الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثانية)

محمد الأزرقي

2008 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


نشرت صحيفة التايمز في صفحتها للشؤون الدولية ليوم 18/7/2008 تقريرا عن جولة مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية باراك أوباما في أوروبا والشرق الأوسط والتي سيقطع فيها 12 ألف ميل. ويرى مراسل الصحيفة في واشنطن تيم ريد إن جولة أوباما تهدف بشكل أساسي لخدمة حملته الانتخابية داخل الولايات المتحدة. ويضيف المراسل أن أوباما من خلال زيارته لثمان دول سيخاطب الناخبين داخل الولايات المتحدة في محاولة لنفي الاتهامات الموجهة إليه بقلة الخبرة في مجال الشؤون الخارجية وقضايا الأمن القومي. وقال ريد إن أي زعيم ممن سيلتقيهم أوباما يجب ألا يساوره الشك في أن جولة أوباما هي انتخابية بالدرجة الأولى.

والدليل على ذلك بحسب التقرير أن المرشح الديمقراطي لن يصطحب معه أيَّاَ من الصحفيين المختصين في الشؤون الخارجية بل سيرافقه فريق من المراسلين المختصين بالشأن الداخلي الأمريكي بينهم ثلاثة أطقم تصوير تلفزيوني. وسيزور أوباما العراق وأفغانستان والأردن وإسرائيل ورام الله وألمانيا وبريطانيا. ويشار إلى أن المرشح الجمهوري جون ماكين سبق وانتقد أوباما لدرجة السخرية لأنه لم يزر العراق سوى مرة واحدة عام 2006 وقال ماكين إن أوباما يضع استراتيجية بشأنه قبل أن يعرف حقيقة الأوضاع على الأرض. وكان المرشح الديمقراطي قد تعهد بسحب الوحدات الأمريكية المقاتلة من العراق خلال 16 شهرا. وسيلتقي أوباما في بغداد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والرئيس العراقي جلال الطالباني كما سيستمع لتقرير من الجنرال ديفيد بترايوس عن الوضع الميداني. وتقول التايمز إن أوباما سيسعى خلال زيارته للقدس للتأكيد على تأييده لإسرائيل بعد عدم الارتياح الذي أبداه الإسرائيليون تجاه ما وصف بالتعاطف مع القضية الفلسطينية. وسيلتقي أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود وأولمت ووزير الدفاع إيهود باراك وزعيم حزب الليكود المعارض بنيامين نتنياهو. وأضافت التايمز أن أوباما سيلتقي في رام الله الأربعاء المقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث من المتوقع أن يوضح حقيقة التصريح الذي قال فيه إن "القدس ستظل عاصمة اسرائيل الموحدة." وكان أوباما قد قال إنه "أساء التعبير" في خطابه الذي ألقاه أمام لجنة الشؤون العامة الامريكية الاسرائيلية أيباك.

لقد أشرت في الحلقة الأولى الى أمل الجالية العربية والمسلمة الذي ايقظته مسألة ترشيح السناتور أوباما لرئاسة البلاد. لقد شاهدته واستمعت لما عبرعنه في مؤتمر الحزبالديمقراطي عام 2004 عندما قال دفاعاً عن العرب في هَذه البلاد، إنه لو تعرضت أسرة عربية أميركية للاعتقال بدون إعطائها الحق في توكيل محام للدفاع عنها أو بدون الخضوع للسير الطبيعي للعملية القانونية، فإن ذلك "يهدد حرياتي المدنية". غير ان ذلك الأمل سرعان ما تهاوى بعد ان سارعت القوى الصهيونية الى احتواء السياسي الشاب، ومن ثم اخضاعه لعملية ترويض سياسي بدأت علاماته أولا بوقوفه أمام المؤتمر الصهيوني، مع خمسة آخرين من قيادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ليعبر بقوة عن الألتزام بأمن اسرائيل واعتزازه بصداقتها، وبأن اسرائيل دولة لليهود والقدس عاصمتها الأبدية! ثم جاءت حادثة إبعاد السيدتين المسلمتين من خلفية المنصة التي كان مقرراً لأوباما أن يقف عليها لمخاطبة انصاره في شيكاغو، حتی لا تظهرا معه امام عدسات الأعلام وهما تغطيان رأسيهما! وفی الأمس القريب صوت أوباما لصالح قانون يعفي شركات الهاتف من تبعية مسئوليتها التي تبيح التنصت على اجهزة المواطنين، وهو يعرف جيداً أن العرب والمسلمين هم بطبيعة الحال ضحايا هذه الأجراءات، المخالفة لنص الدستور، منذ جرائم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

إن زعماء الحزبين الذين وقفوا أمام مؤتمر أيباك في النهاية تعهدوا خدمة اسرائيل على حساب مصالح بلدهم أمام لوبي خرج منه جواسيس مدانون لإسرائيل، منهم جوناثان بولارد، الذي ما زال يقبع في أحد السجون الأمريكية. ما أزيد ذلك اليوم أن الخطباء جميعاً قالوا إن الرئيس هاري ترومان اعترف بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلانها فكانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف باسرائيل. ترومان اعترف بإسرائيل سنة 1948، وفي سنة 2008 امتدح جون مكين موقف ترومان وقال انه "دليل على أعلى مُثُل، وأنبل حدس لبلدنا".

واعتماداً على ذلك فقد ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن استطلاعا للرأي أظهر أن يهود إسرائيل يفضلون مرشح الحزب الجمهوري جون مكين ليكون الرئيس القادم للولايات المتحدة. وقالت الصحيفة في عددها ليوم الجمعة 27/6/2008 إن نتيجة الاستطلاع تشير إلى أن جهود المرشح الديمقراطي باراك أوباما في خطب ود الناخبين من اليهود الأميركيين بتبنيه مواقف موالية بقوة لإسرائيل يبدو أنها لم تجد آذانا صاغية، رغم هذا الحد من مغازلة إسرائيل وتقديمه لساستها تعهدات أكثر مما يطلبونه، بل إنه ذهب لحد التعهد بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، واعتبر أن هذه الدولة تشكل الخطر الأكبر على إسرائيل، وعلى استقرار منطقة الشرق الأوسط. فمن بين خمسمائة يهودي إسرائيلي شملهم الاستطلاع، اختار 36% مكين مرشحا مفضلا للرئاسة فيما انحاز 27% منهم لأوباما. وقد أجري الاستطلاع الذي يعد الأول من نوعه في إسرائيل منذ انتهاء سباق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي يومي 18 و19 يونيو/حزيران من قبل أحد مراكز الدراسات الإسرائيلية لصالح صحيفة (ميكور ريشون) الأسبوعية اليمينية. لم يكتف وكما هو الحال في الولايات المتحدة, فإن ميزان الترجيح بالنسبة للمرشحين يميل نحو اليمين عند كبار السن من الناخبين. فقد أشارت الصحيفة إلى أن أوباما يتمتع بالأفضلية في أوساط الناخبين الإسرائيليين ممن تتراوح أعمارهم بين 18 عاما و24 حيث يزيد الفارق بينه وبين ماكين وسط هذه الفئة بنسبة 7%. . أما في أوساط كبار السن من الإسرائيليين فإن مكين يتفوق على منافسه بفارق ثلاثين نقطة! وترى المتخصصة في استطلاعات الرأي والمحللة السياسية في تل أبيب داليا شيندلين أن الإسرائيليين ينتابهم القلق من التهديد الإيراني، مشيرة إلى أنه إذا كان ثمة شيء واحد يعرفونه عن جون مكين فهو موقفه الصارم من إيران. ونقلت عنها الصحيفة القول إن أوباما غير معروف لدى الإسرائيليين كما أن اسم والده من أسماء المسلمين.

مما لا شك أنه في حالة انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، فإن ذلك سيكون سابقة تاريخية ليس في التاريخ الأميركي بل في تاريخ العالم، لأنها ستكون المرة الأولى التي يترأس فيها رجل أسود أقوى مجتمع للرجال البيض على الأرض، على حد قول صالح السنوسي في مقالته عن "المحارب القادم". وهذا ما يميز أوباما عن أية حالة أخرى وقعت هنا أوهناك على غرار حالة نيلسون مانديلا، لأن هذا الأخير حكم بلدا أفريقيا يتكون من غالبية ساحقة من السود وأقلية بيضاء، هذا إلى جانب أن جنوب أفريقيا ليست أقوى إمبراطورية كونية عرفها التاريخ.

إن معظم التداعيات الايجابية لهذه السابقة في حالة وقوعها ستصب في قناة القيم والمبادئ التي تتبناها الولايات المتحدة حججا ظاهرية لتبرير ما تنتهجه من سياسات بصفتها إمبراطورية كونية تطمح إلى السيطرة الكلية على شعوب الأرض. فمن المعروف أن هذه المبادئ، أو بالأحرى الحجج، تضررت وأصابها العطب وفقدت مصداقيتها في نظر أقرب حلفاء الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن أكثر من تضررها في عهد أي رئيس سابق. ومع ذلك فإن الرئيس بوش لم يختلف عمن سبقه من الرؤساء الأميركيين في النظرة إلى ما يعرف بثوابت الإستراتيجية الأميركية. فلم يكن اللوم الموجه إليه من داخل الولايات المتحدة بسبب محاولته الدفاع عن هذه الثوابت، بل بسبب الطريقة والوسائل التي لم يكن مضطرا لاستخدامها، والتي أنتجت كثيرا من الضرر يفوق حتى الآن ما حققته من نجاح. ومن هنا فإن وصول أوباما، في حالة تحققه، إلى البيت الأبيض لن يغير مما يعرف بثوابت هذه الإستراتيجية في مواجهة العالم، وخصوصا الشرق الأوسط. لأن هذه الثوابت ترتبط أساسا بحسابات القدرة على إنجاز فعلي في البيئة الدولية يستطيع أن يغير ويبقي الأوضاع على الحالة التي يراها الفاعل تخدم مصلحته. ولذا فإن تغيير ما يسمى بهذه الثوابت وتعديلها لا يتوقف على وصول رئيس أسود أو أبيض إلى البيت الأبيض، بل يتوقف على ردة أفعال الأطراف المستهدفة.

في حالة وصول السيناتور أوباما إلى البيت الأبيض عليه أن يدرك جملة من الحقائق بالمفهوم الأميركي، وهو قطعا يدركها منذ الآن, فمهما بلغت حكمته وعقلانية نظرته إلى أمور العالم، فإنه ينبغي عليه أن يسلم بهذه الحقائق ويتعامل معها. بل إن الحكمة والعقلانية عينها في المنظور الأميركي تقتضي ضرورة التسليم بها والتصرف على ضوئها. لعل إحدى هذه الحقائق ما يتعلق بقرار الذهاب إلى الحرب في السياسة الأميركية، فمن المعروف أن الولايات المتحدة قد اشتطت كثيرا في ارتداء خوذة الحرب في عهد الرئيس بوش الابن. ولذا فإن العالم يأمل وينتظر أن تكون الولايات المتحدة في ظل إدارة "الرئيس" أوباما الديمقراطي أقل نزوعا إلى الحرب وأقل ميلا إلى استخدام القوة في حل ما تعتبره مشاكلها مع العالم. ولكن الميل إلى استخدام القوة واختيار الحرب وسيلة من وسائل السياسة الأميركية لا يرتبط بشخصية الرئيس أو الحزب بل يرتبط بجملة من الاعتبارات والحقائق أشار اليها السنوسي، والتي يمكن يلخصها في أربع نقاط:

1- إن التنشئة الثقافية الأميركية ليست معادية للحرب، فهي تقوم على تمجيد العنف والبطولات التي يصنعها رجال بيض خارقو القوة والذكاء ضد أجناس من الهمج والأشرار الذين لا فكاك منهم إلا بقتلهم سواء أكانوا من الهنود الحمر في القرن الخامس عشر أو من الفيتناميين في القرن العشرين أو من المقاومة العراقية أو من طالبان في الألفية الثالثة.
2- الشعب الأميركي على عكس شعوب أوروبا لم يسبق له أن عاش حقيقة الحرب في مدنه وسهوله وقراه. فالحرب بالنسبة للأميركي لا تعني إمكانية أن تسقط العمارة التي يسكنها على أسرته وجيرانه، أو أن المدينة المتلألئة والمليئة بالأعاجيب يمكن أن تتحول في أيام إلى أنقاض ترتادها القطط والكلاب وعصابات السرقة على غرار تلك المدن التي يشاهدها في الصور بعد أن دكتها تكنولوجيا الحرب الأميركية. ولذا فإن إدراك الأميركي بشكل عام للحرب مستمد من ثقافة الصور وليس من تجربة المعايشة. هذا يعنى بالنسبة إليه أن الحرب السيئة والخاسرة هي تلك التي يموت فيها نسبة عالية من الجنود المقاتلين، وتهدر فيها كثير من الأموال. وهذا لا شك يجعل الناس يدركون مساوئ الحرب ويزيد من حدة إدراكهم لها. ولكنها مع ذلك تختلف في مفهوم سيكولوجيا الحرب لدى الأفراد عن معنى الحرب عندما تصل إلى الحجرة التي ينامون فيها أو الشارع الذي يسيرون فيه.
3- مفهوم المصلحة الوطنية الأميركية يجعل الغالبية الساحقة من الشعب الأميركي يقبل بفكرة الحرب دفاعا عنها. فالمصالح الأميركية الوطنية في المفهوم الأميركي هي كونية ولا تتوقف عند حدودها مع المكسيك أو كندا، بل إن حفنة من الأشخاص مشتبه بأنهم من المقاومة العراقية أو من القاعدة في مقديشو أو في وادي سوات، يعتبرون في مفهوم المصلحة الوطنية والأمن الأميركي خطرا داهما يجعل الغالبية العظمى من الأميركيين يقبلون أو لا يعارضون فكرة الذهاب للبحث عن هؤلاء وقتلهم. والحقيقة هي انه لم يسبق أن حصل خلاف كبير بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في بداية أي حرب شنتها الولايات المتحدة في الماضي، وإنما ذلك يحصل فقط عندما تتغير المعطيات على الأرض وهذا عين ما جرى بين الحزبين حول حرب العراق. فالخلاف ليس حول الأجندة التي من أجلها شنت الحرب بل حول أضمن الوسائل لتحقيقها. إن معظم القيادات الديمقراطية التي تقود الحملة ضد العراق صوتوا يومها دون تردد لصالح قرار الحرب، التي كانت منذ البداية تعد خروجا عن الشرعية الدولية واحتقارا للمجتمع الدولي. أن هذه الحرب بدأت تفقد شعبيتها لدى الناخبين الأميركيين فقط عندما بدأت ترتفع تكلفتها المادية والبشرية، وليس بسبب قناعة هؤلاء بأنها حرب ظالمة تشنها بلادهم ضد شعب لم يبدر منه تجاههم أي أذى.
4- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تخلع الولايات المتحدة خوذة الحرب، فلم يدخل رئيس أميركي إلى البيت الأبيض منذ ذلك الحين وحتى الآن، إلا وكانت له حربه أو غزوته التي قد تطول لسنوات أو لبضعة أيام. وبالتالي فقد غدت الحرب في ذهنية المواطن الأميركي عموما ليست ذلك الموضوع الخطير أو الشاذ أو غير الأخلاقي، بل تكاد تكون موضوعا روتينيا وإحدى الصفات الملاصقة لعظمة بلاده وحضورها الطاغي على المسرح الدولي.

