلي التركي وعدائهما للعراق والكرد بمباركة أمريكية

خالد يونس خالد

2008 / 4 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


زواج المسيار الإسرائيلي التركي الأمريكي وعدائهم للعراق والكرد
يتصرف النظام التركي كيفما يريد بشكل يجعل تركيا أكثر إنعزالا. ويبدو أن تركيا تريد أن تقوم بممارسات من منطلق القوة كإسرائيل، لكن تركيا تقع في الهاوية في ممارساتها الاستبدادية، كما أن إسرائيل واقعة في مستنقع العدوان. فإسرائيل بحكم قوتها الاقتصادية الكبيرة تحكم إقتصاديات العالم نسبيا، وتنظيمها السياسي والمخابراتي وقوى الضغط الموزعة بشكل منظم في الدول صاحبة القرار تعطيها القوة الكافية لإختيار رؤساء دول، والتأثير على الأحداث العالمية، ومناهضة قرارات الأمم المتحدة، ودورها المأثر على السياسات الأمريكية. لكنها مع ذلك عاجزة في توفير السلام لشعبها لرفضها الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم. ومن هنا نقول أن إسرائيل ليست صديقة لأحد سوى مصالحها. وحلف تركيا العسكري مع إسرائيل هو في خدمة إسرائيل وليس في خدمة تركيا. وتركيا تعجز في حكم نفسها ولذلك لا يمكن مقارنة تركيا بإسرائيل في التأثير على الأحداث على المدى القريب والبعيد. وقد تربح تركيا معركة معينة لكنها تخسر الحرب في النهاية.

تناقضات التركيبة التركية المعقدة وعدائها للعراق والكرد
تعيش تركيا حياة خاصة غريبة عن الأنظمة التي تحكم المنطقة، مما يجعلها تتردد بين العلمانية الاستبدادية والإسلاموية والإنتماء الثنائي الشرق أوسطي - الأوربي، والديمقراطية الشكلية وحكم العسكر الفعلي. الهوية الثقافية غير واضحة، والضعف الثقافي يجعلها تخشى من ظلها، وتخشى من التطورات التي تحدث في المنطقة بغض النظرعن إيجابيات هذه التطورات أو سلبياتها، وعدم قدرتها بالتعامل معها دبلوماسيا وحضاريا.

تعرضت تركيا بفعل هذه التركيبة المعقدة إلى ضغوطات متناقضة من عدة جهات أهمها الولايات المتحدة الأمريكية بالسماح لحوالى 62 ألف جندي أمريكي مع معداتهم بالإنتشار في أراضيها لفتح الجبهة الشمالة بضرب العراق مقابل إمتيازات إقتصادية وسياسية وأمنية. كما تعرضت لضغط فرنسي ألماني برفض الطلب الأمريكي وإتخاذ موقف رفض الحرب، وإغراء تركيا بمساعدتها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوربي وتخفيض ديونها. وتعرضت أيضا لضغط من النظام العراقي المنهار ومنحها النفط مقابل رفض قرار الحرب، بينما وجدت تركيا نفسها قلقة إزاء طموحات الكرد في كردستان العراق بالتمتع بحقوقهم القومية في إطار العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، تحت حجة أن الكرد ينوون تشكيل دولة كردية. وفي الداخل واجه النظام التركي معارضة شعبية قوية بعدم المساهمة في الحرب. كل هذه السيناريوهات اختلطت مع التردد الثقافي السياسي التركي، وصعوبة إتخاذ قرار حاسم، والتحول من قبول هذا القرار ورفض الآخر، والتراجع عن الموقف المتخذ إلى موقف آخر.
تفهم الدول الجارة والأقليمية والأوربية وأمريكا والدول الأخرى بجلاء التردد السياسي التركي تحت مظلة ضعف الهوية الثقافية الاجتماعية التركية. وفي كل الأحوال فإن المال والإمتيازات الاقتصادية قد تتحكم في الموقف بالتفاعل مع التردد الثقافي والخوف من الوعي المتنامي لدى القوميات الأخرى كالكرد والأرمن والآشوريين في كردستان وتركيا، إضافة إلى الخوف من الفكر الديمقراطي وإحتمال تكوين عراق ديمقراطي أو كيان كردي شبه مستقل يثبت بأن الديمقراطية التركية الحالية بحاجة إلى تطور بشكل تصبح ممارسة ديمقراطية بالمفهوم الحضاري وذلك بضرورة الاعتراف بحقوق الشعوب الأخرى المتواجدة في حدود تركيا المصطنعة اليوم. ناهيك عن خوف تركيا من التجربة الديمقراطية العراقية والكردستانية التي أعتبرها شبه ميتة في بغداد وأربيل على السواء.

