الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهيؤات : قصة قصيرة

محمود يعقوب

2008 / 9 / 19
الادب والفن



النسوة اللواتي أطلقن عليه اسم الكشّاف ، كنّ يهرعن اليه ويغمرنّه بالأحلام . يؤججنّ في محلّه الضباب .. الضباب الرخامي الشكل ، مليئاً بالبروق والألوان الخاطفة ، حتى لم يعد يرى أحداً أو يراه أحد ,
كان ينكر هذا الاسم . لم يكن سوى رجلٍ سادرٍ في أحلامه ، يلتمس الحقيقة الناصعة ، ويمنحها بالمجان ، لم يتاجر فيها قط . ولو صادف وصدقت الظنون ، فانه يتقبل بعد تردد شيئاً من هداياهنّ المتواضعة .
********************
كان حاذقاً وصادقاً في التعبير . يقفز بنشوةٍ سابحاً في الأحلام .يغوص في أعمق الأعماق .. يغوص بخيالٍ متوهج ٍدفّاق.. وحين يطفو على السطح ، يمكن أن ترى ملأ كفه لؤلؤاً ومّاضاً !..
في كثيرٍ من الأحيان ، كان يجلس يجلي الحلم .. يجلي ويجلي حتى يرفعه عالياً أمام العيون ،
ملقياً عليه نظرة تألقٍ ومباهات مثل حجرٍ كريمٍ .

********************
في هذا الزمن .. غامت الرؤى وجفت الأحلام . توقفت النسوة عن الحضور . ولم يعد الكشّاف يرى شيئاً ، سوى أضغاث أحلامٍ تتخبط في منامه ، لأن الدهر رماه ورمى النسوة ورمى الناس بثالثة الأثافي : المحتلون الأغراب ، والذباحون الوسخون ، واللصوص الجشعون . وعلى هذا الأثافي كان الجميع يمور مستعراً بنارٍ لاتنطفىء ولاتهيد .
كان الكشّاف يرخي بصره ، وهو يرى الدخان المتصاعد أعلى ذلك الموقد الرهيب . دخان يرتفع كثيفاً تنشره وتأخذه الريح ، ليتصاعد أثره دخان ودخان .. لاشيء ..لاشيء سوى الدخان !..

********************
في الثلث الأخير من ليلةٍ مضت ، عند السحر ، في أرق ساعات الأحلام وأصدقها ، انتفض الكشّاف واهتز جسده بقوةٍ ، وصرّ سريره صريراً عالياً ، وما لبث حتى وقع أرضاً . كان تحت وطأة حلم عنيف ..
رأى في منامه امرأته تفتح باب غرفته بصخب تهرع نحوه وتهزّه بارتباك ، صارخةً بصوتٍ مجلجل وسريع : - لقد رحلوا .. لقد رحلوا ..
ظلّ يسمع ذلك الصوت وهو جاثياً على الأرض بجانب السرير . وحالما فتح عينيه ، وجد زوجته تهزّه بالفعل ، لكنها لم تكن تصرخ ، كانت تبسمل هامسةً وحسب .
نظر الى الباب ،لقاه موصداً ، اذّاك رفع رأسه الى زوجته متسائلاً :
- من هم الذين رحلوا يا امرأة ؟ ..
أجابت المرأة بنظرة مشوشة مماثلة قائلة :
- من هم ؟ كان يفترض أن أسألك هذا السؤال ، وأنا أسمعك تصرخ ( لقد رحلوا .. ) .
غشيته حيرة وغموض حلمه . ظلّ صدى صراخ المرأة يرن في أذنيه ويجري سريعاً ..
لكنه لم يلتقط سوى هاتين الكلمتين ..
جلس على سريره مستغرقاً في التفكير ، متضايقاً ،باحثاً بعناد عن كلمة واحدة اخرى ..
كلمة لاغير .
في الأيام التالية ، وجد نفسه مهموماً ، مطرقاً ، وقد أطلق العنان لأفكاره ، غير قادرٍ على تذكر تلك الكلمة .. الكلمة التي رددتها المرأة في الحلم بكل تأكيد .. لكنها جفلت بعيداً .
وها هو الآن يقتفيها ويتشمم اثرها مثل كلب مطاردة .

*******************
حلم أم زحار .. حلم أم زحار هذا الذي يجعل الكشاف يهيم مسعوراً خلف كلمة واحدة ..
كلمة ضائعة بين غيوم .. كلمة يمكن أن تنجده في تفسير حلمه .. كلمة واحدة لا غير ..
من هم الذين رحلوا :
المحتلون ؟
الذباحون ؟
أم اللصوص ؟..


------------
الشطرة 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة