الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجدد الثقافة الشعبية

محمد سمير عبد السلام

2008 / 6 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


خصصت مجلة الفلسفة الآن Philosophy Now البريطانية في شهري نوفمبر و ديسمبر 2007 - محورا عن طرائق تغير و تجدد الثقافة الشعبية الآن . و تكمن أهمية هذا المحور في محاولة القضاء على الحواجز المعرفية بين التاريخ الحضاري ، و الفكري و العلامات المتجددة ، و المتغيرة للثقافة الشعبية ، بما تحظى به من اهتمام جماعي واسع.
و لا يمكن أن تحيا هذه الوسائط ، و العلامات التي تكدس نفسها في الوعي و اللاوعي الجمعي إلا بالتفاعل مع الإشارات الثقافية ، و الفكرية ، و الفنية للماضي الحضاري ، و قد جاءت المساهمات الفكرية في المجلة لتعبر عن البدايات الحقيقية لهذا التفاعل ، و إمكانية توليد الأسئلة حول الأدوار الجديدة للثقافة الشعبية .
يشير تيم دليني Tim Delaney أستاذ علم الاجتماع إلى مدلول الثقافة الشعبية ؛ إذ ترتبط بالتفاعلات بين الناس في سياق الأنشطة اليومية ؛ مثل أساليب اللباس ، و الأطعمة ، و كيفية استعمال اللغة الدارجة ، و الموسيقى الشعبية ، و الألعاب الرياضية ، و ثقافة الإنترنت ، كما يؤكد التغير السريع في سمات الثقافة الشعبية اليوم نتيجة نمو تقنيات الإعلام مثل الراديو ، و التليفزيون ، و ألعاب الفيديو ، و المحمول .
إن تأكيد دليني على نمو الوسائط ، و من ثم الأنشطة الإنسانية التي ترتبط بها ، يجعلنا نتساءل حول عملية الأداء ، و ما يمكن أن تولده من تأويلات فلسفية معقدة تربط الحدث اليومي بسياق ثقافي و فني آخر ، و من ثم فإن نشوء الوسيط هو بداية لتفاعل معقد بين الرموز الثقافية الإنسانية سواء أكان المجموع على وعي به أم لا .
و ربما يذكرني هذا التفاعل المحتمل ، و تأويلاته المعقدة بتجاوز الفن لفكرة الإطار ، و اختراقه للجاهز و اليومي في أعمال دوشامب ، و غيره و كذلك نمو فن التصوير الفوتوغرافي ، و شيوع كتابة السيرة الذاتية ضمن السرد الروائي في أعمال إبداعية كثيرة في الأدب العالمي و العربي و المصري ، و كتابة الجسد ؛ فهو مادة الأداء الأولى ، و استخدام أدوات الفن التشكيلى و المونتاج السينمائي في الأدب ، و كذلك الإفادة من عوالم الكمبيوتر الافتراضية .
مثل هذه التفاعلات في طريقها للنمو ، و من الصعب أن نتكهن الآن بنتائجها خاصة في عالمنا العربي ، و لكنها بالتأكيد سوف تقضي على ظاهرة اغتراب المثقف ، و التراث الحضاري عن وعي المجموع إذا التأمت الفجوة بين الثقافة العالية ، و الثقافة الشعبية .
و يرصد الكاتب و الباحث ويليام أروين William Irwin تغير اهتمامات المجموع تبعا لتغير الوسيط فيرى أن الفلسفة كانت موضوعا للتقدير الجماعي في الماضي ، و لكن في عالمنا المعاصر اهتم الناس ببرامج الفضاء ، ثم الإنترنت ، و برمجة الحاسوب ، و علوم الفلك ؛ و لهذا يجب يعاد تقديم الموضوع الفلسفي ، و الشخصيات المؤثرة مثل سقراط ، و أرسطو ، و بوذا من خلال الأشكال البسيطة للثقافة الشعبية .
يثير أروين إذا مشكلة تغير الوسيط ، و تأثيره على اهتمام المجموع ، و لكن هذا الوسيط بحكم طبيعته يستوعب كل الاتجاهات المتناقضة ، و يمكن أن يجمع المواد ، و الأفكار المختلفة ، و أعتقد أن غلبة تقديم المواد في صور معلوماتية يؤسس فيما بعد لإعادة التشكيل الفني و الإبداعي لهذه المعلومات المتراكمة على الشبكة الدولية ، و المواقع العربية حتى الآن قليلة في هذا المجال ، لكنها في ازدياد .
و أرى أن قارئ الإنترنت ينبغي أن يتخلى عن مركزية الاستهلاك المتعجل للمعلومة أو النص لكي يتم التفاعل التأويلي المنتج بين المبدع و القارئ و الوسيط .
و يطرح تيم ماديجان Tim Madigan طريقة لتقديم الموضوعات الأدبية ، و التاريخية ، و الفلسفية تجمع بين الثقافة الشعبية ، و الموضوعات الفلسفية المعقدة ؛ و ذلك عن طريق عمل ارتباطات حدسية بين نماذج شعبية ، و أخرى من التاريخ الحضاري ؛ فقد اكتشف أن شخصية المخبر كولامبو في التليفزيون ، تتشابه مع سقراط في مستويين ؛ الأول أن كلا منهما يتعارض مظهره مع طبيعته الداخلية ؛ فكولامبو منكوش الشعر و كثير النسيان ، و زوجته كثيرة النكد مثل سقراط ، بينما يتميزان داخليا بالذكاء ، و البحث عن المعرفة .
أما المستوى الثاني – و هو الأهم – فيتعلق بطرائق الاكتشاف ، و المعرفة ؛ فكولامبو يكتشف التناقضات وراء الأسئلة التافهة ، كذلك كانت أسئلة سقراط بسيطة لكنها تشير إلى خلخلة المسلمات ، و الثوابت .
إن اختلاط التاريخي بالتمثيلي في طريقة ماديجان يوحي ببدايات التحول الفعلى ، و ذوبان الحدود بين الواقع ، و ما وراء الواقع . فالنموذج المتخيل هنا ، و هو كولامبو يبدو قويا ، و قادرا على التناظر مع سقراط في حالة من الانفجار الزمني ، و التداخل الخلاق الذي يمكن أن يولده تفاعل العلامات المعقدة الآن .
و يذكرني هذا التوجه بإبداع رولان بارت الفكري في كتابه " أسطوريات " إذ أول لعبة المصارعة من خلال التراجيديا القديمة ، فالهزيمة ترتبط بالنغمة المأساوية ؛ و لا يخجل البطل في سياقها من آلامه ( راجع – بارت – أسطوريات – ترجمة قاسم المقداد – مركز الإنماء الحضاري ط1 سنة 1996 ص 16 ) .
إن أطياف التراث الحضاري تكتسب قوتها من تجدد الثقافة الشعبية ، و تلك العلامات الملتبسة ، و المتجاوزة لكل الفاهيم القديمة عن الزمن ، و التاريخ ، و العمل الفني ، و الواقع ، و الثقافة .
• الفلسفة الآن :
مجلة فكرية صدرت في بريطانيا منذ 1991 و توزع على نطاق واسع بالإنجليزية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء