الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تعتذر , فقد أتاك موتٌ أصغر شأنا من رحيلك

شجاع الصفدي
(Shojaa Alsafadi)

2008 / 8 / 11
الادب والفن



حين تصدى الموت لرحلة الستين , جلستَ على ضفة الرحيل مبتسما , تنتظر القطار وتكتب للريح أنك لن تعتذر عما فعلت , لا تعتذر , فقد أتاك موتٌ أصغر شأنا من رحيلك , لا تعتذر فالريح تحملك ملاكا تزف إليك القصيدة , يكسوها ثوبٌ لم يفصله سواك , ويحملها تراب وطن لم يعرف الحزن عن نفسه بقدر ما عرّفته له قصائدك , وثورة كان يفتك بها الوقت ويأكلها صدى النسيان و لم تشرّعها للسماء إلا هتافاتك .
أترى تناولت فطورك قبل أن يجئ الزائر الأخير , وكنت تفكر بغيرك ؟
أكنت تقرأ فاتحة ؟ أم تضع التنوين على صدر الوطن ؟
سمعتك مرةً تقول" لا أريد الموت ما دامت على الدنيا قصائد وعيونٌ لا تنام فإذا جاء ولن يأتي بإذن لن أعاند بل سأرجوه لكي أرثي الختام " .
أراك قد أعلنت أنها لم تعد على الدنيا قصائد وكل العيون نيام , فقد جاءك بغير إذنٍ ولم يمنحك فرصة الرجاء كي ترثي الختام ...
فأي المراثي قد يقولها المرء عند موتك ؟
وأي قصائدٍ ترجى من غياهب اللغة لتقول فلسطين من بعدك ؟
هناك في البعيد ترقد وحدك , لا شريك لك سوى القصيدة , تنهل من قلبك , تقول لها :" لا أنام لأحلم , فتقول لك بل نم لأنساك , ما أطيب النوم وحدي بلا صخبٍ في الحرير , ابتعد لأراك وحيدا هناك , تفكر بي حين أنساك ولا شيء يوجعني في غيابك ." وكأنها تكذب لئلا تحمّلك حزنا يفوق احتمالك , ووطنا أثقل كاهل مشوارك .
يا صاحب الرسالة أفرغت الطريق من خطاك أم أفرغت خطاك الطريق من بعدك ؟
الآن أسافر في خطاك فتقول لنفسك : " تمهل ولا تمت الآن , إن الحياة على الجسر ممكنة والمجاز فسيح المدى هاهنا برزخٌ بين دنيا وآخرة بين منفى وأرض مجاورة "
ويجيبك الصدى لا تقل إنه مات أو عاش قرب الحياة سدى , قل أطل على نفسه من علٍ ورأى نفسه ترتدي شجرا واكتفى بالتحية ."
لم يكن يا صاحبي لك حاضر آخر سواك , فامتلكت مفاتيح أمسك , لكن أمسك لن يكون كله معك لذا لم تمتلك غدك كله , فأمسك حاضر الكلام , أمسك أسلاك الطريق وأعمدة الجسر ليمر به العابرون إلى السماء .
وكلما كنت وحدك كان الطريق يتسع لملايين الشعراء , يعبرون بعدك وكأنك تذيب الجليد من أعماق الحياة , فتمضي للنهاية ويمضي الآخرون للبدء بعدك , فالقصيدة بين يديك "وفي وسعها أن تدير شؤون الأساطير بالعمل اليدوي ولكنك مذ وجدت القصيدة شرّدت نفسك وساءلتها من أنا من أنا "
والآن يا صاحبي ضع يدك اليمني في جيبك ولا تصافح الموت فقد يرى في ذلك اعتذارا والأمر أقل شأنا من اعتذارك , واليسرى ضعها على قلبك , وابتسم , فقلبك قد توقف ليعطي الراية لحصان الشعر الذي بقي وحيدا يسألك لم تركته في جوف بيارات حيفا ورحلت وحدك ؟
قلبك الذي لم تنزع عنه الأقفال يوما لئلا يجرح الآخرينَ حزنك , فتح اليوم على مصراعيه فأحزن عالما هو موطنك , فُتح ليقول لتراب حيفا ويافا وعكا وغزة والجليل أنك في حياتك لم يكن سواه معك ومذ سلبوه عشت وحدك .
"فكم كنت وحدك يا ابن أمي , يا ابن أكثر من أبٍ كم كنت وحدك "
ولكن لا تبتئس , "فمن يكتب حكايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى تماما "والمعنى هو خلود الروح في ذاكرة الحياة .
والآن بعد رحيل الكلام , لنا حلمٌ واحد , أن نجدك نجمة تحمل عبر الجسر قصائدنا وأحلامنا للسماء , فتلك النجمة التي حلمت بها في قصيدتك تحمل الميتين لم تحملك , فأنت هي , إذ تحملنا على كتفك كما حملت عبء الغناء ولم تطيّر أحلامنا هباء , فبقينا من بعدك نحلم عارين من كل شيء إلا الحقيقة , فنم يا صاحبي واهدأ فكل حينٍ يولد طفل وصرخته في شقوق المكان تدرك اسمك , سيعلق حلمك على جدران فلسطين "وحدك " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق