الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الأسرائيلي (الحلقة الأولى)

محمد الأزرقي

2008 / 6 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يتهم بعض الليبراليين ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة شركات النفط الكبرى بالدخول بكل ثقلها لاستعادة هيمنتها على ثروة العراق النفطية من دون مناقصات، بتواطؤ مع إدارة الرئيس جورج بوش، التي تخوض الآن معركة نوعية في حرب العراق، لكن ليس في الشوارع، بل وراء الأبواب المغلقة من أجل وضع اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد ترسم مستقبل الدورالأمريكي في المنطقة. ويعتبر هؤلاء الليبراليون الأمريكيون أن قرار شركات النفط الأمريكية الكبرى "ايكسون موبيل وشل وشيفرون وتوتال" الدخول بكل ثقلها لاستعادة الهيمنة على ثروة العراق النفطية من دون مناقصات، أمر يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الشعب العراقي. وهذا يؤكد الآن ما قيل من أن سبب غزو العراق الحقيقي واحتلاله هو السيطرة على أكبر احتياطي نفطي في العالم. وخصصت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها ليوم الأحد 22. 6. 2008 للحديث عن "فضيحة باتت رائحتها تزكم الأنوف"، وتهدد بإشعال الشكوك ومشاعر الكراهية وسط الرأي العام العراقي والعربي والأسلامي تجاه الولايات المتحدة. وكشفت الصحيفة أن هذه الشركات الأربع إضافة الى الشركة البريطانية "بريتش بتروليم" دخلت مؤخراً المرحلة النهائية من محادثات ضاغطة مع الحكومة العراقية، ليعود الخماسي رسمياً الى سوق النفط العراقية الذي طرد منها منذ ما يزيد على 36 عاماً عقب تأميم القطاع. ويثير حصول هذه الشركات على عقود الاذعان والأمر المباشر، دون المرور بإجراءات الشفافية المعتادة مثل المناقصات المفتوحة، المزيد من علامات الاستفهام والشكوك حول هذه التعاقدات الجارية الآن في غياب قانون عراقي وطني فاعل للنفط وتوزيع الثروة.

وفيما تتسارع عملية توقيع الأكراد لعقود استغلال النفط في اقليم كردستان العراق، وجدت شركات النفط الأمريكية في ظل سيطرتها ولو في إطار تقديم مشورات فنية لفترة محدودة (لعامين) فرصة كبيرة للحصول وبلا منافسة على عقود طويلة الأجل. وهذا هو الأمر الذي أخرج جريدة مثل نيويورك تايمز عن طورها لتصف افتتاحيتها هذه التعاقدات بأنها ستكون تعاقدات شرعية في حالة واحدة، وهي أن تكون قد أتت في ظل الإعلان عن مناقصات مفتوحة وشفافة. إلا أن الذي يحدث حالياً يثبت العكس تماماً، لاسيما مع فشل البرلمان العراقي في اصدار قانون النفط وتوزيع الثروة وسط جدل عراقي حول ما اذا كان ينبغي السيطرة على صناعة النفط من قبل الحكومة المركزية أو عن طريق الحكومات المحلية في الأقاليم العراقية المختلفة. وجدير بالذكر أن تصاعد الانتقادات لأدارة بوش وللحكومة العراقية على السواء يأتي بسبب هذه الفضيحة، في وقت بات ارتفاع أسعار الوقود هاجساً أساسياً لدى المواطن الأمريكي العادي. إلا ان ذلك الأمر الذي يتزامن مع اقتراب موعد مغادرة بوش وادارته كان يجب حسب منتقديه ألا يتم بهذه الصورة الفجة. ويتهم هؤلاء بوش ونائبه ديك تشيني، ومن ثم ادارته بمحاولته تقديم هدية وداعية للشركات النفطية الكبرى التي تعد مع كبريات شركات السلاح الأمريكية حليفاً أساسياً بواقع المصالح لتوجهات هذه الأدارة منذ وصولها للبيت الأبيض. من جهة أخرى كشفت مصادر أمريكية وعراقية أن الرئيس الأمريكي عقد مؤتمراً عبر الدائرة المغلقة مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بشأن التزام الطرفين استكمال مفاوضات التوصل إلى الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية. وكشفت المصادر أن واشنطن ترفض منح العراق حق الفيتو على أية عملية عسكرية قد تشنها القوات الأمريكية، كما أن عدد القواعد العسكرية التي يريدها الأمريكيون في العراق مايزال مثار خلاف مع العراقيين. بيد أن وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري أكد أن المحادثات ستستمر لأن الموقف الأمريكي يتميز بالمرونة! وقالت المصادر انه في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق فسيعود الأمريكيون إلى مجلس الأمن لتمديد تفويضهم احتلال العراق.

