الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزراء شرطة الاعلام العرب... ووأد حرية الإعلام

أكرم عبدالرزاق المشهداني

2008 / 6 / 22
الصحافة والاعلام


وثيقة تقييد البث الفضائي تفتقد الى الشرعية القانونية
إنفض إجتماع وزراء الاعلام العرب في القاهرة دون التوصل الي اتفاق حول مقترح انشاء مفوضية لمراقبة الفضائيات العربية تقدم تقاريرها بصفة منتظمة الي الوزراء للبت فيها واتخاذ الاجراءات اللازمة بحق القنوات المخالفة!، فقد فشل "شرطيو" الاعلام العرب في الخروج بآلية محددة لتنفيذ وثيقة تنظيم البث الفضائي والاذاعي التي أقروها قبل نحو 4 شهور وسط خلافات عربية حول بنودها ومنها تحفظ قطر عليها. ومن التطورات الهامة في الموضوع أنّ دولا عربية اخرى تشجعت في الرفض هي دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وسلطنة عمان وسوريا ولبنان وليبيا. كما ان الشجب الواسع من قبل الاعلاميين العرب ومنظمات حقوق الانسان ادى الى تعزيز جبهة الرفض لهذه الوثيقة.



المعلوم أن وزراء الاعلام العرب إعتمدوا في مؤتمرهم الأستثنائي بالقاهرة فبراير 2008 (نظاما) أطلقوا عليه تسمية (وثيقة) يتضمن أطراً تنظيمية (مُلزمة) للبث والاستقبال الإذاعي والتليفزيوني عبر الفضاء فى المنطقة العربية. ويتضمن النظام الجديد 13 بندا تهدف الى وضع مبادئ تنظيم البث الفضائى وعمل اكثر من 400 محطة تليفزيونية عربية تمتلكها وتديرها حوالي 60 هيئة للبث في الدول العربية. ومن أبرز ماتضمنته بنود هذه الوثيقة (النظام) لزوم الامتناع عن بث ما يعدّ من أشكال (التحريض) على العنف والإرهاب، (وهو كلام عائم وغير محدد وبالتالي يمكن أن يفسر أي كلام أو تصريح أو نشر خبر ما أو رسم أو حتى إيماءة، على أنه تحريض على الأرهاب!!)، وتضمن كذلك الامتناع عن وصف الجرائم بانها تنطوى على البطولة (ويقصد منه أيّ وصفٍ للعمليات الأنتحارية بأنها إستشهادية أو ما شابه!!) ، ومراعاة أسلوب الحوار وآدابه واحترام حق الاخر فى الرد، والامتناع عن كل ما يسيء إلى الرموز الدينية والسياسية وقادة الدول العربية! كما تؤكد الوثيقة ضرورة الالتزام بالموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بـ"التجريح".



وكانت دولة قطر قد تحفظت على الوثيقة عند إعلانها، مطالبة بعرضها على الجهات التشريعية لديها قبل الموافقة عليها، لكن مساعد أمين عام الجامعة العربية لشؤون الأعلام صرح للصحفيين "إن وثيقة البث الإعلامي لا تحتاج للعرض على الجهات التشريعية لأية دولة عربية، إستنادا إلى أنها ليست (معاهدة) ولا تتطلب تصديق البرلمانات عليها".

الجديد في الأمر أنّ وزراء الإعلام العرب في مؤتمرهم الأخير ناقشوا مشروع إنشاء مفوضية عربية لمراقبة الفضائيات العربية كجزء من آلية تنفيذ وثيقة تنظيم البث الفضائي، وبرر وزير الاعلام المصري (صاحب المقترح) ذلك ان هناك ضرورة لإقرار آليه عربية لتنظيم البث المسموع والمرئي الفضائي سواء في شكل مفوضية عربية أو مجلس عربي لتنظيم البث ليكون بمثابة الجهة التنظيمية لهذا القطاع الحيوي. واضاف أن هذه الالية ستتولي التنسيق بين الاجهزة الاعلامية في الدول المختلفة بالاضافة الي التأكد من تطبيق المواثيق والاتفاقيات والقرارات التي تصدر من مجلس وزراء الاعلام العرب. وقد قررت اللجنة الدائمة للإعلام العربي تشكيل فريق عمل من الخبراء المهنيين يضم كافة الأطراف ذات العلاقة في الوطن العربي تكون مهمته اقتراح الآلية المناسبة لتنفيذ وثيقة البث الفضائي علي ان تجتمع في الرياض خلال النصف الثاني من عام 2008. وتصرّ كل من مصر والسعودية والجزائر علي الاسراع بوضع تشريعات جديدة مُحكمة لمراقبة تنظيم البث الفضائي قد تتضمن الغاء تراخيص القنوات الفضائية التي تبث مواد سياسية او دينية مثيرة للجدل.

الوثيقة في الميزان القانوني:

وبعيدا عن المنطق السياسي، وإلتزاما بالمنهج القانوني في الحوار، نقول: إن من الغريب أن تسمى هذه الوثيقة (أو النظام) بأنها ليست إتفاقية!! أو معاهدة!، وأنها لا تتطلب العرض على السلطات التشريعية في الدول العربية، يدفعنا الى الرد على ذلك الحقائق التالية:

1. إن هذا (الصك الدولي أو الأقليمي) الذي إعتمده مجلس وزراء الأعلام العرب تضمن (إلتزامات قانونية) و(جزاءات) لأفعال (موصوفة) جنائياً، تصل عقوباتها إلى حد غلق القناة الفضائية!! فضلا عن الأحالة الى المحاكم بمقتضى قوانين مكافحة الأرهاب وقوانين المطبوعات وربما قوانين الطوارئ!! فكيف يمكن قبول القول انه (مجرد وثيقة شرف)؟ ولا يتضمن قواعد ملزمة؟؟؟

2. إن القول بأن الصك الذي أصدره وزراء الإعلام العرب ليس (إتفاقية)!! كلام مردود عليه، لأن الأتفاقية أو المعاهدة الدولية وفقا لأسس ومبادئ القانون الدولي، هي "إتفاق مكتوب بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي، من شأنه أن يرتب إلتزامات وينشئ حقوق". والأتفاقيات الدولية على أصناف عديدة حسب شكلها وموضوعها وأطرافها وهي إما تعاقدية، أو شارعة Law making treaties، وهذه الوثيقة أو الصك تشرع لإلتزامات وجزاءات تصل للغلق والمصادرة ووقف البث والأحالة للمحاكم وفق قوانين الأرهاب والمطبوعات والنشر، وبالتالي فهي بالتأكيد تحتاج لتصديق الجهات التشريعية في البلدان، ولا يحق لوزراء الأعلام أن يوقعوا نيابة عن السلطات التشريعية في بلدانهم. ولا ندري حين يصدر (قاضي محكمة) قراراً أو أمراً بغلق قناة فضائية هل سيكون بالأستناد الى (ميثاق الشرف)!! أم بناء على قانون داخلي؟ أم على قرار وزراء شرطة الأعلام؟

3. المعلوم قانونياً أن الجهة المختصة بالنظر في إصدار وتشريع القوانين والمعاهدات وفرض الجزاءات في نطاق جامعة الدول العربية هي (مجلس وزراء العدل العرب) وعليه فليس من حق "مجلس وزراء الأعلام العرب" أن يتجاوز على صلاحيات مجلس وزراء العدل العرب، والأخير هو الذي أصدر العديد من الأتفاقيات الملزمة ومشاريع النظم والقوانين الموحدة، سواء بصفة منفردة، أو بالتنسيق مع المجالس الأخرى المعنية (على سبيل المثال: مجلس وزراء الداخلية العرب فيما يتصل بإتفاقية مكافحة الأرهاب وتعديلاتها مؤخرا). ومن أهم المنجزات التي حققها مجلس وزراء العدل العرب إعداد العديد من القوانين العربية النموذجية والاتفاقيات في مجال التعاون القضائي بين الدول العربية من أهمها: القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية، القانون العربي الموحد للتسجيل العقاري، القانون الجنائي العربي الموحد، القانون المدني العربي الموحد، القانون العربي النموذجي للأحداث، القانون العربي الموحد لتنظيم السجون، اتفاقية الرياض للتعاون القضائي العربي، الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 وآلية تنفيذ الاتفاقية وغيرها كثير.

4. إن وثيقة من شأنها الحد من حريات الفضائيات العربية. و تنص على معاقبة كل من "يتناول القادة و الرموز الوطنية و الدينية بالتجريح"، دون أن تحدد لنا ما هو مفهوم "التجريح" وما معنى "التحريض" وكيف يكون "التمجيد" و "الإشادة"؟، وتركتها سائبة عائمة هلامية، ولعلنا نتذكر كيف تم الزج بصحفي في السجن لمجرد أنه تحدث عن "صحة" رئيس البلاد؟ فكيف بمن ينتقد سياسة قائد أي بلد عربي؟ أو (مُعمّم) يروّج للأحتلال الأجنبي ويُكَفّر المقاومة؟



إن من الواضح أن استراتيجية الوثيقة هي محاولة للقضاء على ما تبقى من حرية الصحافة و كسر الأقلام الحرة ووأد للكلمة الشريفة، ولاشك أنها قمة الحرب المعلنة ضد القنوات الاعلامية الحرة، غير الحكومية، ويجري ذلك كله في ظل غياب تعريف قانوني واضح ومتفق عليه لمصطلحات الإرهاب و"المقاومة المشروعة للإحتلال و العنف و الأغراض الإرهابية ، و الهجمات الإرهابية ، ومن ضمنها تلك المتعلقة بحق التعبير خاصة وأنها تشمل شبكة الأنترنيت. ومنذ العام 2001 أدخلت تعديلات مثيرة علي قوانين العقوبات في عدد من الدول العربية لتشديد العقوبات السالبة للحريات والغرامات المالية في جرائم النشر، وانعكس ذلك بمزيد من الضغوط علي الصحفيين وتضييق هامش حرية الراي والتعبير. كما شملت انتهاكات حرية الراي والتعبير الاعتداء علي الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان بسبب إبداء آرائهم.

لا نشك للحظة أن هذه الوثيقة تستهدف القنوات الفضائية الجادة، والبرامج الحوارية السياسية التي تبثها، وتفسح فيها مجالا لاصوات المعارضة، واصحاب الرأي المطالب بالتغيير الديمقراطي، ومحاربة الفساد، وفرض احترام لحقوق الانسان. وهذا ما يفسر بعض الفقرات الواردة فيها المتعلقة بعدم التطرق للزعماء العرب، او بث برامج تؤثر سلبا في التضامن العربي (!!). لقد تناسى هؤلاء أن الزمن يدور للأمام ولا يمكن أن يعود القهقرى إلى الوراء إلى أيام تكميم الأفواه وحكم الناس بالحديد والنار وشرطة النظام، وليعلموا أن التقنيات الهائلة الحديثة تتطور يوما بعد يوم باتت السلاح الأقوى في مواجهة التعسف والأعتداء على الحريات،



كما أن أطرافاً عربية رسمية تصرّ علي الاسراع بوضع تشريعات جديدة محكمة لمراقبة تنظيم البث الفضائي قد تتضمن الغاء تراخيص القنوات الفضائية التي تبث مواد سياسية او دينية مثيرة للجدل. ولاشك أن إيقاف بث قنوات من الأقمار العربية (عربسات السعودية ونايل سات المصرية) أو من مدن الأعلام العربية كـ (دبي مثلا)، سيلحق خسائر إقتصادية هائلة بتلك الأعلاميات، لكن الفضاء اليوم لم يعد حكرا بيد الحاكمين، فالأقمار الصناعية في توسع وتزايد وما يلزم الأقمار العربية لا يلزم غيرها، وأخيرا سمعنا عن وجود نية لدى اطراف خليجية لاطلاق قمر إعلامي فضائي، نتمنى ان يطلق عليه تسمية (قمر الحرية Freedom Sat )، وهي خطوة رائدة ورائعة لحماية حرية الأعلام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست