الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين يوجد كنز المغاربة وأين تميل قلوبهم؟ (سؤال بمناسبة واقعة حنّى بعل القذافي)

محمد المدلاوي المنبهي

2008 / 9 / 9
حقوق الانسان


فلنبدأ الكلام بمقتطفات من كتاب لمؤلف مجهول؛ وهذه المجهوليـّة مفيدة جدا من حيث إنها تجرد الكلامَ عن الشخصنة، وتقوي بذلك من دلالته العامة. لا نسوق هذه المقتطفات لعين محتوى ما في الكتاب من تفاصيل "تاريخية" في حد ذاتها؛ إنما نفتتح بها هذا المقال بالنظر إلى الدلالة الثقافية العامة للكتاب كما تلخصها تلك المقتطفات كأسباب موجبة لتأليفه حسب قول المؤلف المجهول.

مقتطفات الافتتاح
"ولما كانت بلاد المغرب منازلَ البربر ومساكنـَهم، بعد فرارهم من الشام عقب قتل داود عليه السلام لجالوت، صارت أيضا محقرةً عند الناس وأَدوَنَ أقاليم الدنيا". "ولما كانت البربر عند كثير من جَـهَـلة الناس أخسَّ الأمم وأجهلـَها وأعراها من الفضائل، وأبعدَها عن المكارم، رأيت أن أذكـُر ملوكهم ...". "ولقد جرى ذكر المغرب بحضرة أمير المؤمنين ابن عبد العزيز العـُبـَيدي، فقال بعض الحاضرين: بلغـَنا أن الدنيا شـُبـّهت بطائر؛ فالمشرق رأسـُها، واليمن جناحُها، والشام جناحها الآخر، والعراق صدرها، والمغرب ذنـَـبُها. وكان في المجلس رجل مغربي يقال له الدقــا ، فقال لهم: صدقتم، والطائر طاووس ؛ فضحك السلطان وأجزل صلته، يريد أن أحسن ما في الطاووس ذنبـُة" ( مفاخر البربر، تحقيق عبد القادر بوباية؛ دار أبي رقراق. 2008. ص: 91-92).


لماذا هذه الافتتاحية؟

تذكرت في الحقيقة مقتطفات هذه الافتتاحية أياما قبل أن أستعيدها بعد أن قرأت اليوم (04 سبتمبر 2008)، واليوم فقط (بعد شهر ونصف من وقوع الحدث في 15يوليوز 2008) عنوانا رئيسيا خصصته جريدة مغربية لواقعة من وقائع إجازة صيفية على رأس صفحتها الأولى. إنها وقائع محنة المواطنين المغاربيين (مواطن مغربي وزوجته التونسية) مع مستعبـِـدِهما، حـَـنـَّى بـعـْل. لا يتعلق الأمر هنا بالقائد حنـّى بعل القرطاجني الذي زعزع ذات يوم أسوار روما انطلاقا من تونس الحالية مرورا بالجزيرة الإبيرية، فجبال البرانس، فجبال الألب، قادما إلى مدينة رومولوس من الجهة التي يتقرر انطلاقا منها مصيرُها، أي جهة الشمال، قبل أن تدور عليه الدوائر في وقعة "زاما" التاريخية على يد غريمه سيـبيون وحليفه النوميدي ماسينيسا؛ إنما يتعلق بــحنـّى بعل، ابن القائد الليبي معمر القذافي، زعيم الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، التي أصبحت "عظمى" احتفالا بغارة طيران رونالد ريغان التي دكت خيمة الزعيم. فلنبدأ أولا باستعراض كرونولوجيا الوقائع كما لخصها موقع "المنارة" مستعملا قاموسه الخاص.

مسلسل الوقائع كما لخصها موقع "المنارة" http://www.almanara.org/new/index.php?scid=4&nid=11525)):

15 يوليو: توقيف هانيبال القذّافي، الإبن الرابع للزعيم الليبي وزوجته الحامل في فندق فخم بجنيف على إثر اتهامهما من قبل اثنين من الخدم الخاص بسوء المعاملة والضرب.
17 يوليو: إطلاق سراح الزوجين بعد يومين من الاعتقال.
19 يوليو: السلطات الليبية توقف شخصين سويسريين بتهم مزعومة تتعلق بعدم احترامهما قوانين الإقامة والهجرة وغيرها.‏
22 يوليو: وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري تحتج في اتصال هاتفي مع نظيرها الليبي على هذا الإجراء.
‏23 يوليو: جهات في ليبيا تهدد بوقف الإمدادات النفطية إلى سويسرا.
25 يوليو: وزارة الخارجية السويسرية تتحدث عن أزمة في العلاقات بين سويسرا و ليبيا.
26 يوليو: ليبيا تطالب سويسرا بالاعتذار ووقف التتبعات الجنائية.
28 يوليو: سويسرا وليبيا تتفاوضان بصورة مباشرة في قضية هانـيبال القذافي.
29 يوليو: الإفراج عن السويسريين المعتقلين، مقابل كفالة مالية.
13 أغسطس: النائب العام لكانتون جنيف يؤكد استمرار العدالة في معالجة ملف نجل القذافي، منوها إلى أنه لا يرى أية أسباب تبرر غلق الملف . دفاع المُدّعيين يؤكد في جنيف على أن موكِلَيهما لا ينويان سحب الشكوى المرفوعة ضد هانيبال القذافي وزوجته ألين.
13 - 16 أغسطس: وفد دبلوماسي ليبي رفيع المستوى يُجري محادثات في برن وجنيف مع مسؤولين سويسريين دون الإعلان عن تفاصيلها.
15 اغسطس: بعد شهر من الإعتقال، والدة الخادم المغربي تصل إلى بلادها بعد الإفراج عنها ومزاعم بتعرضها للتعنيف خلال فترة احتجازها من بعض المصادر.
25 أغسطس: محامي الخادم المغربي يُعلن عن تغيير طبيعة الشكوى المقدمة من طرفه إلى المفوضية السامية لجقوق الإنسان في جنيف بخصوص شقيق موكله المحتجز في ليبيا من اعتقال تعسفي إلى اختفاء قسري بعد انقطاع اتصاله بشقيقه الذي سبق أن أعلن عن الافراج عنه.
2 سبتمبر: المحامي ميمبريز يُعلن أن الخادم المغربي والخادمة التونسية سحبتا الشكوى المرفوعة ضد هانيبال القذافي وزوجته.
3 سبتمبر: المدعي العام لكانتون جنيف يُعلن وقف التتبعات بحق هانيبال معمر القذافي وزوجته ألين وإعادة الكفالة (500 ألف فرنك) وإغلاق الملف قضائيا
ولقد عَـلـِم تفاصيلَ الواقعة كل من يتابع قضايا حقوق الانسان كما واكبتها صحافة البلدان الديموقراطية التي لم تلهها عن ذلك ألعاب بيكين الأولمبية والتي تسمي المواطن مواطنا انطلاقا من مفاهيم الديموقراطية وقيم كرامة البشر وليس "خادما" انطلاقا من مفاهيم العشيرة وثقافة الوبر والنفط. فلنر الآن ما هو صدى تلك الواقعة في موطن ضحايا حنى بعل خلال مقامه الصيفي: المواطن المغربي وزوجته الذين تعرضا للإكراه البدني الاستعبادي العشائري في مقصورات فنادق سويسرا أمام أعين المواطنين السويسريين، وأمه التي تعرضت بعد ذلك للاحتجاز رهينةً في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، وشقيقه الذي ما يزال مجهول المصير في نفس البلاد الشعبية الاشتراكية.


القضية في الفضاءات الإعلامية والمدنية والسياسية المغربية

يقول مانشيط يومية "المساء" المغربية (ع: 611؛ 04 غشت 2008) المشار إليه في بداية هذا المقال (بعد شهر ونصف من وقوع الحدث في 15يوليوز 2008) ما يلي:
"نجلُ القذافي يشتري صمت الخادم المغربي في سويسرا". وبعد التذكير ببعض التفاصيل كما تـقصّـتها صحافةُ العالم الحر، والتي انحصرت أطراف القضية فيها في الطرفين، السويسري الذي تولى الدفاع قضائيا، واقتصاديا وسياسيا عن المواطنين المغاربة، والطرف الليبي الذي حرك جهازيه البوليسي والديبيوماسي، يعلق مدير الجريدة المذكورة، السيد رشيد نيني، في عموده المشهور "شوف تشوف" بما نجتزئ منه المقتطفات الآتية:
"في الوقت الذي كانت فيه نشرة الأخبار بالقناة الثانية (المغربية) تعرض بلغة تقطر حنانا وشفقة مأساة خادمة فيليـبــينية تعرضت للتعذيب على يد مشغليها بالدار البيضاء، كان الخادم المغربي الذي تعرض للتعذيب على يد حنيـبعل (هكذا) يوقع تنازلا عن شكايته في سويسرا ضد ابن الرئيس معمر القذافي بعد حصوله على تعويض سخي من جلاده؛ وهذا ما تسميه القناة الثانية بسياسة القرب في التعاطي مع الأخبار. فقي الوقت الذي لم تخصص للخادم المغربي الذي تعرض للتعذيب ولو دقيقة واحدة ضمن نشراتها، رأينا كيف خصصت روبورتاجا كاملا عن الخادمة الفيليبينية التي تعرضت للتعذيب في الدار البيضاء. ونحن لسنا ضد هذا التناول الإعلامي لمأساة خادمة فيليبينية؛ لكننا ضد التعتيم الإعلامي الذي مارسته القناة الثانية على مأساة الخادم المغربي الذي تعرض للتعذيب هو ووالدته ...".
ولا بأس أن نستطرد هنا بالإشارة إلى أن صورة السيدة الفيليبينية بكدمات اللكم على وجهها قد تصدرت نفس الصفحة الأولى لنفس العدد من جريدة المساء. وهذه مقتطفات من تفاصيل مما أوردته الجذاذة الإخبارية المرافقة للصورة:
"تحولت "بايطا موط" (21 سنة) إلى شبح آدمي بضعة أسابيع فقط بعد التحاقها بمشغلتها المغربية التي تعيش في الإمارات العربية بعد زواجها من إماراتي (...) وتقول "بايطا" إن فصول التعذيب بدأت في الإمارات قبل أن تستمر في الدار البيضاء عندما رافقت مشغليها إلى المغرب لقضاء العطلة".

لا أتفق مع جل ما يورده السيد نيني في عموده. ولكني أحيي فيه هذه الالتفاتة هذه المرة، التي تعرّي مرة أخرى انفصاما مازوشيا فظيعا في الشخصية المغربية على جميع مستوياتها. فالمسألة ليست مسألة القناة الثانية فقط، التي لم تزد على أن ترجمت من موقعها واقعا عاما. فالمغاربة عودونا في الأربعين سنة الأخيرة التي واكبنا فيها الأحداث بنصيب من الوعي، على التضامن في الصحافة، والبلاغات الحزبية، والمظاهرات المليونية، مع جميع القضايا الكلية وحتى الخلافية منها حينما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، أو حتى أفغانستان، أو صيربيا، أو الدانمارك، ولكنهم لم ينتفضوا يوما لعدوان خارجي يلحق كرامة مواطن مغربي أو جماعة مغربية بل وحتى الكيان الوطني في السنوات الأخيرة. فلم نشهد مثلا مظاهرة أمام السفارة الاسبانية ولا حتى في مجرد الشارع العمومي لما أهين الجنود المغاربة أمام كاميرات العالم في جزيرة "تورا" المغربية من طرف الحرس المدني الاسباني في يوليوز 2002 ؛ ولم يفعلوا أيا من مثل ذلك كلما قام الإسبان بإتلاف عشرات شاحنات الطماطم المغربية المتجه إلى أوروبا دفاعا عن طماطمهم، مع أن اتفاقية تربط بين المغرب والاتحاد الأوروبي؛ ولم يتظاهروا أما السفارة الاسبانية ولا في شارع العاصمة لما أقدم العاهل الاسباني خوان كارلوس على القيام بأول زيارة لمدينتي سبة ومليلية المحتلتين يومي 5-6 نوفمبر 2007؛ ولم نر مثل ذلك يتم أمام السفارة الفرنسية لما قام متظاهرو "الجبهة الوطنية" للعنصري الفرنسي جان ماري لوبين بإلقاء المواطن المغربي ابراهيم بوعمـّار في نهر السين بباريس حيث لفظ أنفاسه على التو في فاتح ماي 1995؛ ولم يفعلوا شيئا من ذلك القبيل لما اختـُطف المواطنان المغربيان في العراق عبد الرحيم بوعلام وعبد الكريم محافظي في 20 أكتوبر 2005، في حين أنهم كانوا قد أسسوا مؤسسة دائمة للتضامن مع العراق وفلسطين ونظموا المظاهرات المليونية تلو الأخرى واستغلوا مناسبة الاختطاف بالأحرى لأصدار بيانات إدانات صفراء لا يفوتها أن تـُدين في نفس الوقت وعلى الخصوص - وهو بيت القصيد- "استمرار وإصرار الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الحكومات التابعة لهما على احتلال العراق واستنزاف خيراته وتمزيق وحدته".
ومن المصادفات ذات الدلالة في هذا الباب وبهذه المناسبة أن نقرأ إلى جانب العنوان الرئيسي المذكور في الصفحة الأولى من نفس العدد من يومية "المساء" عنوانا آخر يقول "نقلُ رفات قزيبر وسط سرية تامة؛ والجبهة الشعبية تفضح المستور". يتعلق الأمر بالمرحوم، مصطفى قزيبر الذي قضى نحبه من أجل فلسطين في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد أوضح المقال بأن السلطات المغربية لفـّـت توقيتَ وصول رفات الفقيد بالسرية والكتمان "لتفاجأ الفعاليات المدنية والسياسية التي حجت بالعشرات إلى مطار محمد الخامس لاستقبال رفات الشهيد بعدم حضوره (...). وقد عبرت العديد من الفعاليات المدنية والسياسية عن استغرابها للموقف الرسمي للسلطات المغربية إزاء حادث تسلم رفات قزيبر الذي قضى نحبه دفاعا عن فلسطين (...). وأوضح (عبد المومن الشباري، عضو الكتابة الوطنية للنهج الديموقراطي) في تصريح للمساء أن عملية تهريب الجثة والتستر على وصولها وعدم الإعلان عن وجودها يؤكد تعاطي الدولة اللامسؤول مع القضايا القومية والاستخفاف بالتضحيات التي قدمها الشعب المغربي من أجل القضية الفلسطينية".
يتأكد من هذا جليا بأن "الفعاليات المدنية والسياسية" منشغلة بأمور أكثر نبلا تصدها عن الاحتفال بمحن بعض المواطنين المغاربة مع حنـّى بعل غير القرطاجني، ومع المصالح السرية الليبية، وبما يترتب عن كل ذلك من مس بكرامة الدولة والوطن. يقول الانجيل: "حيثما يكون كنزُك يميل قلبـُك"؛ فأين كنز المغاربة وأيان تميل قلوبهم؟ وقال القول المأثور عن بعض الحالات: "قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية"؛ فما موقع المغاربة من مثل هذه المعادلات؟

خلاصـــــــة
وخلاصة القول هي أنه إذا كانت المواقف المعبـّر عنها من طرف القوى السياسية والمدنية بصفة عامة في الدول الديمقراطية التي تمثل فيها ثقافة الكرامة والجدارة الوطنيتين مثلا وقيما عليا لا يعلى عليها، تشكل قوة ضغط على ديبلوماسية الحكومات، وتشكل في نفس الوقت سندا لتلك الديبلوماسية تفاوض به كورقة ضغط شعبي مع الأطراف المعنية، فكيف نسائل الديبلوماسية المغربية والإعلام الرسمي المغربي في شأن واقعة حنـّـى بعْـل في الوقت الذي استمر فيه الإعلام المستقل والقوى السياسية والمدنية في استقالتهم التاريخية بالنسبة لكل ما يتعلق بكرامة الوطن والمواطن ما لم يكن الطرف المعني هو مصالح الأمن أو القوى العمومية المغربية نفسها، وهذا ليس تزكية لكثير من أساليب هاتين المؤسستين.
وفي الختام، وتذكيرا بمقتطفات المؤلف المجهول التي افتتحنا بها المقال، نختم الكلام بحكمة شاعر معلوم إذا قال شعرا أصبح الهر منشدا:
من يهُـنْ يسهـُـلُ الهوانُ عليه * ما لـجُرحٍ بميـّـتٍ إيــلامُ
04 سبتمبر 2008










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت


.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي




.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون