الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيوية الماركسية .بين قرائتين 2

ثائر سالم

2008 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


2ـ بحث منهجي.. ومنهج بحثي
ما يمكن استخلاصه مما سبق، ان الماركسية لا يمكنها ان تتجلى في منهج وبنية فكرية، مغلقة نهائية التكوين والمحتوى، والاكتفاء بعدة البحث والعمل ذاتها، وتجاهل الانجازات الجديدة في علوم المجتمع ومناهج المعرفة ، وحقائقها وحقائق الحياة الجديدة. ..فالماركسية لا يمكنها الانغلاق، على مقولات ومفاهيم وعلاقات،(على علميتها كادوات معرفة منهجية)، تم بها تشييد بنيان الماركسية النظري، النازع دوما للجديد والتغيير، والثورة على القديم، المقيد والمعيق للتطور ولحرية الانسان والفكر.
حصرها بشكل او قراءة ظروف تاريخي، جرى تجاوزه تاريخيا، واستسهال الاعتماد على احكامها ، والاطلاق فيها ومعاملتها كاحكام وقوانين الطبيعة، انما هو نهج لايمكنه التعبير عنها والانتماء اليها باي شكل كان. فتكرار ماركس لاسهامه الفكري، بظروفه وتاريخه، وموجباته، بانه لم يضع الا حجر الزاوية في هذا العلم ، انما هو دلالة على تاكيده على اهمية وحجم العمل الذي ينتظر انجازه، وسعة الميادين التي تنتظر العمل بها.
ان ماركس كان بعيدا جدا عن فكرة بناء نظرية قدرية ، مكتملة ترسم التاريخ البشري، وتحدد بشكل محكم، خطوات المجتمع البشري، التي سار عليها او التي سيسير عليها. فمثل هذه الفكرة لاصلة لها بالتاكيد ، بروح الماركسية ، ومنهجها ، والهدف الذي ارادت تحقيقه.
حتى قول لينين " الماركسية كلية القدرة لانها كاملة وصحيحة" لا يمكن التعامل معه، بقراءة وترجمة حرفية للنص.
لا ماركس يمكن ان يجهل، قيمة واثر مافعله ومكانته في مايريد فعله ، ولا لينين يمكن ان يجهل منهج ماركس، ورؤيته ...وهو الذي تمكن من تطوير الماركسية، في ميادين معرفية وعملية عدة. اذن ويعدم نسيان السياق الذي جاء به قولهما، يبدو ان ماهو اكثر قربا للواقع ، هو ان تعبر القرائتان عن مضمون واحد، رؤية واحدة، للتاريخ والحياة، رغم انهما عاشا في ظرفين مختلفين وواجها مشاكل ومهام مختلفة. والا بدا الامر كالقول " ولا تقربوا الصلاة.." .. دون الاشارة الى شرط النهي او التحريم " وانتم سكارى". اين يكمن هذا الجوهر الواحد في الرؤيتين اذن؟ يكمن في ان لكل قول مهمة ، حدثا وظرفا وموقفا استدعاه، وتطلب ابراز جانب في مضمون هذه الرؤية .
فاذا اراد ماركس الابتعاد بمنهجه وافكاره، عن الاطلاق والتقديس والاكتفاء بمضامينها الواقعية البحثية وحدودها المنهجية، التي لا تعوض الحاجة الى البحث الملموس، في التاريخ الواقعي لمختلف الظواهر..فان تعريف لينين للماركسية ، كان في الواقع في مهمة وظيفية اخرى ، هي ابراز كنه القوة في افكار واراء ومنهج ماركس، كاداة معرفية ، وتغييرية.
هذه القراءة للماركسية ، لم تكن متاحة دوما للاسف بسهولة في االعقود الماضية، لا على المستوى الثقافي العام ، ولا على مستوى الثقافة الحزبية. ولاسباب يبدو انها موضوعية غالبا،(1 ) اجتماعية وسياسية، اكثر من كونها ذاتية.
لم تتمكن اغلب الاحزاب الشيوعية حتى في الدول الاشتراكية وفي البلدان المتخلفة خصوصا، من العمل بما يكفي من الجهد والحرص، على توفير مناخات هذه القراءة. فالظروف السياسية الدولية والمصاعب التي واجهت عملية البناء الاشتراكي وعملية استقلال البلدان المتخلفة، وظروف الحرب الباردة وما شكلته من استنزاف للبلدان الاشتراكية ، والبلدان النامية الحديثة الاستقلال، ومجيء برجوازيات وطنية مرتبكة تفتقر الى الرؤية والى المؤهلات لانجاز مشروع التحرر الوطني ، اربك طاقة هذه الاحزاب واضطرها ، اهمال الجانب النظري وعرقلة التهيئة لظروف تتحقق فيها " تبيئة منهجية للماركسية" . حتى محاولات مهدي عامل واضافاته لمقولات اخرى على المقولات الماركسية، كي تكون عاملا مساعدا في البحث في التاريخ الواقعي لشعوب المنطقة ودراسات حسين مروة ولاسيما في التاريخ الاسلامي ومبادرات الاحزاب الشيوعية السورية والبنانية والسودانية ، في محاولة اعطاء الخاص في ظروف هذه البلدان، فرصة الدراسة النظرية للملموس منها كقضايا القومية والدين، وبلوغ تلك المحاولات مرحلة الرؤى في بحوث ودراسات مفكرين بوزن برهان غليون وسمير امين وفي اعادة قراءة التاريخ العربي الاسلامي في مشروع الجابري الذي قدم قراءة مختلفة للماركسية وللمادية التاريخية والديالكتيكية والترجمة الحزبية السائدة لها ، التي قلبت رأسا على عقب واثبتت خطل تلك القراءة للماركسية التي تسمى" السوفيتية " والتي سادت في اغلب الاحزاب.
ورغم ان دور الاسباب الموضوعية في هذا الوضع، لايمكن مقارنة اهميتها بدور العوامل الذاتية. الا ان تاثيرها السلبي ابقى الماركسية مشروعا معلقا في السماء لايمكنه النزول الى مشكلات الواقع والمساهمة في حلها وانعكس في النهاية على الثقة بمصداقيتها العلمية وقدراتها المعرفية، والتغييرية. اذن الماركسية في احكامها لايجمعها اي جامع مع اي نزعة للاطلاق، تحلق بها فوق التاريخ ، دون ان ترسو بها على ارض الواقع، ودون ان تكتسي بملامحه الواقعية، وتعبر عن علاقاته الحية، وبناه وخصائصها الملموسة.
ميزة الماركسية الاساسية، انها لا يجمعها جامع مع نزعة التعميم ، التي تتجاوز او تقلل من اهمية واقع وتاريخ الاشياء والظواهر، المادية والفكرية. ولا يجمعها جامع مع اي انتقائية في المنهج ، او الافكار، كما يعطي تعاملها مع مصادرها المكونة، من انطباع ظاهري لا يمكن فهم خطله دون معرفة الاختلاف في مضمون المنهج والرؤى التي افضت الى قراءة مختلفة نوعية للتاريخ . والماركسية ايضا هي غريبة عن اي تصور او مسعى لصناعة نموذج نطري، منغلق ومتماسك البنيان والادوات، يقدم قراءة ، مبسطة للواقع، افتراضية، لا تترد في التعسف مع حقائق الحياة واحداث وعلاقا ت الواقع، والسعي لادخالها، بتاويل منهجي، في نموذج نظري ، بغض النظرعن مدى مطابقته للواقع، وللتاريخ الحقيقي، للمجتمع والفكر. او اي منهج لا يتحرج في لوي عنق التاريخ والواقع ، مادام قادرا على (البرهنة!) فرض سلامة وقدسية هذا التاويل.
ان الماركسية بالتاكيد بعيدة عن تلك القراءة الغريبة عن روحها ومنهجها المعني، بالحقيقة التاريخية كما حصلت ، دون اي تخطيط مسبق لمسار او رغبة في صياغة مخطط عام وشامل. لقد ظلت تقاوم ضغوط عصرها ، عن وعي واختيار، تلك النزعة للتعميم والشمول ، التي فرضها مستوى التطور العلمي، ومنجزاته العصرية، على كل ميادين العلوم. ولاسيما تلك المصادر النظرية والعلمية التي اشار لها مؤلف لينين: مصادر الماركسية الثلاثة، والمصادر والدراسات المتعلقة بالموضوع. تلك المصادرالتي لاخلاف على مصداقيتها ، وفي كونها المراجع النظرية الاساسية للماركسية. الا ان نزعة التعميم حتى وان جاءت في سياق استنباطي، لبحث ملموس او استقراء لمسار ، ظاهرة او تاريخ او اداة منهجية، او خلاصة اختبارات معرفية لمدارس فكرية هامة ، لا يشك في موضوعيتها وعلميتها ....لم يمكنها ان تقنع الماركسية بالركون الى حقائقها، والاستعاضة بها عن المعرفة الملموسة والبحث الواقعي. وتلك رؤية فلسفية لها منطقها.
فالعام والتعميم انما هو تجريد افتراضي ـ مفهومي ، لاوجود له في الواقع ، الا بشكل خاص. لايمكن لخصائصه ان تتجلى الا بكيان ، ملامح ملموسة. فالمجتمع تجريد (تعميم) لا يمكن الاستدلال عليه الا بماهية اجتماعية محددة ، تعبر عن تلك العلاقات المادية والفكرية التي شكلته. والامر ذاته، مع فكرة الراسمالية والاشتراكية، والصراع الطبقي ، والتشكيلة الاجتماعية واسلوب الانتاج ، و..و..غيرها . تلكم حقائق لم يصنعها الفكر الماركسي، وانما هي بنى وعلاقات قامت في الحياة الاجتماعية . لم تصنع الماركسية المجتمع الطبقي ولا الصراع الطبقي ، ولن تصنع المجتمع الشيوعي والاشتراكية. ولن تصنع الحرية ..حرية الافراد والمجتمعات. ان القيمة الحقيقية للماركسية ، تكمن في كونها كشافا معرفيا ، متصلا بتواضع واصغاء ويقظة لكل ماهو علمي ، في كل العلوم الاجتماعية، التي تتشارك معها في كشف كنه عملية التطور الاجتماعي. والرهان الاساسي للماركسية ، يكمن في كيفية تحويل هذا الفهم ، الواقعي ، الحقيقي للتاريخ ، بمظالمه ومفاسده وجرائمه ووحشيته ، ومنجزات انسان الفكرية وارادته ومصالحه ، الى قوة معرفية تخلق قوة التغيير الحقيقية في الظرف الملموس. التغيير الحامل لجديد يحمل ذاته تحدياته الجديدة...وتاريخ اخفاقاته ونجاحاته.
ان نزعة التعميم وايقاف التاريخ ، والركون الى الحقائق المكتشفة، والاكتفاء بالعيش تحت سقفها، وتجاهل طابعها التاريخي.....ان هذه النزعة هي غريبة عن الماركسية ومشروعها وثقافتها ومنهجها ، وغائيتها الكامنة في التغيير الواعي ونزعتها العلمية وممارستها السياسية ، نحو هدفها ومهمتها في مساعدة الانسان على اكتشاف سبل (وليس بالتاكيد سبيلا واحدا) لبلوغ الحرية الحقيقية والكاملة " التحرير الشامل للانسان " ، من القهر والاستغلال والاضطهاد والتبعية.
تميز ماركس بمنجزاته التي سبقه، في الكثير منها ، سابقون في الفلسفة والاقتصاد والتاريخ والمجتمع ، والشيوعية والاستغلال الراسمالي (دون ان يصلوا الى آليته الحقيقية) ، شاركوه حلم التغيير وربما الارادة وكره الظلم والنزعة للحرية. وقد كان ذلك ، ملمحا مرئيا في التاريخ بتجليات واشكال سياسية وثقافية وفكرية مختلفة . بل كان ذلك على اشده في عصره ، الذي تميز بحدة وغنى وتنوع ، المدارس الفكرية التي تشاركت في ارادة التغيير وحلم الحرية. والذي سبقه له الفلاسفة والمفكرون الاوربيون ، الالمان والفرنسيون والانكليز والروس. بل ان بعضها حاول اقامة مشروعه على الارض، وسبقه في تجارب قرى ومدن شيوعية ، في اوربا وحتى الشرق. ولكن قوى الاستغلال والقهر الطبقي ، العالمي، لم تكن لتمنحه الفرصة. فحتى في بلدا ن الشرق،التي تتهم (خطأ ومغالطة تاريخية، وبسبب من مركزية قراءة اوربية للتاريخ ـ كما استنتج سمير امين واخرين مبكرا) بالتميز بقوة بموروث الاستبداد المركزي فيه، وخلا من اي نزعات ومشاريع للحرية ، لم يخلو بعضها من نزعات شيوعية واشتراكية ، كما اشار لامثلة منها حسين مروة في كتابه النزعات المادية في الاسلام، كحركة القرامطة في البحرين. وكأن الاقطاع والكنيسة في اوربا، والتقاليد والاعراف الاجتماعية فيها، كانت اقل استبدادا وتوحشا. وليست هي من كانت تعتبر المرأة شيطانا، واحرقتها . وليست هي من وزعت صكوك الغفران. واستعمرت ولازالت بلدان عديدة في الارض. او ليست هي من اشعلت حروبا عالمية وتهدد اليوم امن وسلم العالم.


(1) تتعلق بالاساس بالبنى الاجتماعية والثقافية، المعبرة عنها (في مجتمع صناعي متقدم ـ منظمات مجتمع مدني، احزاب ومنظمات جماهيرية) ، تختلف بالتاكيد عنها في مجتمع متخلف زراعي وتابع ( بنى عشائرية وطائفية ورسوخ ثقافة الاستبداد وقيم التخلف فيه)، الامر الذي ينعكس على مستوى تطور الوعي الاجتماعي ، وطبيعة الظروف السياسية، الحريات والحياة الديموقراطية في المجتمع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج