الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق واوهام العرش الفارغ الاحرى بالعراقيين استلهام النظم الدستورية العالمية الافضل لا التجارب الرثة

حسين الهنداوي

2004 / 1 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كثر الحديث خلال الايام الاخيرة عن خيار احياء النظام الملكي الهاشمي في العراق والمطاح قبل 46 سنة، كأحد الخيارات الاستراتيجية لحل أزمة غياب النظام السياسي في هذه البلاد بعد انهيار معظم مؤسسات الدولة فيها، ومنها الامنية والدفاعية اثر الحرب الامريكية البريطانية التي اسفرت عن احتلال العراق عسكريا.
 وتذهب هذه الجهات الى الايحاء احيانا بأن الفكرة تحظى بمباركة لندن وحتى واشنطن، صاحبة الامر والنهي في العراق حاليا، الى جانب تأييد متزايد في العراق في اشارة الى تجمعات صغيرة عرضتها بعض الفضائيات العربية اكثر مما عرضت نفسها في بغداد. بل تذهب احيانا الى حد الحديث عن تنافس بين مرشحين ثلاثة من العائلة الهاشمية لتولي العرش الفارغ المتخيل في بغداد وعبر البوابة الامريكية ذاتها وليس في مواجهتها بداهة.
والحال ان كافة المؤشرات تؤكد بأن هذه "الوصفة" قضية لا تعني قطعا الغالبية الساحقة من العراقيين انفسهم المنهمكين بتلمس مواقع اقدامهم بعد كارثة الانهيار الشامل للامن والحياة اليومية رغم فرحهم العارم بانهيار الدكتاتورية البعثية، فيما يعتبر البعض هذه الوصفة مريبة بذاتها وتستغل اوضاعهم الصعبة لمصلحة اصحابها وحدهم، خاصة وان الجهات التي تروج لها، تأكيدا او نفيا، اردنية او قريبة من الحكومة الاردنية برغم ان هذه دأبت رسميا على التأكيد على "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" للعراقيين كلما اثيرت استفهامات او شكوك حول دور لها في شأن او آخر عراقي داخلي تحديدا.
بلا شك ان اقتراح الخيارات لملء الفراغ الحاصل في النظام السياسي العراقي الحالي حق للجميع عراقيين وغير عراقيين. لكن زعم "شرعية تاريخية" ما لهذا الاقتراح او ذلك هي التي تثير الجدل كما هو الحال بالنسبة لعودة النظام الملكي الهاشمي حتى اذا افترضنا ان هذا النظام صالح ونموذجي للعراق وهو امر موضع شك كبير، كما ان هذه النموذجية كانت مفقودة سابقا في الواقع والدليل الاطاحة به من قبل العراقيين انفسهم ثم عدم الحنين اليه طوال نصف قرن تقريبا من اي فئة تذكر من فئات المجتمع العراقي التي اعتبرته دائما من صنع الاحتلال البريطاني لبلادهم ومسؤولا عن زج بلادهم في خدمة الاحلاف العسكرية الاجنبية واداة لسرقة ثرواتهم النفطية خاصة من قبل الشركات الغربية.
والحال، يتجاهل هذا الحديث عن "وصفة" الملكية انه، ورغم الفوضى وانكسار الدولة والفراغ الشامل الذي تمر به الاوضاع العراقية حاليا فأن النظام السياسي الذي يجدر بالعراقيين استلهامه او اقامته لأنفسهم بعد نكبتهم بالدكتاتوريات القومية، هو نظام ديمقراطي متقدم وحديث على الاقل وليس قطعا نظاما مثار جدل كالذي في هذه او تلك من دول العالم الثالث ومنها الهند او الاردن او تركيا او ايران بغض النظر عن احترامنا لهذه التجارب. فهذه الانظمة قد تكون اغرت العراقيين في وقت سابق عندما كانوا يعانون من النظام القمعي البعثي الا انها ابعد من ان تغريهم حاليا بعد تخلصهم من طغيانه. اذ ينبغي ان تغريهم الانظمة الديمقراطية الاكثر تطورا كما في فرنسا او المانيا او اليابان او حتى كما في الولايات المتحدة او بريطانيا التي غدت تحتلهم رغما عنهم. اما اذا كان الهدف هو قطع الطريق امام التيار الاسلامي المتشدد، فهذه قضية اخرى الا ان احياء ملكية بائدة سيكون سببا اضافيا للتطرف والتعصب.
ومهما يكن الامر فان اي دعوة لعودة النظام الملكي الهاشمي الى العراق ينبغي ان تبرر نفسها موضوعيا ونقصد ان تتوفر لها شروطها المادية واحزابها وتراثها السياسي والفكري وهذه كلها غائبة كما هو غائب جسديا آخر ملوك العراق فيصل الثاني الذي اغتيل في 1958. وحتى اذا كان على قيد الحياة فان شرعية استرجاعه السلطة لا يمكن ان تكون تلقائيا انما عبر استفتاء او انتخابات تشريعية. وايضا فان فرص عمان ككل العواصم المجاورة، محدودة جدا في التأثير في الوضع العراقي الجديد لاسيما في رسم الخيار السياسي المقبل لأسباب معلومة.
فأولا هناك الغياب التاريخي الدائم والطبيعي للعنصر الاردني في الشأن العراقي نظرا لغلبة الثقل العراقي دائما وتاريخيا في هذه المعادلة بين بلدين احدهما قديم جدا وآخر حديث جدا في وجوده.
وثانيا لأن سياسات ومواقف الجانب الاردني خلال السنوات الثلاثين الماضية كانت براغماتية بشكل مفرط (عين على النفط وعين على النظام) الى درجة انها لم تفرق غالبا، على الصعيدين الرسمي والشعبي في الواقع، ما بين الشعب العراقي وطموحاته السياسية وبين النظام الدكتاتوري البعثي الذي غالبا ما استعان بالتأييد الشعبي الاردني والفلسطيني لقمع شعبه، مما خلق، في الجانب العراقي خاصة، "مرارة" في العلاقة بين الشعبين الاقرب جغرافيا وسكانيا وثقافيا في الماضي القريب انما ليس بالضرورة لحد الآن.
وانتقال الاردن من موقعه السابق كحليف استراتيجي للنظام الذي دمر العراق وشعبه الى حليف طبيعي للشعب العراقي يتطلب تغيرا جذريا في "شخصية" الحكومة في الموقف من العراق يصعب علينا تصوره  في رئيس الحكومة الاردنية الحالية او منافسيه التقليديين.
فبعد نحو عقد من القطيعة الكاملة والحملات الاعلامية بين الجانبين بعد انهيار الاتحاد اثر مذبحة مريعة للعائلة الهاشمية في العراق ساهم فيها البعثيون، عادت العلاقات القوية تدريجيا بعد نجاح الانقلاب البعثي في العراق عام 1968،  ثم خاصة بعد تصفية وجود المقاومة الفلسطينية في الاردن في سبتمبر 1970، لتبلغ ذروتها بعد تفرد صدام حسين بالسلطة في 1979 لا سيما خلال حرب  الثمان سنوات العراقية الايرانية المدمرة التي وقف فيها الاردن بكل قواه الى جانب نظام بغداد الى حد قيام العاهل الاردني الراحل الملك حسين علنا باطلاق احد القذائف العراقية باتجاه ايران فيما تحول الاعلام الاردني بمجمله الى مجرد ملحق للاعلام الرسمي العراقي. 
وحتى اذا كانت الاسرة الهاشمية ومنذ منتصف التسعينات بدأت عملية فك ارتباط ثابتة مع النظام البعثي بمبادرة من الملك الراحل حسين وهو ما واصله الملك عبد الله، فان عمان لم ترفد هذه العملية باستراتيجية واضحة حيث ظلت المصالح النفطية والتجارية هي الهدف الاعلى كما ظلت مقيدة الحركة بفضل اللوبي الموالي للنظام العراقي والاقوى بين جماعات الضغط الاخرى في البلاد.
هاتان الحقيقتان السلبيتان بالنسبة للاردن خاصة، تتبعهما ثالثة وهي ان الاخير لا يعرفهما او يريد معالجتهما لحد الآن متوهما انه كان يدافع عن الشعب العراقي. والحال ان الطبقة السياسية والثقافية الاردنية لا تفعل شيئا لمعالجة هذا الواقع، مواصلة صدمتها المعلنة بسقوط نظام صدام حسين، ومترددة في الجرأة على تصديق دلائل الطبيعة الرديئة لنظامه ناهيك عن ادانتها حتى بعد انكشاف سلسلة المقابر الجماعية والسرقات والفساد والانهزام في الحرب. والحال ان معالجة الخلل في العلاقات بين الشعبين لا تتم الا بمبادرات اردنية وليس العكس، وقطعا ليس الطموح بتولي عرش يبدو للناظر المتوهم شاغرا.
وتستطيع عمان فتح صفحة جديدة وسريعة النتائج عبر الاستفادة من الرصيد الجزئي في الواقع الذي تمتلكه العائلة المالكة لدى بعض القبائل العراقية وبعض المراجع الدينية الى جانب العلاقات الاشكالية التي اقامها ولي العهد السابق الامير حسن مع عدد من الشخصيات العسكرية والمدنية في المعارضة العراقية السابقة كما من تقدير العراقيين للنظام الدستوري والديمقراطية الاردنية. الا ان هذا يتطلب اقدام عمان على بلورة استراتيجية جريئة وسريعة وشفافة لم تبدأها للآن لمساعدة العراقيين دون اطماع معلنة او خفية.
ومهما اطلق البعض عاليا خرافة ضرورة عودة النظام الهاشمي الى العراق، يسخر سياسيون عراقيون كثيرون من "بساطة" اصحاب فكرة هذه الضرورة لا سيما وان الهدف شبه المعلن لها ليس الملكية الدستورية او الديمقراطية بذاتها كنظام سياسي انما "تطويق" الاغلبية السكانية "من فوق" عبر نوع من المحاصصة الطائفية المستورة تضمن منع وصول عراقي من الشيعة او الاكراد الى رئاسة الدولة العراقية، فيما يبدو الجدل "بيزنطيا" حول الاسماء المتداولة لملء العرش الشاغر المتخيل واشبه بقفزة في الفراغ نظرا لأنها جميعا كانت غائبة وغالفة عن الساحة العراقية لعقود طويلة وبشكل لا يشبه تماما حال العراق في 1920 عندما فرضت عليه المندوبة البريطانية السيدة غيرترود بيل فيصل الاول ملكا وسط احتجاجات شهيرة لدى السنة والشيعة في جنوب ووسط البلاد وشمالها الكردي ايضا.
واضافة الى الحقيقة الكبيرة بنسيان اغلبية العراقيين للمملكة الهاشمية الزائلة من بلادهم فان ذكرى آخر ملوكهم فيصل الثاني لا تضاهي ذكرى الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم قائد الانقلاب العسكري الذي اطاح بالملكية الهاشمية تحديدا والذي اصبح الآن كما يبدو الشخصية السياسية الاكثر احتراما ومجدا في الذاكرة الشعبية في كل البلاد ومنذ ان قتله البعثيون في  1963 في الواقع، برغم مسؤولية نظامه ومسؤوليته الشخصية، وكذلك مسؤولية الشيوعيين العراقيين لا سيما قادتهم الاكثر تبعية لقاسم آنذاك وتملقا له وطفولية واستهتارا بمصير الثورة والبلاد وفي مقدمتهم بهاء الدين نوري وزكي خيري وعزيز محمد وعامر عبد الله وعزيز الحاج علي حيدر صاحب شعار "الزعيم الاوحد فالاوحد فالاوحد".
فسواء كان الطامح بالعرش الشريف علي بن  الحسين الذي يعيش في لندن منذ سن الثانية ولحد قبل ايام، او الامير رعد بن زيد الذي يعيش في عمان موظفا كبيرا في القيادة الاردنية، او غيرهما، فان هذا الطموح يستحق الاعجاب انما كبعيد عن الواقعية السياسية على الاقل لأنه يغفل حقيقة ان الملكية الهاشمية التي لم تكن نظاما راسخ الجذور في العراق اصلا، كما لم تكن نظاما شعبيا انما مفروضا من الخارج البريطاني علاوة على انها اختفت كخيار سياسي لدى الاجيال العراقية الجديدة التي يبدو تعلقها بالجمهورية تعبيرا عن التحرر من الاستعمار البريطاني من جهة ومن القمع البعثي من جهة اخرى والذي بدا دائما كتنكيل بالشعب العراقي عقابا على ثورتهم في 1958. اما اذا كان المرشح اردنيا كولي العهد  الاردني السابق الامير حسن بن طلال، فان اصحاب هذه الفكرة، اذا خلصت نواياهم ولم يكونوا على علاقة بالاجهزة الاردنية كما هو معروف عن بعضهم، في خيال هو السذاجة ذاتها وقطعا وهم قلة ضئيلة لا يعرفون عن تعقيدات المجتمع العراقي واهمية هاجس كرامته وحتى نرجيسته شيئاًَ.
وفي كل الاحوال فان كافة الطامحين بالعرش في العراق لا يملكون حتى بعض الشروط التي عاد معها الى بلاده الملك الافغاني السابق ظاهر شاه او خاصة تلك التي عاد معها الى بلاده الملك البلغاري المخلوع سيميون الثاني ليصبح أول ملك سابق في أوروبا الشرقية يعود إلى الحلبة السياسية في بلده بعد انهيار الأنظمة المخابراتية للاحزاب الشيوعية التي حكمتها نحو نصف قرن ايضا.
انتهى
د. حسين الهنداوي، شاعر وكاتب عراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا