الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعيدوا النظر في أسس وسياسات التمويل الأصغر

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2008 / 8 / 30
الادارة و الاقتصاد


من الأسباب الأساسية للفقر، عدم وجود دخل ثابت ومنتظم للفقراء حيث أن بعض الأسر قد يكفى دخلها لبعض الوقت ولكنه لا يلبث أن ينقطع ويتوقف لعدة أشهر متتالية، مؤثراً بالتالي على حجم وفائها بالتزامها المالي، مما يعنى أن الانخفاض الشديد للدخل، بالإضافة إلى عدم انتظامه، يَحول دون استفادة مثل هذه الأسر من القروض المتاحة في هذه الأطر الإقراضية لذا فإن برامج الأمان الاجتماعي تكون أنسب لهذه الفئات المعدمة من أجل إشباع حاجاتهم الأساسية. كما أن بعض هذه البرامج تعمل على إعداد متلقي الخدمة للتخرج من المعونة الاجتماعية إلى المرحلة التالية و الاستفادة من برامج التمويل الأصغر. هذا الحديث يقودنا للتصور والسياسات الحكومية الحالية للتمويل الصغر والتي تحتاج إلي الكثير من التعديل وإعادة النظر بصورة تركز في الأساس علي العميل/الزبون الأمثل لبرامج القروض الصغرى.
إن العميل/الزبون الأمثل لبرامج القروض الصغرى هو من تسنح له فرصة اقتصادية ولا ينقصه لاستغلالها سوى مبلغ صغير من المال. وعلى هذا الأساس يفضل أن يكون العميل فقيراً ولكنه مشارك في أحد الأنشطة الاقتصادية المستقرة أو المتنامية ولديه مقدرة واضحة على تنفيذ أفكاره بجدية، علاوة على عدم التهاون بسداد ما عليه من الديون.ولذلك من المهم جدا اتخاذ اللازم لتهيئة المناخ المناسب لعملاء/زبائن التمويل الأصغر مثل إعداد البنية الأساسية أو فتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتهم أو تقديم خدمات إضافية لتنمية مشاريعهم. وغالباً ما يترتب على هذه الخطوات ظروفاً مواتية أمام التمويل الأصغر وليس العكس. لذا فمن الضروري عدم استخدام التمويل الأصغر لمواجهة التحديات التنموية في المواقف التي تكون فيها أرزاق الناس مهدّمة ، كما أنه من المهم جدا ربط التمويل بالعضوية والمساهمة في البنك أو مؤسسة التمويل حتي يشعر المستفيد بإنسانيته ويستشعر المسئولية تجاه البنك، وليس كما يحدث الآن كمثال في "بنك الأسرة" الوليد المشوه.
إن الأعمال والمشروعات الصغيرة فى السودان تواجه عقبات كثيرة أهمها ضعف المقدرة الفنية والإدارية مع عدم توفر التمويل المناسب بالصيغ المناسبة وعدم الدعم المؤسسي والقانوني لحماية هذه المشروعات بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية خاصة في المناطق الريفية . هذا فضلا عن إهمال هذا القطاع في السياسات الاقتصادية والتنموية الكلية بالبلاد. نضف إلى ذلك عدم وجود قاعدة معلوماتية عن هذه المنشآت والمشروعات مما ترتب عليه عدم وجود خطه علمية مدروسة للتصدي لتنمية هذا القطاع.لقد أثبتت التجارب العديدة في بعض دول العالم الثالث خاصة في شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض الدول الأفريقية مثل كينيا وغانا إن الاهتمام بهذه المشروعات كان له اثر كبير في تنمية هذه الدول اقتصاديا وفى تخفيف حده الفقر وإيجاد أعمال مدرة للدخل خاصة للفقراء. و لعل تجربه بنك قرامين في بنغلاديش قد أصبحت نجمة مضيئة في رفع المعاناة عن كاهل عدد كبير من الأسر الفقيرة المعدمة. إن الأعمال الصغيرة في السودان تواجه تحديا كبيرا وهو عدم توفر البيئة المشجعة لهذه الأعمال والتي تعتمد أساسا على وضع سياسة قومية تضع هذه الأعمال في مقدمة خطط التنمية القومية وتلزم كل الأطراف المعنية بالالتزام التام نحو هذا القطاع.إن أهم عنصر في هذه السياسة القومية هو إيجاد إطار مؤسسي وقانوني واضح وذلك بان يتضمن دستور البلاد فقرات واضحة تلزم الدولة بوضع القوانين التي تنظم وتحمى هذا القطاع مع إنشاء المؤسسات القومية الداعمة له مثل إنشاء مجلس قومي لرعاية هذا القطاع وقيام مؤسسات علمية وبحثية لتقديم الخدمات الاستشارية وغيرها كما هو الحال الآن في كينيا التي أنشأت كليه خاصة لتدريس مواد التمويل الصغير.
إن مبادرات التمويل الأصغر في السودان كانت ولا زالت محدودة جدا ولم تشكل مصدر تمويل بحجم يذكر ولعل أهم هذه المبادرات قد بدأها بنك الفيصل الاسلامى في امدرمان في منتصف الثمانينيات وتبعه البنك الاسلامى السوداني في مشروعات الأسر المنتجة وبنك الادخار وبنك التنمية التعاوني الاسلامى ومؤسسة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم ثم بعض المنظمات الأجنبية مثل اكورد وكير ومنظمة رعاية الطفولة الأمريكية والبريطانية ومنظمة اوكسفام وغيرها ولو نظرنا لحجم التمويل الذي قدم من كل هذه الجهات فانه لا يدرك أكثر من 10% في المائة من احتياجات قطاع المشروعات الصغيرة والحرفية والتي يعمل بها أكثر من 70% من السكان في قطاع الزراعة التقليدية والرعي الحرف الصغيرة .
قد دلت تجربة السودان على فشل السداد من صغار المتعاملين مع البنوك، مثل تجربة بنك فيصل الإسلامي بأم درمان مع الحرفيين بتقديم القروض العينية في شكل ماكينات والقروض النقدية في شكل مرابحات لشراء المواد الخام لبعض المنتجين في مجال الصناعات الصغيرة، واتضح تعثر الكثير من العمليات وعدم تحقيق الاستفادة المرجوة لعدد كبيرا من الحرفيين من تلك القروض. والبنك الإسلامي السوداني في قروضه لمزارعي الريف حول الخرطوم. وامتدت التجربة إلى كثير من الهيئات التي تعمل في مجال «الأسر المنتجة»، والتي لم تبلغ درجة النجاح التي تروى عن بنك قرامين بل كان قليلا ومحدودا وفي الكثير من الحالات الفشل الذريع. وحثي الآن لا توجد أي محاولة جادة من أي من تلك البنوك من دراسة تجربة بنك قرامين والاستفادة منها. وفيما بعد دخل البنك الاسلامى السودانى منذ عام 1986 في تمويل صغار المزارعين خاصة في منطقه شمال امدرمان لزراعه البطاطس وقد استخدم البنك الاسلامى صيغه المشاركة الزراعية والمساقاة في تمويل أكثر من 500 مزارع بمناطق الشهيناب والسروراب والجزيرة اسلانج. وانشأ البنك الاسلامى السودانى أدارة متخصصة للتنمية الريفية ومن بعدها فرع التنمية الريفية برئاسة البنك . كما قدم البنك الاسلامى التمويل للأسر المنتجة وذلك بتوفير الدواجن والأعلاف والأبقار المستوردة والماعز مع الإشراف البيطري الكامل على هذه المشروعات .وعلي الرغم من دعم السفارة الهولندية التي تبنت المشروع وقدمت له مساعده ماليه بلغت أكثر من 5 مليون قلدر هولندى (حوالي 2.5 دولار) حصل عليها البنك بالسعر الرسمي للدولار، بالإضافة توفير أقفاص الدواجن الجاهزة والكتاكيت والعلف المركز بالسعر الرسمي أبضا ، بالرغم من كل ذلك كان النجاح محدودا وغير مؤثرا .
أما بنك التنمية التعاوني الإسلامي فلقد كان من أفشل البنوك في هذا المجال، عند مقارنته بما تقدمه تعاونيات الإقراض والادخار من الخدمات المالية إلى ملايين الأشخاص، بمن فيهم الفقراء وذوي الدخل المنخفض، وذلك في العديد من البلدان. حيث تقوم الجهات المانحة التي ترغب في زيادة القدرة على الحصول على الخدمات المالية، لاسيما الادخار، بمساندة تعاونيات الإقراض والادخار. ويتيح العمل مع هذه التعاونيات العديد من المزايا لأنها تصل إلى العملاء (المواطنين) والمناطق الريفية منها على سبيل المثال تلك التي لا تشكل مجال جذب للبنوك .لكن يتعين على الجهات المانحة، كي تضطلع بدور فعال في هذا القطاع، أن تعرف كيف تتغلب على العديد من التحديات التي تواجهها ،والاستفادة من المميزات التي تقدمها هذه التعاونيات من أجل توسيع نطاق تغطية عمليات التمويل الأصغر. تقدم هذه التعاونيات خدمات الادخار المميزة إلى أعضائها، وذلك على عكس معظم المنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات الائتمان الأصغر، لأنها بجهود محلية، وبدون الحصول على مساندة خارجية كبيرة ، و يشكل ما لدى تلك التعاونيات من قاعدة قوية من المبالغ الصغيرة مصدراً تمويلياً ثابتاً، ومنخفض التكاليف نسبياً ، كما أن تعاونيات الإقراض والادخار المدارة بشكل جيد تتكبد مصاريف إدارية منخفضة، ومن ثم تستطيع صرف قروض بأسعار فائدة أقل من تلك التي تفرضها مؤسسات تقديم خدمات الائتمان الأصغر. ولقد كان التصور الأولي لقيام هذا البنك أن يؤدي المهام السالفة والتي أخفق في تحقيقها بجدارة واقتدار. وأبرز إخفاقات البنك تتمثل في مساهماته المتواضعة في مجال تمويل صغار المنتجين عبر الجمعيات التعاونية الزراعية وذلك عن طريق توفير خدمات الجرارات والمعدات الزراعية. كل هذا يحتم علينا إعادة النظر في هذا الواقع بما في ذلك "بنك الأسرة" الذي أنشأ بعيدا عن الصورة العلمية السليمة، ووجه من البداية لتمويل غير المحتاجين والتصدق علي الأغنياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المكون الثقافى
الوليد محمود بخيت على ( 2010 / 12 / 19 - 17:55 )
الشكر لله اولا والشكر موصول لكاتب هذه المقاله فى المقام الثانى على هذا المجهود العظيم فى التحليل لقضية ظلت تؤرق كل العالم وخاصة الدول الناميه وهى مشكلة الفقر الذى له من الاثر السلبى على الحياة الاجتماعيه
وحقيقة كل ماذكر صحيحا وهو عدم استصحاب المكون الثقافى للمجتمعات كان له الاثر الكبير فى عدم نجاح التجربه بالصورة المطلوبه وعدم توفر بيانات كافيه عن عدد الفقراء وتصنيفهم من حيث فقرهم واماكن تواجدهم كما ان من المعروف ان هذه العمليه تحتاج لاراده حكومية وشعبيه ودراسات اجتماعيه واقتصاديه كبيره وتنسق تام بين كل المؤسسات التى تعمل فى هذا المجال ةتبسيط الخطاب الاعلامى للمجتمعات الفقيره وتدريب الكوادر المصرفيه فى التعاطى مع هذا النوع من التمويلكما يجب ابعاد البنوك التجاريه مع التعامل فى هذا المجال لمعرفتنا بان البنوك التجاريه همها الاول هو تحقيق الربحيه فقط دون مراعاة العائد الاجتماعى أو ان تكون هناك محفظة لهذة البنوك تدار من خلال جهه معينة تسطيع التمدد راسيا وافقيا للوصول الى اماكن الفقراء


2 - المكون الثقافى
الوليد محمود بخيت على ( 2010 / 12 / 19 - 17:55 )
الشكر لله اولا والشكر موصول لكاتب هذه المقاله فى المقام الثانى على هذا المجهود العظيم فى التحليل لقضية ظلت تؤرق كل العالم وخاصة الدول الناميه وهى مشكلة الفقر الذى له من الاثر السلبى على الحياة الاجتماعيه
وحقيقة كل ماذكر صحيحا وهو عدم استصحاب المكون الثقافى للمجتمعات كان له الاثر الكبير فى عدم نجاح التجربه بالصورة المطلوبه وعدم توفر بيانات كافيه عن عدد الفقراء وتصنيفهم من حيث فقرهم واماكن تواجدهم كما ان من المعروف ان هذه العمليه تحتاج لاراده حكومية وشعبيه ودراسات اجتماعيه واقتصاديه كبيره وتنسق تام بين كل المؤسسات التى تعمل فى هذا المجال ةتبسيط الخطاب الاعلامى للمجتمعات الفقيره وتدريب الكوادر المصرفيه فى التعاطى مع هذا النوع من التمويلكما يجب ابعاد البنوك التجاريه مع التعامل فى هذا المجال لمعرفتنا بان البنوك التجاريه همها الاول هو تحقيق الربحيه فقط دون مراعاة العائد الاجتماعى أو ان تكون هناك محفظة لهذة البنوك تدار من خلال جهه معينة تسطيع التمدد راسيا وافقيا للوصول الى اماكن الفقراء


3 - المحسوبية هى العائق الاول فى السودان
زكريا ابو يحيى ( 2012 / 7 / 27 - 03:06 )
نشكر اولا ً صاحب هذا البحث لانه فصل فيه ووقف على المشاكل التى تعيق تقدم المشاريع الصغيرة او الفردية .البحث اثبت فشل المشاريع الصغيرة فى السودان مع ان المشاريع الصغيرة نجحت فى بعض دول العالم الثالث مثل كينيا وبنجلاديش ، وتقريبا السبب فى السودان هي المحسوبية وعدم الرقابة التى تنتهجها الدولة فى كل مؤسساتها .


4 - المحسوبية هى العائق الاول فى السودان
زكريا ابو يحيى ( 2012 / 7 / 27 - 03:09 )
نشكر اولا ً صاحب هذا البحث لانه فصل فيه ووقف على المشاكل التى تعيق تقدم المشاريع الصغيرة او الفردية .البحث اثبت فشل المشاريع الصغيرة فى السودان مع ان المشاريع الصغيرة نجحت فى بعض دول العالم الثالث مثل كينيا وبنجلاديش ، وتقريبا السبب فى السودان هي المحسوبية وعدم الرقابة التى تقوم بها الدولة فى كل مؤسساتها .

اخر الافلام

.. الذهب يفقد 180 جنيها فى يومين .. واستمرار انخفاض الدولار أم


.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى




.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 23 أبريل 2024


.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال




.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة