الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبل رفع مستوى التنمية الإنسانية في العالم العربي

فلاح خلف الربيعي

2008 / 6 / 14
المجتمع المدني


أن التحدي الذي يواجه الأنظمة العربية في الوقت الحاضر وفي المستقبل هو كيفية المحافظة على المكاسب التي تحققت في مضمار التنمية الإنسانية ،وإعطاءها صفة الاستدامة.ويتعاظم هذا التحدي في ظل التراجع المستمر لمواقع الدول العربية في مؤشرات التنمية الإنسانية والمؤشرات المتعلقة بقياس الأداء الاقتصادي كمؤشر التنافسية العالمي، والمؤشر الثلاثي المركب لقياس ثروة الأمم للاقتصادات الناهضة ومؤشر الحرية الاقتصادية، ومؤشر الشفافية الدولية، فضلا عن حصولها على مراتب متقدمة في المؤشرات التي تدل على تراجع الأداء الاقتصادي كمؤشر الفساد، والمؤشر المركب للمخاطر القطري. يأتي ذلك في ظل التعثر المستمر لبرامج التنمية الاقتصادية والفشل في تحقيق التنويع الاقتصادي واستمرار الاعتماد على مصدر واحد في الناتج القومي والدخل القومي ، وتراجع النمو الاقتصادي ، والارتفاع في المستمر في معدلات التضخم وضغوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتنفيذ برامج التصحيح الهيكلي . ومن الطبيعي أن تتعاظم المخاطر والتحديات التي تواجه مستقبل التنمية الإنسانية في العالم العربي في ظل هذه الظروف .

أولا :-مفهوم التنمية الإنسانية :-
يهدف مفهوم التنمية الإنسانية إلى تعميق القناعة لدى صناعي القرار حول وجوب التفريق بين التنمية كمشروع متكامل وبين النمو الاقتصادي المعني بزيادة الدخل وتحقيق الفائض الاقتصادي دون التفكير بكيفية توزيعه ، و يركز هذا المفهوم على أن التنمية هي توجه يهدف إلى توفير فرص حياتيه أفضل للناس بتأكيده على ثلاث أهداف رئيسية هي(حياة أطول وأكثر صحة ،تمتع الفرد والمجتمع بالمعرفة المتجددة،إتاحة مستويات معيشية مرتفعة ) ، ولا يمكن تحقيق التنمية الإنسانية ألا في إطار مناخ يضمن الحرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحرية الإبداع والاحترام المتبادل، والامتثال إلى مبادئ حقوق الإنسان . ويتضمن هذا المفهوم الأبعاد آلاتية :-
-تعزيز الخيارات الإنسانية ، فتلك الخيارات حينما تتعزز يكتسب الناس القدرات الإنسانية،على أن تتاح لهم الفرص لاستخدامها ولا تسعى التنمية الإنسانية لزيادة القدرات والفرص فقط, ولكنها تسعى أيضا لضمان التوازن المناسب بينهما, من أجل تحاشي الإحباط الناجم عن فقدان الاتساق بينهما.
-النمو الاقتصادي ليس هدفاً نهائياً للتنمية بل انه مجرد وسيلة لتحقيق التنمية.
-يجب أن يشارك الناس في, في مختلف عمليات صنع القرارات والعمليات التي تشكل حياتهم, فضلا عن تنفيذ القرارات ومراقبتها وتعديلها حينما يكون ذلك ضرورياً من أجل تحسين نتائجها.
من هنا نجد أن مفهوم التنمية الإنسانية مفهوم مركب ينطوي على مجموعة من المكونات والمضامين التي تتداخل وتتفاعل مع جملة من العوامل والمدخلات والسياقات المجتمعة وأهمها: عوامل الإنتاج، والسياسة الاقتصادية والمالية، مقومات التنظيم السياسي ومجالاته، علاقات التركيب المجتمعي بين مختلف شرائحه، مصادر السلطة والثروة ومعايير تملكها وتوزيعها، القيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي، القيم الحافزة للعمل والتنمية والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد .
وبناءا على ما تقدم يتضح أن التنمية الإنسانية ينطوي مفهوم على بعدين أساسين ، يهتم الأول بتنمية قدرات الإنسان وطاقاته البدنية،العقلية والنفسية،الاجتماعية، المهارية و الروحية،في مختلف مراحل الحياة ، اما الثاني فيهتم بتحقيق التواصل والاستدامة في التنمية الإنسانية ،من خلال التأكيد على ضرورة النجاح في استثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج في عملية تنمية القدرات الإنسانية والاهتمام بتطوير الهياكل و البنى المؤسسية التي تساعد على الانتفاع من قدرات الناس المختلفة.

ثانياً:- القواسم المشتركة في التجربة التنموية للدول العربية:-
واجهت الانظمة العربية مهمة تحقيق التنمية بعد تحقيق الاستقلال السياسي ،و بسبب حداثة تجربتها التنموية ، فأن المناهج والخيارات التنموية المستمدة من البيئة المحلية والفكر الاقتصادي العربي المطروحة أمامها ،كانت محدوة أو ضعيفة ،فدفعها هذا الأمر نحو تبني الخيارات التي تطرحها نماذج النمو الاقتصادي الغربية ،التي كانت تركز في تلك الفترة على فكرة تحقيق النمو الاقتصادي بالاعتماد على عنصر إنتاجي عنصر رأس المال فقط ، وتفترض أن العنصر البشري لا يشكل قيدا على عملية التنمية ، لعرضه غير محدود أو كبير المرونة في الدول النامية ،و بذلك ساد الاعتقاد بأن عملية النمو لا تحتاج سوى الى تمويل ضخم من الموارد المالية ، وقد تم هذا التمويل في الدول العربية غير النفطية عن طريق التوسع في المديونية الخارجية ، أما في الدول العربية النفطية فقد تم التمويل من خلال الاعتماد على موارد الريع النفطي ،و أهم ما يميز هذا النمط من النمو أنه لا يستند على قاعدة التواصل الذاتي أو الاستدامة بل انه محكوم بالظروف الخارجية ،وبخاصة بالنسبة للاقتصادات النفطية ، التي توصف بأنها ذات توجه موردي ، لآن المتغير المتحكم في مسار الحركة الاقتصادية في تلك الدول هو المورد النفطي ، الذي يجري تسويقه للأسواق الدولية و استخدام عوائده في تمويل التنمية ، وبالتالي فأن معدل النمو الاقتصادي ومستوى الاستقرار الداخلي والخارجي سيتوقف على مقدار ما تنتجه أو تصدره تلك الدول من النفط الخام الى الأسواق الدولية ، وعلى الرغم من تنوع أنماط التنمية في الدول العربية الى أنها تماثلت في قواسمها المشتركة آلاتية :-
1- احتكار القطاع العام لمجالات الانتاج الصناعي الرئيسية وبخاصة في مجال استخراج وتصفية النفط ،والمرافق والخدمات العامة كإنتاج وتوزيع الكهرباء و الاتصالات و الإذاعة التلفزيون وشركات الطيران.
2- تركيز السياسات الصناعية على تقديم الحوافز لمصانع القطاع العام ، على شكل قروض ميسرة ، أو أراضي صناعية بإيجارات رمزية ، و توفير الطاقة الكهربائية والوقود والمياه بأسعار مدعومة و الإعفاء من الضرائب وفرض سقف من الحماية الجمركية ،حيث ساهمت هذه الحوافز في تشويه نظام الأسعار وكرست حالة الاختلال في الهيكل الإنتاجي لقطاع الصناعة لصالح الأنشطة الاستهلاكية المعوضة عن الاستيراد .
3- التركيز على التوسع في مجال الصناعات الاستهلاكية ،قد أدى الى إهمال الدور الاستراتيجي لصناعة وسائل الإنتاج من مكائن ومعدات ووسائط نقل،فضلا عن إهمال الأنشطة الإنتاجية التقليدية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعات الصغيرة والحرفية.
4-أن وفرة العملات الأجنبية دفعت الدول النفطية الى التغاضي عن الحاجة التنموية الشديدة لترشيد التصرف بعنصر العمل ،و تفضيل السير في الطريق السهل، المتمثل بتبني الأساليب الإنتاجية الكثيفة الرأسمال من خلال استيراد الطاقات إنتاجية الساكنة تكنولوجيا ،وبخاصة من السلع الرأسمالية ،دون مراعاة لاعتبارات الكفاءة الاقتصادية المتعلقة بتحقيق هدف الاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج وبخاصة من عنصر العمل وتقليص معدلات البطالة . وقد ترتب على هذا الاختيار ارتفاع في مستوى التبعية التكنولوجية،نتيجة لغياب دور صناعة وسائل الإنتاج . كما أسفر ذلك الخيار عن محدودية القدرات المحلية في عملية استيعاب تلك التكنولوجيا،فاضطرت تلك الدول الى اعتماد على الخارج في جميع المراحل ابتداء من بناء المشروع الصناعي وأنتهاءا" بتشغيله وتحديثه، و لم يبق سوى مجال ضيق للكوادر المحلية للتصرف، فيما يخص التكييف والتطوير ، الأمر الذي جعل كفاءة تشغيل هذه المشاريع من قبل تلك الكوادر متدنية، وآفاق تحديثها من خلال البحث والتطوير محدودة.
5-ساهم تبني الأساليب الإنتاجية الكثيفة الرأسمال ،كبديل يمكن أن يعوض خلال الزمن القصير والمتوسط عن البديل الأخر الذي يستلزم مدى زمني أطول وهو الاستثمار في راس المال البشري ، الى ارتفاع معدلات البطالة الظاهرة والمقنعة،بسبب محدودية قابلية للأنشطة الصناعية الكثيفة الرأسمال على استيعاب المشتغلين وتوجه المشتغلين نحو العمل في المجالات الخدمية المنخفضة الإنتاجية أو في أنشطة القطاع غير المنظم .
6- أن إهمال البعد التوطني في توزيع الاستثمارات قد أدى الى تمركز الأنشطة الصناعية الجديدة في العواصم والمناطق الحضرية الرئيسية ، وأدى ذلك الى تعميق حالة التفاوت الإقليمي .
7- عدم ظهور تحسن ملحوظ في مؤشرات التنمية الإنسانية وبخاصة في مستويات التعليم والصحة،فضلا عن ارتفاع مستوى البطالة والفقر وأتساع نطاق التهميش الاجتماعي .
8-أن غياب التوافق بين الخطط الاقتصادية والخطط التعليمية،أضعف التوافق بين الشروط المطلوبة في سوق العمل والمؤهلات المعروضة من مخرجات النظام التعليمي، وكانت المحصلة هي تزايد بطالة الخريجين .
9- أن برامج التنمية المطبقة في تلك الدول تميزت بضعف الاستثمار في مجال التنمية الإنسانية وانخفاض معدلات الأنفاق على قطاع التعليم، التدريب ،و الأنفاق على عمليات البحث والتطوير ( R&D ) مقارنة بالاستثمار في المجال المادي،و أدى ذلك الى ضعف دور العنصر البشري في عملية التنمية ،وظهور نقص حاد في المهارات والكفاءات الإدارية والفنية والتنظيمية ، ،وأدى في النهاية الى ضيق الطاقة الاستيعابية للاستثمار ووصوله الى مرحلة تناقص الغلة ، فتراجعت معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير خاصة في مجموعة الدول النفطية بعد منتصف الثمانينات ،و بدا معظم هذه الدول يسجل معدلات نمو سالبة .وبعد أكثر من ثلاثة عقود من عمر التنمية، بدأت ملامح العجز التنموي بالظهور ، و استفحلت حالة التراجع الاقتصادي و ارتفعت حجم المديونية الخارجية وحالة العجز في ميزانية الحكومة وفي ميزان المدفوعات في هذه الدول خلال عقد التسعينات مقارنة بالعقدين السابقين من القرن المنصرم، وأدت كل هذه التطورات الى تراجع ترتيب الدول العربية في مؤشرات التنمية الإنسانية في تقارير التنمية الإنسانية ، تستثنى من ذلك مجموعة الدول الخليجية الصغيرة (الكويت ، البحرين ، قطر ، الإمارات) .

ثالثا : ما العمل لرفع مستوى التنمية الإنسانية في الدول العربية
لرفع مستوى التنمية الإنسانية في الدول العربية يتعين على الأنظمة العربية بذل المزيد من الجهود لتحقيق الإصلاحات في المجالات آلاتية :-

في مجال التنمية الاقتصادية :- ضرورة العمل على تحقيق ما يأتي :-
1 - تنويع هيكل الاقتصاد الوطني لضمان عنصر الاستدامة في عملية التنمية.
2-خلق مصادر جديدة للدخل الوطني تكون بديلة لدخل النفط باعتباره مصدراً غير متجدد وقابل للنفاذ .
3-تحقيق المزيد من العدالة في توزيع الدخول .
4-المحافظة على المستوى المعيشي للمواطن مع العمل على تطويره وتحسينه باستمرار،والعمل على زيادة مستوى دخول الأفراد لتقترب من المستويات العالمية.
5-بناء الهياكل الاقتصادية الارتكازية باعتبارها الأساس لتطوير الاقتصاد الوطني وضمان كفاءته .
6 - تحقيق تنمية مكانية واجتماعية متوازنة لعموم البلاد .
7 - التقييم والمتابعة المستمرة لما تحقق من تقدم في التنمية الإنسانية و بما يتفق مع المعايير والمعدلات الدولية مع مراعاة الخصوصيات الوطنية .
8-ضرورة العمل على ترشيد الإنفاق العسكري
في المجال الاجتماعي:-
1- ضرورة التقدير المتكافئ لمختلف الأنشطة المجتمعية وتكاملها، لأن الإنسان كائن مركب من طاقات مختلفة : بدنية،عقلية، اجتماعية، روحية،وجدانية وتنمية هذه الطاقات يتطلب الوفاء باحتياجاتها البيولوجية والجسمية والمعنوية.وواقع تعليمنا يركز على الإنسان الجزئي عن طريق تلقين وحشو الأذهان بالمعلومات .
2-السيطرة على ظاهرة الارتفاع في معدلات نمو السكان
3-أصلاح الخلل القائم في أوضاع المرأة
4-الاهتمام بمجالات الصحة والقضاء على الإمراض السارية

في مجال التنمية الثقافية :-
ضرورة العمل على بناء ثقافة عربية حديثة وذاتية، قادرة على مواجهة التهديدات الثقافية للعولمة،و يمكن أن تشكل محوراً لعملية التنمية ،على أن تحتل تلك الثقافة موقع القلب المحرك الذي تدور حوله عمليات التنمية الاقتصادية والإنسانية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والإبداعية ،وحتى تكتمل تلك المنظومة ينبغي الحرص على إضافة نظام المعتقدات والقيم والمحافظة على التراث كجزء أساسي يعمل جنب إلى جنب مع باقي عناصر المنظومة ،فعملية التنمية في النهاية هي عملية داخلية ،ينبغي أن تستند على إلى الثقافة الداخلية الخاصة بالبلد وتقاليده وموارده الطبيعية وقيمه السياسية والمرحلة التاريخية لتنميته بمعنى أن المنابع الفكرية لهذه التنمية ،ينبغي أن تكون هي الحضارة العربية الإسلامية، لإبراز الهوية الحضارية العربية ـ الإسلامية وتنميتها والمحافظة عليها. كما أن الوقوف على ارض التراث العربي الاسلامي لا يعني الانغلاق على بقية الحضارات ،بل يعني أساسا التصدي لمشاكل التنمية العربية من خلال منطقها الداخلي الخاص وليس من خلال تبني حلول جاهزة وضعت لمجتمعات غير مجتمعنا ، ولتحقيق ذلك ينبغي العمل على :-
أ-ضرورة العمل على رفع مستوى الاستثمار في رأس المال البشري و بناء المقدرة المعرفية و المهارية و تكثيف برامج التعليم و التدريب و التأهيل للقوي العاملة الوطنية .
ب- تشجيع الإنفاق على البحث والتطوير
ت- الاهتمام بثقافة الأفراد وتشجيعهم على استخدام التقنية المتقدمة في قطاع المعرفة
ث- ضمان حق التعليم للجميع لأنه من حقوق الإنسان الأساسية في الحياة ،وإتاحة الفرصة لكل فرد في تنمية طاقاته من خلال مؤسسات الثقافة والتعليم .
ج- إشاعة الحرية في المؤسسات الثقافية والتعليمية وترسيخ أسس الحوار الديمقراطي،ضماناً لرفع الكفاءة في العمل وتجديده وتطويره.
ح-القضاء على الأمية، لأن الأمية تعتبر عائقاً من عوائق التنمية والتقدم الاجتماعي.
خ- التأكيد على سنوات التعليم الأساسي للجميع والتوسع والتنوع في مؤسسات التعليم الثانوي والجامعي والعالي لمواجهة مطالب سوق العمل .
د- التركيز على مبدأ التعليم المستمر مدى الحياة والإعداد للتعلم الذاتي مما يساعد الإنسان على التكيف مع واقعه حيث يصبح فاعلاً لا مجرد تابع أو مستقبِل فقط .
ذ- ترسيخ المساواة والتقدير لكل فروع المعرفة الإنسانية وخبراتها سواء كان عملا ذهنيا، عمليا، تنظيميا، فنيا، إنتاجيا، تعليميا أو جماليا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت


.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي




.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون