الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الثقافة والسياسة

ثائر سالم

2008 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



الالغام التي زرعت في الدستور والتي مررها الاخر انتظارا لفرصة مناسبة، كان لابد لها ان تقود اصحابها الى هذا اليوم الذي هم فيه، ويعيدها مضطرة اليه باعتباره منجزها الاكبر، الذي طالما تفاخرت بانجازه، رغم الثمن الذي لازال يدفعه البلد بسببه. وسبب اعتزازها به ، يبقى وجيها بالنسبة لاي متابع موضوعي ، لانه هو من اسس وشرعن الاحتيال على بعض ، والتحاصص في السلطة والثروة، واباح انتهاز الفرصة والتمييز بين المواطنين، وفرض غطاء ثقافة الظلام على الحياة والمجتمع، وارتكبت ولازالت باسمه اكبر الاثام ، ولكن ..القليل..القليل جدا، من الانصاف والموضوعية.
هذا الصراع لا علاقة له بحياة الفلاح والكادح ، العربي والكردي والتركماني او الاشوري اوغيرهم من القوميات والاقليات . فحياة هؤلاس الناس ، لم تزداد الا بؤسا وتخلفا وعوزا وانخفاضا في الخدمات وفي مستوى الحياة العصرية . ونعمة تحرير العراق لم يلمس ثمارها ، ويحق له الاحتفاء بها غير هذه الطغمة الحاكمة، الفاسدة والكومبرادورية باي لون ايديولوجي تسترت، التي جعل الاحتلال منها طبقة متداخلة ومترابطة المصالح معه ،وفيما بينها ، بعد ان ورط الكثيرمنهم في شراكات حقيقة ووهمية ، وتركهم ينهبون المال العام وثروة البلد .
ولهذا اظن ان هذه النخبة لن تتقاتل فيما بينها في آخر الامر. لان مشروع بقاء اي منها مرتبط بالاخر ، وتغيير التحالفات يقتضي تغيير سكة العملية السياسية ، وذاك ما لايرغب فيه اي منها . وهي في النهاية لن تجد امامها من خيار، سوى السير في ذات الطريق.. الدوس على حقوق البلد والناس . الموظفون، العاملون ، الكادحون .. الفقراء والمعدمون...الارامل والعائلات التي فقدت معيلها. هؤلاء اللذين يشكلون نصف المجتمع على الاقل ...الذين فقدوا ، بنعمة التحرير ابنائهم واهليهم وبيوتهم، حتى الامان والخدمات . وربما الاخطر فقدوا الامل في الحياة والثقة بالمستقبل.
فنجاح المشروع الامريكي في العراق ، لا زال حتى اليوم مرتبطا باستمرارالتقاطع في اجندات ذات الاطراف وايران. ولكن الاجندة الايرانية في المنطقة والعراق، لا زالت قضية حاسمة في مستقبل العراق ومستقبل عمليته السياسية. وللاسف في كل تلك الاجندات من مصالح واولويات خاصة، لا يوجد مايشير الى حرصها على مستقبل ومصالح العراق . من اجل ان ينجح المشروع الامريكي .. ومن اجل ان ينجح البرناج الايراني ..ومن اجل ان يبقى التحالف الحاكم في السلطة ، لابد لقضية استقرار العراق ان تبقى مؤجلة، ومرتبطة بمصالح هاتين الدولتين المتصارعتين على النفوذ ، والراغبتين جديا في التفاهم والتحالف . ولكن دون ان تدفع من كيسها.. مصالح اي منهما. بنظرهاتين الدولتين ، ان من يجب ان يدفع ، تكاليف الحوار بالتامر والمناورة والسلاح والابتزاز ، والرغبة الحقيقية في بعضهما ، انما هو الشعب والاقتصاد العراقي. لم لا اذا كان هذا ممكنا . لم لا، ولكلا الدولتين اطماع واسباب (ربما احقاد) سابقة، مشروعة او غير مشروعة.
لازال وسيبقى هذا الوضع العائق الاكبر امام استقرار العراق، مادامت لهاتين الدولتين اسباب للتفاوض من اجل التقارب، وما دامت القوى العراقية الحاكمة هي ذات القوى (الطائفية والشوفينية) ، المتحالفة مع الشيطانين الاكبر والاصغر، والتي تدعو الطرفين الى التفاوض فيما بينهما على الارض العراقية. بل لاتجد حرجا من ان يتخذا القرار بشأن سيادة بلدهم. فهاتين القوتين ، بالنسبة للتحالف الحاكم هي دول صديقة ، حريصة على المصلحة العراقية ، رغم كل ماحصل بسببها . ولا تشعر بالحرج وهي تتفهم حق تلك الدول في ان تفعل ما فعلت في العراق ، دفاعا عن مصالحها الوطنية، حتى لوكانت ذات مشاريع لتفكيك وحدة العراق.
حسب قوانا (العراقية الحاكمة) لا يجب دعم مسعى القوميات الاخرى في ايران ، التي تتجاوز نسبتها السكانية ال 55% من سكان ايران، من الكرد العرب ، للحصول على حتى على حكم ذاتي او تعزيز صلاحياتها لادارة شؤنها بنفسها ، كما تفعل في العراق. ولا ينطبق على هؤلاء حق تقرير المصير والحق في الاستقلال، فذلك عمل مرفوض لانه يهدد استقرار وسيادة ايران ووحدتها الوطنية، بالرغم من ان تلك الجماعات والاقوام ، لاتتمتع بنصف ما تتمتع به في العراق. حتى لو كان واضحا ان هذه الدول تحاول منع استقرار العراق. هذه النخبة لا تشعربالحرج وهي تقبل ارتباط استقرار العراق بالصفقة الامريكية الايرانية. التي لن تكسب هي منها شيئا ، وليست كما تدعي. فتلك الصفقة المنتظرة سيتم فيها تبادل المصالح، والادوار ومناطق النفوذ والتحالفات ، وستمنح ايران مايزيد من تبعية العراق وارتهانه بها.

ان ضعف الاقبال على مراكز الانتخابات ، رغم اسخدام سطوة الثقافة الدينية والقومية على عواطف وتفكير الناس او استخدام الخطر الايراني ، والخطر الارهابي ، والخطر العلماني ، وفي الجانب الاخر الخطر الديني ...فان جميع هذه المخاوف الوهمية او الواقعية، التي اريد بها دفع الناس على المشاركة الفاعلة ، اخفقت في تغيير موقف للناس وحكمهم على منجزات السنوات التي مضت وعمليتها السياسية. ويبدو لي ان اس الاشكال والمأزق الذي تجد القوى الحاكمة نفسها فيه اليوم هو محاولتها الجمع بين الاخلاص لمسارين متناقضين، لايمكن لاي منهما تحقيق غاياته النهائية. فالنجاح في المسارالاول شروط وعواقب على المسار الثاني . الخطوات المطلوبة للمسار الوطني، لايمكنها ان تخدم مسار التعصب والانعزال الطائفي او الشوفيني وبالعكس. هذا الارتباك جراء نهج " اللعب على الحبلين" او محاولة
" الامساك بتقاحتين في يد واحدة " ، هي من يقف وراء المآل الذي آلت اليه الامور. فالتوافق يبقى مرحلة مؤقتة واي تطور جدي في البلد، يغير الاسس التي قامت عليها عمليتهم السياسية الميمونة، سيقضي عليه.
النجاح في التوافق ، لفترة من الزمن ليس دليل نجاح الخيار وحل التوافق. بل لان كل طرف كان معنيا بتحقيق اجندته باي ثمن . ويراهن في الوقت ذاته على ذات الحلفاء الخارجيين. وعلى سرعة تحقيق مكاسب على الارض ، تساعده في انتزاع المزيد . وعلى الاعتقاد ان عامل الزمن يسير في صالحه. حتى لو كان الثمن استنزاف معظم موارد البلد في الانفاق على الامن الذي لم يتحقق حتى الان ، والفساد الذي بلغ معدلات قياسية .
ان هذه الاطراف لم تعد جزء من الحل قدر ماهي اليوم الجزء الاكبر من المشكلة .
هذا يفسر الى حد بعيد ، الالتباس والتناقض والتبدل المستمر في المواقف . وانعدام الامانة والصدق ، مع النفس ومع الناس ومع متطلبات واولويات الخيارالوطني. وهذا من يضع جميع الاطراف الفاعلة في الساحة العراقية ، القوى العراقية والاقليمية والدولية ، في هذا الوضع الذي لاتحسد عليه . وضع يمكن الجميع..اي طرف من اتهام الاخر ، بالخروج على الاتفاق والاجماع الوطني، من اجل اجنداته الخاصة.
غني عن القول ان الاحتلال واجندته الحيقية ، كانت الحاضنة الفكرية والسياسية ، لتلك التناقضات في تلك الاجندات . وكان له دوره في ادراك او تناسي ، حقيقة الاجندة الامريكية، واشغال العراقيين بصراعات تعيق وحدتهم كمواطنين وقوى تتشارك في التصدي للاحتلال وبناء وطن وهوية مواطن حقيقية.
مالم تتكون طبقة سياسية ، لها قاعدة اجتماعية ، وكيانات سياسية قادرة على حمايتها وتسويقها، لايمكن لمشروع الاحتلال ان يستمر او يتقدم. وتلك عملية رغم النجاح الذي تم فيها ، لازالت غير منتهية او مستقرة.
فالاجندات الحقيقية ، لم يجري طرحها بشكل كامل ، باستثناء الموقف الكردي ، الذي اتسم بصراحة منذ البداية. الاجندة الحقيقية ، للامريكان، والايرانيين ، وقضية فيدرالية الجنوب ، لم يعلن عنها حتى الان . الفارق بين المعلن منها وما يتحقق على الارض لازال كبيرا.
...اجندات سياسات حاقدة ، ثأرية ، انتقامية ، من كل الاطراف، حرقت الاخضر واليابس في البلد، وحصدت ارواح مئات الالاف.ليس فيها ، وليس في اولويتها ، البلد والمواطن ، لم ترضي اطماعها المريضة ، حتى شرعنة التحاصص ومأسسته، في كل اجهزة الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ، التي ابتلعت في الواقع ، كل الكيانات المستقلة للسلطة والدولة والمجتمع ، وافرغتها من مضمونها وادوارها الاساسية ، وشلت عمل دولة القانون والمؤسسات تلك (التي كانت ولازالت اغنيتها المفضلة). وهي اليوم لاغيرها من يعيق الدولة والمؤسسات من تحقيق دورها والنهوض بمسؤلياتها.
فبسيادة ما يسمى مبدأ التوافق، باتت كل الاتفاقات المناقضة للقانون تمتلك غطائها القانوني " التوافق". وهو ذاته الذي يوقف عمليات الملاحقة القانونية ، لمختلسي المال العام ، ومهربي ثروة البلد ، والقتلة من مجرمين ارتكبوا الكثير من الجرائم . وهو ذاته الذي يضمن استمرار توزيع السلطات والثروات.
صحيح ان الاستقرار العراقي على اسس وطنية ، يهدد مصالح اطراف خارجية ، امريكية واقيمية ، ولكن الصحيح ايضا انه يهدد مشاريع العنصرية الحاكمة في العراق، الطائفية والشوفينية. ان ممارساتها وسياساتها لا تشير الى انها تعني جديا ماتقول. ولا تبغي حقا مشروعا وطنيا، في بنيان الدولة ، ومهامها والدفاع عن البلد ضد التدخلات الخارجية . هذه الصيغة الملتبسة لمشروعها " الوطني " التي تعجز عن تجسيدها ، فيما بينها ..في معسكرها، قبل المعسكر الاخر، لايمكنها ان تمنح احد الثقة باقوال النخبة الحاكمة وادعاءلتها.
فالتناقض بين الاسس والمسار الذي سارعليه المشروع ، وبين الاسس التي جرى الاعلان عن تبنيها في الدستور ، صارخ وكبير يصعب ردم الهوة او التوفيق بينهما. فقد بدا الامر كمن يعلن توجهه الى مكان ما ولكنه يشاهد متجها الى مكان معاكس في الاتجاه. او كذاك الذي يحاول الامساك بتفاحتين في يد واحدة.
والحقيقة ان الامريكان لا يتحملون لوحدهم المسؤلية المعنوية او السياسية ، عن كل هذا بوصفهم قوة الاحتلال المسؤلة قانونا عن استقرار البلد والحفاظ على وحدته ، ولا عن دعمهم لقوى يعرفون اجندتها الحققية، اللا ـ وطنية قبل مجيئهم الى العراق، بل مسؤليتهم الكبرى في تضمين الدستور العراقي، الاساس القانوني لتفكيك واضعاف الدولة والمجتمع العراقي ، وعدم التوازن في الصلاحيات ، او الدقة في تصنيفها وتوزيعها والفصل بينها، الامر الذي ينعكس على حقيقة التعايش والقرار في مختلف المناطق ، ولاسيما المناطق المتعددة قوميا . والتي باتت اليوم " المناطق المتنازع عليها " ان هذه التسمية وحدها دليل ادانة آخر ، وبرهان ساطع، على نوعية الثقافة التي يريد العقل السياسي الحاكم ان يدير بها العراق .
فبؤس الثقافة الثقافة والسياسة وقيمها تلك ، تلك التي لم يكتفي قادة العراق الجديد ، بان ادخلوا البلد بنفق الاحتلال المظلم بسببها، بل لا زالوا يواصلون الزج به في متاهات فرعية داخل هذا النفق ...املا في تحطيم ماتبقى من معنويات وقناعات وروابط وطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع