الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة الفكرة ، فكرة الحقيقة. 6

خالد ساحلي

2008 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا تتحرك إلا و أنت متخيلا حقلك الجديد ، عالمك الجديد ستبدو لك الأمور غير مألوفة وغريبة لأن العالم الحاف بك قاسي جدا بالمادة والمؤامرات ، محاك بنسيج رهيب من الخديعة و الكذب و الافتراء ، قد تواجه كثيرين كالحرباء ، يسحرونك بغواية ، سيجمّلون لك الحقيقة ، ينصحونك بقبولها دون قولها ، سيقدمونها لك بمجانية ، نصائحهم لك أن تسكت عما عرفت ؛ أو على الأقل أن لا تكذب و لا تحمل نفسك عذاب أغوارك ، أن تتخلى عما علمت من الحقيقة، أن تجمح عن قول الذي آمنت به. قله وأرمي بآرائهم قادحهم غير مادحهم في سلة اللامبالاة ، أنبت حيث زرعك الله وعلّمك بحقيقة الفكرة ،الناس لا يعتبرونك حينها كذّابا إنما مخطئا حتى ولو لم يمنحوك العذر ستبقى في نظرهم صاحب شهامة ومرؤة. قد تخسر منافعك و النعم التي يتنعم بها غيرك ، قد تخسر وقتا كان من الممكن أن تبني فيه بيتا و تكون لك زوجة و أولاد ؛ وبعض متطلبات حياتك من سفر و تجوال في أماكن كثيرة من الأرض الرحبة . أعرف هذا فقط حتى لا تخور قواك وإرادتك لا تضعف ، قد تصادفك لحظة من لحظات الضعف تراجع فيها نفسك و تبدأ في الترنح اليمين و الشمال فتتعب لأنك تتضايق حينها بلوم النفس و طلب الدخول مع العامة أو مع الخاصة على حد سواء ، العامة تقبلك ساذجا، تترك ملاحظاتك عن أفعالهم و أقوالهم وتبسط نظراتك ولا تتجاوز ما وراء صورة الحياة التي يحيونها. لن يقبلوك وأنت الناقد لنفاقهم وعبوديتهم. قبولهم لك واحدا منهم تمارس ما يمارسون و ترضى بالانحناء المتواصل.الخاصة أيضا لا تقبلك، لا تابعا و لا متبوعا إنما أنت بمعناك ووعيك منبوذ، أنت ببذرة واحدة لا زالت تسكن فضاء أفكارك مرفوض. قد تسعى للانتماء لصنف تعرف مسبقا أنه لا يقبل التحول إلى فريسة تنهشها الذئاب ولا ريش دجاج يعبث به صغار الثعالب و ابن آوى. هذا الصنف لن يكون ألعوبة المميزين و النجوم من الناجحين الذين يقابلون أزهارك بمناجل التهميش و الإقصاء ، بمقص التقزيم باحثين عن تفصيل يكون فيه ثوبك خليعا فاضحا لا يواري سوءاتك، هؤلاء النجوم لا تنتظر منهم أن يمنحوك أرضا تشتغل فيها على فلاحتك ، لا تنتظر منهم دعما ، هم لن يمنحوك أنابيب لتسقي حرثك و لا لترش نخيل أفكارك و لا لتروي عطش الأزهار التي بدأت التو تنمو في محيط بستانك . أبحث عن صحة ما اعتقدته و ما بدأت تبنيه في ذاتك ، لا تستمع إلا للصوت القادم من أعماقك هو الوحيد قارب النجاة الذي تحتاجه، هو الوحيد مرافقك في كل رحلاتك و مواجهات معاركك الشرسة ، هو صوت الحقيقة لا غير . لا تقبل دروس المنتفعين والمحفوفين بالنعم موفوري الصحة و العافية؛ تنام عنهم أعين السلطان كما أعين الأشرار و اللصوص ، حتى اللصوص أصناف قد تصادف من أخفى الرحمة و العطف و الحنان من قلبه في قلبه، إنما قتل لحمة قلبه النابضة سوى القنوط و المحن التي لا يحس بها أولئك الساكنون المعتلون الصروح النائمون على فراش خيرات حقول الفقراء ، هم لا يشعرون بأنين الأطفال في مساءات الشتاء القارص و لا ببكاء الأمهات الثكالى فى الشوارع وعلى الأرصفة والطرقات يضيع شرفهن في السؤال عن قطعة خبز ، ليذهبْنَ غول الجوع عن أطفالهن . أولئك المتعالون لا يعلمون أن هناك من ينحر غده قربانا لليأس والقنوط. ناديهم إن كانوا يسمعونك ، لا ولن يسمعوك و قد ناداهم من قبلك من هو أقوى منك صوتا و نفسا ، أيها المتعالون في الصروح على الأجساد النحيلة التي هزلت من حمل الفؤوس في الحقول ، أيها المتعالون في القصور والناطحات بعرق العامل المغبّر في المعامل والمصانع الحارق لهيب فرنها ومخابزها جسده المقدس، لقد نضجت جنوب الأحرار لأجل ملائكة الصباح المنتظرين للنور، يطل عليهم من أجفان النهار. الخبّاز صانع الخبز لا ينام لأجل الأطفال المستيقظين باكرا قاصدي المدارس التي لا تلقنهم غير دروس الفرار من الأوطان وحكمة الإبحار في المراكب والزوارق خلسة ، الموت معهم رفيق جميل. المتعالون على المستيقظين باكرا الفاتحين الحقول الزارعين روح الحياة في دولتكم .

لن يسمعوك و لو جعلت من حنجرتك مكبر صوت و بوق استيقاظ. تلك عادتهم قد طبعوا أنفسهم عليها ، تمرنوا على أقنعة الشفقة هم صيادون ماهرون لا يعرفون الشفقة ، حين يقع غزال بري جميل في الشراك سيوجهون إليه كل أسلحتهم لنحره سيصنعون حوله هلالا ، يطوقونه لأجل قتله ، لن يقتلوه لن يريحوه قبل أن يستمتعوا بأنينه و هو يعاني الطعنات القاتلة. أحرص على أن لا تكون ذاك الغزال إنما كن ذاك الدب الذي لا ينهار و لا يغلق عينيه إلا وقد ترك على بياض الثلج آثار أقدامه وكهفا يأوي إليه ما تبقى من نسله ، كهف تخاف دخوله الثعالب. أعرف حقيقة الفكرة تمرّن على خصوصيتها ، جرّب لذتها أطهيها قبل إخراجها من صميمك ، أغتنم ذاك الفضاء المتسع أمامك الذي لا يراه غيرك، أغتنم وقته لتعرف فيه ماهية الحياة قبل أن تفاجئك علامات الموت و الفناء ، إن ذاك الفضاء يمكنك جعله ملعبا للفكرة ، مساحة التكوين لتنمو بطبيعتها دون عقاقير وطاهيات الاستعجال . ذاك الفضاء وحده من يمكـّنك أن تتنفس الحقيقة دون تضييق.

يلزمك معرفة الآخر لتتعرف على الحرمان أكثر، لتشعر بالظلم أكثر، لتكون الضحية وفوق رأسك الجلاد بسوطه يسقيك العذاب، إن التحول عن هذه المشاهد يسقط عنك فكرة طهارة المبدأ و حب الحقيقة و الدفاع عن حقوق الإنسان و قداسة النفس البشرية. كن في أوساط الشعب و لو أذوك، لو الصقوا بك لعناتهم إلى آخر يوم في حياتك إنما الأفكار لا تتقوى إلا إذا لبست المعاناة. نار الشعب مهما كانت حارقة لظاها برد وسلام إنما تحرقك نار السلطان لو اقتربت منها، و السلطان لن يحرقك بناره بل بناره ستحرق نفسك. حاول أن تعرف الحقيقة بصمت وصبر ، الفكرة بدون حقيقتها تتعرى للعيان ، إنما جمالها في بهاء ملبسها، ستكون شجرا وارفا، ظله كثير وثمره أيضا طيب وكثير، إن الشجر رغم حقيقة كونه شجر إن غاب عنه حمله من ثمر وورق غفلت عنه الأعين ؛ سيتركه عابر السبيل ، ستمر القوافل بقربه غير عابئة بشكله و لو بلغ طوله عنان السماء. إنما يكون ملجأ البوم و الغربان والحشرات الآكلات خشبه. قد تراجع نفسك مرات و مرات قبل اكتشاف زوايا أخرى معتمة من الحقيقة ذاتها لأنك ستطرح السؤال على نفسك: ما هي حقيقة الفكرة؟ ماهي فكرة الحقيقة؟ إن الفكرة لؤلؤة تضيء العقل في سماء الليل البهيم للظلم واللامساواة والعنصرية الطاعون، الفكرة تحتاج لنبل فبدون النبل لا يمكن أن تتكون الفكرة إنما يحصل وتكون وحي مكيدة و شر، والحقيقة أن تتكلم في العلن وتحتّج أن تُسمع وتًسمع الآخر ، تعمل على تأكيد المجرد من أجل الخير، إن الإنسان ليطغى صم بكم عمي لا يعقل إلا ما كان في هواه ، الحقيقة يد الفكرة التي توصل الغرض إلى مكانه الحقيقي الذي يجب أن يوضع فيه.ابحث عن الحقيقة الأخرى قبل أن ترمي بحقيقة فكرتك للعيان فإن وجدتها ثابتة على حق تعارض حقائق الآخرين أعلم أنك في طريق سليم يتيح السبل الأخرى لتتحول إلى سبيل واحد لا غير. إنما الروافد تصنع النهر العظيم ورجوع النهر للبحر حتمية، وحمل الرياح من البحر حلقة لنظام رباني بسيط. لما التعقيد في مفاهيم الفكرة والحقيقة لا تعدو على أن تكون واضحة جلية تستحق التضحية، إنها مفهومة للجميع، إنما يصنع لها الآدمي أقنعة، كل واحد على هواه ليضمن بقائه على كاهل الآخر.أبحث عن الحقيقة وضعها تحت اختبار الدين والفلسفة و العقل و السياسة حتى إن أخطأت ألتمس التاريخ لك العذر، حتى و إن كنت على خطأ لن تكون مُضَلِلا و لا كاذبا ففي الوقت الذي تصنع مخابر السياسة ماكياج التجميل يفتتن بسحرها خلق كثير تُشوّه فيه الفكرة النبيلة لتصبح المفسدة . أحرص على أن تلتقي بحقيقة فكرة أخرى تنصهر الواحدة في الأخرى فتكون لك عونا و تكون هي عونا للآخر. فحقيقة الفكرة إنما ينصرها الشركاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا