الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة تغير المناخ عن طريق التعاونيات- في الواقع السوداني...

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2008 / 7 / 24
الادارة و الاقتصاد


في إطار الاحتفال باليوم العالمي للتعاونيات
"مواجهة تغير المناخ عن طريق التعاونيات" في الواقع السوداني...
يحتفل الملايين من التعاونيين والمنظمات والجمعيات التعاونية في كل بقاع العالم في الاسبوع الاول من شهر يوليو من كل عام، باليوم العالمي للتعاونيات، ويتم الاحتفال هذا العام 2008 تحت شعار"مواجهة تغير المناخ عن طريق التعاونيات". ويشير خبراء الأمم المتحدة إلى واقع أن السودان يضم 5 ملايين نازح داخلي، إضافة إلى عدد غفير من اللاجئين من دول الجوار يتمركزون في بؤر ومناطق محددة. ويعتبر هذا التمركز أحد أهم عوامل الصراع للاستئثار بالثروات الطبيعية. وإذ تُستَثمر البيئة في شكل عشوائي، يُركّز الخبراء على المعطى الاستهلاكي في صورة شبه حصرية الذي يؤول إلى معاناة البشر وهجرتهم بالترافق مع تدمير الموارد الطبيعية. ومع غياب نظم الإدارة وضعفها، يؤثر هذا النزوح السكاني في توازن البيئة في أشكالها كافة. كما لا يخلف سوى البؤس والتناحر، فيبقى الأقوى ويرحل الضعيف أو يلقى حتفه. ويقول الخبراء: «حتى بعد استقرار الأمن في الجنوب، عاد النازحون إلى قراهم، فوجدوا آثار الدمار محيطة بهم في كل جانب، وما عليهم سوى البدء من الصفر... قد يتسبب هذا في موجة جديدة من التدهور البيئي، إذ لا يستطيع المنهكون من النزوح تحملها، لعدم وجود أي دعم اقتصادي متكامل، أو خطة شاملة للتعامل مع التحديات المستقبلة، وفق خطة منهجية واضحة». وهذا الوضع يتطلب تضافر الجهود الحكومية والشعبية المتمثلة في الاعتماد علي النفس والجهود الامكانات الذاتية، لمواجهة هذا الخلل البيئي والكارثي، وهنا تبرز أهمية التعاونيات والعمل التعاوني كوسيلة ناجحة خاصة في المجال الزراعي المتدهور.
ويؤكد الخبراء إلى أن نتيجة هذه العوامل تتمثل في «تزعزع أسس الزراعة التي تمثل أحد أهم أكبر القطاعات الاقتصادية في السودان، بأثر من تدهور أحوال البيئة وتفاقم مشكلاتها المزمنة الناجمة عن استمرار تدهور الأراضي بمختلف أنواعها، وانجراف ضفاف الأنهار، وانتشار بعض أنواع النباتات الطفيلية الاجتياحية، مع إساءة استعمال المبيدات الحشرية، ما يؤدي إلى تلوث في المياه المستخدمة للشرب والزراعة». كما ينبّه خبراء «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» إلى ما ينجم عن سوء إدارة الزراعة الآلية، التي تغطي مساحة لا تقل عن ستة ملايين هكتار ونصف المليون. ويؤدي الأداء العاثر الى زوال تدريجي للغابات على نطاق واسع، وفقدان الحياة البرية وتدهور حال الأراضي بشدة. ويرى هؤلاء الخبراء أن إزالة الغابات في السودان تسير بمعدل يزيد على 0.84 في المئة سنوياً على المستوى الوطني، و 1.87 في المئة في المناطق التي شملتها دراسة التقرير. ويعود هذا التراجع بصفة أساسية إلى متطلبات الطاقة من جهة، والحاجة الى المساحات التي تشغلها الغابات لاستعمالها من أجل الزراعة. وخسر السودان 11.6 في المئة من غطائه الغابي بين عامي 1990 و2005، أي نحو 9 ملايين هكتار. وكذلك اختفى ثلثا غابات الشمال والوسط والشرق بين عامي 1972 و2001، وفقدت دارفور ثلث غاباتها بين عامي 1973 و2006. كما خسر الجنوب 40 في المئة من ثروته الغابية منذ الاستقلال، ولا يزال قطع الغابات يتواصل حتى اليوم. ويتوقع خبراء الأمم المتحدة أن يفقد السودان سنوياً 10 في المئة من غاباته كل 10 سنوات، إذا استمر التدمير على النحو السائد راهناً. كما يعبر التقرير عن قلقه من احتمال اختفاء الأشجار من مناطق بأسرها. وفي هذا المضمار، يشير التقرير إلى أنه في إقليم دارفور توفر صناعة الطوب مصدر عمل للعديد من النازحين المقيمين، لكن هذه الصناعة تقوم على استهلاك الحطب بصورة غير محسوبة، ما يساهم في إزالة الغابات المحلية... في المقابل، فإن التنسيق الجيد بين الشمال والجنوب في هذا المجال يمكن أن يحافظ على الكثير من ثروة الغابات في السودان».
ويمكن للسودان أن يستفيد من التجارب الدولية للمنظمات التعاونية والتي استطاعت أن تحافظ علي نظافة البيئة ووقف التدهور البيئي الهدام، من خلال تنظيم المواطنين في تعاونيات حقيقية تقوم علي اسس ومبادئ وقيم التعاون العالمية بعد دراسات جادة وفنية من قبل الدولة.
ويشير التقرير إلى خطر التصحّر الذي يهدّد المناطق شبه الصحراوية في السودان، ومناطق غابات «السافانا» التي تمثل 25 في المئة من أرض السودان الزراعية. وإذ صدقت تلك التوقعات، فمن شأنها أن تؤدي إلى هبوط حاد في الإنتاج الزراعي قد يصل إلى 20في المئة من قيمته الحالية. كما ستؤدي التغيرات المناخية المتوقعة إلى تراجع كميات الأمطار، مع تراجع المجتمعات الرعوية التي ستجد نفسها مضطرة إلى تكثيف حضورها أينما يوجد العشب، خصوصاً في دارفور وكردفان، ما قد يجعل فتيل التوتر مشتعلاً لسنوات مقبلة. والحال أن مواسم الجفاف التي مر بها السودان لفترات طويلة، أضرت بالتربة الزراعية، ولما كانت الحروب والنزاعات تستنزف موارد الدولة وطاقاتها البشرية، فإن يد الإهمال ضربت تلك الأراضي، وتركت أثراً مضاعفاً عليها. في المقابل تشهد مناطق مختلفة من السودان فيضانات النيل الأزرق شرقاً، التي تؤثر بشكل سلبي فيها، خصوصاً بعد تراجع كثافة الغابات، ونزوح عدد كبير من الرعاة من المناطق الجافة بحثاً عن المراعي.
ولقد اُبتت التجارب التعاونية الزراعية في كثير من الدول في أفريقيا وأسيا وامريكا اللاتينية، نجاح هذه التعاونيات في الحفاظ علي البيئة ووقف التصحر من خلال تنظيم وتدريب المزارعين علي الاساليب والطرق الزراعية الحديثة والتي تضمن دخول ثابة وعالية، وبالتالي عدم التعرض للقطاع الغابي بالقطع الجائر، والذي يعتبر من العوامل الاساسية في التصحر.
وفي سياق متصل، يرى «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» أن خطط السودان لبناء قرابة الـ 20 سدّاً تمثل القضية الرئيسية في قطاع الموارد المائية في السودان وأشدها حساسية. إذ توفر هذه السدود مصدراً للطاقة الكهربائية، إلا أنها قد تثير أيضاً مشكلات بيئية واجتماعية. ويخشى خبراء الأمم المتحدة عدم مطابقة تلك المشاريع للمعايير الدولية، وخصوصاً معيار الشفافية. كما يعتقدون بأنه يتوجب على السودان إجراء مشاورات دولية واستشارات مع السكان المعنيين قبل الإقدام على تنفيذ هذه المشاريع. فعلى سبيل المثال، يؤدي «سد مروى» إلى ترسّب نسبة كبيرة من الطمي في «بحيرة الخزان»، ما يؤدي إلى تآكل ضفاف النيل بسبب التدفّق المكثّف للمياه خلال فترات زمنية وجيزة. وكذلك فإن طاقة التخزين الفعّالة لمستودعات السدود بالسودان تتأثر بدرجة خطيرة بمعدل ترسّب الطمي، باستثناء «جبل أوليا». كمـا قد تتسبب تلك السدود في تدهور حاد في نظم الأراضي الرطبة، خصوصاً غابات السنط على النيل الأزرق، وغابات نخيل الدوم على ضفاف نهر عُطبرة السفلى. ولن تستطيع الحكومة وحدها تلافي هذه الاخطار المتوقعة ما لم تتكامل جهودها مع الجهود الشعبية والتي من أهمها التعاونيات.
ويتعاظم الدور الحيوي والفعال في حماية البيئة، والتي جعلت منه الحلف التعاوني الدولي شعارا لها للاحتفال باليوم العالمي للتعاونيات "مواجهة تغير المناخ عن طريق التعاونيات"، أذا امعنا النظر في الوضع الحالي للثروة البرية في السودان. فلقد شهدت العقود القليلة الماضية عدواناً كبيراً على الحياة البرية وموائلها. وكان الضرر الأكبر لتدمير الموائل وتجزئتها في شمال السودان ووسطه بسبب توسع الزراعة وقطع الغابات. واختفت الحيوانات البرية الكبيرة عموماً وباتت محصورة غالباً في قلب المحميات وأقاليم صحراوية نائية.
ففي الجنوب، أدى الصيد العشوائي إلى هلاك القسم الأعظم من تجمعات الحيوانات البرية والاستئصال المحلي لكثير من الأنواع الكبيرة، مثل الفيل ووحيد القرن والجاموس والزراف والحمار الوحشي وغزال أم كاباجو. ومع ذلك، فتجمعات الحياة البرية المتبقية، بما في ذلك قطعان ضخمة من غزال الحمراية الأبيض الأذن وغزال التيتل، تتسم بأهمية دولية. يتمتع نحو 50 موقعاً منتشرة في أنحاء السودان بشكل ما من الحماية القانونية، وهي تغطي 10 في المائة من مساحة الشمال و15 في المائة من مساحة الجنوب. غير أن مستوى الحماية «المكفولة» لهذه المناطق يتراوح بين الطفيف والذي لا يستحق الذكر، وكثير منها غير موجود اليوم إلا على الورق. ويقع العديد من هذه المناطق الهامة في أقاليم تأثرت بالنزاع، وبالتالي عانت من الغياب الطويل لحكم القانون. وباستثناء ثلاث مناطق (حظائر دندر وسنقيب وخليج دنقناب الوطنية) لا تتوافر بيانات عن الحياة البرية والمناطق المحمية تسمح بوضع خطط مناسبة لإدارتها.
وفي هذا الاطار يمكن أن تقام المحميات البرية مثل محمية حديقة الدندر، وفقا للاسس التعاونية بحيث يشرك المواطنين بالمنطقة في إدارة وحماية الحياة البرية بالمنطقة، مع الاستفادة من خيراتها وريع ارباحها ودخلها، وبذلك يتوفر دخل محترم للمواطنين السكان بهذه المنطقة، وفي نفس الوقت نضمن سلامة الحياة البرية وتنميتها وتنوعها، من خلال مشاركة السكان في حمايتها والحفاظ عليها.
عموما السودان مؤهل لان تلعب التعاونيات دورا فاعلا في حماية البية ووقف التدهور الظاهر للعيان في جميع مكوناتها بالريف والحضر علي السواء. لكن هذا الدور المرتقب يتطلب في الاساس نهضة تعاونية شعبية متزامنة مع دور فاعل للحكومة، يتمثل في قرار سياسي شجاع يعيد به مكتسبات الحركة التعاونية التي فتتها "حكومة الانقاذ" بقراراتها الغير موفقة. ويكون ذلك بتعديل قانون التعاون الكسيح لعام 1999م، وإعادة مباني ومقار مركز التدريب التعاوني القومي الذي سلب بواسطة ولاية الخرطوم بغير حق، ووضع التعاونيات في برامج وخطط واستراتيجيات الدولة.
محمد الفاتح عبدلوهاب العتيبي
[email protected]










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة


.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام




.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با