لقد سمعنا من كل هؤلاء عن النفط والاتفاقية، ولكننا لم نسمع عن رأي المرشح الديمقراطي أوباما بصدد هذين الموضوعين. غير اننا سمعنا شكوى من سيدة قالت فيها "كنت قادمة لأعبر عن دعمي ومساندتي له، لكنني شعرت بأن تمييزا عنصريا قد جرى ضدي. والرسالة التي إعتقدت أنه تم إيصالها لنا هي أنهم لا يريدون إسمه (باراك أوباما) أن يقترن بالمسلمين أو المناصرين له منهم." بهذه الكلمات التي نشرت في موقع الجيران بتاريخ 2008.6.20 عبرت المحامية هبة عارف، البالغة من العمر 25 عاما، عن صدمتها وخيبة أملها من المعاملة "المجحفة" التي تلقتها على أيدي القائمين على تنظيم المهرجان الحاشد الذي ظهر فيه باراك أوباما، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، إلى جانب نائب الرئيس السابق آل جور في مدينة ديترويت قبل فترة ليست بعيدة.

صحيفة الديلي تلجراف البريطانية الصادرة بتاريخ 19/6/2008 أفردت مساحة واسعة لتقرير رصدت فيه تفاصيل وأبعاد الحادثة وانعكاساتها على حملة المرشح الديمقراطي الذي وعد الأمريكيين بالتغيير الشامل الذي سيطال الصورة النمطية للسياسة الأميركية. يقول التقرير، الذي كتبه مراسل الصحيفة في واشنطن، تيم شيبمان، إن حملة أوباما قد "أُرغمت" على الاعتذار من امرأتين مسلمتين مُنعتا من الجلوس خلفه (أوباما) في الحشد الجماهيري المذكور. وأضاف التقرير، الذي جاء بعنوان "الطلب إلى المعجبين المسلمين بأوباما التواري عن كاميرات التلفزيون"، إنه تم الطلب إلى امرأتين محجبتين عدم الجلوس ضمن المجال الذي ترصده الكاميرات في الحشد الذي تحدث فيه آل جور وأعلن خلاله للمرة الأولى تأييده ودعمه لأوباما. والتقرير مرفق بصورة كبيرة لسناتور ألينوي وقد ظهرت وراءه صبية شقراء، وفي التعليق نقرأ: "يعتقد خطأ حوالي واحد من أصل كل ثمانية أمريكيين أن أوباما مسلم." ونقل التقرير أيضا عن علي خوصان، وهو طالب حقوق وصديق لهبة، إن أحد المتطوعين في الحملة "شرح لي أنه وبسبب الجو السياسي وما يجري في العالم من حولنا... فليس من الجيد بالنسبة لهبة أن تظهر على شاشة التلفزيون أو أن تقترن صورتها بأوباما." كما نقل التقرير عن امرأة محجبة أخرى قولها إنها أُخبرت بضرورة نزع غطاء رأسها فيما لو رغبت بالجلوس في المقاعد الخاصة وراء المرشح بصورة تتيح لها الظهور أمام عدسات كاميرات التلفزيون والمصورين.

لقد سارع بيل بيرتون، المتحدث باسم حملة أوباما، إلى الأعتذار فقال بشأن الحادثة: "ليست هذه بالطبع سياسة الحملة، فهذا أمر مزعج ويدعو للغضب وهو عكسُ التزام أوباما بتوحيد أميركا، كما أنه لا يعبر عن نوعية الحملة التي نخوض غمارها." وأضاف قائلا: "نحن نعتذر بكل إخلاص عن سلوك هؤلاء المتطوعين." إلا أن المراسل يرى أن الحادثة بمجملها تسلط الضوء، رغم الاعتذار الرسمي الذي قدمه بيرتون، على الدرجة التي توليها الحملة لأهمية البناء التقليدي للصورة السياسية للمرشح الرئاسي، الأمر الذي وعد أوباما نفسه بتحاشيه وتجنبه عندما وعد بإجراء تغيير جوهري في السياسة الأميركية. ولا ينسى المراسل أن يذكرنا بأن أوباما ترعرع خلال سني طفولته الأولى في أندونيسيا، البلد المسلم الكبير، رغم أن الحملة أكدت مرارا تأكيد المرشح الديمقراطي أنه لم يك قط مسلما، بل واظب على التردد على الكنيسة في شيكاغو خلال العشرين سنة الماضية.

وقبل هذه الحادثة بأيام قليلة، وخلال المؤتمر الذي عقدته المنظمة الصهيونية المعروفة أيباك، تناوب ستة من المرشحين وقادة الكونجرس من كلي الحزبين، مكين وأوباما وهيلاري كلنتون ونانسي بولوسي وريد وبيمر، على نفس المنصة ليقدموا فروض الولاء والطاعة لحكومة تل أبيب التي تمثلها المنظمة الصهيونية في العاصمة الأمريكية. وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خطاب المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية باراك أوباما، والذي تحدث فيه عن جعل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، بأنه مؤثر جدا. في نفس الحين أثارت تلك التصريحات غضب الفلسطينيين الذين اعتبروها حائلا دون أي أمل للسلام بالمنطقة. وفي أول رد إسرائيلي على تصريحات أوباما، قال أولمرت "إنه خطاب مؤثر، وكلماته حول القدس مؤثرة جدا"، رافضا التعليق على تصريحات أوباما فيما يتعلق بجعل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، لكنه قال "بالتأكيد إذا انتخب أوباما، سنناقش معه كل القضايا إذا أثارها".

كان أوباما فور إعلان فوزه بثقة الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية، قد حدد خطوط سياسته العريضة في حالة وصوله للبيت الأبيض، جاءت جميعها في خدمة مصالح إسرائيل، ووفقا لرؤية مسؤوليها لأي سلام بالمنطقة. وفي خطابه أمام حشد كبير من مؤيديه، خطا أوباما على خطوات منافسه الجمهوري جون ماكين، بتعهده بالعمل على جعل القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وقال أمام الحشد "أي اتفاق مع الشعب الفلسطيني يتعين أن يحفظ هوية إسرائيل دولة يهودية ذات حدود آمنة معترف بها ويمكن الدفاع عنها وستظل القدس عاصمة لإسرائيل ويتعين أن تظل موحدة". وشدد سيناتور إلينوي على "قدسية" أمن إسرائيل، لكنه أقر بالمقابل بحاجة الفلسطينيين إلى دولة مترابطة وذات تواصل بري، "وهذا سيسمح لهم بالازدهار".

لم يكتف أوباما بهذا الحد من مغازلة إسرائيل وقدم لساستها تعهدات أكثر مما يطلبونه، بل إنه ذهب لحد التعهد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، واعتبر أن هذه الدولة تشكل الخطر الأكبر على إسرائيل، وعلى استقرار منطقة الشرق الأوسط. وفي شأن آخر أيد أوباما إسرائيل على قيامها بتوجيه ضربة لموقع في سوريا قبل عدة أشهر، قالت تل أبيب إنه كان يهدف إلى متابعة السعي السوري وراء سلاح نووي، كما عبر عن تأييده لاستئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل. وفي الأراضي الفلسطينية أثارت تصريحات أوباما انتقادات واسعة، من قبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة. فقد رفضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خاصة بشأن مستقبل مدينة القدس التي قال إنها إحدى نقاط المفاوضات، وأضاف "الكل يعرف تماما أن القدس الشرقية احتلت عام 1967، ولن نقبل دولة دون القدس عاصمة لها، أعتقد أن الأمر واضح". أما كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، فقد اعتبر أن تصريحات أوباما "أغلقت جميع الأبواب المؤدية للسلام"، مؤكدا أنه لن يكون هناك سلام مع إسرائيل، إذا لم تكن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. أما حماس فقد رأت على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري في تصريحات أوباما دليلا على "العداء للعرب والمسلمين والشراكة في العدوان على الفلسطينيين"، مؤكدا أنها تلغي أي أمل في أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

غير أن الكاتب التونسي طارق الكحلاوي كان متفائلا لدرجة بالغة عندما طرح أرائه عن فريق أوباما للسياسة الخارجية. كتب يقول أنه في خضم حملة الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية أوهايو، تحديدا في 25 فبراير/شباط 2008 لاحظ السيناتور باراك أوباما خلال نقاش مغلق مع مجموعة من الناخبين في مدينة كليفلاند أن دعم إسرائيل لا يعني دعم حزب الليكود. ولم يجلب ذلك اهتمام وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية بالقدر الذي جلب به اهتمام الصحف الإسرائيلية. كان ذلك بعد يوم من تصويت غالبية من الأميركيين المقيمين في إسرائيل لمصلحة السيناتور هيلاري كلينتون. وقد بدا ذلك مؤشرا على ميل الناخبين اليهود من الحزب الديمقراطي لكفة هيلاري على حساب أوباما. مشاكل أوباما مع "الصوت اليهودي" رافقته منذ بداية التصويت، خاصة على خلفية علاقته أيام كان نائبا في ولاية شيكاغو بزعيم "أمة الإسلام" لويس فرقان، ثم في خضم الحملة الانتخابية الجارية على وقع شائعات بأن أوباما "مسلم متخف". وكان ذلك كافيا ليخسر أوباما أصوات يهود ولايات فلوريدا ونيويورك ونيوجيرسي وماريلاند بفارق رقمين أمام هيلاري.

لا يبدو أن هذا التأخر سيتقلص خاصة إزاء الأزمة الأخيرة التي تركزت فيها الأنظار على علاقة أوباما بأبيه الروحي في شيكاغو القس جيريميه رايت الذي دأب على انتقاد الممارسات الإسرائيلية على أنها "إرهاب دولة". هذه الأرقام لافتة للانتباه، خاصة أنه منذ أقل من عام لم يكن هناك ما يشير إلى وجود دواع تفرق بين المرشحين أوباما وكلينتون لدى الناخب الأميركي على مستوى رؤاهما في السياسة الخارجية، مما قلص الآمال في تبني أوباما، الذي عارض بوضوح وانتظام الحرب على العراق عكس هيلاري، سياسة خارجية مختلفة بشكل أساسي عن سياسة منافسته الأولى. وقد بدا أن الجميع يتبنى فريقا شابا وضعيف الخبرة في السياسة الخارجية يعمل تحت نصح وإشراف السفير ريتشارد هولبروك الذي يحمل ميراث ما يمكن تسميته بـ"الواقعية التقليدية" في أوساط السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي.

يعترف الكحلاوي أنه لم يكن من الممكن أن نعرف منذ ذلك الوقت المبكر مآل رؤى أي منهما خاصة في ظل نمو تيار جديد داخل الحزب منذ سنة 2004 تبنى تسمية "الواقعيين الجدد" كان يبدو أنه رد فعل على تيار "المحافظين الجدد" الصهيوني اليميني. وبمعزل عن التقلبات المثيرة لأصوات الناخبين فإنه لا يبدو من غير الواقعية في الظرف الراهن، وبعكس هذا الوقت من العام الماضي، أن نتحدث عن فرضية "الرئيس" أوباما خاصة من الناحية الحسابية البحتة حسب استطلاعات الرأي الحالية. ومن ثمة أصبح التساؤل عن ملامح سياسته الخارجية موضوعا بالغ الجدية. كيف تبدو هذه الملامح إذن وفقا للمعطيات الراهنة؟ مع نهاية صيف وبداية خريف 2007 تغير الكثير من المعطيات في الصراع الانتخابي داخل الحزب الديمقراطي. فبعدما كانت هيلاري كلينتون تتفوق بفارق عريض عن أقرب منافسيها باراك أوباما وجون إدواردز بدأت الموازين تتعدل بسرعة، واقترب أوباما بصمت وبقوة في حملته الانتخابية التي اعتمدت على المتطوعين وتبرعات المبالغ الصغيرة، مما ميزه عن كلينتون التي واصلت تقليد الاعتماد على المساهمات المالية القادمة من مساهمين كبار. وهذا الزخم الانتخابي يبدو انه الخلفية التي منحته الثقة للمضي قدما في تشكيل فريقه الخاص للسياسة الخارجية. وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست في تقرير بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2007 معطيات عن تشكل واضح لفريقين مختلفين لدى كلينتون وأوباما. كان توجه هيلاري، مثلما هو متوقع، ضم وجوه عملت تقليديا في إدارة الرئيس كلينتون، وشكلت رموز سياسته الخارجية. وهو ما يشمل على وجه الخصوص مادلين أولبرايت وصامويل بيرغر وريتشارد هولبروك، بالإضافة لوجوه سطع نجمها في السنوات الأخيرة، رغم قدمها في الساحة السياسية، بوصفها محافظة على المدرسة "الواقعية التقليدية". ومن بين هؤلاء كان ليسلي غيلب أبرز الأسماء التي ضمتها قائمة واشنطن بوست.

مقابل ذلك كانت اختيارات أوباما تشير إلى توجهات مختلفة. ورغم أن قائمة فريقه للسياسة الخارجية ضمت وجوها عملت سابقا في إدارة الرئيس كلينتون فإنها كانت من الوجوه التي عُرفت بتصادمها مع سياسات الإدارة آنذاك وسجلت في أوقات لاحقة نزاهة سياسية لافتة. غير أن أكثر ما يلفت الانتباه في قائمة أوباما هو اختياره مستشاره الرئيسي في السياسة الخارجية زبغنيو بريجنسكي الذي برز في السنوات الأخيرة كصوت بالغ الحيوية، بالرغم من أنه وجه تقليدي في أوساط خبراء السياسة الخارجية في واشنطن منذ كان "مستشار الأمن القومي" للرئيس جيمي كارتر. ومعروف عن بريجنسكي توجهه مع الرئيس كارتر أكثر فأكثر نحو صف "الواقعيين الجدد" الذي ينادي بإعادة تقييم العلاقات الأميركية الإسرائيلية والدفع في اتجاه حسم الملف الفلسطيني على قاعدة الضغط على إسرائيل مقابل فتح قنوات الحوار المباشر مع الأطراف الفلسطينية التي تشغل صدارة قائمة وزارة الخارجية الأميركية "السوداء" خاصة حركة حماس. بريجنسكي برز أيضا مدافعا عن سياسة الحوار والتفاوض المباشر مع إيران وسوريا وبقية حلفائهما في المنطقة بما في ذلك "حزب الله". ورغم تأخر علاقة أوباما المباشرة مع بريجنسكي حتى خريف 2007 فإنه لا تكمن المفاجأة بها من حيث مضمون أفكار كليهما، إذ يبدو العنوان الرئيسي الذي رافق حملة أوباما في ملف السياسة الخارجية أي "ضرورة التفاوض مع الأعداء لا الأصدقاء" صدى مباشرا لمقولات بريجنسكي.
كما أن قائمة أوباما ضمت أسماء أخرى لا تقل أهمية رغم صيتها غير الذائع، مما جعل بعض التحاليل المعمقة التي قدمتها أصوات مؤثرة لدى "الناخب اليهودي" خلال الأشهر التي تلت خريف 2007، تصل إلى استنتاج مفاده أن نوايا أوباما الخارجية تمثل انقلابا على العلاقة التقليدية التي ستربط الولايات المتحدة بإسرائيل. كتبت أوساط مقربة من تيار المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي على السواء سلسلة من المقالات حول تقييم السياسة الخارجية المتوقعة من قبل فريق أوباما. ومن أهم هذه المقالات التي أشار اليها الكحلاوي تلك التي حررها إيد لاسكي محرر الشؤون السياسية لنشرية "أميركان ثينكر". أولها مقال مبكر بعنوان "باراك أوباما وإسرائيل" يرجع إلى 22 مارس/آذار 2007، وعرض فيه المؤشرات التي يجب حسب رأيه أن تجعل "المدافعين عن التحالف الأميركي الإسرائيلي يتوقفون للتأمل"، وتركزت ملاحظات لاسكي حول علاقات أوباما خاصة في مقر إقامته بمدينة شيكاغو وليس على مواقفه المعلنة. وهكذا أشار لاسكي من بين المعلقين الأول إلى مواقف "المرشد الروحي" لأوباما القس جيريميه رايت، وكذلك إلى "أصدقاء أوباما المعادين لإسرائيل" في شيكاغو مثل الناشط علي أبو نعيمة.

وقدم لاسكي في هذا الإطار سلسلة من التأويلات بناء على حضور أوباما وزوجته محاضرة في شيكاغو للفقيد إدوارد سعيد والتقاط صورة مشتركة لهما معه. لكن بقية ملاحظات لاسكي حول مواقف أوباما المعلنة كانت في اتجاه المزايدة من خلال التشكيك غير المبرر في آرائه التي تدعم بشكل واضح "الحلف الأميركي الإسرائيلي"، بما في ذلك ما جاء في خطاب له أمام "اللوبي الإسرائيلي" ممثلا في منظمة "إيباك". لهذا كان مفهوما لماذا مرت انتقادات لاسكي في صمت آنذاك. يتابع الكحلاوي المسألة بالقول أن لاسكي راجع مقاله الصادر في ربيع 2007 في سلسلة من المقالات الجديدة في الأشهر الأخيرة، 16 يناير/كانون الثاني و19 فبراير/شباط في نفس النشرية. كما كتب في نفس الاتجاه نوح بولاك في النشرية الأهم للمحافظين الجدد "كومنتاري" في نفس الفترة تقريبا 26 يناير/كانون الثاني 2008، فيما يبدو أنه حملة متوازية مع انطلاق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. ومن الواضح أن من أهم العوامل التي جعلت تحاليل لاسكي المبكرة ذات قيمة في شتاء 2008 قائمة فريق السياسة الخارجية لأوباما المعلنة في خريف 2007 والتي يبدو أنها دفعت الأطراف المؤثرة على "الصوت اليهودي" لحسم موقفها بشكل نهائي نحو مناصبة أوباما العداء.

وهكذا بالإضافة إلى بريجنسكي كان من بين الأسماء التي "تدفع إلى الريبة" و"الخوف"، حسب لاسكي وبولاك، سوزان رايس التي سبق أن عملت مستشارة لدى المرشح السابق للانتخابات الرئاسية جون كيري، والتي تعرضت لانتقادات عنيفة من قبل أنصار "الحلف الأميركي الإسرائيلي" لمجرد أنها اقترحت تنصيب كل من جيمس بيكر وجيمي كارتر وسيطين أميركيين مكلفين بالإشراف على المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وتم وصفهما حينذاك بأنهما "أشرس أعداء إسرائيل". من بين الأسماء الأخرى روبرت مالي كبير المحللين حاليا في مجموعة "الأزمات الدولية" والمستشار السابق للرئيس كلينتون، الذي تميز برواية مغايرة للمفاوضات بين عرفات وباراك تحمل الطرف الإسرائيلي مسؤولية فشل المفاوضات في آخر عهد الرئيس كلينتون، وهو يُصنف من قبل لاسكي وبولاك طبعا على أنه "عدو" لإسرائيل.

يتم التركيز كذلك، خاصة من قبل بولاك، على اسم آخر أساسي من فريق أوباما هو سامنثا باور الأكاديمية المختصة في حقوق الإنسان من جامعة هارفارد. وهي التي دافعت بحماسة عن وجهات نظر زميليها في جامعتي هارفارد وشيكاغو ميرشايمر ووالت التي تدعو إلى مراجعة العلاقات الأميركية الإسرائيلية من خلال التوقف عن خدمة مصالح "اللوبي الإسرائيلي" في تقرير السياسة الخارجية الأميركية، وهو الأمر الذي يشكل حجر الزاوية في رؤى تيار "الواقعيين الجدد". ومع أن سامنثا باور قد اضطرت لتقديم استقالتها اثر مقابلة مع الي بي سي، فإن النفوذ القوي الذي يتمتع به تيار "الواقعيين الجدد" في فريق أوباما مسألة لم تعد غامضة. وهو مؤشر قوي على تعاظم نفوذ هذا التيار في أوساط السياسة الخارجية الأميركية في رد فعل واضح على فشل سياسات "المحافظين الجدد". ومن هذه الزاوية من الطبيعي صدور رد فعل عنيف من قبل أوساط "اللوبي الإسرائيلي" المناصر بشكل قوي لصف "المحافظين الجدد" في السنوات الأخيرة، مثلما كان الحال في موازين السياسة الداخلية الإسرائيلية حين أصبح الصراع بين أطراف "متطرفة" وأخرى "أكثر تطرفا". وأصبح موقف "اللوبي الإسرائيلي" في الولايات المتحدة المزايد حتى على بعض المواقف الإسرائيلية بارزا للعيان منذ أواسط التسعينيات، مما يصدم حتى بعض الأطراف الإسرائيلية، كما يستنتج من تحاليل صحف مثل هآرتس. وفي هذا الإطار تحديدا يجب وضع الاتهام الموجه لأوباما من خلال اتهام مستشاريه بأنه "معاد" لإسرائيل، إذ يبدو ذلك مفهوما عندما يصدر من محللين مقربين من "المحافظين الجدد" مثل لاسكي وبولاك.

من الطبيعي انه من المبالغة وصف تيار "الواقعيين الجدد" بمعاداة إسرائيل، إذ يوجد كثير من البنى الاقتصادية والسياسية التي تمنع توجهات مماثلة من بلوغ أي نفوذ سياسي في الظروف الراهنة للولايات المتحدة. وقد أظهر أوباما من الذكاء والفطنة ما يشير إلى أنه يعرف جيدا كيف لا يتعدى "الخطوط الحمر" وكيف يحقق التوازنات المطلوبة، لكن من الصحيح أيضا أنه خلف الشعارات المطمئنة بـ"دعم إسرائيل" تبدو "الواقعية الجديدة" في حال مراجعة جدية للدعم التقليدي وغير المشروط للسياسات الإسرائيلية. ويختتم طارق الكحلاوي مقالته بأن هذا، بدون شك، أمر يستدعي الانتباه.

(للمقال بقية)











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا