الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مسرحية نقطة العودة

نعمة السوداني

2008 / 7 / 8
الادب والفن


مسرحية نقطة العودة
Keer punt

اخراج : Elien van den Hoek & Kim Arntzen

تمثيل : مجموعة من ممثلين هولنديين امثال ياكوب فلير يانيس سلوت لوسيا ميويسن ماريكا بوجاكي ميريل كامب وممثلين عراقيين هما دريد عباس ومهند رشيد وآخرون ...

المؤثرات الصوتية لريتشارد يانسن وتصميم الملابس آنا ماريا دي يونغ
مارييت نايهاوس ومجموعة كبيرة من مصممي الديكور والتقنيات الفنية ...

المكان : محطة سكك حديد أمستردام المركزية ... مشاهد العرض المسرحي على الارصفة وفي أروقة المحطة.

الجمهور : نوعين : الاول يعرف الاحداث التي تدور ويتابعها عن( قرب وبعد ) وينتقل معها من رصيف الى اخر ويرتدي برأسه (head phone) يسمع من خلاله المؤثرات الصوتية التي ترافق العرض على مدى أكثر من80 دقيقية ... والنوع الثاني من المشاهدين هو المتواجدين من مسافرين ومتسكعين في المحطة .. البعض منهم يتفاجئ بالمشاهد التي تحدث أمامه على الارصفة من دون ان يعلم ماذا يحدث هنا و هناك والاخر يرى الحالات طبيعية من دون ان يتاثر...


يبدء العرض عندما يكون الوقت صامتا وملئ بالسكون والكل في حالة من الترقب للقادم الجديد من اليمين او من اليسار. في هذا السكون تحدث كل الاشياء .. يقابل المرء نفسه
لكي يودعها ..ويستعيد الذكريات وكأنها لوحة فنية لرسام مشهور لكنها معطلة وغير مكتملة..حقائب كبيرة وصغيرة تدخل الرصيف وتغادره.. .في هذه الاجواء تصبح صديقا للجن وللشياطين من خلال ما تراه من حركة وسكون في لحظات متغيرة.. فتلمس شيئا
وتفقده ثم تجده ... هكذا ترجع الاشياء الى مكانها وفي دقائق سريعة..

هناك مساحة كبيرة لعدم المعرفة بالاشياء التي تحدث ... نلاحظ بأن هناك طريق خاص جدا يمتد على زمن العرض و من خلاله تكتشف الاحداث التي تجري بشكل بطئ وتدريجي في الاماكن المتفرقة للمتفرجين الخاصين المتابعين للعرض وهم يسيرون خلف (المخرجتين ) لتقصي ما يدورمن أحداث والاستدلال على بداياتها .

ثمت أمرأة شجاعة وقوية تسكن مع موظفيها في بيت يشرف على تبليغ الاشارات الخاصة للقطارات بالتوقف والانطلاق القادمة والخارجة على أحدى الارصفة وتراقب حياة
الناس المتواجدين على الارصفة المتباعدة وهم يتحركون وينتظرون المواعيد,هؤلاء
الناس ينهزمون من انفسهم ,ويسبقون أنفسهم ..تراقبهم وتمسك بهم في مناطق ليس فيها وقت... فنرى الحقائب المتنوعة والعديدة الصغيرة والكبيرة , اليدوية , والمحمولة على الظهر, وأيضا ً التي تجربعجلات صغيرة, ملونة بكل الالوان...
حقائب كبيرة ممتلئة بالهموم ... حقائب صغيرة يدوية مليئة بالصراخ من كثرة الحب المعلن واللامعلن بطريقة غريبة... وحقائب الظهر المحّمرة من الخجل المليئة بالشكوك ,
هكذا هي الحياة في اماكن السفرالدائم المستمر ...

شابة جميلة تركض في كل الاتجاهات تبحث عن حبيب قادم , تحمل بيديها باقة ورد تستقبله فيها .. لكنه لم يأتي بعد ... تركض و تدور في كل الارصفة وعلى كل قطار قادم من الجهتين اليمين واليسار الشمالية والجنوبية وعلى مدى فترة العرض بطولها تتفحص وجوه المسافرين عله معهم فتلتقيه .

رجل كبيرفي السن .. أخذ الشيب منه مأخذه .. حنت السنون ظهره... يجر خلفه حقيبة كبيرة محملة بهموم السنين .. يمشي ببطئ, يسأل وجوه الناس ويتفرسها يبحث عن شئ قد ضاع منه في زمن بعيد
.. من حقيبته هذه يخرج الزمن على هيئة - طفل - يحمل سنبلة رأسها ممتلئ ويداعب فيها وجه الرجل المسن الكبير.. ومن ثم يعاكسه كثيرا .. على طول فترة العرض المسرحي هناك مداعبة ومعاكسة بين الطفل والرجل هذا... كل من زمن ..

الحقائب تدور .. والوجوه تدور .. والانتظار مجهول .. الكل ينتظر.

أمراة في أعلى المدرجات واقفة من دون حراك تحمل حقيبة سفر تنتظر وصول قادم اليها ....
وجوه افواهها مفتوحة .. تصرخ .. وتصرخ , أجساد تتلوى .. أجساد تغلق وأخرى تفتح ..
حركة الجميع في المشاهد المتناثرة على الارصفة تشكل خطوط مستقيمة ...


شاب ينتظر حبيبته يعيش حالة من القلق الغير طبيعي يشغل المارة معه يراقبوه في حركته المثيرة
يشرب قهوة ... يتصل بالتلفون... يترقب ... هاجسه القلق .. يبحث عن شئمن خلال الانتظار..

شابة جميلة تنتظر هي الاخرى ترتدي ثوبا ورديا وتحمل حقيبة شاردة الافكار تبحث عن حبيبها ثم تختفي في زحمة الناس ...ثم تعود وتختفي هكذا هي الحياة كاللعبة ...تبحث في كل مكان ...

في رصيف آ خر هناك شابة تتوسل الناس رجال ونساء ... ترمي بنفسها على كل من يمر من جانبها.. تتوسل بهم تطلب من الجميع المساعدة بسبب صعوبة الحياة وشظف العيش وأن تذهب مع اي انسان بمقدوره ان يحميها .. لم تلقي من يلبي توسلها هذا فتنتهي الى قارعة الارصفة ثم ترمى بحاوية النفايات الكبيرة من قبل رجال جمع النفايات والاوساخ في المحطة ( المكان ) ..


مشهد آخر نرى فيه ( الزمن ) يبطئ ثم يتوقف ثم ينطلق من جديد وبسرعة قصوى من خلال لقاء المسافرين في - نقطة العودة - المحددة للمكان والزمان .. هناك تداخل في الازمان ..كل زمن ليس له علاقة بالاخر.. مشاهد عديدة تعرض فيها الحياة من الوان عديدة لكن هناك قواسم مشتركة ايضا تجمع بين مكونات الحياة - البشر والمتريال - الوداع - اللقاء- الحب - الضياع - الصراخ- الحقائب
باقات الورود- الانتظار- خيبة الامل- الفرح الى آخر- اكتشاف ماهو جديد - مفردات بليغة الدلالة تشير الى الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن في منطقة اسمها نقطة العودة ...

حينما نتأمل هذا النوع التجريبي من المسرح الذي قدم في فضاء - خارج العلبة - أنما هو يؤكد لنا على انه خرج من مسرح العلبة وبقصدية واضحة لاعتماده على أفكار جديدة ومفاهيم متطورة .
فبرزت أمكانيات الممثلين الجسدية- الممتلئة - بالابداع والحرفة الواضحة .. فالعمل كله يعتمد على
Fysiek Theater الجسد وفي المهارة البارعة التي يمتلكها الممثلون والممثلات و الذي صار حظورهم متكامل مع المتفرجين.لقد كان حظورهم في العرض المسرحي التجريبي هذا واضحا لانه يحمل صفة الابداع من خلال الوسائل والطاقات الكامنة لدى الممثلين..

قدم الممثلين والممثلات صور وأشكال لاجسادهم ولاجسادهن من اجمل اللوحات التشكيلية
مليئة بالتناسق والانسجام ,وقد جاءت محكمة ببنائها متفاعلة مع الاحداث ..أجسام وأجساد تحمل
اشارات ودلالات فيها قصدية واضحة لكل ما يحدث من متغيرات في الحياة اليومية من دون - الحديث بلغة محددة - انما الحركات تداخلت من خلال القدرات الفنية لطبيعة الممثلين والممثلات التي اعتمد عليها العرض المسرحي , فالانفعالات تتصاعد حتى تصبح المحرك لكل الاحداث..

شكلت المشاهد مجالا ابداعيا في تداخلها مع الفنون الاخرى لكونها تحمل في محتواها صراعات الانسان المستمرة والحركة فيها تحمل طابعا دراميا وتقترب من الرقص.

كان بناء الصور والاشكال الممتدة على طول فترة العرض المسرحي يعتمد على جسد وذهن وأحاسيس وحرفة الممثلين وكذلك على طاقاتهم المتجددة في كل مشهد ياتي بعد المشهد الاخر
نحن أمام حالات من الخلق والابداع من صور تتلاشى ومن صور تعيد بناء نفسها..فنرى القدرة
على تحقيق مجموعة من المشاهد والصور الفنية تقدم عبر خطاب الجسد في حركات مرئية في فضاء العرض المسرحي مع وجود عينين مخرجتين لهما التقدير بتجميل الممثلين وأختيار المكان الصحيح.

فثمت ترانيم غريبة مدهشة تتلى عبر أمراة قوية .( نسمعها نحن الذين نرتدي الاجهزة الرئسية فقط !! تدوي هذه الترانتيم في فضاءات المحطة الكبيرة وهي تراقب وضع الناس والحركة فيها) تنشر ملابس بيضاء قبالة بيتها صوب اشعة الشمس كي تعلن بداية يوم جديد ...وتسحب الملابس بعد انتها ذلك اليوم .. هذه المرأة تحرك مجموعة من العاملين معها لاستقبال مسافر جديد شابا يافعا - قام بدوره الفنان - الممثل(دريد عباس) من العراق - يأتي لهذه المدينة الغريبة ... يحمل 8 حقائب حمراء.. يرتدي بذلة بيضاء .. يبحث في وجوه المارة عن شيئا ما ..لكننا بعد مضي وقت من الزمن نرى ان المسافرقد ضاع في قاع المدينة ولم يستطيع الاستمرار فيها .. لم تبقى له الا حقيبة واحدة له. . وبعدما لم يجد له مكانا في هذه المدينة يتحول الى عنكبوت .. يتسلق السلالم على ظهره ماسكا حقيبته الصغيرة الاخيرة وهي آخر ماتبقى له..كانت بعض المشاهد غاية في الاثارة للمارة وعلىالمتفرجين حينما يتألق و يكشف لنا الممثل - دريد عباس - عن قدرته وامكانياته الهائلة في تحريك كافة اجزاء جسده عندما نراه يصعد درجا ً طويلا ً في المحطة من - -The under ground railway الى الطابق الاول على ظهره ورأسه , فينقل الجزء تلو الاخر وكانك ترى ان اجزاء جسده منفصلةعن بعضها البعض مثل قطع الميكانو اي ( كل جزء يعمل على حده ) أن طريقة ادائه تؤكد على ان يمتلك السيطرة الكاملة على تحريك هذه الاجزاء بشكل مبدع وماهر وبايقاعات مختلفه لكل نقله عن الاخرى .. فمرة نراه مسترخي واخرى متوتر يشد المتفرجين والناس العديين من المسافرين اليه بشكل مذهل.. يتحرك كالعنكبوت وهو ينسج حركاته.

وكذلك قدم الفنان العراقي الممثل - الراقص - ( مهند رشيد ) نوعا حركيا - يحسد عليه - في حركة جسده وعموده الفقري الذي تحول الى اشبه بغصن اخضر يتطوى ولا ينكسر كثير الليونه ..جسده قوي وطري , يتميز بنوعية عالية في السيطرة على الحركة وهو ينطلق على أحد أرصفة المحطة وهيعيش حالة من الانتظارو بحركات سريعة مذهله من دون كلل او ملل اوتعثر يذكر, يتلوى في كل الاتجاهات مانحا لجسده المطاوع طاقة فعالة في العمل على الانفعالات الداخلية...وقد لعب دورا واضحا في العرض المسرحي من خلال التنويعات في حركة جسده في الفضاء الكبير متنقلا مع ايقاعات العرض في جانب الموسيقى والايماءة في تجانس جميل وفي حركات تبلور لنا الحكاية التي ينطلق من خلالها (.فنراه يرجع الى الامام مرة ويتقدم الى الوراء )..هكذا ينقل لنا - مهند -كيف يشاكس الجسد تلك الحركات التي لايمكن فعلها الا من خلال جسد مرن يجيد التعبير والايماءة والرقص بشكل مستمر من دون توقف.


وكما نعلم ان - دريد عباس هو- ممثل - ومهند رشيد - من الذين يعملون في فن الكوريغراف فن تصميم الرقصات وتدوين كل حركات الرقص لاية مجموعة .ان التشكيلات الحركية في براعة الاداء لهم جاءت من خلال التركيز على القوى الحسية والانفعالية في الجسد اي العمل على جوانيات الشخصية وأستثمارها بأتجاه ان تاخذ لها شكلا تعبيريا خاصا وهذا ما رايناه في هذا العرض التجريبي من خلال ما قدموه مع ممثلين وممثلات مختلفين يتميزون بقدرات رائعة ومن عدة دول اوربية.

لقد لعبت هذه المشاهد دورا كبيرا في العرض المسرحي التجريبي من خلال العلامات الحركية التي
تنتج عن تنويعات مختلفه في شكل الاداء وحركة الجسد في (الفضاء الخارجي ) لكل ممثل وجاءت متناسقة مع المؤثرات الصوتية التي تشعر وكانك داخل المشهد في ( الجنة ) مع أصوات جميلة مرة ومرة اخرى ترجع بك المؤثرات الصوتية الى اعماق( المحطة ) واصوات القطارات والضجيج ترفعك وتهبط بك بشكل متفاعل ومستمر على طول فترة العرض.

كان الجسد معبرا وواضحا في كل المشاهد من خلاله برز الاداء الجميل لكل الممثلين والممثلات.

هناك ملاحظة على العرض كونه يحرم مجموعة من البشر ( فئة المعوقين ) الذين يستحقون ان يشاهدون العرض لعدم استطاعتهم اللحاق بالمشاهد والحركات والانتقال من رصيف الى اخر
لان المشهد يجب ان يكون تحت نظر العين ...ويحتاج لها مشاهد متابع لماح يبحث عن المشاهد في كل الاتجاهات ...هذه مشكلة .. اتمنى ان لايحرم احد من مشاهدة هكذا عروض أنسانية جميلة ..

كان هذا كله في جنرال بروفة ...وكان العرض لم يكتمل بعد في نهايات المشاهد الاخيرة والتي سمعت عنها ولم اراها.... شكرا لادارة العرض على دعوتها الينا في الحضور في هذا اليوم المهم من التحضيرات قبل يوم العرض الاول.

لقد كانت تجربة مهمة جدا تدفعنا الى التأمل في مسرحنا العراقي وتعطينا أضاءة مفيدة من اجل تقديم مسرح تجريبي جديد ينبع من أستخدام الطبيعة بشكل يتناسب والاوضاع المتغيرة في العراق.



قراءة
نعمة السوداني
هولندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج