الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستبد .. صناعة قائد في حكم 4 عقود

ثامر الحاج امين

2008 / 7 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يُعّرف المستبد – كمصطلح سياسي – بانه الحاكم الفرد المطلق ، الذي يتولي الحكم بالغلبة ويتصرف بحقوق القوم بمقتضى الهوى وبلا خوف . واول ظهور لهذا المصطلح في كتاب على وجه الاستقلال ، كان كتاب المفكر "عبدالرحمن الكواكبي" "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" الذي ظهر للنور منذ اكثر من سبعين عاما ، بعدما ظل الاستبداد يرافق الحياة بوجه عام والحكم بوجه خاص ، حيث يشتد ويضعف بقدر مايخبو الوعي السياسي او ينمو .
ويأتي كتاب " المستبد – صناعة قائد ، صناعة شعب " لمؤلفه زهير الجزائري ليسهم في اغناء هذا المفهوم من خلال تناوله لتجربة الحكم في العراق للعقود الاربعة الاخيرة من القرن الماضي .
فبأربعة عشر فصلا ضمها الكتاب المذكور ياخذنا الكاتب في رحلة يصفها الباحث فالح عبد الجبار في معرض تقديمه للكتاب بانها ( التنقيب في حقبة البعث التوتاليتارية وهي في عز جبروتها وذروة هوسها بالتكتم والاسرار )
يستهل المؤلف الفصل الاول من كتابه باستعراض موجز لتاريخ اهم اقطاب الجكم التي تناوبت على السلطة في العراق ومهدت لتأسيس دولة الاستبداد في مطلع ستينيات القرن الماضي وكشفه لزيف الشعارات القومية التي تشبثت بها واستخدمتها اسلوبا لتثبيت سلطتها . ثم انتقالها لمرحلة جديدة اسماها المؤلف " ترتيب البيت " وذلك من خلال قرار قيادة البعث التي وصلت الى سدة الحكم في 17 تموز 1968
بحسم ازدواجية السلطة وقيامها بتصفية حلفائها " النايف والداوود" اللذين سهلا لها القفز الى المواقع الاولى في السلطة .
وبعد ان استتب لها الامر واحكمت سيطرتها على الجيش راحت تفكر بالجانب الأمني فلجأت الى انشاء "مكتب العلاقات العامة " الذي كان النواة لتشكيل جهاز "المخابرات" الذي تولى تصفية الخصوم السياسيين وكذلك تصفية قيادة الجهاز نفسها، كذلك انيطت به مسؤولية ماسمي "القضاء على احتياطات الثورة المضادة ".واعتمدت القيادة على فرضية مسبقة تقوم على "نية التآمر " لدى الاخرين والارتياب منهم . وبالتالي وضعهم في دائرتين كهدف ، الاولى زرقاء تعني ان الحالة مرصودة وماتزال مجرد شبهة والدائرة الحمراء وتعني ان الحالة في مرحلة الخطر ، وبهذه الفرضية كان الجميع يسير الى حتفه دون ان يدري .
وفي عملية اسماها المؤلف "صعود من الخلف "يصف فيها دعم" البكر" في صعود "صدام" الكاسح على قيادته لأجهزة الامن في دولة اعتبرت الامن هاجسها الاول واصفا الاخيربانه (لم يصعد على حساب اجهزة الدولة وحدها انما ايضا على حساب الحزب ) وذلك عندما حسم المسافة بينه وبين قيادة الحزب باعدامة عشرات الكوادر المتقدمة في الحزب يوم 17 تموز 1979 في ليلة اطلق عليها "ليلة السكاكين الطويلة "التي قطعت طريق المباحثات العراقية السورية عام 1979.
وفي محاولة الاجابة على سؤال ،لماذا يكون المستبد شديد الخوف ؟ يتناول المؤلف الحدث الايراني المتمثل بسقوط نظام "الشاه" كذلك موقف الحكومة الاسلامية الجديدة في ايران التي لم تخف رغبتها في تصدير الثورة الى بلدان المنطقة .، وهو مادفع النظام في العراق من اتخاذ سلسلة تدابير احترازية لزيادة تحصيناته الامنية ممثلة بحملة اعتقالات واعدامات للشيوعيين وحملة على الشيعة وحملة تهجير للعراقيين من التبعية الايرانية " اضافة الى حملة تصفيات داخل البعث بعد تسلم صدام الرئاسة من البكر ".
فكان قرار الحرب على ايران الذي اعتبرته القيادة العراقية جزء من اقدارها ورسالتها ، ولكي تاخذ هذه الحرب امتدادها لفتوحات المسلمين الاوائل سميت ب "القادسية " ، وقد فعل النظام العراقي كل شيء من اجل كسب الحرب التي استمرت ثمان سنوات انهكت قدرات الدولتين الاقتصادية والعلمية والعسكرية والبشرية وقد صور الفنان الفلسطيني "ناجي العلي" ختام هذه الحرب على شكل كدسين من الجثث والخرائب وفوقها طائر الموت المنتصر الوحيد في الحرب .
يقول المؤلف انه (خلال الدورة المغلقة بين القمع والحرب ارتبط مشروع الدولة القوية بالخيار العسكري .. فهو الحل الامثل للأزمة الاقتصادية التي تجسدت بخسائر تقّدر ب (452.6)مليار دولار وديون تزيد على 70 مليار دولار .).
كما ظل هاجس الخوف من مؤامرات داخلية واخرى خارجية شاغلة لذهن القيادة السياسية الامر الذي جعل من خيار النظام هو الهروب الى الامام من خلال مباغتة النظام الدولي الجديد الضاغط بمغامرة غير محسوبة تقلب المعادلات وتربك منطق الكبار فكانت هذه المغامرة هي صناعة الصواريخ بعيدة المدى ثم مهاجمة دولة "الكويت "وابتلاعها وفرض الاحتلال كأمر واقع على نظام دولي جديد وقد وجد المؤلف ان مامهد لهذه المغامرة هو (خروج صدام من لقائه بالسفيرة الامريكية غلاسبي بانطباع ان هناك قبولا امريكيا ضمنيا بمغامرته في الكويت او بعض منها على الاقل ).
وهكذا حصلت الحرب الثانية التي (جمعت المأساة من اطرافها الثلاثة ..عدمية الحرب ونتائجها المروعة واستباحة السيادة الوطنية ) حيث وقع المفاوضون العراقيون على شروط استسلام كاملة .اعقب هذا الانكسار اندلاع انتفاضة مدن الوسط والجنوب كتعبير عن رفضها لسياسة النظام الهوجاء فيصف المؤلف كيف تصدت السلطة لها بقوله (كلما ازدادت وطأة الهزيمة الخارجية ازدادت القسوة على عدو الداخل بحث فاق عدد ضحايا القمع الداخلي باربع مرات ضحايا الحرب الخارجية ).
يقول المفكر عبدالرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ..." "ان اقبح انواع الاستبداد هو استبداد الجهل على العلم " فقد رافق هذا التردي صعود سلطة الابناء مع تركز السلطات داخل العشيرة التي امتلكت سلطة موازية لجوانب الدولة .
فابناء الرئيس واصهاره وابناء عمومته وابناء عشيرته – وغالبيتهم دون مؤهلات وكفاءة – صاروا يتصدرون الكثير من المواقع الثقافية والعسكرية والصناعية والامنية.ويختتم المؤلف كتابه بفصل اسماه " صناعة الرمز" سائلا عن التقاليد المتنامية في عبادة القائد . ابتداء من رغبة القائد نفسه وحاجته المتأصلة لأعلاء الذات على الاخرين ، ام من تملق الجهاز المحيط المحكوم بتراتبية الخوف ، ومشيراً الى ان هذه التقاليد هي صناعة بعثية خالصة من خلال احاطته بطقوس احتفاليه شبه دينية والانتشار الكمي للصور وعجلة اعلام جبارة تلهج ليل نهار بأسم القائد .
لقد مثل الكتاب سيرة نظام حكم العراق بالحديد والنار طيلة ثلاثة عقود مثلما هو (فرصة للقاء معرفي بين اجيال وفرصة للمعافاة من الشرخ ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى