الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مئات القتلى في حرائق سجون عربية وشكوك حول الروايات الرسمية

حسين الهنداوي

2004 / 2 / 22
حقوق الانسان


رفض مدير عام السجون السعودية اللواء علي بن حسين الحارثي قبل فترة قريبة تقديم استقالته في حال ثبوت تقصير لجهازه في حريق سجن الحائر الذي اودى مطلع سبتمبر/ايلول الماضي بحياة العشرات من المعتقلين، كما نفى ان يكون سبب الحادث فعلا متعمدا او تخريبيا وكون بعض ضحاياه من المعتقلين السياسيين او المطلوبين في قضايا "الارهاب".

بيد ان الشكوك والاستفهامات لم تكف عن التراكم عن الاسباب الحقيقية للحادث لا سيما في ظل غياب تقليدي للشفافية، وغلبة نزعة زعم الكمال على الرغبة بمعالجة نواقص وتخلف نظام عقابي بات يشكل معضلة عميقة للنظام السعودي نفسه ومصدر مخاطر عليه احيانا.

فحسب المسؤول الاول عن السجون السعودية هذا ان فكرة استقالته خطيئة بذاتها لأنه لا يؤمن بما يفعله الآخرون عبر  هذه الطريقة: "كأنك تشير الى تقليد الآخرين على خطئهم وصوابهم"، لكنه لم ينف أن هناك حريقا سابقا حدث قبل شهر من ذلك في نفس السجن. والحال ان الحارثي نفسه هو الذي أكد بتباه واضح امام الصحافة قبل اشهر أنه سلط "كل أساليب الرقابة" على قاطني سجونه ولم يغفل أي أسلوب منها بما فيها الرقابة التلفزيونية الحديثة بما يضمن عدم هروب أي سجين ".

ومهما تكن تبريرات الحارثي فانها تظل قاصرة برأي كثيرين . فالحريق الذي شب في سبتمبر الماضي في سجن "الحائر" الذي يعد أكبر وأشهر واهم سجون السعودية لا سيما للمعتقلين السياسيين وأسفر عن مقتل سبعة وستين سجينا على الاقل وإصابة 20 آخرين، حالة 15 منهم خطيرة، إضافة الى  3 مصابين من أفراد الأمن حسب الرواية الرسمية، يثير تساؤلات كبيرة عن أسبابه الحقيقية وعن احتمال ابعاد سياسية خلفه او نتيجة  "عمل انتقامي مدبر". وهذا الامر يعززه شعور السلطات السعودية بحرج واضح لضخامة عدد الضحايا ولأنهيار اعلاناتها الدعائية مؤخرا عن كون ظروف سجونها التي تضم نحو ثلاثين ألف سجين هي الآن بين "الافضل في العالم".

ورغم تأكيدات المصادر الأمنية السعودية ان الحريق لم يكن متعمداً او ناتجا عن عمل تخريبي وان ليس من بين النزلاء أي من المعتقلين في قضايا التفجيرات والخلايا الإرهابية، الا ان هذا لم يكن كافيا لردع الشكوك التي تأكدت بشأن وجود معتقلين سياسيين يساريين واسلاميين بين ضحايا الحادث لا سيما بعد ان ترددت اشاعات عن هروب عدد مهم من السجناء السعوديين والاجانب خلال حالة الفوضى التي سادت هذا السجن الذي يقع في منطقة شعبية ويشتهر باسم "السجن" دون سواه من سجون البلاد لشهرته.
وتؤكد الجهات السعودية نفسها ان بين القتلى 50 سعوديا والباقي من تسع بلدان عربية واسيوية وهم مسجونون في قضايا قتل واعتداء وخطف مشيرة الى انهم خمسة يمنيين وتشاديان واردنيان وصوماليان وسوداني وآخر من كل من الجنسية الإرترية والإثيوبية والفلسطينية و البنغلاديشية.

المعارضة السعودية ترفض الاعلانات الحكومية اعلاه مؤكدة ان عدد السجناء القتلى يتجاوز المائة والاربعين بينهم العشرات من القوات الحكومية وثمانية ضباط كبار.
واضاف المعارض السعودي سعد الفقيه في تصريحات صحفية إن التأخير والطوق الأمني الذي ضربته قوات الأمن لمنع هروب النزلاء تسبب في اختناق عدد كبير منهم دون ان يستبعد نظرية الحادث معتبرا إن "أسلوب معالجة الكارثة كان سيئا وفاقم من الخسائر" وقال أن "توكيل وزارة الداخلية بمعالجة الحريق بدلا من إدارة الدفاع المدني وتغليب الاحتياطات الأمنية على عمليات الإنقاذ زاد من حجم الخسائر".
وهذا اول حادث من نوعه يقع في العاصمة السعودية التي فيها 15 سجناً منها سجنان مخصصان للنساء فيما يعد سجن الحائر من اكبر السجون في منطقة الرياض ويضم سجناء منتمين إلى جنسيات متـعددة من المقيمين في السعودية التي تضم قرابة ستة ملايين اجنبي. وعُلم ان بين الضحايا والمصابين عددا من النزلاء غير السعوديين.

ولم ترد معلومات بعد إذا كان السجن - الذي ضربت عليه قوات الشرطة طوقا أمنيا إثر الحريق - يضم أيا من المتشددين الإسلاميين المئتين الذين اعتقلوا في الأشهر الاخيرة في حملة على مستوى المملكة لمطاردة أنصار أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة.

وتقول السلطات السعودية التي سمحت لوفد من منظمة العفو الدولية اخيرا ان يزور البلاد للوقوف على اوضاع سجونها وحالات المعتقلين بداخلها، ان سجن الحائر خاص بسجناء القضايا الجنائية والمخدرات ولا يضم سجناء من المتهمين في قضايا أمنية أو التفجيرات أو تنظيم القاعدة مما يستبعد ضمنا طرح أي احتمال بان يكون الحادث مدبراً أو محاولة للتمرد.

الا ان هيئات دولية وجماعات معارضة تستبعد عدم وجود سجناء سياسيين فيه كما تستبعد شفافية التحقيق التي وعدت بها الرياض مشيرة الى ان الحائر هو اهم السجون المخصصة للمتهمين في قضايا سياسية او تخريبية ومنهم الاجانب كما كان فيه المعتقلون البريطانيون الذي اطلقت الرياض سراحهم مؤخرا بعد ضغوط خارجية تنفيها السلطات السعودية عادة.

ويفتح حريق السجون الجديد هذا ملف احداث حرائق سجون اخرى وقعت في بلدان عربية عدة خلال السنوات الاخيرة فيما تظل الشكوك تحوم حول الاسباب المعلنة التي تقف وراء مصرع المئات من السجناء العرب سنويا حرقا في مواقع اعتقالهم برغم مسارعة السلطات الحكومية الى انكار الهوية السياسية للمعتقلي في حال وجودها تجنبا لأنتقادات الهيئات الانسانية الدولية ولمنع استغلالها من قبل معارضاتها السياسية.
واوضاع السجون في العالم العربي من المواضيع الاساسية التي تشغل المنظمات المحلية والدولية المدافعة عن حقوق الانسان التي تندد ايضا باكتظاظ السجون بالمساجين بأكثر من سعتها وبأعمال العنف والانتهاكات من كل الانواع المنتشرة فيها.

لكن هذه الحوادث وتكرارها في نفس البلد احيانا مع عدم الكشف عن نتائج التحقيق في أي منها، يؤكد ان الاهمال وغياب الحدود الدنيا من شروط المعاملة الانسانية الذي يعانيه معظم هؤلاء المواطنين هو العنصر المشترك بين كافة الحالات التي شهدتها عدة دول عربية في السنوات الاخيرة كما يكشف ان القول بأن الحريق ناتج عن تماس او عطب كهربائي كما يقدم دائما كسبب حتى النسبة لحادث سجن "الحائر" الذي وقع امس في الرياض لم يعد يؤخذ جديا في غالب الاحوال كما لا يؤخذ جديا قول السلطات أنها "سيطرت على الحريق في وقت قصير".

وكان حريق اندلع في أحد السجون الإيرانية في وقت سابق أسفر عن مقتل 27 سجينا واصابة اكثر من 50 آخرين، ونقل عن مسؤول محلي إن الحريق نشأ عن "عطب كهربائي". الا ان تأكيد السلطات الايرانية هذا لم يؤخذ مأخذ الجد بعد ان اكد شهود عيان إن الشرطة أحاطت بمنطقة السجن ومنعت الخروج منها والدخول إليها لوجود سجناء سياسيين فيه.

وفي المغرب واجهت الدولة اتهامات خارجية وداخلية عنيفة بالإهمال في حريق وقع في سجن "سيدي موسى" في منطقة الجديدة ولم تعرف اسبابه بعد وأدى الى سقوط  50 قتيلا و 90جريحا على الاقل، الامر الذي اعتبره المرصد المغربي للسجون في بيان صحفي "الحادث الاخطر في تاريخ السجون في المغرب"، مشيرا الى انه يشكل "فضيحة" ناتجة "بالتأكيد عن نقص الصيانة في السجون".

يذكر أن تقريرا أصدره العام الماضي مرصد السجون المغربية، قال إن السجون الأربعة والأربعين الموجودة في المغرب تعاني من الاكتظاظ الشديد ويقضي فيها المساجين فترات عقوبتهم في ظروف سيئة مشيرا الى إن السجون المغربية قديمة وكأنها تعود إلى عصور ماضية. وأضاف أن سجن أبو موسى أنشأ ليؤوي 1000 سجين فقط لكن يوجد فيه حاليا أكثر من 1300 سجين مشيرا الى  ان عدد المعتقلين في المغرب تضاعف في العقد الاخيرة ليتجاوز الستين الف سجين وان السجون المغربية تستقبل كل سنة  5000سجين جديد رغم ان البنى التحتية الموجودة لا تستطيع استيعاب هذه الاعداد.
وكان سجينان قد قتلا وجرح عشرون آخرون في أغسطس/ آب الماضي في حريق شب في سجن كانيشا شمال الرباط وكان السبب فيه خلل كهربائي أيضا. كما قتل 28 سجينا في سجن في الدار البيضاء قبل خمس سنوات بفعل حريق.
وفي السجون الجزائرية التي تكتظ بالنزلاء ايضا نشب حريق ضخم العام الماضي في سجن سركاجي  في العاصمة الجزائرية مما ادى الى مقتل 18 سجينا واصابة 11 آخرين معظمهم من الاسلاميين المحكوم عليهم بالموت او السجن المؤبد بعد ادانتهم بجرائم ارهابية من بينهم لمبارك بومعرفي وهو عسكري حكم عليه بالموت لتورطه في عملية اغتيال الرئيس الجزائري الاسبق محمد بوضياف عام 1992 ، فيما كان حريق آخر قد اودى بحياة 22 نزيلا واصاب 20 بجراح في سجن شلغوم العيد الذي يقع شرقي العاصمة الجزائرية.

وفي الربيع الماضي أصيب 29شخصا بحروق متفاوتة في سجن الحرّاش الجزائري (ثاني أكبر سجن في العاصمة)، إثر حريق تسبب فيه أحد النزلاء، وهو رابع حادث يُسجل في السجون الجزائرية منذ بداية العام، دافعا العديد من أسر السجناء ونشطاء في ميدان حقوق الإنسان إلى التساؤل عن سر هذه الموجة من الوفيات في أوساط السجناء المعتقد ان اكثرهم من المعارضين السياسيين.

انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre


.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين




.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر