الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الآشورية في سوريا

سليمان يوسف يوسف

2008 / 8 / 15
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


سعى قادة "حركة التحرر الآشورية"- مار بنيامين شمعون،كابتين ملكيس، آغا بطرس ،الملك قمبر،وغيرهم- لاقامة "دولة آشورية" تضم الأقاليم الآشورية في كل من (العراق وتركيا وسوريا).ولأجل تحقيق مشروعهم، خاضوا حروباً وقادوا انتفاضات مسلحة ضد الاستعمار العثماني ،ومن ثم ضد الحكم الفاشي في العراق في ثلاثينات القرن الماضي. بيد أن مصالح "الدول العظمى" التي تقاسمت تركة"الرجل المريض"- الامبراطورية العثمانية- اقتضت أن لا ترى "الدولة الآشورية" النور، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي حظيت به "القضية الآشورية" من قبل "عصبة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى.مع استقرار الحدود السياسية لصالح الدول العربية المستحدثة في الشرق الأوسط بموجب اتفاقية "ساس بيكو" انكفأ الآشوريون على ذاتهم الى حين برزت في النصف الثاني من القرن الماضي تنظيمات وأحزاب آشورية ارتكزت الى رؤية سياسية وقومية جديدة، تقوم على التعاطي بواقعية مع الأوضاع السياسية الجديدة التي افرزتها الحروب العالمية،والنظر الى القضية الآشورية باعتبارها جزء من القضايا الوطنية العامة في كل دولة،حلها يرتبط بشكل مباشر بقضية الديمقراطية وحقوق المواطنة واقامة "الدولة المدنية".
في سوريا،موطن السريان"الآشوريين"،وقد أخذت اسمها عنهم، منذ استقلالها كدولة حديثة عن الفرنسيين عام 1946،تنكرت حكوماتها العربية للهوية الآشورية، ورفضت الاعتراف بالآشوريين كقومية وشعب له خصوصيته الثقافية والتاريخية،كما رفضت منحهم حقوقاً قومية وديمقراطية،هي من صلب وأسس حقوق المواطنة ومن شروط الديمقراطية، وهي تعد من أركان الوطنية الصحيحة.تالياً،الحكومات السورية، أقصت الآشوريين"سريان/كلدان" عن المشاركة السياسية في ادارة البلاد.
صحيح أن الآشوريين لم يعد يتطلعون الى "كياني آشوري" مستقل خاص بهم،على الأقل آشوريي سوريا،لكن صحيح ايضاً، أن تخليهم عن حلم "الدولة الآشورية" لا يعني بالمطلق أنهم غدوا "شعباً من غير قضية".فبغض النظر عن عدد الآشوريين في سوريا- حيث قضايا الشعوب لا تحددها الأعداد وانما عدالة قضاياهم- والمقدر بنحو مليون شخص(اذا ما تجاوزنا التسميات والتقسيمات الطائفية والمذاهب الكنسية المستعربة والضائعة في ثنايا التاريخ ، وتلك الخائفة من أن تلقي ثوب العروبة، الذي حشرت فيه قسراً، والاعلان عن انتمائها للآشورية أو السريانية أو الكلدانية) للآشوريين قضية واضحة،بسمات وطنية لا غبار عليها،يلتف حولها الرأي العام الآشوري،وتحظى بتعاطف وتأييد الكثير من السوريين.مثل العديد من القضايا الوطنية الهامة،وقعت"القضية الآشورية" ضحية العقائد والآيديولوجيات السياسية والدينية التي ارتكزت عليها وتخفت خلفها حكومات الاستبداد في سوريا. للقضية الآشورية وجه قومي: يتمثل بالخصوصية الثقافية والاثنية للآشوريين.هذه الخصوصية مهددة من قبل هوية عربية مهيمنة طاغية، لا تخلو من نزعة شيوفينية وهي تحكم الآخرين بعقلية وذهنية الغازي . ووجه آخر ديني/اجتماعي: باعتبار معظم الآشوريين يعتنقون المسيحية و يعيشون ضمن غالبية مسلمة ترفض مساواتهم معها في حقوق المواطنة.وقد تكرس هذه التمييز البغيض،القومي والديني، بين ابناء الوطن الواحد،رسمياً في جميع دساتير الدولة السورية الحديثة، وامتد الى الدستور الحالي الذي وضعه حزب البعث العربي الاشتراكي بعد انقلابه على السلطة عام 1963.وليس من المبالغة القول: أن أحوال الآشوريين زادت سوءاً في ظل حكم حزب البعث. فالبعث لم يكتف باختزال الهوية الوطنية السورية بـ"العروبة والاسلام" واقصاء أو اسقاط باقي الهويات السورية من (آشورية/سريانية وكردية وأرمنية وشركسية...) وبفرض العروبة كهوية وانتماء على الآشوريين وعلى كل السوريين من غير العرب فحسب، وانما طالبهم بالتخلي عن شخصيتهم القومية وعن هويتهم الثقافية واعلان ولاءهم السياسي المطلق للعروبة وحدها لا شريك لها،بذريعة تحصين وتمتين "الوحدة الوطنية" التي غدت اليوم،وبسبب هذا الاستبداد،السياسي والقومي والثقافي، أكثر هشاشة وضعفاً مما كانت عليه قبل عهد البعث.وتطبيقاً لنهج التعريب، فرض البعث حصاراً على المؤسسات الثقافية والتربوية والنوادي الاجتماعية والرياضية الآشورية"السريانية/الكلدانية"التي وفرت بيئة ثقافية واجتماعية خصبة ومناسبة لنمو الوعي القومي لدى الآشوريين ولانطلاقة الحركة الآشورية المعاصرة، وقد أمم البعث البعض من هذه المؤسسات وأغلق البعض الآخر. هذا وقد عمل النظام البعثي في سوريا، بأساليب وطرق مختلفة،على عزل الحركة الآشورية وإبعادها عن باقي القوى والحركات الوطنية الأخرى في سوريا، وبشكل خاص عن "الحركة الكردية"،التي عاشت وتتعايش معها بحكم التاريخ والجغرافية السياسية،نجح النظام في ذلك الى حد كبير، مستفيداً من بعض التراكمات والمحطات السلبية التي سادت العلاقة بين الشعبين،الكردي والآشوري، في مراحل تاريخية معينة.كذلك استفاد من تقصير النخب الآشورية والكردية على حد سواء في ترميم العلاقة الكردية الآشورية وتعزيز الثقة بين الشعبين. وكما هو معلوم ان "ملف الأحزاب" في سوريا،مسند بشكل كامل الى "الأجهزة الأمنية"،التي اثبتت براعتها الفائقة ليس في تهميش وتقويض أحزاب سورية عريقة وشرذمتها الى مجموعات متنافرة فحسب، وانما في احتواء الكثير من الأحزاب والحركات السياسية،العربية والاقليمية، لحسابات تتعلق بمصالح واستراتيجيات النظام. وللتشويش على "القضية الآشورية"،وربما لقطع الطريق أمام ظهور تنظيمات آشورية جديدة بعد نمو الحالة الآشورية في سوريا،شجعت السلطات السورية على ظهور وبروز تنظيمات وتشكيلات آشورية/سريانية هجينة، بعضها محلي المنشأ وبعضها الآخر مستورد، تحت عناوين وتسميات مختلفة،ابرزها أو جديدها"الجمعية الثقافية السريانية"،التي احتفل بالاعلان عنها في المركز الثقافي العربي بالقامشلي، بتاريخ 18ايار الماضي وبراعية رسمية من الدولة السورية.
لا يخفى على المهتمين بالشأن الآشوري، وقوف خلف هذه الجمعية الثقافية، تنظيم "مجهول الهوية والانتماء والأهداف".ظاهرياً،يضم مجموعة من السريان"الآشوريين"الأتراك المهاجرين الى اوربا،نشأت وترعرعت في أحضان حزب العمال الكردستاني التركي"PKK".في بداية ظهورها كانت ترفع شعارات عدائية ومتطرفة ضد الدولة التركية، واليوم تعمل علناً داخل تركيا وبتسهيلات من حكومتها.ومنذ ظهور هذه المجموعة في تسعينات القرن الماضي،ابان مرحلة شهر العسل السياسي لـ حزب "PKK" في سوريا، وهي تتنشط بحرية وبتسهيلات من السلطات على الساحة السورية.والأمر المثير حول هذه المجموعة،هو مضي سنوات على انطلاقة"فضائية"سورويو تي في" التي تشرف عليها وتديرها من السويد،من غير أن تطرح أي قضية أو حقوق سياسية تخص آشوريي سوريا.والأنكى من ذلك أنها تقوم بتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام الآشوري فيما يخص واقع وأحوال الآشوريين السوريين. في ضوء هذه الوقائع والمعطيات السياسية يبدو جلياً ان ولادة "الجمعية الثقافية السريانية" لم تكن ولادة طبيعة،تالياً هي لم تؤسس لأجل خدمة الثقافة السريانية كما يزعم القائمين عليها،وانما وجدت لتكون غطاء قانوني أو يافطة لنشاط وتحرك هذه المجموعة المستورد على الساحة السورية لأغراض وأهداف لا علاقة لها بالثقافة السريانية.فتعليم اللغة السريانية وإحياءها هي أهم بكثير وأكبر من أن تترك لهكذا جمعية.انها تتطلب،امكانيات مادية ومعنوية كبيرة،من فتح مدارس ومعاهد وأقسام خاصة بالأدب السرياني في الجامعات السورية. وهذه مهمة وواجب الدولة باعتبار"اللغة السريانية"هي اللغة الوطنية القديمة لسوريا وهي جزء من تراثها الوطني.
في وسط هذا المشهد الكارثي آشورياً، بالمعنى السياسي والقومي، ظهرت "المنظمة الآثورية الديمقراطية"،خلافاً لمواقفها المبدئية السابقة، الى جانب هذا التنظيم المستورد والمصطنع، للتسويق له في المجتمع الآشوري الذي لفظه.ويبدو أن خاطفي المنظمة الآثورية(مكتبها السياسي الطائفي الغير شرعي)،أو على الأقل المتنفذين فيه، قرروا،بعد مؤتمرهم العام الأخير البائس، الذهاب بعيداً في علاقاتهم مع هذا التنظيم،والغمز من خلاله الى السلطات السورية.والا بماذا يفسر حضورهم المميز الى جانب ضباط المخابرات السورية في مدينة القامشلي"حفل الاعلان عن الجمعية الثقافية السريانية "،ومن غير أن يحترموا، كطرف في المعارضة السورية، توقيعهم على "اعلان دمشق للتغير الديمقراطي".هذا التراجع والانحدار السياسي لخاطفي المنظمة الآثورية يعود بشكل أساسي الى شعورهم بالعجز والافلاس السياسي والقومي،بعد سلسلة أزمات عصفت بالمنظمة ومازالت تهددها بالمزيد.أن ترميم حالة التشرذم في "الحركة الآشورية السورية" واعادة ثقة الجماهير بها لن يكونا بارسال باقات الورد لمجالس العزاء والهمروجات الاحتفالية. كما أن التعويض عن خسارة المنظمة الآثورية لعشرات من خيرة كوادرها لن يكون عبر اقامة علاقة آنية ولأجل مصالح أنانية ضيقة مع أناس لا يكنون أي ود أو احترام للشعب الآشوري ولقضيته.
أخيراً: يخطئ كل من يعتقد بأن الترخيص لهكذا جمعية ثقافية سريانية، أو فتح مكاتب لبعض الحركات والأحزاب الآشورية العراقية،مثل"الحركة الديمقراطية الآشورية-زوعا" و"المؤتمر الآشوري العام"، هي خطوات انفتاحية من قبل الدولة السورية على الآشوريين وقضيتهم العادلة.فالنظام السوري، بحكم طبيعته اللاديمقراطية وأيديولوجيته القومية وعقيدته السياسية،هو اليوم أكثر بعداً عن "القضية الآشورية" وعن الحقوق الديمقراطية للآشوريين.ففي الوقت الذي تفتح مقرات ومكاتب لمجموعات آشورية غير سورية، يلاحق نشطاء الحركة الآشورية السورية ويهددون بالاعتقال والفصل من وظائفهم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة