الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظمات المجتمع المدني... والعقد الاجتماعي

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2008 / 8 / 13
المجتمع المدني


تعتبرمؤسسات المجتمع المدني ومنظماته المختلفة ركيزة هامة من من ركائز التنمية المتوازنة والمستدامة من أهم المؤسسات الفعلة في صنع السياسات العامة للدولة وتشكيلها‏‏ باعتبارها إلي جوار دور الدولة، والقطاع التعاوني، والقطاع الخاص، والقطاع المختلط‏ وأحد البنود الأساسية في إنشاء عقد اجتماعي جديد‏‏ يفتح الطريق لمشاركة أوسع من جانب المواطنين وانخراطهم بدرجة أكبر في الواجبات والحقوق المدنية‏,‏ وكل ذلك يتيح تحقيق تنمية متكاملة تهدف إلي تحسين جودة الحياة وتوفير ظروف أفضل لكل شرائح المجتمع‏.‏ وتأتي أهمية جهود إحياء منظمات المجتمع الأهلي وتعزيز دورها في مشروع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان تعبيرا عن تراثنا القومي الذي يجسد في كل بقعة من بقاع السودان المختلفة حرص المواطن السوداني علي تعزيز قيم التعاون والتضامن الأهلي لخدمة المجتمعات المحلية، خاصة في ريفنا الحبيب.
سياسات الانفتاح الاقتصادي و ضعف المردود الاقتصادي للقطاع العام وعجز جهود الدولة وحدها عن تنمية المجتمع تفتح المجال مرة أخري أمام أعداد متزايدة من منظمات المجتمع المدني‏التي يتنوع نشاطها‏ ابتداء من تقديم الخدمات إلي الدعوة إلي مجتمع ليبرالي مكتمل علي الديمقراطية متحررا من هيمنة الدولة. وبرغم كثرة الحديث في الخطاب الرسمي للدولة وعلي ألسنة كل المسئولين عن حاجة المجتمع السوداني الملحة إلي دور نشيط لمؤسسات المجتمع المدني‏,‏ يكمل عمل الحكومة والقطاعات الأخري، وبرغم العدد المتزايد للجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني الذي وصل الآن إلي‏ آلف المنظمات الاهلية‏,‏ وبرغم اعتراف الدولة الموثق بضمانات دولية داخل الأمم المتحدة بحاجة السودان إلي عقد اجتماعي جديد يعترف بدور منظمات المجتمع المدني كركيزة أساسية للتنمية‏,‏ إلي جوار الدولة والقطاعات الاخري في صنع السياسات العامة‏,‏ فإن واقع الحال في السودان غير ذلك. فلا تزال منظمات المجتمع المدني تواجه عقبات ومعوقات أساسية‏,‏ تضيق النطاق علي جهدها وتمنع توسيع فرص مشاركتها في العمل العام‏,‏ معظمها يأتي من جانب الدولة‏,‏ التي تشدد الرقابة علي تمويل هذه الجمعيات‏,‏ وعلي إجراءات تسجيلها وعلي أنشطتها المختلفة‏,‏ تحت دعاوي إخطار متوهمة تهدد الأمن القومي بسبب نشاط هذه الجمعيات‏,‏ في وقت لم يعد في وسع الدولة معه أن تتجاهل الاحتجاجات المتصاعدة للمواطن السوداني‏,‏ تطلب المزيد من الحوكمة الرشيدة والديمقراطية المكتملة أو تسمح لهذه الاحتجاجات بتهديد استقرار النظام‏.

هذا الأمر الذي يشكل مفارقة كبيرة وعقبة كؤود يحتاج إلي إعادة نظر شاملة من جانب كل الأطراف وأولها الدولة‏,‏ التي ينبغي أن تدرك خطورة التمسك بهذا المعدل البطئ في استكمال مسيرة الإصلاح السياسي والاجتماعي في السودان، لأن الوضع الراهن أصاب الكثيرين بحالة من اليأس والقنوط من إمكان وقوع تغيير حقيقي يجعلهم شركاء حقيقيين في صنع وإتخاذ القرار‏. وبتحليل أوضاع منظمات المجتمع المدني،‏ يتضح ضعف البنية الأساسية للعديد من منظمات المجتمع المدني الذي يضعف قدرتها علي جذب المشاركة العريضة من جانب المواطنين‏,‏ وضعف الموارد المالية الذي يعيق توسيع دورها‏,‏ علاوة علي افتقاد معظم هذه الجمعيات إلي ممارسة الديمقراطية الداخلية وغياب نظم المحاسبة والمساءلة الرشيدة التي تضمن قيم الشفافية. هذا بالاضافة إلي القدرة المالية المتواضعة لمعظم هذه المنظمات.
ولاتستقيم الدعوة إلي دور أكبر وفاعل لمنظمات المجتمع المدني في إطار أي عقد اجتماعي جديد والذي يجعلها طرفا أساسيا في مشاريع التنمية المختلفة، مع صور السيطرة الحكومية المباشرة وغير المباشرة التي تمارسها السلطات علي هذه المنظماات‏,‏ كما لايستقيم استمرار هذه الصور من السيطرة مع خطط الدولة المعلنة في تحقيق اللامركزية ونقل المسئوليات والسلطات الي مستوي التنظيمات المحلية‏,‏ لأن نقل المسئوليات والسلطة المالية إلي المحليات دون توفير نظم المحاسبة والمساءلة الشعبية من خلال تشجيع منظمات المجتمع المدني علي مراقبة أعمال السلطة التنفيذية في الولايات والمحليات يعني زيادة فساد هذه الولايات والمحليات خصوصا أن عددا متزايدا من منظمات المجتمع المدني ينخرط الآن في تطبيق ممارسات فاعلة تغطي مجالات مهمة ذات صلات مباشرة بالتنمية.

إن المرحلة الراهنة ونحن نصارع من أجل تحول ديمقراطي حقيقي وفاعل، تتطلب من الدولة ضرورة العمل علي تحسين البيئة الداخلية التي تعمل في ظلها منظمات المجتمع المدني السودانية، وتخفيف عوامل الاحتكاك بين أجهزة السلطة وهذه المنظمات‏,‏ وفك أسر النقابات والاتحادات المهنية والتعاونيات بمختلف أنواعها، من أسر النظم الحكومية البروقراطية والجبائية، وبناء جسور جديدة من الثقة المشتركة بينهما. كما يجب تبديد مخاوف الدولة بشأن امنها القومي نتيجة التمويل الأجنبي الذي يصل لعدد من جمعيات المجتمع المدني‏,‏ خصوصا ان معظم المساعدات الأجنبية لاتعدو أن تكون معونات ذات طبيعة فنية يسهل حصرها ومراقبتها‏.‏
ان اعتراف الدولة بمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المختلفة كشريك في التنمية يتطلب تعزيز عوامل الثقة المشتركة وإزالة الفجوة الضخمة بين فحوي الخطاب السياسي الذي يصدر علي كل المستويات ليؤكد أهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المختلفة،‏ وبين واقع هذه المؤسسات في تعاملها اليومي مع السلطة،‏ الذي يكاد يعتبرها طرفا نقيضا ان لم يكن طرفا عدوا وليس شريكا اصليا ينبغي معاملته علي قدم المساواة. من الملاحظ أن تلك الأحاديث التي تصدر من المسئولين في السلطة التنفيذية والسياسية في غالب الاحوال ايجابية تجاه هذه المنظمات ودورها في المجتمع، لكن الواقع يكذب ذلك وتصبح هذه الاحاديث طحنا بلا طحين. لذلك لابد للدولة من توفر كل الضمانات التي تحقق لهذه المنظمات النمو والازدهار‏,‏ ابتداء من رفع الحظر علي حرية الاجتماع إلي إزالة إجراءات البيروقراطية المعقدة لمنح تراخيص عمل هذه الجمعيات وتقييد سلطة مصادرة أموالها وحل مجالس إداراتها عن غير طريق القضاء‏,‏ وإلغاء كل القيود التي تمنع نفاذها إلي المعلومات‏,‏ لان المعلومات أصبحت حقا لكل مواطن من حقوق المواطنة الأساسية التي ينبغي توفيرها لعلاقاتها المباشرة بالعملية الإنتاجية‏، ويدخل ضمن الحوافز التي يمكن أن تجعل الدولة أكثر استعدادا لرفع قيودها عن العمل الأهلي‏.
أن قطاع المجتمع المدني بمنظماته المختلفة يتمتع بإمكانات وموارد ضخمة من شأنها تعويض قصور موارد الحكومة التي أصبحت عاجزة عن تقديم أي حلول ناجزة للمواطن في الكثير من مناحي الحياة. ‏ كما أن دور هذه المنظمات يمكن أن يتسع ليشمل برامج عديدة لتنمية وتطوير المرأة ولتعليم البنات ومحو الأمية وإنشاء رياض الأطفال ونوادي الشباب وجمعيات مناهضة الاحتكار وحماية المستهلك والبيئة وأندية تكنولوجيا المعلومات‏,‏ علاوة علي أن هذه الجمعيات تشكل الجسر الصحيح لإعادة الثقة في علاقة الدولة بالمواطن‏,‏ والإدارة المثلي لتحقيق توازن المصالح في المجتمعات المحلية‏,‏ والوسيط النزيه لفض النزاعات الأهلية والطائفية‏,‏ لأنها لاتتحرك بنوازع الوصول إلي السلطة ولاتستهدف من وراء نشاطها تحقيق الربح‏.‏
إن علي الدولة إعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته المختلفة‏ وإسقاط القيود والعقبات التي تحول دون توسيع دورها وتعديل إطارها القانوني المتمثل في القانون الذي يحكم عمل هذه المنظمات بما يجعلها أكثر قدرة علي القيام بمسئولياتها‏، ومساعدتها لاكتشاف عيوبها ونقائصها كي تكون أكثر قدرة علي التقويم الصحيح لدورها،‏ والأخذ بمعايير الجودة في الأداء والالتزام بالشفافية الكاملة في قياس ممارساتها‏,‏ ومواجهة التحدي الحقيقي الذي يحد من قدراتها‏,‏ الذي يتمثل في الغياب الشديد للعمل الطوعي الذي يضمن لهذه الجمعيات مشاركة واسعة من جانب أجيال الشباب الذين يشكلون الركيزة الأساسية لجهود الجمعيات الأهلية الناجحة في كثير من بلدان العالم‏.‏ لأن آفة العمل الطوعي والخيري في السودان يعتمد علي نخب معدودة من الرجال والنساء وكبار السن ولايجذب إليه أجيال الشباب التي تتوق إلي خدمة مجتمعاتها‏.‏
ونعتقد أن نقطة البداية الصحيحة في تصحيح العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لاتزال معلقة علي إدراك الدولة لضرورة ان تسرع الخطي علي مسيرة الإصلاح السياسي‏,‏ وتستجيب لمتطلبات التغيير التي تتصاعد في الشارع السياسي‏.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر


.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي




.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6