إن تطور الديمقراطية في المنطقة ستؤثرعلى الدولة التركية ذو تركيبة متعددة القوميات, وثقافات متناقضة ومعادية لبعضها البعض بحكم انعدام الأسس الأساسية للديمقراطية التي تتطلب الاعتراف بحقوق الشعوب والأقليات القومية وحقوق الإنسان.

هناك في الحقيقة والواقع إشكاليات عديدة في الهوية الثقافية التركية وتركيب الدولة التركية المعقدة والتي تتضمن مجموعة كبيرة من التناقضات التي تحكمها، مما تجعلها معرضة للإنهيار أمام العواصف التي تجتاحها في العصر الحديث، وهذا ما يجعل تركيا تخشى من الجميع، وتخاف من الذات مثلما تخاف من الآخر. ومن الصعوبة تحديد جميع هذه التناقضات لكن يمكن حصر أهمها في ثلاث نقاط رئيسية:

أولا: المسرحية التركية في منع الحرب على العراق
الجولة الفاشلة التي قام بها رئيس وزراء تركيا السابق غول (وزير الخارجية حاليا) لبعض الدول العربية وخاصة مصر وسوريا والأردن والسعودية تحت تغطية منع ضربة أمريكية للعراق عام 2003، كانت مسرحية فاشلة. أراد غول أن يناور العرب بدعوة وزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا والأردن ولبنان وإيران للاجتماع في تركيا بحجة التعاون من أجل مخرج للأزمة العراقية. وغول يفهم بأن الأنظمة العربية والشعب العراقي بالأساس يريد تنحية صدام من السلطة بأساليب سلمية، وتحقيق الديمقراطية في العراق، والأمان لدول الجوار. لكن لم يكن هدف تركيا تحقيق ذلك، إنما كان الهدف فهم المواقف العربية بشكل أكثر وضوحا، من أجل إتخاذ الخطوة المناسبة لها. وأراد غول أن يظهر للعرب عجزهم في مواجهة الموقف الدولي، في حين أنه أظهر مدى سوء فهم العقلية التركية للفكر العربي، والإنسانية العربية في الاعتماد على حسن نية دولة مسلمة. وبدى للدول العربية طريقة التفكير التركي، حين تعاملت مع الأحداث، بالتدخل المباشر في شؤون العراق وكردستان العراق بإرسال قوات عسكرية للتدخل في العراق بهدف نهب نفط العراق، والحصول على حصة منها، والتفكير الساذج بالمشاركة في حكم العراق والتدخل في شؤونه، وضرب الشعب الكردي والعمل على نزع أسلحته. وكلها مطالب أبعد ما تكون لدولة كتركيا، تفتقد لأبسط مقومات الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والحضاري.

اللعبة الثانية ضمن نفس المسرحية كانت تصويت البرلمان التركي على مشروع الحكومة التركية بالسماح للقوات الأمريكية باستخدام الأراضي التركية. ظهر التصويت في اللعبة البرلمانية التي لا تمتلك في الواقع أية سلطة، بعدم الحصول على الأغلبية. ولكن من الناحية العملية، قرر مجلس الأمن القومي التركي والعسكر مع الحكومة الإسلاموية بتجميد نتيجة التصويت، ودخل بعض القوات الأمريكة الجبهة الشمالية العراقية عبر تركيا. بل الأنكى من ذلك، مساهمة النظام التركي في المشروع المقرر بدخول القوات التركية أيضا في الأراضي العراقية، بعشرة آلاف جندي، رغم معارضة مجلس الحكم الانتقالي، وبذلت تركيا جهدا كبيرا لأقناع أمريكا والحاكم المدني الأمريكي بريمر آنذاك.

في هذا الوقت قررت حكومة أقليم كردستان العراق، بالتعاون مع المعارضة العراقية برفض دخول الجيش التركي في كردستان من الجبهة الشمالية، وأنه من الممكن حصول اصطدامات بين الكرد والمعارضة العراقية من جهة، والقوات التركية من جهة أخرى. وقد صرح الزعيمان الكرديان البارزاني والطالباني بأن الشعب الكردي سيقاوم الإحتلال التركي إذا ما تدخلت في شؤون كردستان العراق، وأن خطورة النظام التركي ومعاداتها لحرية الشعب العراقي لا تقل عن خطورة النظام الصدامي العراقي. ويبدو أن الكرد استوعبوا المعادلة نسبيا برفضهم الخضوع للاساليب التي إتبعتها تركيا بذر الرماد في الأعين من خلال فتح حدودها بعبور المواد الغذائية لهم. فتركيا كانت تستفيد تجاريا من ذلك، من خلال بيع منتجاتها للكرد والحصول على العملة الصعبة، كما كانت تأخذ نصيب الأسد من مساعدات المنظمات الإنسانية الدولية التي كانت تصل الكرد عبر البوابة التركية.

ثانيا: التخطيط التركي للتدخل في شؤون العراق وإحتلال إقليم كردستان العراق
ترفض تركيا اليوم فكرة الفيدرالية لعراق المستقبل وترفض وجود إقليم كردستان العراق في إطار عراق فيدرالي ديمقراطي تعددي برلماني موحد، وتهدد بضرب الشعب الكردي في الصميم إذا ما تأسست دولة كردية. وتريد التدخل في شؤون العراق بحجة الدفاع عن التركمان، والعمل بتجريد الكرد من سلاحهم مقابل تسليح التركمان وجر المنطقة لحرب أهلية لاتخدم العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم، كما لا تخدم تركيا نفسها. إنها تعمل للقضاء على التجربة الديمقراطية الكردستانية، وحجب الديمقراطية عن الشعب العراقي كله.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل إنسان هو: أين كان النظام التركي حين قال نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز أثناء زيارته لتركيا، بعدم وجود تركمان في العراق؟ كيف يمكن للنظام التركي الدفاع عن حقوق التركمان في الدول الأخرى، في الوقت الذي يشعر التركمان في قبرص مثلا بما لهم من إمتيازات أكثر مما للترك في تركيا، ومع ذلك تتدخل تركيا في شؤون قبرص؟ وكيف يمكن للنظام التركي أن تدافع عن تركمان العراق في الوقت الذي يطالب الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه وأشورييه وكلدانه بعراق ديمقراطي يكون للتركمان حقوقهم كما للعرب والكرد وغيرهم من الأقليات المذكورة؟ وتحت أية ذريعة تتدخل تركيا في شؤون العراق وكردستان العراق بالذات، في الوقت الذي يطالب أغلب الأحزاب التركمانية في كردستان بعدم تدخل تركيا، وخاصة التركمان الشيعة، وهذه الاحزاب تتضامن مع قوى المعارضة العراقية بكل فصائلها وقومياتها لبناء عراق ديمقراطي؟ بل الأهم من كل ذلك، كيف تبرر تركيا تدخلها لحماية تركمان العراق وهي تضطهد جميع القوميات والاقليات القومية الأخرى في تركيا وتحرمها من أبسط حقوقها، وتحكمها بالعلاقات الإستعمارية الداخلية؟

لماذا تخاف تركيا من حق الشعب الكردي في كردستان العراق؟ هل بسبب وجود الشعب الكردي في كردستان الشمالية؟ أليست الحقيقة هي الخوف من الهيمنة الثقافية للشعوب الأخرى على الضعف الثقافي التركي؟ عدم اعتراف تركيا بحقوق الكرد والأرمن والآشوريين وغيرهم في تركيا ودول الجوار تقوي النعرة القومية في ثقافات هذه الشعوب أكثر فأكثر، وتجعل من تركيا هدفا للعنف مما تجعلها تسير على خطى الأمبراطورية العثمانية المنهارة إذا ما عجزت عن مواكبة الحضارة، فتنهار تركيا كما إنهارت الأمبراطورية العثمانية المريضة.
إن التدخل التركي المخطط في شؤون العراق وكردستان العراق بالذات وبتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، يؤدي الى الإضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية في المنطقة. من الصعب لدولة مثل تركيا حماية الأمن في العراق، وهي عاجزة أن تحمي أمنها الداخلي، وتدخل في صراع دموي وعنصري مع الشعب الكردي والشعب الأرمني ولا تفهم لغة الديمقراطية. كيف تستطيع تركيا أن تساعد العراقيين لتحقيق السلام، وثقافتها في الأساس هي ثقافة القتل وهوية الطورانية المستبدة التي لا تستوعب معادلة السلام الأقليمي في المنطقة، ولا تتحدث إلا بلغة التهديد ضد الشعب الكردي الذي يسعى لتحقيق الديمقراطية والسلام؟ أي منطق هذا الذي تفكر به الولايات المتحدة بالسماح لعشرة آلاف من الترك الذين ينتظرون الفريسة، والشعب العراقي بكل فئاته على إستعداد لتحويل البنادق صوب هؤلاء الجنود؟ أليس في الأمر حيلة، تخطط لها الولايات المتحدة لتمييع الوضع العراقي والكردي؟ أليس من العقلانية فسح المجال للكرد في كردستان العراق أنفسهم بحماية مناطقهم والحفاظ على الأمن؟ لماذا يجب تعميق الخلافات وخلق الاضطرابات في العراق تحت ذريعة قوات حفظ الأمن في الوقت الذي يرفضه الشعب العراقي بكل طوائفه، ويرفضه العالم العربي والمؤتمر الإسلامي.

خشية الشعب الكردي من التدخل التركي لها ما يبررها، فلتركيا مطامح في ولاية الموصل العراقية (كردستان العراق)، وهي تحلم وتعمل على إحتلالها وضمها لتركيا الطورانية. وتركيا لا تنوي السلام في العراق إنما إذلال العراق وإحتلاله، ولاسيما إقليم كردستان العراق، إضافة إلى عداء النظام التركي للشعب الكردي تاريخيا وعدوانية العقلية التركية في التعامل مع الأحداث التي قد تؤدي إلى إجهاض المكاسب الديمقراطية التي حققها الشعب الكردي بالتعاون مع العرب والتركمان والآشوريين المساهمين في التجربة الديمقراطية الحالية. حتى أن المهاجرين الكرد الذين هربوا من ظلم نظام صدام حسين عام 1991، بعد ضرب الانتفاضة المباركة بدعم من النظام التركي، والمتواجدين في مخيمات اللاجئين في أراضي كردستان تركيا التي تحكمها الترك، كانوا يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد والقهر، منافيا بذلك كل الاعراف الدولية.

تركيا التي تدعي بأنها ديمقراطية، تريد أن تحجب الديمقراطية عن الشعب العراقي من عرب وكرد وتركمان وآشوريين وكلدان وغيرهم. والسؤال الذي يتبادر للذهن هو هل أن الشعوب المتواجدة في تركيا أحرار حتى تريد تركيا تحرير الآخرين؟
طبعا لا. الكل يعرف، حتى الجهلاء في السياسات الإقليمية والدولية بأن النظام التركي لا تعترف أصلا بالقوميات المتواجدة في تركيا. تركيا تريد إحتلال أجزاء من العراق، وتريد أن يكون هناك عسكري تركي في الدائرة السياسية التي قد تحكم عراق الغد. وفي هذا إتفقت المعارضة العراقية برفض التدخل التركي حتى وإن كان تحت القيادة الأمريكية الموالية لتركيا، وذلك لعجز تركيا في تحديد هويتها الثقافية، وسيكولوجية العسكرة التركية التي تحكم تركيا وشعب تركيا البائس، وتجريدها من أية هوية إلى درجة يعجز الترك في أن يكون له وعي بالتاريخ. فالنظام التركي يخاف من حرية الكرد والأرمن، ويخاف حتى من حرية الترك أنفسهم في المنطقة.

لا يكمن الحل في تركيا بممارسة سياسة التطهير القومي والاضطهاد والظلم والقتل، إنما يكمن بضرورة تحديد الهوية الثقافية التركية، والتعامل مع الثقافات الأخرى في المنطقة والتفاعل معها، على أساس الاعتراف المتبادل والمساواة، وتأسيس دولة تركية ديمقراطية تعددية فدرالية تعم فيها الشعوب التركية والكردية والأرمنية والآشورية كأخوة. وإلى جانب دولة عراقية تتمتع بنفس الصفات الحضارية وعلى أساس حسن الجوار وبناء السلام والاستقرار في المنطقة، وحل القضية الكردية حلا ديمقراطيا عادلا ، حيث التقدم والإزدهار بدلا من الملاحقة والعداء والخوف من الذات ومن الآخر.

ثالثا: قراءة التاريخ واللاوعي التركي بالتاريخ
لا شك أن تركيا تقرأ التاريخ بإمعان، لكن الإشكالية تكمن في اللاوعي التركي بالتاريخ. فالنظام التركي لا يعي ما حل بشاه إيران عندما استيقظ الوعي الاجتماعي لدى الشعوب الإيرانية في ثورتها، فتخلت عنها الولايات المتحدة، رغم وجود أربعين ألف جندي أمريكي في إيران الشاه آنذاك. ومعروف مقولة بريجنسكي مستشار الرئيس الامريكي الأسبق كارتر حين قال بضرورة تبديل العسكر برجال الدين. ووجدت الولايات المتحدة من مصلحتها التخلي عن الشاه عام 1979 مثلما تخلت عن القضية الكردية لصالح إيران عام 1975. وولى الشاه المقبور، وسيندحر كل الذين يعادون حرية الشعوب، فلا يمكن لأية قوة بشرية معاداة حق الشعوب، حين تجد هذه الشعوب ضرورة التعاون مع الأحداث والأطراف الدولية لتحقيق الذات بالنضال الحضاري البعيد عن الإرهاب.

على النظام التركي أن تأخذ العبرة من يوغسلافيا المنهارة، والتي تحولت إلى بضعة دول مستقلة، رغم المساندة الكبيرة التي كانت تحظى من روسيا الإتحادية. وتمكنت الشعوب المتواجدة ضمن يوغسلافيا والتي كانت تحكمها العلاقات الاستعمارية من تحرير ذاتها وأرضها وتشكيل دولها المستقلة.
وعلى النظام التركي أن تأخذ العبرة من صديقه نظام صدام حسين الذي مارس الظلم والاضطهاد بحق الشعب العراقي واستخدم السلاح الكيماوي بحق الكرد في كردستان, وبحق العرب الشيعة في الجنوب، لكن إرادة الشعوب أقوى من الدولار ياسادة. فقد تأخذ تركيا الدولار اليوم كما كان يأخذه شاه إيران وصدام بالأمس.

على تركيا الكمالية الطورانية أن تفكر بالأمبراطورية العثمانية التي كانت تُحكَم من قبل الترك، والتي كانت أكثر تماسكا نسبيا من تركيا اليوم، ولُقبت بالرجل المريض وانهارت أمام ضربات الأحرار من الشعوب الأخرى.

على النظام التركي أن يعي بالتاريخ، ولا يحجب الحرية عن الشعوب المتواجدة في تركيا، ويبني الحضارة حتى تدخل تركيا البيت الأوربي الحر. فكل عاقل يدرك بجلاء بأنه لا يمكن تحقيق العضوية في الإتحاد الأوربي بدون ديمقراطية وحرية لكل الشعوب والأقوام التي تعيش في الدولة العضوة. كما أن الإتحاد الأوربي لا يقبل بدولة تكون عامل شغب وإضطرابات، وأنه لا يمكن حل مثل هذه الأزمات إلا بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

إسرائيل والديماجوجية التركية وخيار الشعب الكردي بالإتحاد مع العراق
اختار الشعب الكردي الإتحاد مع العراق، لأنه من حق الكرد أن يقرر مصيره بنفسه في خياره بالإتحاد الطوعي مع العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد. وهذا الخيار الديمقراطي الطوعي سيكون قوة للعراق على أساس العدالة والمساواة والإحترام المتبادل.

من المضحك، وشر البلية ما يضحك، أن تدعي تركيا بأن تمتع الكرد بحقوقهم ستكون إسرائيل ثانية في المنطقة. فالقيادات الكردية في كردستان العراق لم تطالب بدولة كردية لحد الآن إنما تطالب بعراق ديمقراطي تعددي فدرالي برلماني يتمتع فيه الشعب الكردي بحقوقه المشروعة. وأعتقد أن خيار الطوعي مع العراق الديمقراطي هو الخيار الصحيح للكرد ولكل العراق والمنطقة.

تركيا هي في حلف مع إسرائيل عسكريا، وبوجب هذا الحلف تجد تركيا نفسها ملزمة في مساندة إسرائيل. وعليه فإن إستخدام لغة الخداع في غير محلها، رغم أن المجتمعات الشرق أوسطية لا تجدها غريبة حين تصدر من المسؤولين الترك. فحزب غول الديني العلماني قد منح الولايات المتحدة إمتيازات عسكرية في حربها على الشعب العراقي، والممارسات اليومية وعدسات الصحفيين تلتقط الحقائق التي تؤكد ديماجوجية النظام التركي في خداع شعبه والشعوب المجاورة. كما أن انتقادات رئيس البرلمان التركي ضد تفريغ السفن الأمريكية من معداتها الحربية في ميناء الأسكندرون وتوجهها صوب قواعدها العسكرية المتمركزة أصلا في تركيا تدخل ضمن سياسة تشويه الحقائق. فالعقلية العسكرية التركية تحكمها يهود الدونمة بثياب تركية، والبرلمان التركي لعبة جميلة في مسرحية "الديمقراطية" الاستبدادية على الطريقة التركية.

وفي كل ذلك يتساءل المرء مَن يهدد الأمن العربي والشرق الأوسط؟ إقليم كردستان في إطار الوحدة العراقية، والشعب العراقي المشرد المعرض للقهر والجوع في ظل الإحتلال الأمريكي الأسرائيلي أم تركيا الحليفة لإسرائيل وأمريكا؟ هل القوات العراقية التي تقاوم الإرهاب والاحتلال تنوي إحتلال الأراضي التركية أو القوات التركية بدعم أمريكي إسرائيلي هي التي تخطط لإضعاف العراق وتقسيمه؟

مَن يريد إحتلال أراضي الغير، الترك أم الكرد؟ ومن يعمل على تفريغ القضية الفلسطينية والقضية العراقية، الترك أم العراقيين؟ مَن يتحالف مع إسرائيل في حلف عسكري ثنائي، تركيا أم العراق؟ مَن هو في حلف الناتو، ويشكل ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف، تركيا أم العراق؟ مَن يستخدم الأسلحة الفتاكة ضد الشعوب المقهورة على أمرها في بلدها ياعالم؟ الجواب واضح لكل هذه الأسئلة. مَن؟ تركيا نعم تركيا. وهو القابض على السلطة، وهو الذي يملك القوة في اضطهاد الآخرين. وعليه فإن مقاومة المحتلين أمر مشروع ومقدس. والحرية جزء من قيم الإنسان وشخصيته، ولا يمكن أن تكتمل إنسانية الإنسان في ظل العبودية. والأرض جزء من كرامة الإنسان ورمز لوجودها، إذ لا يمكن كتابة التاريخ بدون جغرافيا، ومَن لم يفهم هذا الأمر من التاريخ فهو غبي لا علاج له.

مهمة العراق عربا وكردا وأقليات مواجهة العداء الخارجي
الحرية للجميع، والشعب العراقي كان مصمما على تنحية صدام حسين ودائرته المستبدة وعزله وملاحقته. والشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته عانى الكثير من القهر والحرمان وهو مصمم في تحقيق الحرية والاستقلال، وعدم الإفراط بشبر واحد من أرضه. فلا ولاية الموصل "إقليم كردستان العراق بكل محافظاتها" إلاّ للعراقيين، كل العراقيين من عرب وكرد وأقليات في عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.
العراق لن يكون لأمريكا.
لا العبودية للشعب العربي والشعب الكردي والأقليات، ولا تبديل حاكم دكتاتور بدكتاتور آخر. كلنا نريد أن نكون أحرارا، ولا نريد أن نعتدي على أحد ونرفض قطعا الإعتداء من أحد. هذا شعب العراق بكل قومياته وأقلياته، حرا أبيا. هذا هو تيار التاريخ الذي يسير إلى أمام، ولا يمكن أن يسير بإتجاه حلزوني إذا توفرت الإرادة الحرة في الحرية والتقدم.
وحدة العراق والديمقراطية والسلم الأهلي ضمان لحقوق العراقيين
هنا ينبغي التأكيد على الديمقراطية السلمية باعتبارها ضمان لحقوق الكرد والأقليات القومية والدينية، وليست الفيدرالية وحدها بمعزل عن الديمقراطية والسلم الأهلي. يؤكد الباحث السياسي ليونس أن ما نسميه السلم الأهلي يتطلب وجود أجندة مشتركة، وأكرر القول أجندة مشتركة لنزع سلاح الأطراف المتحاربة، (وليست أجندة فردية لوقف إطلاق النار)، ليست أجندة فردية كالتي بين الكرد والشيعة في أغلبية برلمانية وعزل القوى الوطنية العراقية كالقوى اليسارية والأقليات الدينية التي أصبحت معزولة عن المعادلة العراقية. الأجندة المشتركة شرط أساسي لبناء دولة المؤسسات المدنية الديمقراطية المترابطة بعضها ببعض، وليست منعزلة ومتصارعة مع بعضها البعض. ويؤكد ليونس أيضا على بناء جسور في إطار ديناميكي داخلي بين الأحزاب. والأهم من كل ذلك تحول السلطة تدريجيا من العسكر إلى المجتمع المدني. (ينظر: خالد يونس خالد، الديمقراطية والفيدرالية والسلم الأهلي في العراق، ورقة عمل قدمها الكاتب إلى مؤتمر دعم الديمقراطية في العراق، لندن، أكتوبر 2006).

من جانب آخر يجب على العراقيين كلهم أن يتخذوا مسؤوليتهم بالحفاظ على المواطنة، الأساس الرئيسي في المساواة والعدالة وحكم القانون للجميع بدون إستثناء وبنفس الشروط في وحدة العراق الديمقراطي أرضا وشعبا. وهنا أؤكد على أن فيدراليات الأقاليم لاتخدم وحدة العراق مستثنيا حالة أقليم كردستان باعتبار أن الكرد اختاروا الإتحاد الطوعي مع العراق، إضافة إلى عوامل تاريخية ولغوية وثقافية وعرقية. ولكن من جانب آخر أود أن أؤكد أنه من الجهالة أن يهدد الكرد، ولا سيما قادتهم بأن لهم خيارات أخرى إذا لم تلب كل ما يطروحه من شروط وأهداف. أقليم كردستان، طبقا للدستور وبعد الخيار الكردي بالإتحاد مع العراق جزء من العراق. وعليه فإن مهمة الكرد الأولى هي الحفاظ على وحدة العراق الديمقراطي الفيدرالي. ويجب على الكرد أن يفهموا المعادلة الأقليمية، أن تركيا تريد أن تسنح الفرصة لإيجاد خلافات بين العرب والكرد والأقليات القومية والدينية العراقية لكي تحقق طموحاتها بضم ولاية الموصل أي أقليم كردستان إلى تركيا. ومن المعروف أن القيادات العراقية، بما فيها القيادات الكردية ضعيفة بكل المقاييس بسبب الفساد المالي والإداري، وممارسات العنف في العراق كله. لايمكن للكرد مقاومة العدوان التركي بسبب الأستياء الكبير للكرد إزاء قاداتهم الذين تركوا أبناء الشعب الفقير دون تهيأة أبسط مستلزمان الحاجيات الأولية الضرورية من ماء وكهرباء ومحروقات، مقابل بناء القصور الفخمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لأنها ملك القيادات، بينما الشعب بائس فقير. وهذه الحقائق تنطبق على القيادة المركزية في بغداد لأنها ليست في حالة أفضل من القيادات الكردستانية.

إذن وحدة جمهورية العراق الديمقراطي ضمان لحماية حقوق الشعب وصيانتها، وعليه فالقاعدة الأساسية هي أنه لايمكن فهم الفيدرالية والديمقراطية والسلم في أقليم كردستان بمعزل عن الفيدرالية والديمقراطية والسلم في العراق إذا أردنا العراق وحدة متماسكة، ودولة إتحادية موحدة. يجب أن لاننظر إلى القضية الكردية أو الشيعية أو السنية أو الأقليات القومية والدينية العراقية الأخرى نظرة انعزالية فردية شوفينية قومجية أو طائفية وكأننا نحجب الغابة وراء أصبع واحد؟
لن تكون هناك فيدرالية ناجعة في العراق وفي أقليم كردستان إذا تجاهل العرب والكرد والأقليات حقائق فسيفساء المجتمع العراقي ككل. هناك إشكالية لدى كثير من الكرد في هذه النقطة، تقابلها إشكالية أكثر ألما عند بعض العرب من الكرد في المستقبل. لانستطيع أن نبني مجتمعا مدنيا بعقلية الخوف من الآخر، فنفترق، ونفتح أبوابنا للأجنبي. المصالح الوطنية يجب أن تكون فوق المصالح القومجية والطائفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في