لاشك أنه لكل رئيس لمسته الشخصية على السياسة الخارجية الأميركية، ولكن ذلك يتم في حدود ما يعرف بمبادئ وثوابت الإستراتيجية الأميركية من ناحية، وعدم تجاهل الثقافة الأميركية الراسخة تجاه مفهوم القوة والحرب. ويعتقد السنوسي انه في حال وصول السيناتور أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية قد يصبح هو الرئيس الذي يقود، في ظل ظروف أفضل من ظروف الرئيس بوش، الحرب ضد إيران وسوريا وحماس وكل من على شاكلتهم، ما لم يحصل تصلب وتشدد في أوضاع ومواقف أقطاب المعادلة الدولية الآخرين، من أمثال روسيا والصين والاتحاد الأوروبي من ناحية. كما يجب عدم إهمال ردة فعل الأطراف المستهدفة من ناحية أخرى، بحيث تجعل من هذه الحرب في حالة قيامها مغامرة سيئة وتكاليفها مخيفة. أما في حالة غياب هذه المعطيات فإن أي رئيس أميركي جديد لا محالة قادم بسيفه ودرعه إلى الشرق الأوسط بصرف النظر عن لون بشرته.

صحيح أن الواقعيين الجدد، الذين تحدث عنهم طارق الكحلاوي كما اسلفت في الحلقة الأولى، سرعان ما أدركوا ان مرشحهم لا بد أن يخضع لعملية ترويض سياسي. وهذه العملية ناقشها كاتب عربي آخر هو علاء بيومي في مقالة نشرت على موقع الجزيرة بتاريخ 24. 6. 2007. يستعيد الكاتب علاء بيومي اللحظة التي تألق فيها أوباما خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي الذي انعقد قبيل انتخابات عام 2004 الرئاسية، في يوليو/تموز 2004 . أن المؤتمر المذكور كتب شهادة ميلاد باراك أوباما السياسية على النطاق الوطني بالولايات المتحدة. لقد حول المؤتمر أوباما من مرشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ألينوي إلى أحد ألمع السياسيين الأميركيين على الإطلاق. وفي اليوم التالي للمؤتمر خرجت صحف أميركية عديدة بمقالات تتنبأ بميلاد نجم سياسي جديد يتمتع بكاريزما قوية، وبقدرة خطابية عالية، وبخطاب جديد، حيث قدم أوباما نفسه كمثال للأميركي الجديد المتعدد الأعراق والخلفيات والمنفتح على الجميع، الذي يريد بناء أميركا جديدة متحدة تتخطى الفوارق العرقية والسياسية.
باراك أوباما من مواليد شهر آب - أغسطس 1961 ولد لأب كيني وأم أميركية انفصلت عن والده وباراك ابن عامين. ثم انتقل باراك بعد ذلك مع أمه وزوجها الثاني إلى إندونيسيا، ثم عاد إلى أميركا لكي يتربى في منزل جديه لأمه. عاش باراك فترة مراهقة صعبة بسبب ظروف العائلة وأزمة هوية عاشها، لكنه تمكن من الخروج من أزمته بالإصرار والعزيمة اللذين قاداه إلى التفوق الرياضي والدراسي. حصل على شهادات جامعية وأتم دراساته العليا بأكبر الجامعات الأميركية، ليعود بعد ذلك لخدمة المجتمع المحلي والأفارقة الأميركيين والأحياء الفقيرة بمدينة شيكاغو.

أدى كلُّ ذلك إلى انتخابه عضوا في مجلس شيوخ الولاية منذ عام 1997 وحتى عام 2004، وهو العام الذي انتخب فيه أوباما عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي بعد فوزه بأغلبية 70% على منافسه الجمهوري. أن خلفية أوباما السابقة وقصة نجاحه جعلت منه قصة نجاح أميركية تمثل مصدرا للأمل بالنسبة للكثيرين، خاصة مع حرصه على رسم صورته لدى الرأي العام الأميركي بشكل يؤكد الفكرة السابقة. فهو يحرص على تقديم نفسه كسياسي عصامي يمثل الأميركي العادي، لا يخضع لقيود جماعات اللوبي بواشنطن، ويترفع عن الخلافات السياسية، ويسعي لقيادة أميركا إلى مستقبل أكثر إشراقا وإيجابية.

وقد ساعد أوباما على ذلك كاريزميته التي تنبع من قدراته اللغوية والخطابية العالية، مما دفع العديد من الكتاب والصحفيين الأميركيين إلى مقارنته ببعض أكثر الشخصيات العامة الأميركية ذات الكاريزما عبر التاريخ. وزاد أوباما لمعانا في عيون المسلمين والعرب الأميركيين حديثه عنهم في خطابه أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي قدمه إلى أميركا، إذ انتقد ما تعرض له العرب الأميركيون من تمييز في أميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. قال أوباما حينها "لو تعرضت أسرة عربية أميركية للاعتقال بدون إعطائها الحق في توكيل محام للدفاع عنها أو بدون الخضوع للسير الطبيعي للعملية القانونية، فإن ذلك يهدد حرياتي المدنية".أضف إلى ذلك خلفية أوباما الأفريقية وجذوره المسلمة وانتمائه للأقلية الأفريقية الأميركية، وتدينه ومعارضته لحرب العراق ومطالبته بسياسة أميركية أكثر احتراما للحقوق المدنية في الداخل وأكثر تواضعا في الخارج.

إن صعود نجم أوباما السريع في السياسية الأميركية أيضا من أهم العوامل التي جعلته قائدا سياسيا أكثر جاذبية في عيون العديد من المسلمين والعرب الأميركيين والجماهير الأميركية الأخرى. ولكن هل يختلف السيناتور أوباما عن أوباما المرشح الديمقراطي للرئاسة أو أوباما الرئيس الأميركي؟ وهل سيتمكن أوباما من مواجهة ضغوط واشنطن واللوبيات والنخب الحاكمة والمسيطرة؟ وما هي حقيقة مواقف أوباما تجاه قضايا المسلمين والعرب؟ هل هناك وجه آخر لأوباما يتخفى وراء خطابه المنمق المتدفق في سهولة ممتنعة؟ وهل يتحول أوباما إلى بوش آخر يعجب به العرب كمرشح رئاسي ثم يتحول إلى رئيس كارثي على العرب والأميركيين على حد سواء بعد وصوله البيت الأبيض؟

قراءة خطب أوباما ومواقفه السياسية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ في أوائل عام 2005 تحتوي على العديد من النقاط الإيجابية، إذ يؤكد أوباما رغبته في سحب القوات الأميركية من العراق بشكل كامل قبل أوائل أبريل 2008، وفي تقوية المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وإصلاحها، وفي تحسين علاقة أميركا بالعالم من خلال بناء التحالفات وتقديم المساعدات الخارجية. ويتعهد أوباما بمضاعفة المساعدات الأميركية للعالم بنهاية فترة رئاسته الأولى، وباحترام حقوق الإنسان، مؤكدا استهجانه البالغ لأخطاء بوش مثل غوانتانامو والسجون السرية. كما يتعهد بأن يقرن مساعدات أميركا الخارجية بمطالبة النظم الديكتاتورية بالإصلاح، وأن يدعم الحوار بين دول العالم كالهند وباكستان، وأن يعتمد الحوار المباشر أداة دبلوماسية أساسية مع مختلف الدول بما في ذلك إيران.

وعلى المستوى الداخلي يطرح أوباما أفكارا طموحة عن الإصلاح، إذ قدم مؤخرا خطة لتوفير الرعاية الصحية للأميركيين واجهت انتقادات واسعة من جماعات ومراكز أبحاث يمينية مختلفة خوفا من تكلفتها الباهظة على ميزانية الحكومة الأميركية، مما يعني أن لديه الشجاعة على طرح أفكار تهدف إلى مساعدة المواطن الأميركي العادي لتمكينه من مواجهة آلة الرأسمالية الأميركية الطاحنة. هذا إضافة إلى تقديم أوباما تشريعات تحد من نفوذ جماعات اللوبي والضغط السياسي على المشرعين الأميركيين.
المقلق لبعض الأمريكيين هو أن أوباما برأيهم ما زال حديث عهد بالسياسة الأميركية ولم يواجه ما يكفي من التحديات ومن ضغوط جماعات المصالح واللوبي والخصوم، خاصة أنه يواجه في انتخابات الرئاسة الأميركية سياسيين محنكين على غرار هيلاري كلينتون وجون مكين. كما أنه يواجه آلة الإعلان والدعاية الأميركية المخيفة، وجهود نخب وجماعات مصالح شرسة. ففي الشهور الأخيرة طغت على السطح اتهامات لأوباما بأنه تعلم في مدارس إسلامية متشددة بإندونيسيا عندما كان صغيراً. كما تعرض لضغوط ضخمة من مناصري إسرائيل لحضوره قبل سنوات محاضرة للفقيد إدوارد سعيد، ونقل عنه بأنه صرح بأن "لا أحد يعاني أكثر من الفلسطينيين." كما نُشرت مقالات تعطي انطباعا بأن أوباما يشعر بالذنب لأنه لا يساند القضية الفلسطينية بشكل كاف، وبأنه يهادن إيران. في المقابل يمكن أن يجد المتابع في خطاب أوباما على مستوى السياسة الخارجية، نوعا من التشدد النابع من أسباب مختلفة. من بين هذه الأسباب سعي أوباما إلى تقديم نفسه على أنه ينتمي إلى وسط اليسار الأميركي لا ليسار اليسار، مما يستوجب الإشارة إلى وجود اختلافات أيدلوجية بين الجماعات اليسارية بالولايات المتحدة. فهناك جماعات أكثر ميلا للسلام والليبرالية على المستويات الأخلاقية والداخلية، في مقابل جماعات أكثر نزعة للعسكرية وللمحافظة على المستويات الأخلاقية والسياسية الداخلية.

ويمكن القول إن أوباما يحرص على تمييز نفسه عن مرشحين ينتمون ليسار اليسار الأميركي من أمثال دينيس كوسينيتش عضو مجلس النواب الأميركي الديمقراطي عن ولاية أوهايو والمرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية المقبلة والسابقة. إن مرشحين مثل كوسينيتش لا يمتلكون حظوظا واسعة للفوز بالرئاسة الأميركية أو حتى بأصوات غالبية الديمقراطيين، لكنهم يحرصون على ترشيح أنفسهم للانتخابات الرئاسية للتعبير عن أجندة تمثل مصالح أقلية من الجماهير الأميركية ذات أيدلوجية فكرية معينة. وذلك لأن كوسينيتش ينتمي ليسار اليسار الأميركي وهو صاحب أجندة معادية لحرب العراق وللحروب بشكل عام ومطالبة بالحقوق والحريات المدنية على نقاط واسع في الداخل الأميركي وبحقوق الأقليات والمهاجرين، وبسياسة أميركية أكثر اعتدالا تجاه الشرق الأوسط وأكثر انفتاحا على العالم الإسلامي. وهذه الأفكار الجريئة قد تقلل حظوظ صاحبها في الحصول على تأييد غالبية الشعب الأميركي التي يحتاجها أي مرشح رئاسي أميركي حريص على المنافسة على مقعد الرئاسة والوصول إليه. لذا نجد أن أوباما حريص على تقديم نفسه باعتباره سياسيا قادرا على إرضاء اليمين واليسار الأميركيين انطلاقا من أجندة ليبرالية متوسطة في يساريتها، كما يقدم نفسه على أنه سياسي قادر على حماية أمن أميركا وبناء جيش قوي والضغط على أعداء أميركا في الخارج في الوقت الذي يقوم فيه بتحسين علاقاتها مع دول العالم المختلفة من خلال سياسة تقوم على بناء التحالفات والعمل من خلال المؤسسات الدولية وزيادة المساعدات الخارجية.

وانطلاقا من هذه الأجندة يؤكد أوباما عزمه على بناء جيش أميركي قوي، وحرصه على منع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل من خلال التفاوض المباشر مع الإيرانيين على أن لا يستبعد خيار استخدام القوة العسكرية بشكل نهائي. ومن بين تلك الأسباب أيضا أن أوباما ينطلق من واقع سياسي معين تتحكم فيه سياسات أميركية تمت بالفعل ونخب حاكمة قوية ومسيطرة. وهنا يظهر أن أوباما يحرص في خطابه على تأكيد إيمانه بأن أميركا هي "آخر وأفضل آمال الأرض" أو البشرية، وبذلك يغذي المشاعر القومية الأميركية وشعور الأميركيين بالرسالة (أن الأميركيين شعب خاص له رسالة قدرية تؤهله لقيادة العالم وتطالبه بذلك)، وهي المشاعر نفسها التي أساء المحافظون الجدد استغلالها خلال السنوات الأخيرة. ولكن أوباما يحاول استخدام تلك المشاعر لإقناع الأميركيين بالعدول عن مشاعر العزلة التي تعصف بهم حاليا بعد فشل حرب العراق، وإقناعهم بوجود دور إيجابي يقومون به في السياسة الدولية.غير انه يعود ليعبر عن اقتناعه بأنه ينبغي لأميركا الاحتفاظ بقوات محدودة في العراق بعد الانسحاب منه لأغراض التدريب ومكافحة القاعدة، وهو يلوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إفراطه في نقد إسرائيل في الوقت الذي يتجاهل فيه ما يجري في دارفور. كما يدعو أميركا إلى التدخل في شؤون العالم الإسلامي لدعم القوى المعتدلة ومكافحة القوى المتشددة، ويطالب الشركات الأميركية من خلال مشروع قانون يرعاه، بعدم الاستثمار في قطاع الطاقة بإيران، ويؤكد حرصه على حماية حليف أميركا الأول في الشرق الأوسط إسرائيل وعزل خصومها.

هذه مجموعة من الأفكار المختلطة التي لا تعبر بالضرورة عن مواقف يسارية معينة بقدر ما تعكس مصالح النخب الأميركية الحاكمة ومجموعة المصالح الخاصة أو ما يُسمى "لوبيات واشنطن" وسياساتها الخاطئة وعجزها عن إعادة تقييم مواقفها تقييما حقيقيا يعكس القيم الأميركية ويبحث عن حلول أصيلة لمشاكل العالم وللمشاكل التي تواجه سياسة أميركا الخارجية، وخاصة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. وهذا يعني أن أوباما وليد لحظة وظروف أميركية معينة قد لا يستطيع بسهولة التخلص من تبعاتها الظاهرة والكامنة، وأن أوباما المرشح الرئاسي أو الرئيس قد لا يعكس بالضرورة أوباما المحامي المدافع عن حقوق الأقليات والمستضعفين بأحياء شيكاغو الفقيرة. يضاف إلى ذلك أن ماكينة الانتخابات الأميركية الطاحنة قد تدفع أوباما الحديث العهد بالسياسة وضغوطها بعيدا عن مواقفه السابقة. ويخلص البيومي الى القول أخيرا أنه بقي لنا أن نؤكد أن الحكم على أوباما ما زال مبكرا، إذ ما زال هناك متسع من الوقت والمصادر لبناء حكم أدق وأشمل عن أوباما ومواقفه خاصة مع اشتعال وتيرة الانتخابات الأميركية ودخول السباق الرئاسي مراحله الأكثر تطورا، لمقارنة مواقف أوباما بمواقف خصومه من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.
للمقال بقية


لمراجعة ألحلقة الأولى:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139085








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة