الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة التفاعلية بوصفها لوحة اعلانات

علي حسن الفواز

2008 / 9 / 12
الادب والفن


من حق الشرق ان ينتهك شرقيته، من حقه ان يقترح نظاما اخر للجهات، لان في الشرق غربا كثيرا، مثلما في الغرب شرق كثير. هذه الازاحة ليست خروجا عن قسوة الجغرافيا، وانطولوجيا الامكنة، بقدر ما هي سعي عميق باتجاه الحرية، باتجاه الاكتشاف، باتجاه التلّمس، او ربما باتجاه مراودة الضفة الاخرى على نفسها، وعريها، وانوثتها، لاننا ابناء هذا الشرق بحاجة الى انوثات هائلة. لكن كيف هو هذا الانتهاك؟ هويته، اشغالاته، وكيف هي الازاحة؟ واي الجهات تلك التي لاتجعل خطواتنا تركض في الهواء؟

حديث القصيدة التفاعلية الرقمية هو واحد من هذه الغوايات، غواية الذهاب الى الغرب الكبير في شرقنا، فهو لايخضع الى معادلة كراهية التقنية الرقمية او عشقها كما يدعي البعض، لان هذا الحديث ليس غربيا خالصا، اذ هو لايشبه حديث المصارف او حديث توريد السيارات والاسلحة، انه جزء من الوجدان، وهو ما يفترض وجود استعدادات انسانية اكثر عمقا واكثر تلذذا.
بدءا اكره واتحسس من توريط الكائن الشعري في لعبة السبرانطيقيا، مثلما اصاب بالهلع من التفليت العجول للقصيدة من طقوس سريرها وغواية شهوتها، لان القصيدة جسد فاضح في حياته، ان اخرجناها من السياق الفضائخي للحياة واللذة والجمال والاخر، فانها تموت، او تتيبس مثل أي حجر. كما ان دخولها الى غابة الدجيتال، وعصر الشاشات كما يسميه بودريار لايعني بالضرورة طرد القصيدة من العائلة، واقصاءها خارج الذائقة والحنين والكتاب والليالي الملاح!! اذ ان البحث عن فضاءات جديدة لتقنية عرض الجسد الشعري، هو امر طبيعي جدا في سياق ادامة الاشياء واعطاءها جرعات عالية للحياة والتجدد، لكن ذلك يفترض بالمقابل ايجاد الوسائل والممكنات التي تجعل هذه اللعبة قابلة للوجود والتواصل، فنحن نتحدث عن القصيدة الرقمية التفاعلية الرقمية وسط رعب موحش من الجهالات المعلوماتية التي تبدأ من الامية الثقافية ولاتنتهي عند الامية الرقمية، فضلا عن ان هذه القصيدة قد تبدو غطاء لتبرير الكثير من الصناعات الشعرية الخادعة والتي لاتملك شرطها الجمالي والفني. اذ ان مغامرة روبرت كاندل ليست هي مغامرة للغرب الاستعماري والعولمي، بقدر ماهي جزء من الغرب الثقافي الحاضن لشرق كثير، لكنه خاضع لسياق ثقافي اخر لايشبهنا تماما، يبدو في مفهومه حول (ان الفن هو تكنولوجيا الروح) مهضوم ومقبول وغير مثير للاسئلة المريبة المفارقة والحادة، حيث هناك من يتفاعل حقا وبوعي عال مع اية نزعة للتجديد، هناك من يقرأ ويستخدم، وهناك من يضع التنكولوجيا في سياق الثقافة اليومية في اطارها المعرفي الاكاديمي والاستهلاكي. فكيف يمكن لنا ان نقيم المقارنة وان نبرر الحاجة الى قصيدة تفاعلية، يمكنها ان تؤمّن بعض احتياجاتنا القومية من الغذاء الشعري، وان تفرض سيطرة على ازمة غلاء الكتاب الورقي، وازمة المكتبات العمومية، وان تسهم في اشاعة الثقافة الشعرية بمواجهة ازمات الارهاب والعنف والاحتلال، والتي كما يبدو لي انها ازمات تحتاج اكثر من القصيدة الى منقذات ومطهرات رقمية تفاعلية.
من حيث المبدأ نحن بحاجة الى كل شيء، نحتاج الى الحضارة بكل توهجها، بكل انظمة عرضها التي تمنحنا احساسا بالتفوق والرغبة بالسيطرة على الزمن ودعوة الشعراء لان يكتبوا في مدوناتهم الاف القصائد الرقمية، نحتاج ايضا الدخول الى عصر المعلوماتية بقوة، نحتاج الى كل جينالوجيا المعرفة الرقمية التي تضعنا عن اول السؤال، نحتاج الى التغيير الفاعل في ادوات ووسائل التمكين والاتصال والحوار، نحتاج الى التحسينات التقنية التي تجعلنا نتجاوز الرقم الكارثي الذي يقول ان الامية الرقمية في شرقنا العربي تتجاوز%70، نحتاج حقا الى ان نجعل برنامنج روبرت كاندل جزءا من درسنا المدرسي الثقافي والاكاديمي.
هذا ليس يأسا واحباطا للنوايا، لان ماقام به الدكتور مشتاق عباس هو مغامرة شخصية تستحق التقديروالثناء، تحرضنا على اعادة الكثير من حساباتنا، باتجاه ان نتخلص من عشوائية الخطوات العجولة، وان نبحث جدوى الثقافة الرقمية، وكيفية تكريسها في نظامنا الاجتماعي والثقافي، وان ندعو الجهات ذات العلاقة(الحكومية والمدنية) لكي تخطط بشكل واقعي خاصة في فضاء الاكاديميات ومراكز البحوث لتجاوز عقدة الجهل الرقمي، وان تؤمن نظاما شاملا لاستيراد الحواسيب وبرامجها، وان توفر لها الخبرات الكافية، وان تضع التأهيل العلمي في مجال الرقميات في صلب مسؤولياتها، لان تخليق مفاهيم اجرائية للثقافة الرقمية يحتاج بالضرورة سياقات واسعة للتعليم الرقمي، والسوق الرقمي، والخبرات الرقمية، والمكتبات الرقمية، وصولا الى دعوة البعض للكتابة عن مشكلات القصيدة الرقمية، والترويج لبضاعة النقد الرقمي الذي ينبغي ان يتحرك بجوار ظاهرة القصيدة الرقمية. ولااحسب ان الدعوة العجولة والقهرية لصناعة القصيدة الرقمية ستضع هذه القصيدة في خانة عجائب الدنيا السبع الجديدة، لان هذه الدعوة ستجل الكتابة عنها بصفتها اعلانات لصناعة جديدة.
التحولات في صناعة النص الشعري والكتابة عن عوالمه واشتغالاته، تفترض وعيا نقديا اجرائيا، مثلما تفترض منظومة من التراكم المعرفي الذي يشرعن حيوية وجدّة النص النقدي المكشوف على تحولات ثقافية يتداخل فيها البصري والسينوغرافي والمنظور وغيرها من التقنيات التي لم تكن مألوفة ومتداولة، وهذا التحوّل لم يقلل من شأن هذا النص، بل اجترح له قراءة اخرى، وربما وعيا اخر.
في القصيدة الرقمية ثمة تحولات تدخل في اطار هذا اللامألوف، تحولات في المشاهدة، وتحولات في نمط الكتابة ذاتها. ولعلّي لااجد غرابة في دخول عالمها الافتراضي، ليس تواطئا مع غوايتها، بل لاعتقادي اننا بحاجة دائمة للتجريب، لتجسير المعارف مع الاخرين، لاقتحام كل الاماكن التي تحتاج الى الكشف، وفك شفرات مجهولها. ولا اجد ان ثمة مشكلة تتعلق بالنقد الذي يمكن ان يقترن بالتوصيف الرقمي التفاعلي، لان النقد يظل نقدا، وهو الفضاء المفتوح للتجدد دائما، ولا اعتقد ان هناك نقدا يخضع للتوصيف التفاعلي الرقمي المجرد. قد تتغير الاداة، ويتغير المشهد والمنظور، لكن الوظيفة تبقى مفتوحة للادامة، والناقد الذي لايجدد نفسه وادواته يبقى عند ديوان قدامة ابن جعفر دائما ووصاياه العمودية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-