الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتمردة ( قصة قصيرة)

رائد قاسم

2008 / 10 / 31
الادب والفن


تهرول مسرعة لغرفة مدير المدرسة.. تشاهد ابنتها وهي تبكي والمديرة واقفة أمامه ووجهها مكفهر ..
- حضرة المديرة ماذا فعلت ابنتي ؟
- أنت أمها إذن!
- نعم .
- ابنتك لا تغطي وجهها عند دخول المدرسة وعند انتهاء اليوم المدرسي .
- ماذا!
- نعم !! هذا هو اليوم الرابع على التوالي الذي أراها فيه تخرج من الحافلة وهي كاشفة وجهها! وعندما أتفقد الطالبات قبل مغادرتهن المدرسة اطلب من الفتيات تغطية وجوههن ولكنها لا تنفذ أمري وعندما اسألها لماذا لا تحجبين وجهك تقول أنا حرة!!
- لا باس يا حضرة المديرة سوف أتصرف.
.. تشبعها أمها تعنيفا، ولكن ليلى تصر على صمتها وجفائها.. تستعين بمرشدة دينية في تهجينها فلا تكثر بها وتبدأ عوضا عن الالتزام والطاعة بمجادلتها عن حقوقها وحريتها.. تسلط عليها والدها ..
- يا ابنتي عليك تغطية وجهك، هذا هو الدين .
.. تعرض بعينيها عنه ..
_ يا بنيتي لقد أمرك دين بالحجاب ، والحجاب الشرعي هنا هو أن تغطي وجهك بالكامل وان ترتدي قطعة القماش السوداء التي تحجبك عن الخبثاء من الناس.
- ما بالك صامتة ؟.. تكلمي.
.. ولكنها تبقى على حالها...
- اقسم بالله إن عدت لمثلها سوف أشبعك ضربا وأحرمك من الذهاب للمدرسة وأحبسك في غرفتك، أفهمت!
... تصر على مواقفها .. تكشف عن وجهها وتعتبره عنوان شخصيتها وكينونة ذاتها... تلاحقها النظرات فلا تكترث بأحد، وكل يوم تواجه مشكلة جراء ذلك فلا تهتم.. أصبحت حديث الجيران والأهالي .. ذات يوم اتصل بها ابن خالتها فخرجت تكلمه في الحديقة .. سمعها احد أصدقاء أخيها ...
- انظر، أختك تكلم شابا غريبا!
- لا انه ابن خالتها !
- يا رجل انه ليس بأحد محارمها اذهب واردعها !
- الأمر طبيعي، لقد اعتدنا على ذلك.
.. يمسك شقيقها بقطعة من الخشب ويحاول ضربها ..
- ماذا فعلت أختك حتى تضربها بهذه الوحشية ؟
- هذه الأخت المصونة جعلتني أضحوكة بين أصدقائي علاوة على فقدي أكثرهم اخلاصا لي.
- أنا حرة في تصرفاتي، لم افعل ما يخدش الحياء.
- أنت فتاة مجنونة دون شك، كيف تقبلين على نفسك أن تخرجي في الشارع ووجهك مكشوف للغادين والرائحين ؟وكيف ترضين بان تتحدثين مع ابن خالتك ؟ هل يقبل بان اكلم أخته أنا أيضا؟
..تعانق أمها والدموع تنهمر من عينيها ...
- لا تبكي يا ابنتي، اعرف انك تمارسين حقك في الحياة ولكن ماذا نفعل؟ هذه هي حياتنا، عليك أن تقبليها كما هي وألا ستظلين تعانين طوال عمرك..
**
.. يرن جرس الهاتف
- أنت أم ليلي ؟ معك المدرسة ، تعالي بسرعة لو سمحت.
.. تذهب على عجل كعادتها، فلا بد أن مشكلة أخرى من مشاكل ليلى قد حدثت..
- يبدوا أن ابنتك قد جن جنونها !
- وماذا فعلت يا سيدتي؟ إنها ملتزمة بما تقولون.
- لقد قدمت لي عريضة طويلة من الاقتراحات ولما رفضتها أذاعتها في طابور الصباح على الطالبات عبر مكبرات الصوت !!
- انظري ماذا كتبت! تريد حصة لممارسة الرياضة ! وحصة لدروس الموسيقى! وحصة للثقافة الجنسية ! وتريد أن نجعل مواعيد الامتحانات الشهرية في الوقت الذي تجمع عليه الطالبات ! ، وتريد أن ننظم لهن رحلات للمتاحف والمصانع وان نجري للمدرسات والطالبات اجتماعات مع بعض المسئولين!! والأدهى من ذلك تريد أن نشكل لجان خاصة بالطالبات على أن تكون منتخبة !!وتريد!! ...وتريد .. ما هذا؟ هل نعيش في بلد علماني أم ماذا؟ ثم أن مدرستها ضبطتها وهي تتحدث على الشات!! واعترفت لها بأنها تكتب أشعار غرامية على الانترنت !! إن لم تنتهي ابنتك سأرفع أمرها للسلطات...
.. ترضخ ليلى قليلا وتتجاهل مطالبها ، وتتجه لممارسة رياضة المشي مع إحدى صديقاتها ، ولكن الكائنات البربرية تعترض طريقها ، لا تتردد في الاتصال بالشرطة فيأتي السيد الشرطي ليكمل ما ابتدأته تلك الكائنات !!... وفي يوم ما تتعرض صديقتها لجرح في رجلها فتضرب عن الحراك ... تضطران صعود أول سيارة يشاهدانها للذهاب إلى منزليهما... يراها شبان الحي وهي تترجل من السيارة...
- يا الهي انظروا لتلك لفتاة المستر جلة وهي تخرج من سيارة ذلك الشاب الأنيق !!
- يبدو أنها تتحرك الآن على ثقيل!
- هيا بنا لنغنم منها مغنما.
... يقتربون منها
- ليلى! او ليس الأقربون اولى بالعطاء ؟
- ماذا تقصد ؟ ومن أنت وماذا تريد ؟
- ليلى كلنا يعرفك ، لو كنت فتاة شريفة لما كشفت عن وجهك وذهبتي كل يوم تهرولين في الكورنيش!! أن الفتاة الشريفة الطاهرة تقبع في بيتها فلا تعرف أحدا ولا احد يعرفها.
- هيا تعالي معنا فنحن أولى بك.
.. تضربه ليلي على وجهه وتمسك بيد صديقتها وتسرعان الخطى، إلا أن الشبان الجائعون يتعقبانهما
وعيونهم مليئة بالرغبة الجامحة ... يراهم أخوها وأصدقائه فتنشب معركة حامية الوطيس..
- إلى متى يا ليلى وأنت هكذا؟ ها هو أخوك في المستشفى جراء أفعالك ،كل الناس متضايقة منك، أتعلمين أن الأمن طلب أباك بسببك؟
- ماذا ستفعلين بنا يا ابنتي أكثر من ذلك ؟ لقد ساءت سمعة والدك وشقيقك جراء أفعالك وها هو في المستشفى طريح الفراش .
- حتى أنا، صديقاتي يتجنبنني بسببك، ارحمينا أرجوك.
- ( ببكاء ) ماذا تريديني أن افعل؟
- كوني كبقية الفتيات ، هذا ما نريده منك فقط .
.. ولكن ليلى لا تستطيع أن تتهجن كما تهجنت قريناتها ، بالرغم من حداثة سنها إلا أن ليلى تكتب على مواقع الانترنت أن المدرسة ليست سوى معمل لتهجين الإنسان في العالم الثالث ، وإنها تشعر بالفخر لأنها لم تهجن ، يصل الخبر إلى مديرة المدرسة بأنها كتبت ذلك ، فتقرر نقلها وتوصي عليها مديرة مدرستها الجديدة .. هناك تعامل ليلى بقسوة ـ فتضرب وتهان وتحتقر، كانت المديرة قد وضعت لنفسها هدفا أوحد هو تهجين ليلى!! ..
.. أحيان تخرج ذات عصية على التهجين وبالتالي تحتاج إلى ممارسة خاصة حتى تنصهر في القطيع الذي نحكمه ، والمرأة هي مفتاح السلطة فإذا تمكنت من تهجينها ومسخها تكون النتيجة انك تستطيع بكل سهولة السيطرة على أي شعب ومعاملته كقطيع من الخراف .. إلا أن ليلى عصية على ما يبدو على أن تتحول إلى نعجة من ضمن قطيع من النعاج والحيوانات الآدمية، فكلما خارت قواها سرعان ما تنهض مرة أخرى.. تمارس عليها المديرة المزيد من القهر والقمع والطغيان ، إلا أن ليلى أصبحت أكثر قوة وإصرارا ، بيد أنها تعبت من الضرب المبرح والقسوة التي اخترقت ملكة الرحمة في ذاتها ، لم تعد تحتمل أكثر من ذلك ، أمسكت بالعصا التي أوجعتها بها مديرتها منذ دخولها مدرستها الجديدة وضربتها دون رحمة ، حاولت المدرسات فتح الباب المقفل ولكنهن لم يستطعن، نادتها قريناتها : ليلى كفي عنها ، ستقتلينها ، نرجوك ارحمي بكائنا وصيحاتنا وضعفنا... إلا أن ليلى تستمر في ضربها دون هوادة... عندما أقتلك سأكون قد قتلك فيك عقود طويلة من تدمير آدميتي وتحطيم إنسانيتي.. سأغدو بعدك إنسانة وسوف تتحرر كل نساء وطني من الطغيان والقمع والاذلال وسنبدأ حياة جديدة .. مع غروب شمس هذا اليوم ستغرب شمسكم وستشرق شمسي التي لن تغرب أبدا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا