الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ام سعيد العتبة تتحرر

ريما كتانة نزال

2008 / 8 / 24
أوراق كتبت في وعن السجن


يرفض قلبك المعتقل دخول موسوعة غينيس لتحطيمه الرقم القياسي لمدة الاعتقال؛ فلا يعنيه الشهرة؛ ولا يغريه الدخول الى التاريخ من بوابة الدخول على الطريقة الغربية؛ فهم لهم شأنهم في توثيق الأكثر والأقل؛ الأطول والأقصر؛ والغريب والعجيب من الأشياء؛ فما الفائدة من موسوعة لا تحسب العمر الذي يقتل ببطء واحتراف.

تتابع ام سعيد بدقة بالغة كل التصريحات وجميع المعلومات المتعلقة بقضية الأسرى؛ وعلى مدار الثلاثون عاما الماضية أصبحت خبيرة قانونية؛ وعلى الصعيد سياسية أصبح لديها خبيرة كبيرة تنطلق من المواعيد المقدسة وخلافها.
هذه المرة؛ أم سعيد العتبة كان قلبها يحدثها بإفراجه القريب؛ حتى وهي تستمع الى معارضة وزير الأمن الداخلي الشديدة لإطلاق سراح سعيد وأبو علي؛ وتصرح من جانبها لجاراتها بأنها تعتبر تصريحات الوزير تندرج في إطار تقديم نفسه كمرشح لرئاسة كديما؛ وتستفيض بشرح وجهة نظرها السياسية؛ ولكنها تؤكد مع تحليلها بأن قلبها يحدثها بأنه سيطلق سراحه...
ام سعيد لا يهمها الحديث عن دخول قلبها موسوعة غينيس للأرقام القياسية؛ فلديها فلسفتها الخاصة حول رقمها الخاص؛ وتقول اتركوا غينيس لتحطيم الأرقام الضخمة والمايكرونيزية؛ اتركوها للحوادث التي تتحقق بسرعة؛ أعلى قفزة واكبر فطيرة؛ رقمنا يحسب بحساب الزمن البطيء؛ وهو لا يرى نتيجته بالعين المجردة؛ احسبوها بعدد اخطوط المرسومة على والوجه؛ وبعدد العصي والجلدات التي وقعت على القلب المقيد؛ ولتحسب بعدد الأحفاد وبأبنائهم الذين لم يأتوا، وبعدد الأعياد التي مرت بغياب كعك العيد؛ وعدد الزيارات التي تمت والأخرى التي حرمت بها من رؤية الشوق والحنين؛ وبنزيف الملح الصخري من محجريها.
تعكف أم سعيد على احتساب العمر الضائع؛ وتضع بحسابها نظرية المواعيد المقدسة؛ والأرقام الموسوعية؛ اعتقل الابن في صباح باكر قبل نهاية تموز بيومين اثنين فقط؛ وقبل اسبوع على زواجه الذي تأجل لتزويج البنت؛ التي أصبح عمر ابنها ثلاثون عاما؛ وبذلك يكون قد ذرت الريح من الزمن واحدا وثلاثين عاما؛ وثلاثمئة واثنين وسبعين شهرا؛ وإحدى عشر ألفا ومئة وتسع وستين يوما؛ وبما ويعادل مائتين وثمانية وستين ألف ساعة واثنان وثلاثين ساعة إضافية أخرى؛ وتعتريها الرجفة من قلب معتقل تحمل سياط الفراق...
نابلس الفرحة بعائدها ستحتضن من جديد ولدها ؛ ويدنو عيبال مقب جرزيم لوهلة؛ وستزغرد نساء البلدة العتيقةامعلنة عن عودة المحرر؛ وترفرف الرايات بألوانها الأربعة؛ وتلوح الأيدي وترتفع الجباه بقطعة الموزاييك الأصيلة؛ وتختال الحواري والأزقة والزواريب والحبلات؛ ويسكب شراب الخروب والتمر هندي لترتوي الحارات؛ وستصفق طيور الزاغ ؛ وتدنق الكنافة بسكرها؛ وتزهو الأصص بفلها.
ام سعيد الخبيرة بشؤون الأعتقال والاحتلال؛ تمسك بقبضتها القوية فرحتها؛ لا تسمح بانطلاقها إلى حيث تشاء؛ فقد تعلمت ان تتفاءل بحذر؛ لكن اليد تتراخى مع العقل؛ فهو حر ومتمرد ينطلق الى حيث يشاء له هواه؛ وفتح خزانة ذكرياته أعانته على الصبر والاستمرار؛ فبدأ يخيط قصص فك القيود والسلاسل؛ ويضع سيناريو اللقاء المفترض؛ ويعطيه في كل رحلة ضبابية تفصيلا جديدا تغني النص المعَََََد.
يذهب الخيال هذه المرة الى ما حرمه سابقا؛ يذهب الى ملف مغلق منذ ثلاث عقود؛ ويستحضر تأجيل عرس زينة الشباب أسبوعا واحدا قبل الاعتقال؛ مخاطبا الخاتم بأنها انتظاره لن يطول؛ ولا تأجيل بع اليوم؛ وتفتح درجا آخر خصت به ملف الاعتقال؛ وتتطلع على نص حكم الاعتقال المؤبد؛ وعلى العقوبة التي تفنن المحتل في ابتداعها؛ عندما قرر العدل في غيبوبته؛ أن يغلق نصف البيت بالطوب والحجارة؛ كعقوبة جماعية لرحم سعيد؛ ويتداعى الشريط وترى نفسها تتغلب على خوفها بعد خمسة عشرعاما؛ تهدم الجدران الاحتلالية لتتسرب الى بيتها؛ لتنتشر في أرجائه محملة بأصرارها وعزيمتها.
أم سعيد السياسية والإعلامية تصرح أخيرا بأنها ستستقبل ابنها في بيتها الذي خرج منه آخر مرة؛ التزاما بنصها؛ وبعدها كما صرحت بأنها ستكون جاهزة إغماض عيونها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا


.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د




.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي


.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا




.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر