الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحمة البمبرة .. نزيفٌ بين تيمبكتو وبغداد

ماجد مطرود

2008 / 10 / 25
الادب والفن



بعيدا ً عنها، أولد فيها، ممرّغاً بالتراب
يداي ممدودتان، إلى أبعد كوكب ٍ في السماء
قدماي يبحثان عنها، تلك التي غيّبتي، بين جسرين، وغابت .ْ

بضفّتها..تغسل ُ قدمَ التأويلِ، بضفّتها..لا ترى إلا عابرًا،
سبيلا ً للهوى، يحمل نخلاً بيده..
يلغي المسافاتِ.. يفتح الأقواس .. لا ترى سواه
وحده ُ ..
يجعلُ البعيد قنديلا، مشعّا ً، لا يمكن الوصول إليه دون خسارات.

على صراطها..
المستقيم الوحيد ، تخلى عن سيّئاته ِ ، أتعبهُ التقطيع والترقيع
كقصيدةٍ ما جاذبتها القوافي، ما أغراها وترٌ أو بديع.
رأى متى ما نضجت ، تنضج في أكفّنا الأرطاب
تخرخر الأنهارُ أصحابا ً، يجيئون بالثمار
لا يشيخون، لا يولدون، إنّهم بداية البداية.


أيها الدورق ، دورقي..ماذا دهاك ؟

الصورة واضحة ٌ، ليست مشوّهة ً،
إلى الحد ّالذي يجعل المعنى، بسبعة رؤوس مبهمة،
واضحة ٌ، رغم سواد الماء في العينين
رغم الصحراء، وغبارها المخصص، للهاربين بالمدلول.

في المشهد ، ميزان ٌ بقارب ٍ أعرج
لا يدعو إلا لقيامة الأموات

الوجوه ، كل الوجوه..عواء في مقبرة.

ليس افتراضًا، أضيع بين قلبي ومصباحي
ليس افتراضًا، للصحراء وجهان ضائعان
ليس افتراضًا، أرى رأسي بانحناءاته الأخيرة
ليس افتراضًا، أقول ماذا فعلت بانفتاحي ؟

كان للجملة الفعلية، أصابع تقود أذني إلى الهاوية
عنوة كنت أدسّ فيها حروف الجرّ
من ، إلى ، عن ، ب ، ل ، في ، وهكذا..لأعوام
كنتُ من حين ٍ إلى حين ٍأنقّيها، من حروف العلة
كي تأخذ َ لون الفيزياء، أو صدفة ما
ثمّ أحذرها، إياك ِ إياك ِ أيّتها الفيزياء..أيّتها الباهرة
إياك ِ، من سمعة الضياع، وعلّة السكون.


تقول: قعر ٌ مُمغنط ٌ بالتيه أنا
أنا تفاصيل تتكاثر بالأنفاس ِ، لا تتعب.


على رصيف ٍ بلا كلمات ٍ، بلا قواعد، بلا قطرة حلم
تململَ السائقُ البدويّ، بتردده..
مراهقٌ، يلملم المفردات بخجل ٍ خنثي.

المسيح ُ تنازل ، قال عن محبّته
لم يثرني ،
طالت لحيتي احتجاجًا
ظنّتِ الحدودُ أنّني إمارة لاثني عشر إماماً.


وكالذي يدرك علّته، مارستُ حذلقة الاختفاءِ، خبرة الانزلاقِ،
مزّقت آخر برهان ٍ لاعتقالي
لم يثرني،
لكنّ كينونتي انزلقت، كُلّها، في مثانة المرحاض.


قبل أن أدخل أسطوانة الفراغ ، تذكرت كلّ شيء
كنت ُ ملحدا ً، حذرا ً، مسافرا ً جباناً
ينظف أضلاعه من بقايا سياط.
من أجل قلبي نفخت الرئتين،
نفختها..
حتى تجمّع التاريخ ذبابة ً في فمي.

فرأيت ذلك الولد المغرور بنجماته
مِنْ أقصى زواياه، رأيته ُ مَلِكًا مِنْ عِرق ِ البداوَة ِ، كبيراً علينا يغني :
( بيض ٌ صحائفنا ، سود ٌ وقائعنا..)
يردّد أزيز طارق عزيز كأنّه يتبول في صفيحة فارغة.

قلت في نفسي..
للرنين، إيقاعه المفترض ، للكلمات خرافتها
سأفترض للصوتِ كثافة ًبلونين
للخيال خندقاً ببعدين.

ما كنت أعرف أن المخبرين الصغار ، هم كبارٌ في الصحراء ،
عرفت أن الهروب بقدم ٍ واحد ٍ، لا يؤدّي إلى طرق ٍ كثيرة.
النجم الوحيد الذي كان يشير إلي، أوصلني منطفئا.ً

الصحراءُ، سجن ٌ ضيّق ٌ، ثقبٌ ضيّق ٌ، وأناُ واسع ٌ كالطير
شممت ُ رائحتي، لم تدهشني
قرأت مُسيلمة الكذاب، كان هنا، لم يدهشني
كلنا كذّابون بلا حلم
تحركت بواقعية ٍ، نسيت ُ فيالقي
كنت البياض الذي دنّس سمعته
كنتُ كالمفخّخ ِ بلذّته، حين استردّ ليلاه
وحدهن الحالمات يحرسنَ ليلي
العاشقات قطّعن أصابعهن
رغم أني كنت بلا ماءٍ، بلا أنثى
بلا خيار ٍ، تسلّقت جوادا ً، يشبه العنقاء.

غيّبت روحي بشرف ٍ
أنا الغائب الذي ابتكر الانتظار
الغيبتان، أم الترتيل،
بنغمة الواقف على قبر أبيه
في الحالتين، سأرى مدينة خارقة التذمر.

بلا ضجّة ٍ، كهدوء الشجعان، سأمسك ُ المقاماتِ بوجهين
أصلي على مدى فراتين ونيّف،
أصلي، باتجاه قبلتين مشتعلتين،
في فم ِ إله ٍ كبير، مدّ بوزه باتجاه اللازم من الكلام.

هنا..ماركسيات ٌ، بفقه الولاية
هناك..على الساحل الغربي
غراميات أنس بن مالك
بين هنا وهناك...
في مدرسة الرأي،
على حائط المبكى تحديدا ً
رأي ٌ، لمعلم ٍ عاص ٍ صادرني
وحدها الأميبا، بخيوط ِ عناكب ٍ قديمة
كانت متدلّية ً من رأسي، حتى سجّادة أمي
تردّد بقوّة الخيل، بحكمة الفرسان
الرافضيّ.. بالانشطار ِ، ليس مهمًا
فجأة ً، بلا عناءٍ،
تقبّل الله عقلي
الآخرون انتظروا موتي، و ماتوا
كنت أقوى
كنت أحلى
أسمى من عقارب الصحراء
أسوأ من وطني.

قد أكون أنا أول من عرف الأضداد
أولَ مَنْ خالطَ، التشابه الحادّ، في التنافر المزمن
أولَ من قتل تروتسكي
أنا أول مَنْ رأى، في عيون الملحدين مدينة ً، بحذاء ٍ ضيّق
أول مَنْ رأى، في قلوب المحبين إلِكتروناتٍ عاطلة
قد أكون أنا مَنْ سمّمَ العقارب برؤوس النّاس
بعمامة ٍ لسانها، أطولُ من لحية ٍ مطلية ٍ، بالأحمر الغامق.

سقوط المدينة ِ بكلِّ هياكلها، لم يكُ صدفة ً عابرة
لم يكُ حظّا ً عاثرا ً، ادّعته تفاصيلُ الشاحنة وسائقُها، بخصره الخنثيّ.
سائقُها الذي ظلَّ يتململُ، حتّى أدركتْ شرطة ُ الحدودِ تسامحي البليد
فقلّتْ أظافرَ الرشوة، بمنجل ٍ من عناد.

أنت الذكي الوحيد قالت..
لو دخلتَ المدينة بعينيك الهاربتين، لهلك أبناؤها
قفْ إذا ً، لا تتحرك، أيّها الشاقول الزئبقي
وقفتُ منتصبا ً، كعلامة ٍ نسيت ْ مكانها
كانت بغداد ذاكرتي،
كانتْ زماني، الذي نسي شراعهُ في ساحلٍ منسي.

وكنتُ الطيّر،
رغم أني كنتُ رماداً.

مثل عنكبوت ٍ أتعبه ُ نسيجه، لملمت ْ رحلتي أرجلها
لملمت ْ الصحراء ُعيني، وأهدابَها
لم يتركني نهيقي، لم يتركني نهيق ُ الجملة الفعلية
سلمت ُ يدي للسماء، قدَمي للرمل، قلبي للشاحنات
صرخت..
سندخل المدينة التي استطالت بها الشوارع، اتّسعت فيها الوجوه،
سنتيقّنُ، باختصار المرايا
أننا مُشوّهون بلا تردّد.

والسماء سوداء ببابها، ظلّ ٌ خارجٌ من يأسِنا
سلّة ٌ مليئةٌ بالتوسّلات،
أيّها الربّ،
تقبّل دعاءنا الألف
إننا مخصيّون
بأدوات الجرّ،
والاستفهام.

في كفِّ إبراهيم، قرأت افتراضاً
للسلالات تأويلها،
وقطعانها تبحثُ عن دليلها الهارب خلف النجوم
في كفِّ إبراهيم، رأيتُ افتراضا ً
للفأس، عشيقٌ يتكرر بانصياعاته
يصغي، لأصنام ٍ، نحرت ْ أبناءها، بزياداتِها الحالمة
أنا النار، برمادِها اللذيذ
تبّاً للبردِ والسلام، حين لا يصغي.
مقبرة الفصول حمالة العروق.
مقبرتي باردة ٌ كشتاء ٍ عانس ٍ
كيسار ٍ قلق ٍ..كان يحملُني خيمة ً، بلا فنجان
قهوتها الليل ، أوتادها عزاء.

قبيلة ٌ من ناطحات السحاب
فرعها سديم الغصون، أرضها ثكلى.

أنا المنسيُّ الوحيد..لا حلم لي..
ناقة ٌ بموجتين، دوَّنتني بكتابين
نستني أذوب في الدرب، وحدي.

لا حلم لي.. سوى صبيَّة ٍ من الزّنج
فمها السّلسبيل ، نهدها كأس المسيح
راودتني، وماتت بحذائِها الضيّق.

لا حلم لي.. قدمٌ على دربين، شدّني بنجمتين
نسيني، أذوب في الليل ، وحدي.
لا حلم لي.. سوى صبية ٍ من الأعراب
قلعت ْ ضفائرَها، طوت ْ في الحرب ِ يديها
أظافرُها أنياب ٌ تلوكُ القادمين / الراحلين.

لا مقام لي..غير نجمة ٍ طارقيّة ٍطرقتها أحذية ُ الأيام
داستها خرائط ُ الشِعاب
شوّهتها ، أطالسُ الكدية ِ في الصحراء
أكلتها نيّئة ً مخالب ُ الذئاب
تيمبكتو فريسة ٌ طريّة ٌ لأولاد الذباب
راودتني.. وكنت ظمآنا ً، فاستجاب الفؤاد.

نهود ٌ فراتية ٌ، عيون ٌ شبقيّة ُ الثمار
عذراوات من صيف الجحيم
مهرة ٌ جامحة ٌ، تلاحقني، برياح بني بغداد

راودتني.. صبيّة ٌ من بني العبّاس
غزال ٌ، أضاء سِفرَ شنقيط.

واحة ٌ من نبع الرماد،
لها براري القبور وعليها، رمال الضاد تئنّ ُ بنارها
راودتني.. وماتت ْ، بإلِكتروناتها العاطلة.

الصورة ُ واضحة ٌ، ليست ْ مُشوّهة ً،
إلى الحدّ الذي يجعل المعنى بسبعة ِ رؤوس ٍ مبهمة،
واضحة ٌ رغم سواد الماء في العينين
رغم الصحراء، وغبارها المخصّص للهاربين،
من معول البمبرة، الحالمين بالمدلول.

يدي في السماء، فمي في الرمل ، قلبي في الشاحنات

دعني.. أفتح السماء
دعني.. أدّعي نهاية ً جميلة ً
دعني.. أترك ُ الصحراء َ، السؤال َ، الحسرة َ المرة
دعني.. أهجر ُ الشاحنات، السّجون، الموقوفين،
المتشرّطين، المتورّطين، المرتشين،
السّائحين، الطامعين،
المؤمنين، الكافرين،
الذاهبين، العائدين،
الخالدين، الزائلين
أهجرهم جميعا ً
حتى .. تكشف الصحراء عن نهدين عذراوين، لصبيّتين شقيّتين
ويتّسع سريري الطائر الحلمان
لمكانين بكرين: تيمبكتو و بغداد.

حينها أصلي بطريقة ٍ لائقة ٍ، أصلي أكثر َ ممّا ينبغي
فتعال..لكي نركع
لعلّه يهدينا مدينة ً برّية ً
لم يمسسها بشر ٌ، ولم تكُ بغيّا
صدق
الله
العظيم.



ــ البمبرة : لغة الزنوج في دولة مالي
ــ تيمبكتو : مدينة عربية في شمال مالي يناضل شعبها من أجل التحرر.
- شنقيط:مملكة شنقيط القديمة وهي حالياً جمهورية موريتانيا الإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع