الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية بين أزمة النظام وأزمة الخطاب السياسي !.

نصر حسن

2008 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


يكاد يجمع كل المعنيين بالشأن العام في سورية على أنها تعيش أزمة مركبة , أطرافها هي النظام بتوصيفاته المختلفة التي تلتقي على أنه نظام طائفي تسلطي فردي استبدادي من طراز خاص أولاً , والشعب المطحون في رحى القمع والفقر والتذري ثانياً , والنخبة الثقافية السياسية الفكرية بأهوائها المختلفة ثالثاً , وتلك الأطراف مابرحت على امتداد عشرات السنين تتصارع بدون تكافؤ في حلبة يملك النظام معظم موازين قواها المادية وأدواتها الجارحة, وبتناوب الأزمة صعوداً وهبوطاً يعيد كل طرف تموضعه السياسي في مواجهة الآخر بكل الوسائل السلمية والقمعية والفكرية المتاحة , برز هذا التموضع واضحاً في السنوات الأخيرة على وقع الحالة الماساوية التي يعشها الشعب من جهة , وعلى صدى تطور الأحداث الدراماتيكية في الشرق العربي من جهة ثانية , على أن تناقض خطاب النظام الذي يغطيه بوفرة من القمع ,يعرضه ويمارسه على الساحة الوطنية بكل صلف وجبروت , تقابله النخبة المعارضة بالإرتباك السياسي كونها لاتملك من موازين القوى المادية , سوى رد الفعلالانفرادي النظري على سلوكه ومن مواقع متباعدة ومستويات متعددة إلى الآن , بمحصلتها لم تستطع تحصين المجتمع من سلوك النظام ولم تحقق اختراق معين في الأزمة العامة التي تعيشها سورية .

والحال كذلك فإن كلا الطرفان ( النظام والمعارضة ) وضمن حالة طوارئ مفتوحة وغياب محددات الدولة التي حولها النظام إلى منظومة قمعية هو سيدها ,حيث ألغى كل الروابط السليمة وطنياً وشوه العلاقة بين الدولة والمجتمع ,وخاضت النخبة والشعب في وفرة مساوئ النظام وغاصت في مخلفات الكم الهائل من القمع والذل الذي يمارسه على معارضة مدنية سياسية وطنية مستقلة لاتملك غير الوطن والكلمة والقلم , ويصر بالقول والفعل المتسلسل على دفعها لتتحول إلى ميليشيا أو ميليشيات تكمل إطار الصورة الوطنية المتشققة التي يعيش الجميع على حطامها, وبشكل أكثر مباشرة ً يمكن القول , أن الخطاب السياسي المعارض يعيش حالة من عدم وضوح السؤال الأساسي في الأزمة ومقارباتها الخجولة والصامتة ,وركز الكثير من عمله واشتغاله على خارجها , على إيجاد معيار أو وصف نظري خارجي للنظام يمارس هوايته اللسانية فيه , أهو شمولي أم استبدادي أم ديكتاتوري أم طائفي أم ..., رغم أن الواقع العملي لسلوك النظام الملموس على مستوى الحياة العامة للشعب والذي يعكسه حال سورية اليوم , يقول أنه يمثل محصلة الكل مضافاً له بنيته الخاصة جداً والشديدة الشذوذ والاستثناء .

وعليه , فالكثير يشكون بسطحية من ثقل الأزمة وخطورتها وخاصة ًتفاعلاتها الداخلية , حيث مابرح النظام يعمل على تكسير كل روابط الحياة المشتركة فيها , واستهلك كل معالم الدولة الوطنية الجنينية وأسسها , رغم أن سورية لم تمر سوى بمرحلة بداية تشكيل الدولة قبل اغتصابها من النظام ,ولم يسمح لها بالتطور الموضوعي نحو بناء الدولة الوطنية , في هذا الوضع الهلامي الاجتماعي السياسي الوطني السابق , سيطر النظام على الحكم بالعسكر وبقوة السلاح, وبنى مملكته الدموية على منظومة فريدة من القمع والقبح والفساد والتركيبة الاجتماعية المعروفة ,وحصر الحراك الوطني الشعبي السياسي الاجتماعي الاقتصادي في متاهاتها , وبالتعدي تمحور الوعي السياسي العام حول السلطة ووصفها وتوصيفها , بدل اللجوء إلى تشخيص الأزمة بجرأة و بعمق لمعرفة عناصرها ومظاهرها وتسميتها بصراحة باسمها الفعلي دون تمويه ودون خوف ومن موقع وطني أعلى من كل " قدسيات" أهلية , كي تكون مقاربات ضبطها والخروج منها ممكنة وواقعية .

واستطراداً أصبحت الأزمة دائرية وحصرت كل عناصرها الخافتة فيها , لكن اتساق التحليل والوصف لبنية النظام وسلوكه يقر أن طاقم الحكم في سورية ليس له صفة محددة , فالنظام يصر بالقوة على أن يفرض نفسه هو الشعب والوطن والطائفة والمجتمع والحرب والسلام والسياسة والاقتصاد والقانون والعقاب والفن والغناء والسيف والحكم معاً , في برواز فردي ديكتاتوري ذاتي يسرح ويمرح بغياب أسس الدولة الوطنية موضوعياً وحضورها عشوائياً في الانتهاكات المستمرة لحقوق الشعب بظل قوانين حالة الطوارئ الدهرية , وعليه إن البناء النظري على وجود الدولة هو افتراضي , فعملية بناء الدولة أجهضها النظام وعساكره بسرعة قياسية مبكراً , وهذا هو مصدر الخلل المؤسساتي الذي عوضه النظام بقوة الحزب والأجهزة الأمنية والطائفية والعنف أولاً ,ولكون النظام كبنية وعقلية وموازين قوى مادية سرطانية تمتد من أعلى السلطة إلى كل التشكيلات الأهلية والاجتماعية, وتمثل خلاصة أسوأها سياسياً واقتصادياً وأهلياً واجتماعياً وإنسانياً وأخلاقياً ثانياً , هذان الحدان هما صندوق عجائب الأزمة ,والنظام بتلك الآلية أنتج أجيالاً من الفاسدين وبدائلاً من المنحرفين وطنياً وخلقياً , وشرائح انتهازية ممتدة أفقياً وشاقولياً في نسيج المجتمع , رافقه بالتكسير الممنهج للقيم والأخلاق والعلم والإرادة والروابط الجامعة والحوامل الوطنية , ولم يبق سوى أسوأ صور العلاقات الأهلية الشقاقية القبلية على ساحة التعاملات اليومية في حياة الناس , تلك الجيوش من الفاسدين هي التي تشكل عملياً العتلة الرئيسية التي يتحرك عليها النظام , وتعطيه دفعاً وتجعله مستمراً في الحكم في زمني الأب والإبن , بمفارقة بينهما , هي أن عهد الإبن شهد تحطيم ممنهج أكثر وضوحاً لبقايا وظائف الدولة الوطنية وأيضاً أكثر قبحاً في شكله الطائفي ,بتخلي مهين عن الأمن الوطني وتراجع عن خطه الاشتراكي الكاذب ودوره القومي المخادع ودخوله مضغوطاً على خط الاستسلام الصريح المتسول من جهة , ومن ثانية تمظهره برداء الليبرالية الذي سمح له بامتلاك الدولة ومؤسساتها وخاصة القطاع العام الذي يمس حياة الشعب كله , وكشف تغوله الاقتصادي الذي أخذ ملامح طبقة غريبة جديدة تجمع بين وضاعة الجذورالاجتماعية والقمع والاقتصاد معاً وبحرية قانونية وتشريعية واحتكارية لاسابق لها دون أن تكون منتجة وطنياً أواقتصادياً أو وسيطاً في التنمية العامة , سابقة ارتكبها الإبن داعما ًالسياسة بالإقتصاد بسوء الأخلاق ودمجها بملكية واحدة , أي دعم البسطار بالدولار ضمن أقصى طاقته العنفية الفاسدة واللاأخلاقية في التعامل مع الشعب ونهب الثروة الوطنية ومؤسسات الدولة .

بمعنى آخر إن النظام أنتج بنى غير أهلية وغير مدنية وغير وطنية , لاوصف لها سوى أنها شبكة تحمي النظام خدمة ً لمصالحها , مزودة بهامش كبير من حرية القمع والنهب والفساد , ومع غياب آليات الدولة الوطنية سيطرت تلك البنى الهجينة " رعاع الريف وحثالة المدينة " على سورية بكل حمولتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية , وربما للمفارقة التاريخية أن مثل تلك العصابة التي تحكم سورية لم يرى لها التاريخ مثيلاً كنظام حكم طائفي عائم على عبّارة كبيرة من الشعارات الوطنية والقومية , فهو جمهوري ملكي عسكري أمني اشتراكي رأسمالي طائفي شيطاني وأكثر من ذلك , لأن تلك الملّة الجديدة تتصف وتتباهى بحصيلة سيئات القبلية الأهلية والجهل وانعدام حس المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية , ومثلت بوقاحة وعنف وقمع بوليسي عام لامثيل له دون رقيب أو حسيب , مضافاً له محاولاتها التجميلية ببعض مظاهر الحداثة الشكلية, ونظرياً ولّفت نفسها على نغمات خطاب غوغائي كاذب مخادع شكلت البنية التحتية والفوقية وحددت قياس النظام الحالي ,النظام الذي يحتمي بالقومية حيناً وبالوطنية حيناً وبالطائفية حيناً آخر , وبالقمع والتجويع وتغطية الخارج له في معظم الأحيان , والحال كذلك إن شذوذ تلك الطغمة الذي جسده ممارسة ذلك الكم المخيف من العنف على الساحة الوطنية واختراق جميع بنى المجتمع , وإتلاف كل أواصره الجامعة وربط مكوناته انفرادياً بأجهزة النظام لاغياً كل بعد وطني سياسي اجتماعي أهلي بين المجموع , أي بشكل دقيق فرطه وحوله إلى تناثرات وأشلاء أهلية واهنة ليستمر هو على حطام تلك الحالة المأساوية المفتوحة لعشرات السنين , هذا بالضبط هو الذي أحدث خللاً كبيراً في عناصر اللوحة الوطنية وأربك آليات اشتغال المجتمع المدني والمعارضة السياسية على حد سواء , وهذا هو أحد أشد عناصر الأزمة حضوراً في الواقع السياسي السوري ,المسكوت عنه والذي أعاق بدوره المجتمع والحراك السياسي من عملية إنتاج نفسه اجتماعياً ومعرفياً وسياسياً وديمقراطياً بشكل متطور جديد سليم معافى , وبالتالي انحصر المجتمع في مصفوفة من الممارسات التي تؤجج الصراعات الداخلية وتضعف المواجهة مع النظام , وتعيق عملية التحول الوطني الديمقراطي في سورية.

ماهو العمل في ظل تلك الأزمة ؟! وأمام نظام بهذا الوصف والدور والوظيفة ,والفجور في إهانة الكرامة الفردية الإنسانية والوطنية والقومية , الإجابة يقررها المجموع الوطني , ونرى أن بداية الأمر هو وضوح نظري معرفي سياسي دقيق لبنية النظام وآلية عمله , يتبعه تشخيص جريئ دون خوف وخجل يساعد على توصيف وتسمية الواقع بما هو عليه من جهة وفتح " دملة " الطائفية التي يخشى البعض أو يتقذذ من رائحتها, ومعالجتها وطنياً واستئصال سرطانها قبل أن تصبح سورية في غرفة الانعاش أي مرحلة الدخول العملي المباشر في محرقة الحرب الأهلية وكل متطلباتها جاهزة في مخازن الطائفيين من كل الأصناف والألوان , ومن جهة ثانية على أطراف المعارضة الوطنية بكافة مكوناتها وبرامجها وواجهات المجتمع المدني العمل السريع على طرح مشروع وطني ديمقراطي جامع عمقه الشعب والمجتمع لكونه هو المؤهل لحمله والتصدي بكفاءة وطنية لسلوك النظام الطائفي وقطع الطريق عليه وسحب كارت الطائفية التي يقامر فيه على حياة الجميع ويخيف فيه الجميع , بداية نقدية جريئة علنية من موقع الحقيقة الوطنية الواحدة وليس من موقع النظام الفردي الآسن , بداية على طريق إعادة ماسسة الحياة الوطنية المدنية على قيم الحرية والعدالة والمساواة والأخلاق التي هي عماد المدنية والأمم والشعوب والتي افتقدها النظام تكويناً , وحاربها على مستوى الحياة العامة وكانت إحدى ضحاياه المبكرة على المستوى الوطني , وغيابها سبب كل هذا التخلخل الاجتماعي السياسي الوطني الأهلي العام في سورية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة