الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار حول الشغب الرياضي

عبد الرحيم العطري

2008 / 8 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في حوار مع الباحث السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري
الشغب الرياضي ملمح من ملامح الاحتقان الاجتماعي
حاوره: محمد البوزيدي
سؤال: كيف تقاربون ظاهرة الشغب الرياضي من داخل علم الاجتماع؟
جواب: إن ظاهرة الشغب الرياضي التي تتواصل آثارها خلال مباريات كرة القدم، لا ينبغي النظر إليها بغير العين السوسيولوجية، فالأمر لا يتعلق بتشجيعات رياضية تقفز على المعتاد، أو انزلاقات غير محسوبة، إنه البحث المستمر عن فريق/ وطن آخر، بانتماء جديد و هوية أخرى، فكل عنف ما هو إلا محصلة لعنف سابق عليه، و العنف الذي يجنح إلى الدخول فيه المشجعون الرياضيون من الشباب و المراهقين، ما هو إلا نتيجة للعنف المسلط عليهم تهميشا و إقصاء من طرف مالكي وسائل الإنتاج و الإكراه، و هذا ما يتضح من خلال تأمل انحداراتهم الاجتماعية، و أوضاعهم السوسيواقتصادية، فجمهور الرجاء البيضاوي المتهم دوما باقتراف الشغب، يتحدر في غالبيته من هوامش البيضاء و من أكثر المناطق التي أخطأتها مشاريع التنمية الإنسانية.
سؤال:(مقاطعا) الأمر يتعلق باحتجاج اجتماعي و ليس مجرد شغب و تشجيع عاد؟
جواب: فالظاهرة تلوح مركبة و فائقة التعقيد تماما كما تركيبية المجتمع المغربي، إذ تتداخل في صناعتها عوامل متعددة الأبعاد و المستويات، تتوزع بالأساس على أسباب اجتماعية و تربوية و ثقافية و اقتصادية و سياسية، و هذا ما يوجب التحليل التركيبي لمستوياتها و انطراحاتها، أملا في الفهم و التفسير.
فبممارسة بسيطة لنوع من السوسيولوجيا العفوية يتضح أن غالبية ممارسي الشغب تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 22 سنة، و يتحدرون بنسب عالية من أحياء الصفيح و مناطق السكن العشوائي التي أخطأتها مشاريع التنمية، كما أنهم ينتمون إلى أسر فقيرة تعوزها إمكانيات العيش الكريم، و هم فضلا عن ذلك انقطعوا مبكرا عن الدراسة و لا يعملون إلا بشكل مؤقت في مستوى الأعمال الحرفية، أو لا يعملون بالمرة.
كما يلاحظ بأنهم يتعاطون المخدرات، و قد سبق لبعضهم أن مر من تجربة السجن، إنه البورتريه الأكثر تركيبية للمشجع الرياضي الذي يمتشق دروب الشغب، و ينخرط في الفوضى الرياضية التي تعقب الهزائم أو الانتصارات. لهذا يصير الشغب احتجاجا بديلا عما يعانيه هؤلاء الشباب من تهميش و إقصاء، فثمة بحث عن هوية و انتماء جديدين، بمواصفات مختلفة تنتفي من جنباتها إمكانات التهميش.
