الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى

جوزيف بشارة

2008 / 10 / 10
الصحافة والاعلام


فاجأ الرئيس المصري حسني مبارك الجميع هذا الأسبوع بإصداره قرار جمهوري بالعفو عن الكاتب الصحفي المصري إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة الدستور المستقلة والتي تعارض بقوة سياسات الرئيس مبارك. جاء قرار العفو في الوقت الذي كان عيسى يستعد فيه لتنفيذ الحكم النهائي بالسجن مدة شهرين الذي كانت محكمة مصرية أصدرته بحقه بعد إدانته بتهمة نشر شائعات حول صحة الرئيس أسهمت في التأثير سلباً على الأوضاع في البورصة المصرية.

لقي عفو مبارك عن عيسى ترحيباً واسع النطاق على الصعيدين الداخلي والخارجين ولكن الترحيب اختلفت أهدافه من طرف إلى أخر ومن وسط إلى أخر. ففي حين رحب الحكوميون وصحفهم ووسائل إعلامهم بالعفو على اعتبار أنه تجسيد لقناعة الرئيس بحرية التعبير ورعايته لحرية الصحافة، رحب المعارضون والمستقلون بالعفو على اعتبار أنه إعادة للأمور إلى نصابها الطبيعي.

لا شك في أن العفو عن إبراهيم عيسى يستحق الإشادة والتقدير، فحرية التعبير حق أساسي وإنساني كفلته القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. ولكن قبل أن تقودنا الامواج الحكومية للسباحة مع التيار النفاقي الذي يسبح بحمد الرئيس ويمجد "إنجازه" غير المسبوق بالعفو عن صحفي مدان بتهمة ممارسة حرية التعبير دعونا نتأمل في السطور القليلة التالية مغزى وخلفيات قرار العفو الرئاسي.

جاء قرار العفو عن عيسى في الوقت الذي تتعرض فيه مصر لظروف داخلية دقيقة تتمثل في تزايد المد الشعبي المعارض لنظام الرئيس مبارك، والتصاعد المطرد في عدد الأصوات المناوئة لفكرة توريث الحكم، ، وتضاعف حجم التحديات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تواجه المصريين، والرغبة الشعبية العارمة في التغيير بعد الفشل الحكومي في التعامل مع العديد من القضايا المهمة على الصعيد الداخلي. كما جاء قرارالعفو عن إبراهيم عيسى في الوقت الذي يتعرض فيه نظام الرئيس مبارك لضغوط خارجية كبيرة بسبب انعدام الحريات و غياب الديمقراطية.

كانت المطالبة بربط المساعدات الخارجية لمصر بمدى التقدم الذي يحرزه النظام على المسار الديمقراطي من أهم أشكال الضغوط التي مورست على نظام الرئيس مبارك في الفترة الماضية، وهو الأمر الذي دفع إليه الحكم بالسجن الذي صدر بحق السياسي المصري البارز أيمن نور قبل نحو ثلاث سنوات في قضية اعتبرت على نطاق واسع سياسية، واعتبرها الكثيرون عملاً انتقامياً ومحاولة للقضاء على المستقبل السياسي لأيمن نور الذي شكل تحدياً كبيراً للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005 والتي حل فيها ثانياً خلف مبارك.

ويبقى سؤال مهم يتعلق بعما إذا كان قرار الرئيس مبارك بالعفو عن إبراهيم عيسى يعكس إحتراماً للصحافة وإيماناً بحريتها. للإنصاف يجب علينا الاعتراف بأن الصحافة المستقلة خطت بضع خطوات على طرق التعبير الحر في السنوات العشرين الأخيرة من حكم الرئيس مبارك. ولكن هذه الخطوات لا تعكس حرية كاملة وحقيقية. فحرية الصحافة لا تتوقف عند شخص أو مؤسسة كما يحدث في مصر التي يحرم فيها انتقاد شخص الرئيس والمؤسسة الرئاسية. هذا فضلاً عن أن حرية الصحافة لا تعني فقط حرية التعبير، ولكنها تشمل أيضاً تأثير الصحافة على عملية صناعة القرار، وهو الأمر الذي ينعدم تماماً على الساحة المصرية.

كان العفو الرئاسي عن إبراهيم عيسى خطوة ذكية من النظام المصري لتحسين صورته أمام العالم الذي ينظر إليه على أنه نظام غير ديمقراطي ومعاد للحريات، بمعنى أن العفو عن عيسى كان بمثابة الطعم الذي قدمه النظام المصري للمجتمع الدولي لإقناعه بتوجهات الرئيس مبارك الديمقراطية. وباعتقادي أن الضغوط الدولية المستمرة للإفراج عن أيمن نور، وهي الجهود التي اصطدمت دوماً برفض مصري تام للعفو عن نور، قد قادت النظام للامتناع عن تنفيذ حكم قضائي كان سيزيد من متاعبه الدولية ويضاعف من حجم الضغوط التي يتعرض لها.

والمثير أن الرئيس المصري لم يتدخل مطلقاً في قضية إبراهيم عيسى وقت نظرها قضائياً. كان الرئيس قادراً على إيقاف عملية محاكمة عيسى، وكان الرئيس قادراً على إسكات الأصوات المنافقة التي طالبت بإحالة عيسى إلى القضاء، وكان الرئيس قادراً على تبرئة عيسى من التهم الموجهة إليه. ولكن الرئيس مبارك بذكاء شديد انتظر حتى صدر قرار بإدانة عيسى وعندها تدخل بإصدار قرار العفو حتى يظهر أمام العالم في مظهر الرئيس الذي لا يقبل بسجن صحفي في قضية رأي، وحتى يقنع العالم بفرضية استقلال المؤسسة القضائية عن المؤسسة التنفيذية في مصر.

لم يشكل عيسى تحدياً كبيراً يخشاه النظام المصري كالتحدي الذي شكله أيمن نور قبل سجنه، ومن ثم فقد كان قرار العفو عنه سهلاً ومن دون تكلفة تذكر لنظام الرئيس مبارك. فإبراهيم عيسى لم يرتكب جريمة كبرى بحق النظام يستحق عنها السجن، إذ أن جل معارضته للنظام تظهر على صفحات جريدته وعلى شاشات التلفاز، وهي المعارضة التي لا تقلق كثيراً النظام المصري بعدما بات يطبق نظرية "دعه يقول ما يريد، ودعنا نعمل ما نريد!"

لقد تم العفو عن إبراهيم عيسى، ولكنه عفو تراه قوى كثيرة محلية وخارجية منقوصاً لأن هناك شخص دفع نيابة عن المعارضة جميعها ثمن الاختلاف مع نظام الرئيس مبارك. هذا الشخص هو أيمن نور. وبناءً على رأي هذه القوى فلعل إبراهيم عيسى يدين لأيمن نور بحريته التي سيستمتع بها في الشهرين القادمين اللذين كان مقرراً له أن يقضيهما خلف القضبان. فسجن نور الذي أثار حفيظة العالم كان سبباً مباشراً في حرية عيسى. وبقي أن نقول أن سجن نور ربما لن يثنيه عن معارضته لنظام الرئيس مبارك، ولكن حرية عيسى ربما تتسبب في عملية إسكات ذاتي لصوته نتيجة شعوره بالامتنان للرئيس الذي أعفاه من تجربة السجن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على