الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتجسد الوطنية في رجل ..عبد الكريم قاسم أنموذجا

احمد البديري

2008 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ونحن نعيش ذكرى ثورة 14 تموز الخالدة آثرت أن ينصرف حديثي إلى شخص زعيمها وقائدها عبد الكريم قاسم ، لأن العراق لم يكن حديث العهد بالثورات إلا أنه كان يفتقد إلى حاكم وطني عادل كالزعيم قاسم ...
لثورة 14 تموز التحررية وقع خاص لدي وعلاقة روحية صميمة خالصة مع روحي وجوارحي ووجداني ، ورغم أنني جئت لهذه الدنيا بعد أن فارقها عبد الكريم قاسم شهيدا بثلاث عشر عام إلا أن ذلك لم يمنع التعاطي مع الثورة ورجلها المقدام .
وقد يسأل أحدهم عن سر هذه العلاقة الحميمة وسأجيب بأني عرفت عبد الكريم قاسم عن طريق أحاديث والدي( رحمه الله) المتكررة عن الثورة وشخص الزعيم ولذا كان الاحترام الذي يكنه لهما غاية في الأدب والتقدير ، وكان لا ينفك عن المقارنة أبان حكم البعث المقبور عن المقارنة بين حكم صدام الاستبدادي وحكم الزعيم الشعبي الديمقراطي ..
وكان مما ادخره أبي وأخفاه عن أنظار البعث وجلاوزته من الكتب الغالية والمصادر الراقية كتاب يحتوي على تراث الزعيم من خطب وبيانات وكلمات في مناسبات شتى بالإضافة إلى مئات الصور المعبرة فكنت كلما قراءت تلك الأحاديث الساحرة لقاسم وجدت فيها صدقا ينبض بها وتواضع يزينها وحكمة تكتنزها .
وقبل أيام عندما تشرفت بالاطلاع على خطاب المرجع الديني محمد اليعقوبي الى الشعب العراقي بخصوص انتخابات المجالس المحلية المقبلة والخصال التي وضعها لمن يستحق الترشيح وجدت ان سماحته أشار إلى خصلتين رئيسيتين لمن يتصدى لقيادة الأمة ألا وهما ( الكفاءة والإخلاص) فأنني والحق أقول وجدت عبد الكريم قاسم كان يمتلك تلك الصفتين بقوة واقتدار ، فأما كفاءته فتشهد صفحات التاريخ أنه كان صاحب المشاريع العملاقة والقوانين الإصلاحية الكبرى فمن تأميم نفط العراق الذي كان أول من بادر إليه إلى قانون الإصلاح الزراعي وما بينهما من القوانين والقرارات الوطنبة ، يضاف إلى ذلك الازدهار الذي شهده العراق بكافة مفاصل الحياة ولم يكن ذلك إلا عنوانا لكفاءة هذا الرجل وخير دليل على نجاحه المهني رغم أن قائد عسكري صرف جل عمره في ميادين القتال وساحات المعارك .
أما إخلاصه فهذا مما لا يختلف عليه العدو فضلا عن المحب فهذا القائد الشجاع كان جزاءاً لا يتجزأ من معاناة شعبه يعيش همهم ويشاركهم سرائهم وضرائهم ولا يتكاسل أو يتقاعس عن العمل على تخفيف معاناتهم وهمومهم .
عاش معاناة الفلاحين المهاجرين من الجنوب صوب بغداد وعندما رأى سوء أحوالهم لم يقر له جفن او يهدأ له بال حتى شرع بتوزيع الأراضي لهم جميعا ثم أمر بتوفير مواد البناء لهم لتنهض فيما بعد مدينتي الثورة والحرية على تلك الأراضي الشاسعة بفضل إخلاص هذا الرمز الكبير وغيرته على رعيته من أبناء شعبه.
ومن الحوادث المشهورة زيارته إلى احد الأسواق لمتابعة أسعار المواد وقدرة الشراء للمجتمع ومروره على احد المخابز ليجد أن صورة كبيرة للزعيم قد زينت مدخل المخبز ثم التفت إلى رغيف الخبز وعندما وجده صغيرا بعض الشيء همس بكل حنان وأدب في أذن الرجل ( أخي العزيز أتمنى أن أرى في زيارتي الأخرى لك صورتي وقد صغرت ورغيف الناس كبر) ولهذا وغيره أحبت الجماهير قاسم .
وحتى سكنه لم يكن في قصور العائلة المالكة وأقبيتها وإنما اختار سكن العائلة وإحدى غرفه محلا لرقاده وحتى عندما كان يأخذ منه التعب والسهر في عمله لم يكن ينام على الآسرة الوثيرة في القصر وإنما يفترش له غطاءا أو ملحفا ليستلقي عليه على الأرض ، حتى طعامه كان يأتيه به صبي صغير من بيت أخته أعتاد أن يجلب طعام الغذاء لخاله ولم يكن عسيرا على قاسم أن يطلب موائد طعامه من مطاعم بغداد الفاخرة وكان يشارك سائقه ما تضم صينية الطعام من رزق الله .
ولم يسرق عبد الكريم قاسم أموال العراقيين ليودعها في مصارف جنيف ولندن وعمان ودبي بل كان كل ما خلفه من حطام الدنيا بدلة عسكرية ومجموعة من الأوسمة والأنواط لا غير ولكنه خلف ذكرا طيبا له لا يمكن أن يزيل معالمه الحاسدون والمبغضون وعبثا حاول نظام صدام أن يشوه سيرته بواسطة الأقلام المأجورة إلا انه فشل وبقي قاسم ناصع الذكر والسيرة .
لم يكن الزعيم دمويا كما يزعم المبغضون ولم يكن يتحمل مسؤولية ما جرى في شمال العراق من أحداث تسبب بها المتعصبون الشيوعيين ولذا كان سريع الحساب والعقاب لهم على ما ارتكبوه من آثام ومذابح ، كان شعاره ( عفا الله عما سلف) ولم يستثن من دستوره هذا حتى المرتزقة البعثيين الذي حاولوا اغتياله بشارع الرشيد عام 1959 طمعا بالسلطة .
ولم يكن عبد الكريم شيوعيا كما يدعي البعض ويحتكر ذكره لحزبه فقط بل كان عراقيا وطنيا قبل كل شيء ، وعندما وجد الصراع داخل البيت الواحد بسبب الانتماء السياسي منع جميع الأحزاب ليريح الناس ويستريح .
ولم يكن عبد الكريم زعيما كمن يدعي الزعامة السياسية اليوم مع انه يفتقد لكل متطلبات وخصائص الزعامة ، وفات على هؤلاء ان الناس اتخذت قاسم زعيما ولم ينسب هو لنفسه شيئا ..
لم يكن عبد الكريم رئيسا أو قائدا عاما بل كان مواطنا عراقيا خالصا ولا يزايده في عراقيته آنذاك من الساسة أحد ، لذا حصل بعد 9/4 أن هدمت وسقطت جميع التماثيل الفارغة بينما ارتقى تمثال يرمز لقاسم في وسط بغداد على يد المعجبين بسيرته ووطنيته ..
عاش عبد الكريم شجاعا مقداما فهزم الانكليز وأنهى حكمهم الملكي بفصل قوة شخصيته وحنكته وإخلاصه الذي حببه إلى نفوس رفاقه الضباط الأحرار ، وعندما رحل كان يجسد كل صور البطولة والشجاعة لم يخضع أو يركع متوسلا للخائنين ولم يطلب منهم العفو ، بل استقبل الشهادة استقبال الإبطال فأزداد غيض أعداء العراق الذي وجهوا لصدره ورأسه وابلا من رصاصات الحقد والغدر البعثي ، ثم عمدوا إلى رمي جثته في رافدين العراق ليحرموا تربة العراق الأشم من عناق جثة ابنها البار ..
وهكذا قضى الزعيم نحبه في 9 شباط على يدي شرار الخلق وفارق الدنيا شهيداً صابراً محتسباً صائماً ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست