الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيك بقدرة العراقيين على تطوير حقولهم

حمزة الجواهري

2008 / 8 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عادت الأصوات ترتفع من جديد مطالبة بمنح عقود المشاركة بالإنتاج مطالبة الحكومة بالتعقل والقبول بهذا المبدأ، كما ونسمع منها أيضا كثيرا من الحديث عن فشل الحكومة العراقية برفع الإنتاج النفطي العراقي إلى أعلى من ثلاثة ملايين برميل يوميا، ونسمع ما هو أكثر من ذلك، وهو أن العراق منذ العام75 من القرن الماضي وهو يحاول رفع إنتاجه لكنه فشل في ذلك،
على هذه النغمة ترتفع أصوات تحاول أن ترتدي أزياء الحكمة مدعية المعرفة الواسعة في الشؤون النفطية لتقدم النصح للحكومة العراقية بالمجان، لوجه الله تعالى فقط، وتطلب منها أن تكون أكثر حكمة وتقبل بالأمر الواقع، زاعمين أن العراق لا يستطيع القيام بأعمال التطوير لوحده! لهذا السبب يحثوها على مراجعة نفسها والتعقل وأن تمنح الشركات العالمية عقود المشاركة التي يرون أنها جيدة وليست عقود جامدة ويمكن تطبيقها في العراق.
ردا على هؤلاء نورد بعضا مما تحدثنا عنه سابقا في مقالات ودراسات عديدة نشرت على مدى السنتين الماضيتين.
إن فشل العراق بزيادة إنتاجه منذ العام75 لها أسباب موضوعية كثيرة، أهمها سياسات النظام السابق الطائشة وحروبه التي لم تتوقف ولو ليوم واحد، أما بعد سقوط النظام، فإن العنف وتدهور الوضع الأمني وبقاء العراق تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كلها أسباب كانت، ومازالت، تعيق عمليات تطوير الحقول وتعيق أيضا أنواع التطوير الأخرى في البلد.
أن البناء ودخول الاستثمارات يشترط أولا وضع أمني وسياسي مستقر في البلد، وهذا ما نشهد بوادره هذه الأيام واضحة، لكن مع ذلك مازالت الشركات العالمية غير متأكدة تماما من استمرار هذا التحسن الأمني على المدى البعيد، فربما تتعرض العملية السياسية إلى انتكاسة قد تؤدي إلى عودة أعمال العنف من جديد، حيث مازلنا نقرأ من حين لآخر أن الشركات العملاقة قد أعلنت أنها لن ترسل موظفين وعمال لان العراق ما يزال منطقة شديدة الخطورة، وهذا ما جاء على لسان أكثر من متحدث رسمي باسم هذه الشركات، ورغم أنها تفاوض على تطوير الحقول العراقية وتطالب بعقود مشاركة بالإنتاج، تقول أنها ستكتفي بتقديم المعدات والمشورة، وهذا يعني إن مسألة الامتناع عن التطوير غير مرتبطة بمسألة الحصول على عقود مشاركة، رغم أنهم يرغبون بها، وليس أدل على ذلك من أن أكبر الشركات النفطية كانت ومازالت تفاوض على تقديم عقود الإسناد والدعم الفني قصيرة الأمد، والتي تعتبر نوعا من عقود خدمة لكن ذات خصوصية معينة، وهي أن هذه الخدمات لا يمكن توفيرها بذات الجودة التي تستطيع توفيرها هذه الشركات العملاقة مثل شل أو بي بي أو موبل وغيرها من الشركات الكبرى، لكن تشترط هذه الشركات أن يكون هذا الدعم من بعيد، أي بشكل يتفق مع التحفظات التي وضعوها للعمل في العراق، وهي أنهم لن يرسلوا موظفين أو عمال من قبلهم، والسبب بذلك، كما أسلفنا، هو أن الوضع الأمني والسياسي غير مستقرين للحد الذي يطمئن هذه الشركات وغيرها للعمل بحرية في العراق، بمعنى إن التهديد الأساسي الذي يخشاه الاستثمار، من أي نوع كان، مازال مستمرا، ولن تطمئن الشركات تماما حتى يمضي وقت طويل على مشاهدة وضع أمني وسياسي مستقرين تماما في البلد، ومما لا شك فيه يخشون أيضا من استشراء ظاهرة الفساد المالي والإداري التي تعيق كثيرا عمل هذه الشركات، وهي أيضا نتاج طبيعي لحالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
نعود إلى دعوة الحكماء المزعومين للحكومة إلى التعقل والقبول بمبدأ منح عقود المشاركة! إنها بلا شك دعوة ساذجة، لأن في الأساس إن هذه القضية ليست بيد الحكومة، كما وأنها مسألة تتعارض مع بنود الدستور، والذي مازال العديد من فقراته تخضع للنقاش والتوافق بين العراقيين، ومنها تلك الفقرات التي تتعلق بموضوع النفط والثروات التي تختزنها أرض العراق كونها ملكية مشتركة للعراقيين جميعا بدون شريك مهما كانت صفته، وهذه مسألة لا يمكن التجاوز عليها بأي حال لا من قبل هذه الحكومة ولا أية حكومة أخرى ما لم يحسم الجدل العراقي حول النقاط الخلاف بشكل قاطع لا يقبل أي تأويل أو تفسير متناقض لبنود الدستور، حيث من الواضح في الوقت الحالي إن مسألة فرض مبدأ المشاركة، بلا شك، سوف يخرب مبدأ التوافق الذي يعمل العراقيون على أساس منه حاليا، وإن أي محاولة من هذا القبيل تعتبر محاولة عقيمة وليست ذات معنى، بعد أن أخذت العملية السياسية السير هذه الأيام على الطريق الصحيح ونتج عنها كل هذا التحسن الأمني وشبه الاستقرار السياسي الذي نشهده هذه الأيام.
منح عقود مشاركة لها أبعاد خطيرة جدا أوسع كثيرا من الشأن العراقي، ففي حال إقرار مسودة القانون التي تبيح منح عقود مشاركة دون سيطرة المركز، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى حصول مئات الشركات العالمية والمحلية على عقود من هذا النوع، وهذا يعني """الفوضى الحقيقية للإنتاج"""، لأن في حال بدأت تلك الشركات فعلا بالإنتاج، ربما تستطيع رفعه بعد عدة سنوات إلى مستويات كبيرة جدا، بحيث تصل حد الإخلال بمبدأ العرض والطلب، حيث حالة التوازن النسبي لصالح المنتجين كان هو السبب في رفع أسعار النفط للمستويات الحالية، وفي حال أنتجت عدة مئات من الحقول العراقية الواعدة بشكل عشوائي غير منضبط، فإن الزيادة الغير منضبطة في العرض قد تؤدي على هذا الأساس إلى هبوط أسعار النفط إلى مستويات ربما أقل من سعره خلال التسعينات أو الثمانينات من القرن الماضي، هذه الفوضى بالإنتاج تشكل ضررا كبيرا للعراق وشركائه في الأوبك، بل وكل المنتجين للنفط والغاز في العالم.
أما عن موضوع التشكيك بقدرة العراقيين على تطوير حقولهم التي يسوقها هؤلاء الحكماء المزعومين، ففي الحقيقة هناك شركات عراقية صغيرة تسعى هي الأخرى للحصول على عقود مشاركة كشرط لتطوير الحقول، وهنا نسأل إذا كانت شركة من هذا النوع ليس لديها من الخبراء العراقيين ما يزيد على أصابع اليد الواحدة تستطيع تطوير الحقول، فلماذا لا تستطيع الشركات التي تمتلكها وزارة النفط؟ فهل لدى هذه الشركة "علم الكتاب"؟ على غرار ذلك الذي عنده "علم الكتاب" والذي ورد ذكره في القرآن الكريم؟ المسألة ببساطة شديدة هو أن هذه الشركة وغيرها تمنح العديد من عقود الخدمة لشركات مساندة متخصصة في مجال عملها، أما الباقي فهو المال والموظفين المؤهلين من ألعراقيين أو الأجانب الذين يديرون هذه العقود. هذا كل ما في ""الكتاب من علم"" بهذا الخصوص، وهو متاح لوزارة النفط وشركاتها أيضا، أضف إلى ذلك، إن الشركات التابعة لوزارة النفط لديها من الكفاءات حاليا أكثر من تلك الشركات بمئات المرات.
ومن الجدير بالذكر هنا هو أن هذه الشركات كانت قد قدمت عروضا فنية لوزارة النفط لتصنيع النفط والغاز بعد أن حصلت على إسناد مالي كبير من قبل مستثمرين عرب، وهذا أمر مفرح للغاية أنها تستطيع أن تفعل ذلك أيضا، وأعتقد هي فعلا قادرة على تنفيذ هذا العرض الفني القيم والكبير، لكن مع شديد ألأسف أنها تشترط أيضا الحصول على عقد مشاركة بالإنتاج مقابل تنفيذ هذا العرض! إي إنها تربط بين صناعتي الأب ستريم والداون ستريم كشرط لتنفيذ عروضها الفنية، وهنا يجب أن نسأل: لم يضعون مثل هذا الشرط؟ في حين أن هذه العقود تطعن الدستور العراقي في مقتل منه؟ وتخرب العملية السياسية برمتها وهي التي بدأت تحقق نجاحات كبيرة؟ في حين بإمكان هذه الشركة أن تطلب أسعارا تشجيعية للنفط الخام أو الغاز الذي تشتريه لغرض التصنيع، على غرار تلك الخصومات التي يمنحها العراق للدول العربية لشراء القبول السياسي العربي، لأن نسبة المشاركة لا تزيد على نسبة الخصم في الأسعار التفضيلية المحتملة التي يحصلون عليها في حال تخلوا عن بمبدأ ربط الصناعتين المحكومتين بقانونين منفصلين تماما عن قانون النفط والغاز الذي لم يقره البرلمان لحد الآن، لأن تصنيع الغاز يخضع أساسا لقانون الاستثمار الجديد أما تصنيع النفط بإقامة مصافي نفطية له قانون منفصل أيضا وهو قانون مصافي النفط الجديد، وكلا القانونين تبيح للحكومة منح أسعار تشجيعية أو خصومات ضريبية معتبرة تشجيعا لمثل هذه الشركات للعمل على تطوير صناعة الداون ستريم النفطية في العراق، وربما ستحقق هذه الشركات أرباح أكبر بكثير مما تحققه فيما لو أخذت عقد مشاركة بالإنتاج لتطوير الحقول.
المواقف الوطنية لا يمكن أن تكون مشروطة ولا مجزأة، وهذه الشركات وطنية ولا غبار على ذلك بالرغم من وجود استثمارات عربية مساندة لها، كما وإن هذه الشركات سوف يكون لها شأن كبير فيما لو دخلت على أساس الربح والخسارة وليس على أساس يمس بالسيادة الوطنية الكل يخشى من عواقبه الوخيمة. لذا أرى من الضروري جدا أن تعدل هذه الشركات من مواقفها وتعود إلى الطريق بعد أن تعيد حساباتها على أساس الواجب الوطني والأخلاقي أولا والربح والخسارة ثانيا، وفي النتيجة ستكون هي الرابح الأول، رابحة في حرصها على سلامة الوطن والسيادة الوطنية ورابحة على مستوى الأعمال أيضا.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة