الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثالثة)

محمد الأزرقي

2008 / 9 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


لم يكن اختيار جوزيف بايدن ليكون نائبا لأوباما في السباق إلى البيت الأبيض، إلا إمعانا من أوباما في التقرب من الصهاينة، وتذكرة وصول يحسب أنها ستضيف أصوات الأمريكيين اليهود إلى صفه لتساهم في وصوله إلى أعلى منصب في الولايات المتحدة الأمريكية. وليس أدل على ذلك، إلا الترحيب الإسرائيلي الذي قوبل به هذا الترشيح، حيث أشار احد المسئولين الصهاينة فور إعلان الأمر، أن " بايدن صديق لإسرائيل ". إن ترشيح بايدن، أعطى دلالات واضحة تؤكد استسلام اوباما في هذا الاختيار لعملية التأهيل التي يخضع لها بحماس. فبايدن يصف نفسه بـ"الصهيوني"، وهو حليف معلن لإسرائيل، ومعروف بولائه للصهاينة. وقد اشتهر بكلمته التي قال فيها، "ليس من المهم إن تكون يهوديا عندما تريد إن تكون صهيونيا، . أنا صهيوني مع أني كاثوليكي، وإن إسرائيل هي أفضل استثمار ديمقراطي للولاياتِ المتحدة في منطقة الشرق الأوسط." لقد سمعته بنفسي وشاهدته وهو يدلي بهذا التصريح الذي يظهر بدون أدنى شك أين يقف بايدن إزاء قضية العرب الكبرى. إضافة إلى ذلك أن بايدن هو من متحمسي المشروع الصهيوني في احتلال العراق وصاحب الخطة العدوانية لتقسميه إلى ثلاث دويلات.

لقد أصبحت خطة بايدن التي صادق عليها الكونجرس عام ،2007 برنامج عمل للإدارة الأمريكية. والواقع أن هذه الخطة ما هي إلاّ نواة لخطة أكبر لإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية في المنطقة العربية. فهذه المنطقة ما تزال وفق الاستراتيجية الأمريكية في طور التشكّل، أي أنه مع ضعف وبالتالي انهيار الدولة العثمانية التي كانت حاضنة للمنطقة العربية، في بداية القرن العشرين، جاء المستعمر البريطاني والفرنسي واستعمرا هذه المنطقة ورسما حدوداً بين المستعمرات التي أصبحت، فيما بعد، دولاً مستقلة. ولم تراعِ في إقامة هذه المستعمرات السابقة كما ترى أمريكا رغبات السكان ولا الاختلافات الموجودة بينهم من حيث الدين والعرق. ولما كانت أمريكا قد نصّبت نفسها رسولاً لما يسمى الديمقراطية والليبرالية، فإنها قررت تغيير هذا البناء القديم، وإنشاء آخر حديث مكانه. ثم جاء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كبداية لتطبيق هذا المخطط. فقد أحدث هذا الاحتلال ثغرة في الجدار العربي استطاعت الأفكار الأمريكية أن تدخل من خلالها إلى الساحة العربية، وأصبح المشهد الطائفي والعرقي هو السائد في العراق. فقد دُفع الشيعة والسُنة إلى الاقتتال، في حين أفسح المجال أمام الأكراد للإعلان عن هويتهم القومية ومن ثم مطالبتهم بدولة خاصة بهم بعيداً عن العرب، تماماً كما يود بادن. وجديرٌ بالذكر تذكير القراء بما قال زكريا شاهين، وهو أن إبن بايدن الأكبر متزوج من صهيونية من غلاة المتطرفين الصهاينة، وعليه فإن أحفاده الأربعة هم يهود بحكم الدين والتنشئة.

ثم جاءت إجراءات مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي عقد في مدينة دنفر لتعطي دليلا أخر على استسلام أوباما الكامل لعملية التأهيل. فقد حُرمَ الرئيس الأسبق جيمي كارتر من التحدث إلى المؤتمرين، كما هي العادة، لأنه برأي الصهاينة من المعادين للسامية إثرَ نشره كتابه الأخير، والذي قال فيه إن سياسة الإحتلال والإذلال لعرب فلسطين ليس ديمقراطية وإنما سياسة لا تختلف في حقيقتها عن شرور نظام (الأبارتايد) العنصري الكريه الذي كان يحكم جنوب أفريقيا خلال القرن الماضي. وفي الأمسية الأخيرة للمؤتمر والتي عقدت في الملعب الرياضي وحضرها ما يزيد على 85 ألف شخص وتعتبرُ أهم حدثٍ في المؤتمر، لكونها الأمسية التي تقبل فيها أوباما ترشيح الحزب له رسميا، تم افتتاح تلك الجلسة بمراسيم صلاة يهودية ألقاها أحد الحاخامات!

وقبل تلك الأمسية كان أوباما قد دعا أمام "الأيباك"، إلى توطيد الشراكة بين الأفارقة الأميركيين وبين اللوبي اليهودي الأميركي "للوقوف إلى جانب إسرائيل بينما تكتب الفصل المقبل في رحلتها الاستثنائية". ومن المتوقع أن تتأسس على هذا الخيار سياسات تلحق أشد الإجحاف بالمصالح العربية. إذ أن رحلة الإسرائيليين "الاستثنائية" هذه تسير باتجاه قضم البقية الباقية من فلسطين وتدمير المزيد من الدول والمجتمعات العربية. وسوف يرفع العرب، قطعاً، أصواتهم محتجين على هذه السياسات، وسوف يطالبون بتعديلها، وينتقدون من يقف وراءها. إلا أنه من المؤكد إنهم لن يجدوا قوس قزح يرفعون عليه ظلامتهم، ولن يجدوا في البيت الأبيض رمزا للغفلة والسقوط يمكن تأليب الأميركيين والعالم ضده.

بدأً، دعوني أقول إنني اعتقد أن فرص أوباما للنجاح في انتخابات الرئاسة تكاد تكون ضعيفة لسببين هما، أن ثلاثة من أصل كل عشرة ناخبين بيض يحملون مشاعر عنصرية إزاءه. وقد وصلت هذه المسألة الى حد التصريح بها علناً. لقد شهدت قبل يومين ندوة على أحد برامج تلفزيون سس أن أن حيث قال أحدهم فيها بدون تردد "لن أصوت لرئيس أسود!" وقد مر هذا التعليق بشكل طبيعي، ولم يستجلب حالة استنكار أو استهجان من قبل مقدم البرنامج أو من ضيوفه الآخرين. أضف إلى ذلك أن البعض من السود العنصريين يعتقدون أن أوباما ليس "أسود كفاية" لكونه خلاسياً! كما إن 12% من الناخبين ما زالوا يعتقدون أنَّه مسلم! ومن الجلي أن فريق أوباما قلق جدا من أية إشاعة، أو إشارة، أو أي أدنى شك أو شبهة مهما كانت تافهة بحكم جذوره الإسلامية. إن خصوم اوباما يعرفون نقطة ضعفه هذه فيذكرون الناخب بان اسمه حسين، وبعض أفراد عائلته مسلمون، فكيف يمكن أن ينتخبه الأميركيون في أهم منصب في وقت يستهدف المتطرفون الإسلاميون فيه الولايات المتحدة وشعبها؟ خصوم اوباما يريدون أن يخيفوا الناخبين بأنه مسلم في الخفاء يظهر مسيحيته ليصل إلى البيت الأبيض، أو انه متعاطف مع المتطرفين. وأي من هاتين التهمتين تكفي لإسقاطه سريعا. وتحاول حملة أوباما التواصل مع المسلمين الأميركيين في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان التي تضم عددا كبيرا من الأميركيين العرب والمسلمين، وفرجينيا وفلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو. ويشعر الأميركيون المسلمون بأن أوباما لا يفعل الكثير لاستمالتهم، في حين يبذل مجهودا كبيرا للتواصل مع اليهود والمسيحيين المتدينين، علما بأن لديه مستشارين للتواصل مع هذه الجماعات منذ بداية حملته.

لهذا السبب ربما كان الأجدر بأوباما أن يخوض حملته الانتخابية دون الاستعانة بأميركيين عرب أو مسلمين خير من أن يعين احدهم، وهو السيد أصبحي ثم يقوم بطرده بعد بضعة أيام بناء على تهمة أغلب الظن أنها ظالمة، وقت كان ينشد أن يكون متواصلا مع المسلمين. كان أصبحي كتب على مدونته بعد تعيينه كمستشار تواصل مع الأميركيين المسلمين في حملة أوباما رسالة بدأها بـ" السلام عليكم"، وقال فيها: "نريد أن يتحمس المسلمون الأميركيون للحملة التي يقودها أوباما، وهناك الكثير من الأمور التي تدعو لذلك! بالطبع حصلت بعض الهفوات. وبالطبع هناك حساسيات حول ديننا بسبب الحملة الشرسة التي تحاول تشويه صورة السيناتور أوباما وتصويره على أنه غير أميركي وانه خليط هجين وبالتالي غير مؤهل للرئاسة."

إنَّ حملة اوباما تواجه صعوبة في التواصل مع الأميركيين المسلمين والعرب، فلقد تعرضت، كما أسلفت في الحلقة الثانية، لموقف محرج منذ أسابيع بعد أن منع متطوعون في الحملة فتاتين محجبتين من الجلوس خلف المنصة الرئيسية حيث كان يتحضر اوباما لإلقاء خطاب، تفاديا لان تظهرا في الصور وعلى شاشات التلفزة. واضطر اوباما بعد ذلك إلى الاتصال بالفتاتين بنفسه للاعتذار والتأكيد على رسالته الداعية التواصل مع الجميع بغض النظر عن دينهم ولونهم.في الوقتِ ذاته يكافح أوباما منذ بداية الحملة لإثبات مسيحيته للناخبين الأميركيين الذين لا تزال شريحة كبيرة منهم تعتقد انه مسلم، لأنه ولد لوالد كيني مسلم. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "بايو ريسيرچ" أن نحو 12 في المائة من المستطلعين يعتقدون انه مسلم، و25 في المائة لا يعرفون ما إذا كان مسيحيا أو مسلما. ويتخوف بعض الأميركيين من خلفية أوباما وولادته لأب مسلم. وتركز حملات مرتبطة بالجمهوريين بطريقة مباشرة وغير مباشرة على هذا الأمر لإخافة الناخبين منه. وكان علق أوباما منذ مدة على هذه الحملات بالقول إن الجمهوريين ليس لديهم جديد يتحدثون به في الانتخابات لذلك فهم يحاولون التركيز عليه عبر تأليف أشياء "وإخافتكم مني.. والقول إنني غريب وشكلي لا يشبه الرؤساء الأميركيين على ورقة الدولار."

قال أوباما هذا الكلام بعد جولته في منطقة الشرق الأوسط. ذهب إلى سديروت، المستوطنة المحاذية لحدود قطاع غزة مع إسرائيل، برفقة وزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين أيهود باراك وتسيبي ليفني. وقارن المعلقون الإسرائيليون بين هذه الزيارة والرحلة التي رافق خلالها ارييل شارون المرشح جورج بوش فوق مستوطنات الضفة الغربية عام 2000، ليؤكد آنذاك لرئيس أميركا المقبل "الخطر" الذي يتهدد بقاء إسرائيل لو تخلت عن المستوطنات! وهو "الخطر" نفسه الذي "اكتشفه" باراك أوباما في سديروت، عندما أخذ يتفقد بقايا قذائف أطلقت على هذه المستوطنة من غزة، فأعرب عن مخاوفه من أن تقضي هذه القذائف على وجود الدولة العبرية! وأكد أن "على أميركا أن تقف إلى جانب حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الذين يهددون شعبها".

ومثلما تعامل رئيس وزراء إسرائيل السابق، الغائب في غيبوبته، مع بوش باعتباره الرجل القادم إلى البيت الأبيض، هكذا فعل كل من شمعون بيريز واولمرت ونتنياهو، فضلاً عن باراك وليفني والآخرين مع اوباما، فطوّبوه رئيساً لأميركا بعد تطويب "أبباك" له. إعتمر أوباما القلنسوة اليهودية ووقف بحزن ظاهر بعد أن أوقد شمعة عند نصب ضحايا الهولوكست "ياد فاشيم"، واغتنم فرصة زيارة حائط المبكى فدسَّ في شَقِّ ذلك الحائط قصاصة ورقة تضمنت الدعوة إلى أن ينعم الرب عليه وعلى عائلته بالصحة وعليه بسداد الرأي. وكانت يد أحد الحاخامات الإسرائيليين الفضوليين قد امتدت لتخطف تلك القصاصة ليتم نشرها في صحف إسرائيل في اليوم التالي.

وما يَعنينا هنا هو مقدار الضغط والتأهيل الذي يتعرض له المرشح الشاب من قبل القوى الصهيونية بشقيها المسيحي واليهودي/الإسرائيلي. هذه حقيقة أكدها الأكاديميان الأمريكيان جون ميرشماير ستيفن وولت اللذين ألفا كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" حيث ذكرا أن سياسة إسرائيل مجنونة وتداعياتها كارثية ليس على العرب فقط بل على نفسها. وقالا أن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا بدأ يطالب بالتغيير ليس حباً بالشعب الفلسطيني بل من أجل إسرائيل. جاء ذلك، بحسب ما أورده الكاتب أسعد العزوني، في المائدة المستديرة التي نظمها المعهد الدبلوماسي في عمان مؤخرا ضمن جولة لهما تشمل إضافة إلى الأردن فلسطين المحتلة، دبي والدوحة.

إستهل الأستاذ وولت الحديث بقوله أن الحديث عن المؤامرة موجود ويطفو على السطح دائماً بسبب اللوبي الإسرائيلي في أمريكا ومدى تأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية، إضافة إلى العلاقة الخاصة بين أمريكا وإسرائيل إلى درجة أن أي مسؤول أمريكي لا يجرؤ على انتقاد إسرائيل. ويظهر ذلك جلياً إبان فترة الانتخابات الأمريكية بأنواعها الرئاسية والكونغرس. الأكاديمي الأمريكي ذاته والذي أكد مع زميله ميرشماير عدم خشيتهما من العقاب بسبب ما ورد في كتابهما، قال إن إسرائيل خلقت لنفسها مكانة مهمة، مع أن فترة الحرب الباردة قد انتهت، إضافة إلى تظاهرها بأنها دولة ديمقراطية عكس دول المنطقة. كما أشار إلى أن الشعب الأمريكي لا يطلب من مسئوليه إعطاء الدعم المطلق لإسرائيل بل علاقات طبيعية ولذلك هناك سؤال بات يطفو على السطح وهو: لماذا هذه العلاقات المميزة مع إسرائيل؟

في معرض حديثه عن اللوبي الإسرائيلي أوضح وولت أن هذا اللوبي يضم شخصيات يهودية وأمريكية ومؤسسات صغيرة، ويدعم إسرائيل بلا شروط ويؤثر في المؤسسات والسياسات الأمريكية، كما أنهم يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة ويقدمون الدعم المالي للمرشحين وينشرون كتباً لمؤلفين ويسيطرون على وسائل الإعلام الأمريكية. وقال في ذات السياق إن قوة هذا اللوبي تكمن في تنظيمه الجيد وإمكانياته المالية وقدرته على السيطرة على الإعلام، مع أنه ليس منظمة مركزية بل جماعات متعددة تتفق فيما بينها على دعم لا مشروط لإسرائيل. بيد أنه كشف أن هذا اللوبي ليس على وفاق مع جميع اليهود الأمريكيين حيث الخلافات المتزايدة بين الجانبين، منوهاً إلى أن الكونغرس الأمريكي يقدم بلايين الدولارات لإسرائيل سنوياً بضغط من اللوبي. وتابع وولت القول بأن منظمة الأيباك تتحكم بمن يرغب بترشيح نفسه للكونغرس بعد أن تتحرى عنه جيداً وتقف على تاريخه وتدرس آراءه ومواقفه السياسية، وتقدم له الدعم اللازم إن هو تماهى معهم وإلا واجه المتاعب وخسر. ولعل قصة عضو الكونغرس السابق بول فندلي صاحب كتاب "من يجرؤ على الكلام" خير دليل على ذلك. كماأوضح أن الرئيس كلينتون امتدح الإيباك خوفاً منها، مؤكداً أن إسرائيل تتحكم بكافة وسائل الإعلام الأمريكية. وبالتالي فإن كافة التغطيات تأتى حسب رغبة إسرائيل، إذ أن أحداً لا يجرؤ على انتقاد إسرائيل وسياستها. ونوه وولت إلى أن إسرائيل واللوبي بذلا مجهوداً كبيراً لمنع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر من طبع كتابه الأخير عن عنصرية إسرائيل. فقد نشرت منظمة الأيباك أرقام كافة الناشرين طالبة من الجميع الاتصال بهم لتحذيرهم من ذلك إلى درجة أن الـ CNN وجدت نفسها في تلك الفترة في حرج إعلاني، ناهيك عن فتح ملف العداء للسامية ذلك السلاح الساحر بالنسبة لإسرائيل، الأمر الذي يجعل السياسة الأمريكية منحازة بالكامل لإسرائيل.

وبدوره اقترح جون ميرشماير، وفق تقرير أسعد العزوني، إن هناك أربع وسائل لتغيير الموقف الأمريكي في المنطقة وهي:

1- خلق لوبي فلسطيني – أمريكي أو لوبي عربي – أمريكي لمواجهة اللوبي الإسرائيلي وأن يكون مسلحاً بوسائل الضغط. بيد أنه بين أن ذلك يتطلب وقتاً ووحدة في موقف العرب الأمريكيين الذين ما يزالون منقسمين حسب دولهم، عكس اليهود الموحدين المنظمين المتحدثين بلسان واحد، ولديهم وسائل الضغط.
2- تدخل العرب في السياسة الأمريكية وضخ الأموال اللازمة إلى واشنطن منوهاً إلى أن إسرائيل لا تمول اللوبي الإسرائيلي بل هو الذي يدعم نفسه والآخرين، وأنه أمريكي ولذلك سينظر الأمريكيون إلى اللوبي العربي على أنه أجنبي.
3- هناك تحول في سياسة اللوبيات الإسرائيلية وفي السياسة الإسرائيلية نوعاً ما بالنسبة للضفة. كما أن هناك اعتقاداً بأن سياسة إسرائيل مجنونة حسب ما يعتقده اليهود الأمريكيون. ونوه ميرشماير إلى أن هذا الطرح يتبناه اللوبي "جي سننت".
4- كسب معركة الأفكار، ذلك أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين هو حرب أفكار وأن إسرائيل تستمتع بتسويق أفكارها في أمريكا، بينما يعجز العرب عن ذلك مشيراً إلى دعايتها السيئة ضد العرب وتصوير اليهود على أنهم جنس بشرى متميز. وقال ميرشماير إن احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لقيامها كان مميزاً في أمريكا وأن هناك من يقتنع بالأسباب التي أدت إلى قيامها. ومع هذا يوجد أناس في أمريكا يتحدثون عن "الأبارتايد" الإسرائيلي وفى مقدمتهم الرئيس الأسبق كارتر، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت يتحدث عن ذلك إذا لم يتم التوصل إلى حل الدولتين حتى لا تصبح إسرائيل دولة فصل عنصري.

وتطرق الأكاديمي الأمريكي إلى سباق المرشحين إلى البيت الأبيض في الحديث عن إسرائيل وضرورة تقديم الدعم لها وحماية أمنها، ذلك أن التنافس الشديد والهرولة باتجاه إسرائيل يشمل الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. وقال إن هناك طلبة عرباً يدرسون في أمريكا وبدأوا يتفهمون النمط الأمريكي، كما أن هناك أمريكيين يتحولون ومنهم "نحن" في إشارة إليه وإلى زميله وولت ضمن حرب الأفكار إضافة إلى اعتقاد العديد من الأمريكيين أن الموقف الحالي ليس لصالح إسرائيل.

في معرض ردهما على أسئلة وتعقيبات الحضور، أجمع المؤلفان على أنه حان وقت التغيير، وقال وولت إن اللوبي الإسرائيلي ربح كثيراً، مع أنه خسر عام 1956 حيث نجح الرئيس الأمريكي آنذاك أيزنهاور بإجبار إسرائيل وفرنسا وبريطانيا على سحب قواتها من الأراضي المصرية بعد العدوان الثلاثي على مصر. كما أن بوش الأب وقف في وجه شامير بداية تسعينيات القرن المنصرم ورفض مشروع طائرة لافي وتزويد إسرائيل بعشرة مليارات دولار مقابل مشاركتها في مؤتمر مدريد، بيد انه أوضح أن الوضع مختلف مع الرئيس بوش الابن. وقال أن المحافظين الجدد يدعمون إسرائيل، لكن ذلك يختلف عن المسيحية الصهيونية والمسيحية الإنجليكانية. وطالب وولت بعدم توقع قيام أوباما في حال نجاحه بتغيير السياسة الأمريكية 180 درجة عن بوش.

وحول سؤال يتعلق بظهورهما في هذا الوقت بالذات قال إن هناك من تحدث قبلهما من الإعلاميين والسياسيين، لكنهما الأعمق في الطرح، مضيفاً أنهما بدآ العمل بعد 11 سبتمبر حيث برز السؤال: لماذا تواجه أمريكا المشاكل في الشرق الأوسط؟ كما أن أحداً لم يتطرق إلى اللوبي الإسرائيلي. وشدد الأكاديمي الأمريكي على أن تسخين الحوار حول هذه القضايا لمصلحتهم لأنه يكشف الحقائق ويشجع الجميع على إبداء وجهة النظر لصالح أمريكا. وفي معرض رده على سؤال يتعلق بردة الفعل تجاه كتابهما، قال وولت إنهما لم يتعرضا للعقوبات ولم يفقدا أحداً من أحبائهما، بل على العكس من ذلك شجعهما زملاؤهما على ذلك، وأنهما باعا أكثر من 75 ألف نسخة في أمريكا و25 ألف نسخة في ألمانيا و10 آلاف نسخة في بريطانيا، وأن كتابهما سيترجم إلى تسع عشرة لغة، منوهاً إلى أنهما سيقومان بطبع النسخة العربية في بيروت قريباً.

وقال أن الوضع يتغير في أمريكا هذه الأيام وأنهم في السابق كانوا يسمعون أن إسرائيل حمل وديع محاطة بغابة من الغيلان وأنها ترغب بالسلام، لكن العرب يريدون محاربتها. كما أنها تقول اليوم إنه لا شريك فلسطينياً أو عربياً في العملية السلمية، مؤكداً أن ما يحدث على أرض الواقع ينفى ذلك. وأضاف أن الصهيونية تحكم أمريكا وأن هناك من يعتقد أن إسرائيل تريد السلام وأن الفلسطينيين إرهابيون، مؤكداً أن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل لن يحل المشكلة وأن المطلوب هو انقلاب إعلامي عالمي تجاه إسرائيل لفضح ممارساتها والضغط عليها لتغيير سياستها. وفى معرض رده على سؤال يتعلق بدور الأنظمة العربية في التغيير قال ميرشماير إنه لا يعول على هذه الأنظمة كثيراً، لكنه طالب النخب العربية بتكثيف الجهود في هذا المجال لأنها الأقدر على ذلك قائلاً: نحن وإياكم قادرون على صنع التغيير المطلوب.

وفي هذا السياق أكد الأكاديمي الأمريكي أن إسرائيل لا تواجه أية ضغوط من قبل مجلس الأمن وأمريكا والدول العربية، خاصة مصر والأردن اللتين وقعتا معاهدتي السلام مع إسرائيل وتخشيان فقدان الدعم المادي الأمريكي، موضحاً أن الحل يكمن في توسيع دائرة الحديث عن الوضع الحالي وخاصة في أمريكا، وأن يؤكد الجميع أن ما يحدث ليس في مصلحة إسرائيل. وإن استمرار الوضع الحالي كارثة على إسرائيل نفسها. وفى رده على انتقاد لهما بحديثهما في كتابهما عن حق إسرائيل في الوجود، قال إنهما لا يركزان على التلاعب بالألفاظ، وأنهما استندا إلى قرار التقسيم. وأوضح أن هناك الكثير ممن يشعرون بالقلق إزاء ممارسات إسرائيل في الضفة وغزة.

في الوقت الذي انشغلت فيه الدولة العبرية بالكرنفال الشعبي والمؤسساتي احتفاءً بالمرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كان الارتباك من نصيب قادة السلطة الوطنية الفلسطينية، بسبب الإحراج الذي سببه لهم الزائر الأمريكي، كما ورد في التقرير الذي كتبه زهير اندراوس وابراهيم درويش للقدس العربي. وقالت المصادر أن بعض الأطباق التي أعدت للرئيس الأمريكي كانت تمثل وجبات فلسطينية تقليدية مثل المسخن والمقلوبة والحمص والفلافل وغيرها. ورأى مراقبون أن اوباما شديد الحساسية تجاه اتهامه بالانحياز إلى العالم الإسلامي وخاف من أن تؤدي صور تناوله الأطباق الفلسطينية إلى إغضاب الناخبين اليهود أو أن يتم استخدامها من قبل حملة خصمه في الانتخابات الرئاسية. ومن المعروف أن صورة لاوباما مرتديا الزي الإفريقي كانت قد استخدمت في حملة السباق على الترشيح في الحزب الديمقراطي.

لقد أثارت زيارة اوباما إحباط المواطنين الفلسطينيين الذين تأملوا موقفا مختلفا بشأن قضيتهم من قبل المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية. وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري إن تصريحات اوباما المختلفة قد أصابت الفلسطينيين بالقلق والإحباط حتى مع الأخذ في الحسبان حاجة المرشح لاجتذاب الناخبين اليهود. وقد أكدت مصادر فلسطينية موثوقة ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، قبل وصول أوباما إلى مدينة رام الله المحتلة للاجتماع إلى قادة السلطة الوطنية الفلسطينية من انه تمّ التنسيق بين الجانبين، الأمريكي والفلسطيني، أن يتناول المرشح الديمقراطي طعام الغداء على مائدة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس. وبالتالي قاموا بإعداد الأطباق الفلسطينية الشهية لتقديمها للسناتور أوباما، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. فوفق المصادر الفلسطينية، وصل السناتور الأمريكي، الأربعاء، إلى المقاطعة في رام الله المحتلة، وعقد اجتماعاً مع الرئيس الفلسطيني ومع رئيس حكومة تسيير الأعمال الدكتور سلام فيّاض. ووفق البروتوكول، فإن الاتفاق كان على أن يبقي أوباما في المقاطعة لتناول طعام الغداء على مائدة الرئيس الفلسطيني عبّاس. ولكنّّ السناتور فضّل على ما يبدو أن يتناول طعام الغداء في فندق الملك داوود في القدس الغربية برفقة أصدقائه الإسرائيليين، مما سبب الإحراج الشديد للرئيس عبّاس ولرئيس الوزراء فيّاض، اللذين لم يعلما ما هو السبب الذي دفع المرشح الديمقراطي لأن يتصرف على هذا النحو.

لاحظ المراقبون أن السكان الفلسطينيين في المدينة لم يهتموا بالمرة بزيارة الضيف الأمريكي، وقال احد المواطنين لصحيفة إسرائيلية إن جميع الرؤساء الأمريكيين هم على نفس الشاكلة، وجميعهم يدعمون الدولة العبرية وسياساتها منذ إقامتها وحتى اليوم. أما الحارس الذي يقف إلي جانب ضريح الرئيس عرفات، فلم يكن يعلم بأن المرشح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سيصل إلى رام الله للاجتماع بالرئيس عبّاس وفيّاض. ولم يعقد اوباما مؤتمرا صحافيا في رام الله التي لم يزرها إلا مدة 45 دقيقة تجنبا للأسئلة المحرجة. وحاول رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية وعضو الوفد الفلسطيني للمفاوضات مع إسرائيل الدكتور صائب عريقات إنقاذ الموقف. توجه إلى الصحافيين الذين كانوا في المكان وأبلغهم بأن أوباما في حال فوزه برئاسة أمريكا فإنه سيعمل منذ اليوم الأول من دخوله إلى البيت الأبيض على إقامة الدولة الفلسطينية، إلى جانب دولة إسرائيل، على حد تعبيره.

وما لفت انتباه التعليقات الصحافية الأمريكية والبريطانية، أن أوباما كغيره من المرشحين لم يخرج على النص. ففي الوقت الذي لم يتوقف فيه إلا ساعة أو اقل في رام الله، فان همه كان مركزا على توجيه رسالة للناخبين الأمريكيين. وتوقع عدد من المعلقين أن يميل اليهود الأمريكيون نحو التصويت لصالح الديمقراطيين في تشرين الثاني القادم. وأكد اوباما في زيارته أن امن إسرائيل يقع على رأس أولوياته، بل وأكثر من ذلك ذهب اوباما ابعد للقول إن رئاسته، حالة انتخابه ستقوي العلاقات التاريخية والخاصة بين البلدين، وهي العلاقة التي لا يمكن كسرها. وكانت هذه هي الرسالة المهمة التي حرص اوباما على تمريرها للإسرائيليين والناخب اليهودي الأمريكي، فيما لم ينفع صاحب مطعم المعجنات الفلسطيني في رام الله الذي أطلق اسم اوباما على نوع من معجناته. فهو وان أعلن عن تكريسه للتسوية وانه لن ينتظر حتى نهاية فترته الأولى أو الثانية حتى يحرك العملية السلمية، إلا انه أكد أن رفض حماس لإسرائيل واستمرار الهجمات يجعلان من الصعوبة التحاور معها.

لكن صحيفة الغارديان قالت انه لم يكن مصادفة أن يربط أوباما بين ضحايا الهولوكوست من اليهود وبين ضحايا العنف الفلسطيني. ولم تكن مصادفة أخرى أن يكون من بين الحاضرين في نصب الهولوكوست رجل الشرطة الذي أطلق النار على سائق الجرافة الفلسطيني في القدس والذي جرح 16 إسرائيليا في اليوم السابق لزيارة أوباما. كما لم يغب عن انتباه الصحيفة المؤتمر الصحافي الذي عقده أوباما في سديروت، فإسرائيل أرادت أن ترسل رسالة للمرشح الرئاسي الأمريكي أن هذا ما يحدث عندما تنسحب من الأراضي الفلسطينية، أي تلال من الصواريخ!

وقالت الصحيفة أن اوباما لم يتحدث أو يشر إلى الهدنة مع حماس ولا إلى 362 فلسطينيا قتلوا في خلال الخمسة اشهر الماضية في غزة، مقارنة مع خمسة إسرائيليين وثمانية جنود قتلوا في نفس الفترة. ولاحظت صحيفة نيويورك تايمز أن النشاطات المدروسة التي قام بها اوباما أثناء زيارته لإسرائيل قصد منها الناخب اليهودي الأمريكي، خاصة أن اوباما أكد انه لن يضغط على إسرائيل كي تقدم تنازلات في أية تسوية مع الفلسطينيين. كما أن الزيارة وجولته بشكل عام هي تدريب ومحاولة إقناع للناخب الأمريكي بأنه مؤهل للعمل في مجال السياسة الدولية. وفي تقييمها لزيارة اوباما قالت صحيفة واشنطن بوست أن اوباما عمل في زيارته للتأكد من الفوز بالصوت اليهودي. وقالت انه مع كل الإثارة التي أحاطت رحلة أوباما للعراق وزيارته لبرلين فان زيارته لإسرائيل هي الأكثر حساسية وتم التخطيط لها بدقة. وقالت أن هذا وحده يشير إلى الحرص الذي يبديه أوباما للفوز بأصوات الناخبين اليهود الأمريكيين، وما يرغب المرشح الديمقراطي بالفوز به من خلال الحصول على دعم الدوائر التقليدية في الحزب الديمقراطي.
والسؤال هو هل يفهم العرب هذه الحقيقة بأن الرئيس في هذه البلاد، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، لا يحكم بل يُنفذ ما يُتفق عليه في دوائر القرار العليا، التي يتحكم بها الصهاينة من غير منازع!

مصادر المقالة:
موقع الجيران، 20/6/2008
الديلي تلجراف ، 19/6/2008
نيويورك تايمز، 22/6/2008
واشنطن تايمز، 2008/6/27
الغارديان، 26/7/ 2008
رغيد الصلح، الحياة، 26/6/2008
أسعد العزوني، arabonline ، 22/6/2008
زهير اندراوس وابراهيم درويش، القدس العربي، 25/7/2008
صالح السنوسي، باراك أوباما.. المحارب القادم، الجزيرة، 19/6/2008
علاء بيومي، ترويض أوباما، الجزيرة، 24/6/2007
علاء بيومي، أحلام أوباما والجيل الأميركي المفقود، 20/2/2008
طارق الكحلاوي، السياسة الخارجية في عهد أوباما ... عصر الواقعيين الجدد، الجزيرة 11/5/ 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك