الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآثار النقدية للسياسات المالية في العراق

فلاح خلف الربيعي

2008 / 6 / 11
الادارة و الاقتصاد


تستطيع الحكومة أن تؤثر في النشاط الاقتصادي باستخدام أدوات السياسة المالية عبر أجراء تغييرات في الضرائب من ناحية أو في مستويات الأنفاق العام من ناحية ثانية،كما تستطيع الحكومة أن تؤثر في دخول الأفراد باستخدام أدوات السياسة النقدية التي تؤثر على حجم وتكاليف الائتمان وبالتالي تؤثر على قدرة الأفراد والقطاع الخاص على الأنفاق ،وهذا الأمر سيؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مستوى النشاط الاقتصادي ، فضلا عن الدور الذي تلعبه التعليمات والقوانين في تنظم الشؤون الاقتصادية، التي تفرض القيود على الأنشطة غير مرغوبة وتقدم الحوافز والتسهيلات للأنشطة التي تخدم عملية التنمية .
وتظهر الآثار النقدية للسياسات المالية من خلال الأسلوب الذي تستخدمه الحكومة في تمويل العجز في موازنتها ، فوجود العجز سيجبر الحكومة على الاقتراض لتمويل هذا العجز وتعتمد الآثار النقدية على الطريقة التي ستستخدمها في تمويل العجز، فقد تلجأ الحكومة الى الاقتراض من البنك المركزي أو من المصارف التجارية أو قد تلجأ إلى الجمهور والقطاع الخاص غير المصرفي ، ان اختيار الحكومة لاي من هذه الاساليب سيتوقف على درجة استقلالية البنك المركزي .

أولا - إذا كانت سلطة البنك المركزي ضعيفة او تابعة للسياسة المالية ، فهي لا تستطيع رفض طلب الحكومة ، بطلب القروض من البنك المركزي، وإذا اقترضت الحكومة من البنك المركزي وزادت أنفاقها فأن هذه الزيادة في الأنفاق ستؤدي إلى زيادة دخول الأفراد أي أنها ستؤدي إلى خلق نقود عالية القوة وبالتالي تؤدي إلى زيادة ودائع هؤلاء الأفراد لدى المصارف التجارية فيزداد احتياطي المصارف التجارية وتتوسع قدرتها على منح الائتمان وبذلك يزداد عرض النقد ولا تختلف هذه الوسيلة عن وسيلة طبع النقود أو الإصدار النقدي الجديد لأن قروض الحكومة من البنك المركزي هي مجرد قيود دفترية بين مؤسستين حكوميتين ولا يترتب عليها نقل القوة الشرائية من جهة إلى أخرى وباختصار فأن كلا من الوسيلتين تعملان على زيادة عرض النقد من خلال زيادة سيولة الجمهور وسيولة المصارف التجارية .

ثانيا-اذا كانت سلطة البنك المركزي مستقلة وقوية فستلجأ الحكومة الى الاقتراض من مصادر أخرى وهي:-

1-المصارف التجارية :- اذا اقترضت الحكومة من المصارف التجارية لتمويل العجز في ميزانيتها فأن هناك وضعان محتملان :-
أ-الحالة الأولى :- فأما أن يكون لدى المصارف التجارية فائض في الاحتياطي النقدي بشكل تغطي حاجة الحكومة من الأموال ودون أن يؤثر أو يؤدي إلى تقليص القروض الموجهة للقطاع الخاص في هذه الحالة فأن الاستثمار الخاص سوف لن يتأثر بالاقتراض الحكومي ، أما عرض النقد فسوف يزداد نتيجة لحصول توسع في الائتمان البنكي وارتفاع دول الأفراد .
ب-الحالة الثانية :- إذا لم يكن لدى المصارف التجارية فائض في الاحتياطي النقدي فأنها ستلبي طلب الحكومة من القروض بإحدى هاتين الطريقتين
الطريقة الأولى :- هي قيام البنك المركزي بتخفيض متطلبات الاحتياطي النقدي القانوني للمصارف التجارية أو يقوم بتسييل كمية كبيرة من الحوالات المخصومة أو شراء الأوراق التجارية والسندات الحكومية الموجودة لديها وذلك من أجل زيادة حجم الاحتياطي النقدي لدى تلك المصارف وبشكل يسمح لها بزيادة قروضها إلى الحكومة وستؤدي هذه العملية بالتالي إلى زيادة عرض النقد .
الطريقة الثانية هي أن تقوم المصارف التجارية بتقليص حجم قروضها إلى القطاع الخاص والأفراد من أجل توفير السيولة الكافية لتغطية ما تحتاجه الحكومة من قروض أي أن المصارف التجارية في هذه الحالة ستستبدل القروض الخاصة بالقروض العامة وبموجب هذه لطريقة سوف لن يزداد عرض النقد ونتيجة لذلك سترتفع تكلفة القروض الموجة للأفراد والقطاع الخاص .

2 الجمهور أو القطاع الخاص غير المصرفي:- اذا اقترضت الحكومة من الجمهور أو القطاع الخاص غير المصرفي باستخدام السندات الحكومية و حوالات الخزينة ، لن تؤدي هذه العملية إلى زيادة عرض النقد لأنها تقوم فقط بنقل القوة الشرائية من الأفراد إلى الحكومة .

وبقدر تعلق الأمر بالآثار النقدية للسياسات المالية في العراق، فيمكن أن نميز في هذه الناحية بين مرحلتين :-

المرحلة الأولى (1980-2003 )
: تميزت هذه المرحلة بهيمنة إجراءات السياسة المالية على قرارات البنك المركزي في ظل ضعف سلطة البنك المركزي وتبعيته للسياسة المالية، وافتقاره لأي شخصية أو استقلالية. وفي ظل ذيلية السياسة النقدية وتبعيتها الكاملة للسياسة المالية، اعتمدت السياسة المالية على طريقة تنقيد الدين أي الاقتراض المباشر من البنك المركزي،والأداة الائتمانية المستخدمة في ذلك هي طبع النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة،وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم سببته الزيادة المستمرة في معدلات نمو عرض النقد من النقود عالية القوة مقارنة مع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وتفاقم هذا الاتجاه بعد فرض الحصار الاقتصادي خلال الفترة (1990-2003)حيث شهدت هذه الفترة حالة من الانفلات أو عدم الانضباط المالي والنقدي فوصلت معدلات التضخم إلى المستوى الجامح الذي لا يمكن السيطرة عليه باستخدام الأدوات التقليدية للسياسة النقدية والسياسة المالية،ومما زاد الأمور تفاقما أن تلك السياسات قد اقترنت بممارسة الكبح المالي أي بفرض أسعار فائدة إدارية وبمعدلات ثابتة على الإقراض والإيداع،و بعيدا عن التغييرات في معدلات التضخم في الاقتصاد،ومن الطبيعي في هذه الأحوال أن تكون أسعار الفائدة الحقيقية سالبة،وأدت تلك السياسات إلى نشوء ظاهرة هروب الودائع من المصارف وتوظيفها في مجالات غير إنتاجية الأمر الذي عمق من حالة الركود الاقتصادي.

المرحلة الأولى 2004 وما بعدها :-
شهدت هذه الفترة صدور القانون الجديد للبنك المركزي العراقي الذي كرس استقلالية البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية، وكان من أبرز ملامح تلك الاستقلالية قرار البنك المتعلق بالتوقف عن طبع النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة ، ولجأت الحكومة إلى استخدام الأساليب البديلة غير التضخمية وهو التمويل بالدين والأداة الائتمانية المستخدمة في ذلك هي إصدار السندات أو إذونات الخزينة والاستعانة بالبنك المركزي لبيعها إلى المصارف التجارية وسوق الأوراق المالية لتوفير التمويل المطلوب لتغطية عجز الموازنة
وه ما يعرف بالوسائل غير المباشرة للسياسة النقدية، فدخول البنك المركزي كبائع للسندات في السوق النقدية وسوق الأوراق المالية سيضمن توفير السيولة للقطاع المالي والسيطرة على تلك المستويات السائلة ومناسيبها في التصدي للظاهرة التضخمية النقدية. حيث يقيم البنك المركزي كل اسبوعـين مزاداً لحوالات او سـندات الخزينة العامة يسحب بموجبه ( مئة ) مليار دينار،اضافة الى وجود مزاد فصلي يقام كل ثلاثة اشهر يتم بموجبه سحب ( 180) مليار دينار وهو يمثل عملية تسنيد Securitization للديون العامة الداخلية التي بلغت قرابة 5.3 ترليون دينار والتي تعد من مخلفات النظام الاقتصادي السابق في العراق.
ومـدة استحقاق سندات المزاد الاول هي ستة أشهر، في حين ان مـدة استحقاق سندات او حوالات المزاد الثاني هي سنة واحدة، وان هذين المزادين يتكاملان من حيث فترة الاستحقاق مع مزاد حوالات الخزينة(حوالات وزارة المالية) الذي يقام كل اسبوعين ايضا وذلك بفترة استحقاق هي ثلاثة اشهر.وتقع هذه النشاطات الاقراضية جميعها في اطار ما يسمى بعمليات السوق المفتوحة OMO التي بـدأ البنك المركزي العرقي لأول مرة ممارستها في اطار تفعيل ادواته النقدية غير المباشرة في ادارته للسيولة العامة وصولا الى اسعار فائدة توازنية في السوق النقدية ولاسيما الفائدة الطويلة الأجل وهي غاية من غايات استقرار القطاع المالي وتعميق مستويات نضجه التي تصب تأثيراتها في اتجاهات الاسعار ومستواها العام وتوفر في الوقت نفسه حاضنة قوية للاستقرار وتعد لازمة منطقية في نشاط النمو المستدام في البلاد بما يجعل للسياسة النقدية آثار قوية ومؤثرة على مسارات القطاع الحقيقي.

ومن مزايا تلك السياسات،أنها لا تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم لأنها لا تؤدي إلى الزيادة في معدلات نمو عرض النقد من النقود عالية القوة،وهي تعمل فقط على نقل القوة الشرائية من الجمهور إلى الحكومة. ألا أن زيادة الاستدانة باستخدام أسلوب المزاد و كما يحصل حاليا أدى إلى رفع معدلات الفائدة الحقيقية في القطاع البنكي ،خصوصا بعد أن تحرر هذا السعر من إجراءات الكبح المالي بعد قيام البنك المركزي في عام 2004 بتعويم أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض ومنح البنوك التجارية حرية تحديد أسعار الفائدة. غير أن لجوء الحكومة بشكل متزايد إلى التمويل بالدين قد أدى إلى زيادة الضغط على الاستثمار الخاص وهو ما يعرف بالإزاحة خارجا (crowding out ) وقد أدى ذلك الاتجاه إلى رفع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الاقتراض وسيقود في النهاية إلى عزوف القطاع الخاص عن الاستدانة من البنوك التجارية. فدخول الحكومة كمنافس للقطاع الخاص على الموارد المالية المتاحة. قد رفع من مستوى الطلب الكلي على القروض وأدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. وسيؤدي ذلك إلى تخفيض مشتريات المستهلكين وخاصة من السلع المعمرة و السلع الأخرى التي تتطلب الاقتراض من المصارف وبخاصة السلع الحساسة لأسعار الفائدة كالسيارات والعقارات،كما سترتفع تكلفة الفرص البديلة للمشاريع الاستثمارية مما يجبر قطاع الأعمال على تأجيل الإنفاق على تلك المشاريع.وهكذا فان ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي الذي سببه العجز في الموازنة سيضغط أو سيزيح الإنفاق الخاص عموما الإنفاق الاستثماري.هذا فضلا عن الدور الذي تلعبه التوقعات التضخمية التي ترافق العجز في الموازنة العامة ،التي ستدفع المصارف إلى رفع سعر الفائدة على الودائع المتوسطة والطويلة الأجل ، كما حدث مؤخرا.
ويمكن التخفيف من آثار تلك السياسة من خلال ممارسة الشفافية في الإعلان عن مؤشرات السياسة المالية المستقبلية وبخاصة مؤشرات الإنفاق الحكومي ومعدلات الدين العام ومعدلات الضرائب التي سيكون لها اثر ايجابي على بنية الودائع من حيث آجلها الزمني.لأن الضبابية وعدم وضوح تلك المؤشرات سيؤثر سلبا على قدرة قطاع الأعمال على الاقتراض لتمويل استثماراته وبالتالي ستتقلص الفرص أمام القطاع البنكي لتوظيف موارده المالية،كما أن القرارات الصائبة لقطاع الأعمال ستكون بحاجة إلى وجود نظام مالي شفاف يرفع من مستوى ثقة المستثمر ويقنعه بتوجيه استثماراته نحو المجالات التي ستزيد من حجم الطاقات الإنتاجية أو تزيد من فرص التشغيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحد أبرز المباني التاريخية في كوبنهاغن.. اندلاع حريق كبير با


.. تضامنا مع غزة.. متظاهرون يغلقون جسر البوابة الذهبية بسان فرا




.. اندلاع حريق في مبنى البورصة التاريخي في الدنمارك


.. ا?سعار الذهب اليوم الثلاثاء 16 ا?بريل 2024




.. اندلاع حريق في مبنى البورصة التاريخي في كوبنهاغن وانهيار برج