ففي الحريك الرياضي نحو البارصا و الريال، بدل الانتصار للبطولة الوطنية، كما نلاحظ بقوة في مدن الشمال، نكتشف انهجاسا بالانتماء إلى زمن / وطن آخر يقدم ما يفيد باحترام فكرة الانتماء و الهوية. و بما أن الوطن لا يقدم هذه الفكرة على أحسن وجه، فإن الحريك الرياضي و العنف المضاد الذي يرافقه يظل جوابا محتملا على قلق الهوية و الانتماء في هذا الهنا و الآن
سؤال: بحكم هذا الترابط و هذا المستوى العالي من التعقيد ألسنا في حاجة اليوم إلى تحديد و تأطير مفاهيمي لشكل و جوهر الشغب الذي يعتمل في الملاعب و خارجها؟
جواب: فعلا نحن في حاجة إلى التأطير المفاهيمي و في حاجة إلى اكتشاف البدء المشاغب، لنفهم ما يعتمل في مشهدنا الرياضي، يتوجب علينا في البدء أن نحسم في المفهوم، ليس من باب الترف الفكري، و إنما لضرورة منهجية صرفة، فما الذي نقصده تحديدا بالشغب؟ و ما الذي لا يدخل في خانة هذا التوصيف؟ و كيف كان بدايات الشغب محليا و دوليا؟
كانت الرياضة في البدء، و كان العنف مصاحبا لها في كثير من اللحظات التاريخية، بدءا من اليونان، و مرورا بالقرون الوسطى، و انتهاء بتنظيم منافسات كرة القدم، التي ستصير اللعبة الجماهيرية الأولى في العالم، و كيف لا يكون العنف مصاحبا للرياضة، و هي تتأسس قبلا على " تنظيم العنف"، فالرياضة تحيل في أبسط تعريفاتها على تنافس مشروع يتوسل بالقوة لتأمين الانتصار، إنها تبدو، كما الانتخابات، كحروب سلمية لتحقيق الامتياز و الفوز.
ففي كل تجمع بشري، يكون العنف محتملا، بسبب تباين الرؤى و المواقف و الانتماءات. لكن في منتصف ثمانينيات القرن الفائت، سيصير العنف مكونا باصما للفرجة الرياضية، و ستلوح في الأفق ظاهرة الشغب من على مدرجات الملاعب الرياضية، ففي التاسع و العشرين من ماي 1985، سيشهد ملعب "هيزل" أحداث شغب فائقة الخطورة كانت من توقيع مشجعي فريقي ليفربول و جيفنتوس بمناسبة نهائي الكأس الأوربية،و هي الأحداث التي ذهب ضحيتها 39 شخصا. و ليصر بعدئذ توصيف الهوليغانز دالا على ممارسي الشغب الرياضي.
فالهوليغانيزم Hooliganism يؤشر في اللغة الإنجليزية على الشغب و الفوضى، و هو مفهوم بدأ يردد على نطاق واسع بدءا من ستينيات القرن الفائت من طرف وسائل الإعلام، للتأشير على حالات الفوضى التي تعقب الهزائم أو الانتصارات التي تعرفها مباريات كرة القدم، و هكذا و بسبب استحالة مثيري الشغب Troublemakers أو Hooligans إلى رقم أساس في فهم السلوك الفرجوي و دينامية الحشود و الجماهير، فإن الأنظار العلمية ستتجه مباشرة إليهم في محاولة لفهم دواعي الشغب و جذوره الأولية، خصوصا و أن ظاهرة الشغب ستعرف انزياحات متوالية عن متنها الأصلي، و ذلك بدءا من تجاوز رقعة الملعب في شكل اشتباكات بين اللاعبين أو اعتداءات على الحكام، إلى مجال المدرجات في صيغة مشاحنات بين المشجعين و أجهزة الأمن، و أخيرا في مستوى نقل ممارسات الشغب إلى خارج الملعب بتخريب الممتلكات الخاصة و العامة.
سؤال: ألا يتعلق الأمر بنوع من الفوضى الاجتماعية؟
جواب: إن الشغب يحيل مفهوميا على أفعال بصيغة المفرد أو الجمع، تخرج عما هو مسطر من قواعد و ضوابط، إنه اختراق قصدي أو عفوي لمعايير العقل الجمعي، الشيء الذي يدخله في خانة الشذوذ، و عندما يصير الشغب مفتوحا على المجال الرياضي، فإنه يكون بدافع الاستنكار و الرفض و الاعتراض و الرفض و إبداء الامتعاض من شيء ما، أو يكون أحيانا بسبب الاحتفاء و التعصب لإنجازات الفريق. فالشغب داخل الملاعب الرياضية يدل على نوع التحرك الفجائي، و على شكل من الهبات و الهزات الاجتماعية التي تنتشر داخل الملاعب أو خارجها في أعقاب الهزيمة أو الانتصار.
فالشغب الرياضي يعبر عن حالة من الفوضى الاجتماعية تغيب فيها عناصر الضبط الاجتماعي، و تتعالى فيها بالمقابل إمكانيات و ملامح العنف و الانفلات و الصراع، فالشغب يندلع بشكل عفوي و يتجاوز سقف مولداته و شروط إنتاجه المباشرة، بسبب افتقاده للتنظيم و الهدفية الاستراتيجية، مما يجعل منها مجرد " رد فعل عنيف و هدام، محدود و عابر، محدد مجاليا و اجتماعيا و ليست له مطالب و أهداف واضحة ". و هذا كله يفضي بنا إلى القول بأن الشغب الرياضي هو حركة جماهيرية عفوية لا تتردد في اللجوء إلى العنف، محدودة في الزمان و المكان، توجبها عوامل و شروط موضوعية، و تدل على اختلال عميق في النسق المجتمعي.
سؤال: هل هذا يعني أن الشغب الرياضي هو تفريغ لمكبوت سياسي ناجم بالأساس عن الإحساس بالغبن على مستوى الاستفادة من التنمية؟
جواب: طبعا من مقترب آخر يمكن تمثل الشغب الرياضي بالمغرب كمناسبة لتفريغ المكبوت السياسي، و الاقتصاص من المسؤولين عن تفاقم المشكلة الموجبة للاحتجاج، و لو بصيغة رمزية،" فالقوى التي لم تستفد من عوائد التنمية، أو تلك التي تستشعر أنها استفادت ، أقل مما كانت تتوقع أو أقل من حجم تضحياتها و مساهماتها في هذه العملية ، قد تلجأ إلى ممارسة العنف للاحتجاج على النظام القائم باعتباره المسؤول عن عملية التوزيع"، إن الأمر أشبه ما يكون بانتقام من التقسيم غير الطبيعي للعوائد التنموية، على اعتبار أن " الحركات الاجتماعية تتحرك وفقا لتطور خطي من الشعور بالغضب إلى فعل احتجاجي للجماهير"،و لو بهدف التفريغ و التعويض الرمزي عن المفتقد و المغتصب خطأ و كرها. "فالتجمع يولد إحساسا بالقوة والعنف و اللامسؤولية، فالتجمع يجعل عدوانية بعض الأفراد المقموعة عادة، تنفلت من قيودها، إنه يخلق ويحرر، في نفس الوقت، التوترات المتراكمة الناتجة عن خنق الطاقات الفردية والجماعية".
و لهذا يلاحظ كيف تتحول شعارات مسيرة للتضامن مع الشعبين الفلسطيني و العراقي إلى انتقادات لاذعة لعمل الحكومة، و كيف تتحول التشجيعات أثناء متابعة مباراة رياضية إلى التعبير عن الغضب الشعبي من انسداد آفاق الشغل و عسر الحال. إن الاحتجاج المغربي بهذا المعنى يعد فرصة لتفريغ المكبوت السياسي، فالانضواء في الجماعة يساعد الفرد على امتلاك مزيد من الجرأة كما يؤكد غوستاف لوبون في سيكولوجية الجماهير، و هذه الجرأة الزائدة تمكن من تصريف الشحنات المكبوتة بفعل القمع أو الخوف، خصوصا في ظل الأنظمة الاستبدادية، و منه يتحول الموقف الاحتجاجي في كثير من الأحيان إلى فضاء للتفريغ السيكولوجي أكثر من فضاء للمطالبة بالتغيير.
سؤال: ما رأيكم في طرائق تدبير الشغب الرياضي بالمغرب؟
جواب: الاحتجاج/ الشغب الرياضي يصير بهذا المعنى رسالة موجهة إلى من يهمهم الأمر تنتظر جوابا يترجم عن طريق تغيير الأوضاع التي اقتضت الخروج في وجه المؤسسة، لكن هذه الرسالة لا تحتمل دوما هكذا جواب تغييري في المغرب، فالردود لا تكون على نفس الدرجة و النوع، فقد تتجه رأسا نحو المأمول و المحتج من أجله، و قد لا تجد جوابا و تظل الفكرة و الممارسة الاحتجاجية كصيحة في واد، أو أنها تجد الرد القمعي الجاهز الذي لا يتوانى في طلب خدمات الكلاب المدربة و القنابل المسيلة للدموع أيضا.فالمهم هو أن يتم الانتهاء من "شغب" المحتجين و منعهم من الاستمرار في تخريب الممتلكات العامة الخاصة.
فالاحتجاج مغربيا يقابل في خطواته الأولى بالتجاهل و اللامبالاة من قبل المسؤولين، و يقابل في حالة ارتفاع منسوبه النضالي بنوع من الحوار الذي لا يعني حل المشكل، بقدر ما يدل على الرغبة في تدبير المشكل و إرجاء حله، حفاظا على صورة المؤسسة لا غير. أما في حالة بلوغ الاحتجاج درجة الإحراج و التعارض المطلق مع رهانات تلميع الصورة، فإن الدولة أو المؤسسة لا تجد حرجا في اللجوء إلى العنف الذي يكون من توقيع قوات حفظ النظام الرسمية أو حتى بواسطة أجهزة الأمن الخصوصي.
لكن هذا سلم التدبير هذا لا يكون وفق هذه الدرجات في شأن التعاطي مع الهوليغانز المغاربة، فالجواب الأمني القمعي يكون الأكثر جاهزية للانتهاء من التشجيعات و حوادث الشغب التي صارت تخرج من فضاء الملعب إلى الشارع العام عقب الهزيمة أو الانتصار، و هذا ما يؤكد المنحى الاحتجاجي للشغب الرياضي المغربي، فأحداث الشغب ليست مرتبطة دوما بهزيمة الفريق/ الأنان بل حتى في حالة الانتصار و الاحتفاء يمارس الهوليغانز طقس التخريب، مستدمجين تلك القولة القديمة " هرسوا هرسوا الحكومة تخلصو ".
سؤال: فكيف السبيل إلى تجاوز هذه الظاهرة المسيئة لمشهدنا الرياضي ؟
جواب: ما يقع في الملاعب الرياضية و خارجها أيضا من ممارسات الشغب، لا يمكن تفسيره بمنطق الحقل الرياضي فقط، إنه ظاهرة مركبة تتجاوز رقعة الملعب إلى مجموع النسق المجتمعي، فالشغب الرياضي ملمح من ملامح الاحتجاج الاجتماعي بالمغرب، إنه عنوان آخر لمغرب العطب و الاحتقان،
و بالنظر إلى هذه التركيبية التي تبصم ظاهرة الشغب الرياضي، فإن التساؤلات المنذورة للقادم من الأيام، من الممكن أن تتوزع على الحال و المآل، فكيف السبيل إلى إحلال اللاعنف مكان العنف في جغرافيا الرياضة المغربية؟ و كيف يتأتى تحجيم الشغب و إقرار السلم الرياضي؟ و أي المقاربات أجدى و أنفع لتأهيل السلوك الفرجوي الرياضي؟
الحل في اعتقادي يكون مواتيا و ممكنا عبر بوابة البحث العلمي، فلحد الآن لا نتوفر على دراسات حول هوية المشاغبين مطالبهم، هناك فقط سوسيولوجيا عفوية تثار حولهم، و بعدا يمكن الانتصار لمقاربة مندمجة لا تركز فقط على التدخل الأمني الذي يبرز محدوديته دوما، فلابد من مقاربة تربوية ثقافية اجتماعية منسجمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة