الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محو الأمية التعاونية ضرورة لتحقيق التنمية الزراعية والريفية

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2008 / 9 / 11
الادارة و الاقتصاد


التنمية الزراعية والتنمية الريفية وجهان لعملة واحدة، فتنمية الريف تعني في المقام الاول بإنسان الريف، المزارع المنتج الحقيقي، وبالتالي المجهودات التي تبذل في تنمية القطاع الزراعي تعود ثمارها علي المزارع أيضا. ولكن هذه التنمية مواجهة بمعوقات تحد منها وتعوق تطبيقها علي أرض الواقع، منها علي سبيل المثال التقلص المستمر في مساحات الأراضي الزراعية، وضعف تمويل القطاع الزراعي، قلة نسبة الاستثمار في القطاع الزراعي، إضافة الي قلة الموارد المالية المخصصة لمجالات البحث العلمي.
فالتقلص المستمر في مساحات الأراضي المزروعة ليس فقط بسبب التطور التكنولوجي فحسب بل لاسباب منها إقامة المزيد من المنشآت الصناعية على بعض هذه المساحات بعيداً عن التخطيط الاساسي للمدن والقرى، او ان هذا التخطيط لم يضع في الحسبان جودة هذه الأراضي وعدم إقامة مثل هذه المشاريع الصناعية عليها، إضافة إلى ما ينتج من تدمير خصوبة التربة بسبب مخلفات هذه المشاريع، وقتل الغطاء النباتي وتلوث الأنهار والمياه الجوفية والسطحية، ناهيك عن التأثيرات البيئية والصحية الخطيرة والمباشرة التي تحدثها معامل الكيمياويات والاسمنت وكمائن الطوب وغبار تلك المصانع المنتشرة في المناطق الزراعية والسكنية. أضف الي ذلك ينحصر اهتمام العديد من المزارعين في مجرد تحصيل اكبر قدر ممكن من الدخل وتحقيق أكبر قدر ممكن من الارباح ،حيث ينعدم لدى البعض الحرص الضروري للحفاظ على التربة او انه لايتبع الدورة الزراعية او الممارسات الزراعية المستديمة التي يمكنها ان تحافظ على خصوبة التربة .هذا الواقع من أدي الي وجود فجوة ما بين الانتاج والاستهلاك المحلي ناتجة عن استخدام الاساليب التقليدية في الزراعة في معظم أنحاء البلاد، أضف الى ذلك فرار عدد كبير من المزارعين المنتجين في المشاريع المروية والمطرية بشقيها التقليدي والآلي من الريف الى المدينة.
أما ضعف تمويل القطاع الزراعي وبالتالي ضعف تكوين رأس المال الزراعي، فهو العقبة الكؤود أما أسقرار الانتاج وتطور وزيادة الانتاجية، مما يتطلب زيادته بهدف تطوير هذا القطاع، وذلك لان القطاع الزراعي سيساعد في تطوير القطاعات الاخرى، وخاصة القطاعات الصناعية التي تعتمد على الزراعة كأساس لعملها من المواد الزراعية وليس العكس. اي بمعنى اخر لايمكن تطوير القطاعات الاخرى بدون تطوير القطاع الزراعي، فلا معنى لتطوير صناعة السكر بدون تطوير زراعة قصب السكر، كما لايمكن تطوير صناعة الغزل والنسيج ، وصناعة الزيوت مثلا: بدون تطوير زراعة القمح وزراعة المحصولات والحبوب الزيتية.
وعلي رأس هذه المعوقات قلة نسبة الاستثمار في القطاع الزراعي، سواء كان الاستثمار الوطني او الاجنبي، ففيما يتعلق بالاستثمار الوطني لايمكن تركه للقطاع الخاص بشكل مطلق، اذ يجب ان تتبنى لدولة الاستثمار في مجالات البنى التحتية التي لايمكن للقطاع الخاص الدخول بها، واشراك القطاع الخاص في الدخول في المشاريع الاستثمارية ذات المردودات الاقتصادية التي تحقق له الارباح ذات المردود السريع، كما يجب أن تتاح الفرص المتساوية للقطاع التعاوني بتدخل الدولة والغاء القرارات التي سنتها "الانقاذ" منذ 1989م والتي حجمت العمل التعاوني وضعضعت الحركة التعاونية، مثل قرار لجان التسيير الذي جاء بأصحاب الولاء في مواقع الكفاءات التعاونية الشعبية المنتخبة . اما فيما يتعلق بالاستثمار الاجنبي فهو سلاح ذو حدين،اي بمعنى اخر يجب التركيز على الاستثمار الاجنبي في المجالات الاساسية للاقتصاد القومي، ولا يترك الامر للمستثمر الاجنبي للاستثمار في مجالات يحددها هو، من دون مراعاة للظروف الحالية التي يمر بها البلد حاليا، والابتعاد عن المشاريع البزخية والترفية الاستفزازية، مثل ما يطلق عليه "دريم لاند"، هذا المشروع الغير واقعي والمتعارض لسياسة الدولة الرامية لمحاربة الفقرًَ.
وتمثل قلة الموارد المالية المخصصة لمجالات البحث العلمي مشكلة حقيقية معقدة، أضف الى ذلك عدم تهيئة الاجواء العلمية لخبراءنا وعلماءنا مما ادى الى هجرة العقول والكفاءات السودانية الى كل بلدان العالم وبدون استثناء .كما أن هناك قصور مريع من قبل أجهزة الدولة المختصة بالتنمية وخاصة وزارة الزراعة، فيما يتعلق بتعليم وتثقيف وإرشاد المزارعين ومدهم بالمعلومات الأولية والأساسية المتعلقة بالخصخصة وسياسات تحرير الاقتصاد، فما زال اغلب المزارعين لا يدركون معنى الانتقال من الاقتصاد المخطط بيد الدولة الى اقتصاد السوق المبني على المنافسة في الجودة والأسعار. فعلى الرغم من توفر الإمكانيات المادية في السودان، الا انه يجب ان يرافق ذلك توفر المعرفة واستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة، وذلك لان الإمكانيات المادية وحدها لا تحقق اي تنمية زراعيـة في اي بلد، فالإمكانيات المادية والتقنيات يعتبر احدهما مكملاً للاخر . الواقع الزراعي ، والتطورات الاقتصادية والمالية في المرحلة الراهنة يفرض علينا وضع ستراتيجية حقيقية للقطاع الزراعي كجزء من الاستراتيجية الاقتصادية القومية للبلاد بمختلف قطاعاته، يحتل فيها القطاع الزراعي مكانه القيادي والريادي الحقيقي بعدما فقده بقيام قطاع النفط والذي يجب تكون عائداته في خدمة القطاع الزراعي والمزارعين المنتجين الحقيقيين ، وإلا فإننا مواجهون بمزيد من الخراب والدمار.
كما أن ضعف الثقافة والتعليم والتدريب في المجالات المختلفة ومنها المجال التعاوني قد أثر تأثيراً سالباً على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة بالريف السوداني. ومعلوم للجميع الآثار المدمرة (للأمية الأبجدية) التي يعاني منها أكثر من 80% من السكان بما فيهم العضوية التعاونية والتي تقدربملايين السودانين. إلا أن الحركة التعاونية السودانية تعاني من انتشار) الأمية التعاونية) بين التعاونيين وغير التعاونيين خاصة كبار المسئولين في الأجهزة الحكومية، بل في كثير من الأحيان الوزراء الذين يتعاقبون على تلك الوزارات التي تسير دفة العمل التعاوني والذين لا يؤمن الغلبية منهم بالتعاون، ويتعاملون مع الواقع التعاوني، بأنه مهمة مفروضة عليهم، فيكون أداؤهم ضعيفاً وحماسهم فاتراً وانفعالهم مع القضايا التعاونية دون الطموح. وإنني أجزم بأن الكثير من هؤلاء الوزراء والمسئولين لا يعرفون إلا النزر القليل عن الفكر التعاوني وأدبياته ومبادئه، مما يجعلهم عاجزين عن بذل أي جهد للارتقاء بالحركة التعاونية والعمل لتنمية وتطوير وحداتها، بدءً بالعضوية التعاونية مروراً بالتعاونيات ونهاية بإتحاداتها ومؤسساتها ومنظماتها المختلفة. بل إن الحركة التعاونية السودانية بعيدة كل البعد عن دائرة اهتمام الأغلبية العظمى لهؤلاء الوزراء والمسئولين، فكم انشغل منهم بعقد الصفقات التجارية الفاشلة، وإهمال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الناجحة للحركة التعاونية؟ ولا يخامرني أدنى شك أيضا في جهل الكثير من هؤلاء الوزراء والمسئولين بمحتوى الوثائق الدولية والعالمية الخاصة بالحركة التعاونية، كتلك التي يصدرها الحلف التعاوني الدولي ICA ومنظمة العمل الدولية ILO، وكل ما أفلح فيه معظم هؤلاء السادة هو إطلاق التصريحات التطمينية، البراقة، المائعة، البعيدة عن الواقع، أكثر من ذلك هناك من رمي الحركة التعاونية بعدم القدرة على المنافسة، بينما الحقيقة هي عدم قدرة الساسة الذين يديرون دفة الحركة التعاونية في الاضطلاع بدورهم والقيام بمسؤوليتهم لتأطيرها قانونياً ولتجسيد دورها في الورق على ارض الواقع.هؤلاء هم من العقبات الكئود أمام تطوير وتقدم (التعاون) ببلادنا. إننا كتعاونيين ندعو نرجو الحكومة الاتحادية إختيار من يعي ويدرك ويستوعب التعاون باعتباره وسيلة من الوسائل المهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفقر.
لقد كان من الآثار السالبة "للامية التعاونية" في بلادنا تأخر نشر الوعي بالتعاونيات ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وضعف الثقافة بالفكر التعاوني والادب "التعاوني" ونضال التعاونيين في بقاع العالم المختلفة، وهم يؤسسون نظاما اقتصاديا واجتماعيا غير من وجه الحياة الظالم في كثير من الدول الي حياة يجد فيها المواطن نفسه كإنسان، له دوره في المجتمع، ويتحصل علي حقوقه الاساسية بالاعتماد علي نفسه وتطوير جهده الشخصي من خلال العمل الجماعي المشترك.
إن التعاونيون في سوداننا الحبيب يتطلعون لأن يكون للحركة التعاونية كيان يمثل ثقلها في المجتمع ويجسد دورها في التنمية الإقتصادية والإجتماعية والتخفيف من حدة الفقر، وأن تكون القيادة الديوانية الحكومية في الجهاز الإداري المختص بالتعاون ، في درجة وزير، ويؤكدون إن هذه الخطوة هي الأولي والبداية الصحيحة للأصلاح ، وهناك قناعة تامة بان هناك مجهودا كبيرا ينتظر التعاونيين وخاصة الشعبيين لإنطلاق هذه الخطوة ، وللإتحاد التعاوني القومي وقيادته دور ومسئولية ضخمة في هذا الجانب. ولاشك إن المسئولية الاساسية في ذلك يتحملها التعاونييون ، بمختلف مستوياتهم وقطاعاتهم، وهذا في إطار دور جديد للدولة تعترف به بالقطاع التعاوني كقطاع مؤثر وفعال في الحياة السودانية، وفي إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لا بد من هذا الاعتراف من قبل الدولة بالحركة التعاونية السودانية وتضمين ذلك في الدستور، واعطاء التعاونيات دورها الحقيقي في تنفيذ خطط الدولوة الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة الاعتبار اليها، من خلال الغاء تلك القرارات التي أصدرتها "الانقاذ" مثل قرار تعيين لجان التسيير في مكان لجان مجالس الادارة المنتخبة، وقرار حكومة الولاية الذي تم به نزع مباني ومقار المركز القومي لتدريب التعاونيين لمصلحة ولاية الخرطوم.
بدون الاعتراف الرسمي للدولة بالحركة التعاونية وتصحيح مسارها، سوف لن تنجح أي برامج للتوعية وإشاعة الثقافة والمعرفة التعاونية، والتعريف بالنظام التعاوني، فمتي تفعل الحكومة ذلك؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110