الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يصلح الجدل الاخلاقي لفهم الاتفاقية الامنية : ملاحظات على اراء السيدين صائب خليل وعبد الخالق حسين

حارث الحسن

2008 / 6 / 30
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


بداية اود القول انني سبق وان تعرفت على السيدين صائب خليل وعبد الخالق حسين في مناسبتين محدودتين لكنهما كافيتين لجعلي ادرك ان الرجلين يسعيان وينشدان مصلحة بلدهما بشكل اخلاقي وان عبر تفسيرات متباينة للمنطلق الاخلاقي في مقاربة الامور. عرفت السيد صائب خليل عبر رساتين تبادلناهما في البريد الالكتوني خضنا فيهما نقاشا مقتضبا حول احدى مقالاتي السابقة ،والسيد عبد الخالق حسين عبر لقاء يتيم جمعنا في قناة الحرة في العام الماضي. المهم ان كلا الرجلين اجتهدا في التعاطي مع قضة الاتفاقية الامنية من منظور فهمها للمبرر الاخلاقي الذي يبرر دعم الاتفاقية لدى السيد حسين ورفضها لدى السيد صائب. كلا الرجلان اصابا بقدر مااخطئا وهكذا هو حال اي محاججة اخلاقية ، فهذا النوع من المحاججات يقوده الشطط الايديولوجي نحو فضاءات اوسع من اطار الموضوع ، فتتوسل المطلق الاخلاقي للتعاطي مع النسبي السياسي ، فتنتهي المحاججة بمداعبة من يمتلكون رؤية ايديولوجية مشابهة واثارة سخط من يمتلكون رؤية مضادة ، لننتهي الى نفس النقطة التي بدانا بها ، وهي ان كلا منا يقبل او يرفض لانه سجين اطاره الايديولوجي الذي يملي عليه معايير الصواب والخطأ كطريقة وحيدة لفهم لعالم والاشياء من حولنا .
ان محاججتي لن تكون رفضا او قبولا لمشروع الاتفاقية بل اضاءة لحقيقة ان النقاش بذاته ينطوي على مخادعة مفادها ان هناك جدوائية عالية فيه لانتاج راي ضاغط سلبا او ايجابا او لتسجيل موقف للتاريخ ، وفي الحقيقة ان الراي الضاغط الذي سرعان مايواجه نفيه براي مضاد يعيد التوازن الى نفس اللحظة التاريخية السياسية الاسرة للحدث ، الذي هو في الاصل ليس حدثا بقدر ماهو اختلاق لما يراد له ان يكون كذلك . لو لم تتحدث الحكومة العراقية والولايات المتحدة عن الاتفاقية لما كنا ادركنا وجودها ، ولو ظلت خافية عن الوجود لما ادركنا غيابها ، فعلى الارض هناك ماهو اقوى من الاتفاقية واصلب من الورق الذي توقع عليه ، هناك الظرف السياسي الحاكم لها ، والذي في النهاية سيفرض ارادته بمعزل عن ارادتنا كما بمعزل عن ماسيقوله التاريخ لموقف نسجله اذ ان التاريخ لايستطيع انصاف اي موقف لانه في النهاية حكم خارج السياق،وهذا هو بالضبط عيب النقاش الاخلاقي حول "الاتفاقية" من حيث انه يتجاوز سياقها ويظهرها اولا على انها خيار قابل للرفض او القبول من منطلق انها "خطأ" او"صواب" وفق التفسير الاخلاقي لكليهما.
ان مقاربة تأييد الاتفاقة عبر الاتكال على ايجابية الدور "الاخلاقي" الامريكي في العراق والنوايا الامريكية المثالية لدعم نهوض العراق ، او مقاربة الرفض عبر التاكيد على "شيطنة" الولايات المتحدة وعلى كونها اكثر شرا من "الاخرين" الذين تحذر المقاربة الاولى من شرهم المتربص في حالة رفض الاتفاقية وتؤكد المقاربة الثانية انه شر غير ثابت اخلاقيا ولايباري النوايا الامريكية السيئة ، اقول ان مثل هذه المقاربات ورغم انها تثير في الذهن انطباعات مهمة وتضئ نقاط كانت جاثمة في الظل لاتنتهي الا بالمصادقة على موقفنا الايديولوجي الذي لايفعل اقل مما تفعله اي رؤية ايديولوجية: تبسيط الاشياء وتاطيرها عبر تفسير مايحصل بادوات تجتزئ الحقيقة وتمارس الاضافة والحذف من اجل اعادة انتاج تلك الحقيقة فقط كي تتوائم مع نظامنا الفكري والثقافي .
ببساطة ليست هناك دول شريرة واخرى خيرة ، وليس هناك فعل سياسي عاجز عن اختلاق تبرير اخلاقي لنفسه بما في ذلك اعمال التطهير العرقي والابادة البشرية ، هناك بالطبع معايير اخلاقية عالمية يحاول الجميع اظهار التزامهم بها لكن هذا التزام لايتم بالغالب عبر التمسك الواضح بها بل عبر تفسير الفعل بطريقة توحي على انه لايتجاوز عليها . الاخلاق نظام متجاوز للنسبية والسياسة فن تحكمه ممكنات اللحظة ، والدول عادة ماتفعل الشئ قبل ان تبرره اخلاقيا ونادرا ماتبحث له عن تبرير اخلاقي قبل فعله ، فحركة الاخلاق في الحيز السياسي هي حركة أداتية تساعد في تاطير الفعل اكثر مما تساعد في جعله اكثر اخلاقية .
المقاربة الاسلم للنقاش في رايي هي تلك التي تعتمد براغماتية تتفاعل مع نسبية اللحظة وتجدول المكاسب والخسائر المحتملة في مقارنة "عملية" لاتقودها انطباعاتنا وميولنا الايديولوجية ، فكل شئ قابل لان يكون شريرا او خيرا في أي وقت اعتمادا على المكان الذي نقف فيه والزاوية التي ننظر من خلالها الى الاشياء. ان اصرارنا على نفس ادواتنا التقليدية في اتخاذ المواقف انما يزيدنا عجزا عن اتخاذها لان للموقف الايديولوجي اكلافا لاتتحملها الحياة الواقعية ، الاكثر اثرا من يوتوبيا مملة اسمها "حكم التاريخ" . مايحتاجه العراقيون هو ان يفهموا ان قوة اللحظة في مقابل ضعفهم لاتفتح لهم مجالات كثيرة للاختيار ومايبدو انه مساحة متروكة امامهم كي يقرروا هو في الحقيقة مساحة لكي يدركوا او يفشلوا في ادراك ان لكل شئ تكلفة تفوق قدرة اي من تفسيراتنا الاخلاقية على الصمود ، لان هذه التفسيرات ببساطة اختارت المجال الخاطئ للنقاش ، ذلك الي يدور حول كم هي جميلة او قبيحة فكرة الاتفاقية ، في الوقت الذي يجب ان يتركز النقاش حول كم هي مفيدة اومضرة بالمعنى البراغماتي البحت الذي تسمح به عناصر الوضع الراهن، وهي لاتسمح بالكثير.
اقول ان الاتفاقية قد تنطوي على تقييد الارادة السياسية و "السيادة " مدركا في ذات الوقت ان كلا المفهومين مغرقان بالتجريد وماسوران لميولنا الايديولوجية ، ولذلك وبنفس الوقت فان عدم وجودها لن يحرر الارادة او يقدم السيادة على طبق من ذهب ، لاننا مرة اخرى نهرب من حقيقة الوضع وممكناته الى تمنياتنا حول ماينبغي ان يكون فيصدف ان يقودنا حلمنا الجميل الى تجاوز حقيقة ان الوضع لن يسمح بالحالتين حصولنا على الارادة الحرة والسيادة لان كلا المفهومين قد يعنيان اشياء كثيرة او قد لايعنيان شيئا في عين الوقت ، وذلك مااقصده بقوة اللحظة الراهنة وقدرتها الاسرة ، فاذا تحركنا الى الامام اصطدمنا بجدار واذا رجعنا للخلف اصطدمنا بجدار ، فلا يبقى امامنا سوى ان نبقى في مكاننا بانتظار احد الجدارين كي يزول وذلك هو ماتعنيه الاتفاقية صراحة وماسيكون عليه مآل الامر في النهاية ، قوة الواقع تفرض نفسها عبر اعادة انتاج ذات الواقع ، وحتى تحدث ممكنات التغيير في لحظة اسرة اخرى...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري