الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة موت

مصطفى العوزي

2008 / 11 / 4
الادب والفن


أوشك الليل على ان يرخي بسدوله علينا ، و نحن لا زلنا لم نقرر بعد أينا سنحط رحالنا هذه الليلة ، هل سنبيت العراء مرة اخرى ام اننا سنئوي الى اقرب مسجد نبيت فيه الليل الى ان تشرق شمس الصباح فنهتدي بها الى أي مكان يبعدنا عن تلك المليشيا الوحشية لتي تلاحقنا منذ أيام ، رغبتهم في قتلنا تزداد كلما اقتربنا و اقتربوا من البحر ن في البحر لا مفر من العدو ، فالبحر أمامنا و العدو طبعا سيكون من ورائنا ، فأين المفر ؟ ، و قبل ذلك كنا نتمنى ان يدركنا الموت في تلك الغابة الموحيشة ، على الاقل ستكون جثثنا غداء لذيذا لوحوش برية أصبح اصطياد الغزلان عملا شاقا عليها ، لكن للأسف لم نموت بالغابة لدى فقد نموت امام تلك الكايشيا التي لم تتعب أبدا من اللحاق بنا ، و نحن نمشي بخطى ثقيلة ندرك أن الرصاص قد يأتينا في لحظة و لن نستطيع رده عن اجسادنا المنهكة أبدا ، ألتفت فجاة الى بعض الرفاق و هم يقطعون طريق الغابة بعيون ذابلة لم تعود تقوى على التبصر في أي شيئ عدا الطريق الذي سيفضي الى الشاطئ حيث سترمينا المليشيا بالرصاص ، أحس بثقل الخودة المعلقة على ظهري ، أرفض رميها و أنا غير قادر على حملها اكثر مما حملتها ، تسألت لماذا يصنعون هذه الخودة من حديد صلب و ثقيل ، الخودة تؤذينا أكثر مما تنفعنا ، هل تستطيع الخودة ان تمنع رصاص المليشيا من ان يخترق صدري ؟ .
نسير في الغابة غير أبيهنا بأجسادنا الدامية ، و لا مكترثين بالجوع الذي يمزق أمعائنا ، أكلنا البارحة لدى لن ناكل اليوم ، و ماذا أكلنا ، بعض من اوراق الموز قطفنها خلسة من مزارع بدوي متعصب اذا رأنا فلن نفلت من عقابه الشديد ، لم نجد الموز فأكالنا اورقه ، عندما يغيب المحتوى يصح لنا اكل القشور فهذه أفضل الحلول لاخماد نار الجوع و لتغلب على مشقة المسير في غابة ستنتهي بنا الى الموت بعد وقت لا يصيح لنا ادراكه ، أطوبل هو ؟ أم انه قصير ؟ ، للأسف أنا لم أدرس و حتى ان كنت درست فلن أفقه في الجغرافية شيأ ، لدى فلن اعرف جغرافية المكان ، ما أعرفه هو انا أجلي أصبح على كف عفريت ، ادرك أنه بعد قليل سأبلغ مفترق الطرق ، طريق الموت عن يساري و طريق الحياة عن يميني ، لكن سأختار طريق الموت اليساري مكرها ، و قد اعبر المكان دون أن أجد ذلك المفترق ، عندها بالضبط سأقف للمليشيا دون ان اتابع المسير ، من حين لأخر أضحك من حماقتنا و غباوتنا ، نحن نتجه نحو الشاطئ نعبر الطريق مشيا على الاقدام المتورمة ، لنصيل الى الموت ، عجبا لنا نسوق انفسنا الى الموت دون ان نكترث لهذه الحماقة التي نقترفها ، ثم ما الفئدة من الهروب من الموت الى الموت ؟ ، أهكذا سيكون مأل من سيفشل من الرفاق المتبقين في قطع نهر الثلاثاء الذي فشلنا في قطعه ، عندما كنت في المروحية أقوم بتلك الجولة الاستطلاعية المشؤومة أدركت و أنا ارتدي بزتي الخضراء و حذائي الثقيل أنا المهمة ستكون صعبة للغاية ، علي أن اتجسس من السماء على من هم في الارض ، فانا لن أراهم الا بمشاقة و هم سيرونني كما يشتهي بصرهم .
ودعت حبيبتي و انا أعدها أني سأعود فور انتهائي المهمة الاستطلاعية ، أصرت لي بانها غير متفائلة من هذه المهمة ، لماذا لم يختار ضابطا أخر غيرك ؟
أنا بدوري لا أعرف لماذا ، عندما تكون المهمة حضور حفلة على شرف كبار الشخصيات يتم استدعاء أقرباء الجنرال من الضباط الكسالى ، الذين يقضون أوقاتهم بين احضان الفتيات في الحانات القريبة من الثكنة او في غرفهم الخاصة ، أما و الامر مهمة اخبارية صعبة فانها بالطبع ستلتصيق بأمثالي من الضباط الذين لا يعرفون الا
عشيقة واحدة ، لكني و مع ذلك رأيت أن احتفل مع حبيبتي بمرور خمس سنوات من حبنا ، دخلت البيت بعدما تلقيت التعليمات الخاصة بالمهمة ، اجد البيت مضاءا بالشموع الحمراء ، فوق المائدة كانت قنينة الفودكا تترقص على مقربة من كأسين ، الاول لها و الثاني لي ، تبادلنا النظرات و ابتسمنا لحبنا بعدما ظل على قيد الحياة منذ خمس سنوات كن فيها مزاجيين أكثر من اللازم ، عددت الشموع الحمراء فوجدتها اثنا عشر ، و حبنا لم يحي الى خمس سنوات بالتحديد ، لم أسألها عن ذلك ، لأني أعرف مسبقا انا حبيبي حكيمة ، و عادة الحكماء أن يأتو بالجديد ، و انا بدوري أرفض التقليد ، أقتربت شفتايا من كأس الفودكا و احسست لأول مرة بمذاق هذا المشروب- الروسي المفضل -لم أحس به من قبل ، شربت الكأس الاول و أبصرت في عيون حبيبتي و هي تتلائلئ تحت ضوء الشموع الهادئ ، بملابس سوداء قاتمة مرصعة بحبيبات ذهبية بدت لي حبيبتي اليوم جذابة اكثر من أي يوم مضى بيننا ، ضممتها الى صدري أشعرها بحنان غريب أحست به هي ، عدنا ننظر في عيون بعضنا البعض ، اقتربت شفتاها من شفتايا و ذبنا في دوامة من القبل الحارة ، قالت لي و هي تنام في حضني انها تخاف من ان اتخلى عنها ، صارحتها بأنا حبنا هو أقوى من ذلك بكثير ، قلت لها بأن الموت لن يفرق بيننا ، قبل أن تسقط المروحية لتبدا مطاردة المليشيا لنا ، هناك أدركت بأنا هذه المليشيا هي من سيفرق بيننا ، و اخيرا وصنا الى الشاطئ ، بدا جميلا و هادئا قبل أن يستشعر احد رفاقنا ان المليشيا قد ادركتنا ، التفتنا جميعا التفاتة رجل واحد ، رفعنا أيدينا في السماء ، بدا بعضنا في الصراخ في وجه أفراد المليشيا و كنت أنا واحدا منهم ، نفضل الاسر على الموت و قد تعبئنا له ما يكفي من قبل ، و بعض الرفاق بدؤا في الضحك ، أولائك أصبوا بالجنون ، حتى نحن فرقة الموت التي لم تجن بدأنا نضحك من رفاقنا على نهايتهم التراجدية ، شرع افراد الميليشيا في تعبئة بنادق الكلاشنكوف العصرية ، و مع صرخة حبيبتي في البيت التي أفقت مذعوراة من كابوس حل بها و هي نائمة ، كان الرصاص قد اخترق أجسادنا بسرعة فائقة لنسقط تبعا على الارض ، مات جميع الرفاق و عشت انا بأعجوبة ، كيف ذلك تلك جكاية أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج