الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوباما ...الواقع والآمال

ثائر سالم

2008 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


اوباما... غورباتشوف الامريكي
ام اعادة بناء امريكية

بيدها هي لا بيد غيرها تكتب الراسمالية اليوم تاريخ انحلالها وتسير في طريق تفسخها ، وتتساقط اوراق شجرتها الواحدة تلو الاخرى، علامة افول وغروب. ومع ذلك ورغم قلقها من هذا المصير، فانها تواصل وقاحتها وهي تحول الفضيحة الى فضيلة ، والهزيمة الى انتصار ، والضعف الى قوة. ...فاي مأثرة تلك التي تجترحها زعيمة العالم الحر، ونظامها الليبرالي، وهي تعتبر قضية لازالت تحدث دون ضجيج في اكثر دول العالم تخلفا ، ودون ان تكون مأثرة باي مقياس من المقاييس ولكن اين وجه الغرابة ..الم تكن هي ذاتها التي شنت حروبا في كل بقاع الارض ، باسم حقوق الانسان؟
بغض النظرعن وجهات نظر اي منا ، بهذا التحول او بقدرات الرجل على التغيير او حدود مشروعه ، التي يريدها او سيسمح له بها، فان احتفاء العالم كله تقريبا بفوز اوباما ودخوله البيت الابيض، هو ابلغ تعبير عن مغزى الحدث التاريخي . فالانتصار مهدى بالدرجة الاولى ، الى هؤلاء الضحايا. ضحايا العبودية في الماضي والتميز العنصري في الحاضر، التي كانت الراسمالية وستبقى حاضنة سياسية وثقافية للعنصرية، تعيد انتاجها مابقيت. ان هؤلاء لا يحق لهم ان يكونوا فقط الاكثر فرحا وفخرا بالانتصار، ويحلموا بيوم لاتنغصه وحشية قذارات العنصرية. بل من واجبنا الاحتفاء معهم، بالامل بنظام اجتماعي يعامل العنصرية ، كاي جريمة من الجرائم ضد الانسانية.
ان اربعة قرون من آثام جرائم العبودية والتمييز والعنصرية، حتى اليوم ،... لا يعوضها وصول اوباما الى الرئاسة، بل انهاء نظام العنصرية ، ومعاقبة مرتكبي جرائمها، بوصفها جرائم تمس قيم الحرية والانسانية المدعاة. فبعد مضي اكثر من قرن على مرسوم الغاء العبودية الذي طرحه ابراهام لنكولن ، وعدة عقود على حركات الحقوق المدنية ، ومعاناة مريرة من العنصرية المهينة لادمية الانسان، يوقف اخيرا راس المال ، اليوم العالم كله على رجليه ولا يقعده، لتكرمه لحصول مواطن على فرصة التمتع بحق قانوني يكفله الدستور ، منع منه ولازال مواطنون آخرون .
وصول اوباما الى الموقع الاول في الولايات المتحدة ، وحصوله على دعم اكثر من 50% من الناخبين البيض،( اضافة الى الاغلبية المهاجرة) وبالذات في ظل هذه الازمة العالمية والوضع الاقتصادي السيء،..ما كان له ليحصل حتى مع كل خطابية وكاريزما اوباما او مواهبه ، لولا:
1ـ ان مكانة امريكا وسمعتها الدولية قد ضعفت ، والثقة بها وبقدراتها وبسياساتها قد اهتزت . فالاخفاقات الكبرى ،التي منيت بها السياسة الامريكية، جراء انفرادها بالعالم، وفرض مصالحها على مصالح الاخرين ، باي ثمن ، والتي كانت احد الاسباب الرئيسة في تفاقم الازمة العالمية الحالية، التي اجبرت الجميع ، حلفاء امريكا واعدائها ، على دفع ثمن سياساتها الانانية الجشعة . لقد اضرت ادارة بوش، ضررا كبيرا، بكل دول العالم ومنهم حلفائها ، لذا بات التغيير (موضوعيا) هو الاخر املا لهذه الدول، في انهاء نظام القطبية الواحدة، وقيام نظام دولي ، يمنح شركاء راس المال الاخرين ، دولا وشركات متعددة الجنسيات ، فرصة الحصول على تحاصص افضل.

حتى الان على الاقل يبدو اختيار اوباما رئيسا وكانه تطبيقا لقاعدة سياسية " ما لا تدركه القوة تدركه السياسة (القوة الناعمة). فزعيمة الليبرالية و" العالم الحر!"، لا تجد امامها الكثير من الخيارات، الان .
2ـ وجود قلق من المدى الذي بلغه الاحتقان الطائفي في المجتمع ، واستشعار خطر تنامي التوتر والانفجار وتكاليفه الاقتصادية والسياسية الامريكية والعالمية. ويبدو ان اختيار كولن باول ورايس، ضمن الطاقم الرئاسي للادارات السابقة، يمكن تأويله على الاغلب، او وضعه في سياق هذا الاستشعار والادراك لضرورة التغيير. لم يصل اوباما سدة الرئاسة ، لان نظام الديموقراطية الامريكية عريق ومتين ورصين، كما قال في خطاب انتصاره (مع كل التفهم لظروف و ضرورات القول، وعلى مافيه من وجاهة وانصاف)..الم يكن نظام الديموقراطية هذا ذاته ، الذي اذاق الافارقة ، ذل العبودية وهمجيتها ولازال يضعهم تحت مطرقة التميييز العنصري ؟
التطور الذي حصل بغض النظر عن مدى جديته ، وحدوده، فان قوة وسعة المشاركة الشعبية ، اهم تطور ، يستحق الدعم والاحترام . والازمة المالية العالمية، كاحد تداعيات سياسات بوش الخائبة ، لعبت دورها في هذه الحركية الجماهيرية . لهذا تجد امريكا نفسها اليوم، في وضع تاريخي سيء .
فالحرب ومن ثم الفشل في العراق وافغانستان، لم يستنزف فقط موارد مالية هامة ، من موارد الاقتصاد الامريكي، واضر بمكانة وقدرات امريكا العسكرية والسياسية بل وهو الاخطر منح روسيا فرصة النجاح في اتخاذ خطوات هامة لاستعادة مكانتها في المسرح الدولي ، الصين الاقتصادية والعسكرية . حتى ايران وبعض دول في امريكا اللاتينية ، استثمرت الفرصة لتعزيزقوتها العسكرية ومواقف التحدي لها.
فاذا كانت الازمة المالية ، تجبر دولا مثل اليابان والاتحاد الاوربي والصين ، على المساعدة وبالاصح المساهمة في حل الازمة ، فانها مع دول كالخليج العربي ، يحق لها ان تمتلك ثروة كبيرة ( كما عبر كيسنجرـ بصراحة ام بوقاحة، عن ثروة الخليج )أو حتى باجبار دول بوزن اليابان واوربا ، ابتزازا او تهديدا ، على المشاركة بالحل.

وصول اوباما الى موقع الرئاسة في هذه الدولة التي ارهقت العالم ، ولازالت تمسك بتلابيبه ، يقتضي التعامل معه بموضوعية ، بعيدا عن الزاوية التي يريدنا، اعلام راس المال (الامريكي والعالمي) ان نرى الحدث منها. لست متفائلا بدخول هذا الرجل الى " البيت الابيض" لا لامر يتعلق بشخصه او بقدراته. وانما لانه حتى الان، لم ينتج عن هذا البيت الابيض غير كل شيء اسود.
فكيف سيتمكن هذا الرجل (الاسود) ان يقلب المعادلة، ويمنح تلك الاشياء لونا ابيض بدل الاسود ؟
كلنا امل ان يتحقق شيء من هذا . ولكنه ليس سوى امل ، مايرجحه لازال اضعف مما يمنعه. نجاح الرجل سيكون خيرا للجميع بالتاكيد. ولكن ربما من الصحيح القول. انه بغض النظر عن النوايا التي وقفت وراء ترشيحه من قبل راس المال ، وقدراته ونواياه او قدرات وحماس مؤيديه، او معارضيه ومعاديه (وهم في تقديري اخطر وزنا وتاثيرا)، فان هذه " المغامرة الامريكية، ستبقى، بمعيار تاريخي وبابعاده العالمية والمحلية ، قفزة الى الامام، على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي .

ولكن الحدود المتاحة امامه في النظام السياسي ، وقدراته وارادته على التغيير ، هي ما يمكن ان تحول هذه القفزة الى خطوة جادة ، في طريق محاربة العنصرية ومحاصرة بشاعات التمييزضد السود، التي يمكن لمؤسسة الدولة والسلطة السياسية ان تعمل اكثر بكثير مما تفعه الان ، لو ارادت. لاحظ حينما ارادت ان تمرر اوباما ، مررته رغم كل هذه العوائق التي طالما تحججت بان المجتمع الامريكي غير جاهز ، لتجاوز العنصرية.
التمييز والعنصرية هذه صناعة سياسية وثقافية، الدولة والسلطة هي الجهة الوحيدة المؤهلة والمعنية ، باعتبارها جزء من وظيفتها الاجتماعية، يقع عليها اذا ماارادت حماية الحرية والنظام الديموقراطي وحقوق الانسان وترسيخ دولة القانون والمؤسسات، ان تعمل على اعاقة اتساعها في المجتمع.

ليس من مصلحة الراسمالية القضاء على هذه الظاهرة ما دامت تحتاج الى نسبة من البطالة في المجتمع. ومادامت بحاجة الى عرقلة اتحاد العمل ضد راس المال . فالفترة التي استدعت حملها لواء العدالة والمساواة بين الناس، قد انقضت تاريخيا ، فقوة العمل التي تحتاجها اليوم حرة من الناحية القانونية. ولكن الامر يختلف مع معدلات بطالة عالية ومرشحة ان تتزايد .
قبل قرابة الشهرين ، كنت استمع الى ، برنامج حواري في قناة ابو ظبي ، على ما اذكر، وقد جمع خمسة من وزراء خارجية امريكا السابقين، كيسنجر، وارين كريستوفر، مادلين اولبرايت ، كولن باول وبيكر. وكانت هناك ترجمة بالعربي للحوار. من ضمن الاسئلة كانت ، ماهو تقييمك لوصول رجل اسود كبارك اوباما الى رئاسة الولايات المتحدة؟ ولمن ستصوت ..جون ماكين ام اوباما . كل الوزراء باستثناء كولن باول ، اجابوا باننا سنصوت الى اوباما، لان ذلك سيحسن صورة الولايات المتحدة بالخارج ، ويساهم في استعادة مكانتها. كولن باول الوحيد الذي قال انني لم اقرر بعد لان الاثنين اصدقائي . ولكن حينما اقرر لن افكر بلون البشرة . سافكر بالامريكي الذي يمكن ان يخدم امريكا افضل . وقد آن الاوان لنفكر بان الامور لايجب ان تبقى على هذا النحو الشكلي .
حظي جواب باول هذا، باستحسان كبير، وتصفيق حارمن الجمهور.

ان ثقافة الدولة (اللاعنصرية ) الديموقراطية حقا، والتي تحرص على تحقيق المساواة بين اقيام الناس ،
لا يمكنها القبول بالتجاوز على حقوق وحياة وامن البعض من مواطنيها . ان تحقيق ذلك والانتصار على العنصرية لن يتم ، الا باعتبار التمييز والعنصرية ثقافة وممارسة ، احد اكبر جرائم العصر التي تفرض على الانسانية التطهر منها . لا يوجد اي مدلول حقيقي او معنى ، للحرية والديموقراطية ، وهي تمارس بقرائتها الراسمالية الكاذبة والمشوهة . ان التقدم بهذا الاتجاه ، بالنجاح في سن تشريعات واتخاذ اجراءات ، اقتصادية واجتماعية وسياسية ، تعزز وتؤكد هذا التوجه ، هو خطوة في طريق تفكك الراسمالية ، واحد مؤشرات تقوية المقدمات الفكرية والمادية ، للمجتمع البديل.

ان الترابط القائم في الاقتصاد العالمي ، والموقع المهيمن للولايات المتحدة فيه ، يشكل الواقع الموضوعي الذي يضطر الجميع لتحمل اعباء ازمة ليست من صنعهم، ويكونوا مادة النهب والاستغلال مرة اخرى. فالعولمة التي فصلتها على مقاساتها ، لازالت تقاوم اي اصلاح . والزمن وحده سيجيب ما اذا ستكون استجابة الولايات المتحدة للتعاون والمشاركة مع الحلفاء ، ومنحهم جزءا من الكعكعة، استجابة مؤقتة ، اضطرارية ، ام واقعا ، يمكن للقوى الدولية المختلفة الاطمئنا اليه او فرضه.

الامكانية لتحقيق هذا التحول توفرت الى حد كبير الان. ولكن ارادة وجدية وقدرات الاخرين ، يمكنها ان تحولها الى حقيقة ام تبقيها امكانية. الولايات المتحدة في لحظة ضعف تاريخي، تحدياتها الداخلية لا تقل عن الخارجية. والان تكتشف ان زعيما ملهما كالرئيس بوش(زعيم " الحرية والايمان " و " راعي حقوق الانسان" )، حتى وان كان يتمتع بمزية حصوله على توجيهات الرب في منامه او يقظته( لانعرف بالضبط ايهما)، لاتكفي " لوحدها " ان تحمي بلده والعالم ، من مافعل.

القوة العسكرية في السياسة الامريكية، لاتحمي فقط مصالح البلد الاقتصادية وسيادته الكونية، وتفرض احتكاره وتفوقه العلمي خصوصا في بعض المجالات الاساسية ، بل سند هام للفعل السياسي ، يضفي عليه قوة او مصداقية ( احيانا مضخمة او وهمية) استثنائية ، تمكنه حتى من اعاقة مسيرة التقدم والتنمية الاقتصادية في دول او مناطق باكملها ، وحرمانها من اي فرصة اقتصادية مهمة.
هذا يتجلى لا في الحروب القديمة ، ولا في الحروب الحديثة ، بل وفي ما عملته بدول حليفة ، " دول النمور الاسيوية ودول الخليج ".
ان القراءة السائدة في اعلام راس المال اليوم ، هي قراءة تخفي وجهها العنصري ، حتى وهي تنهزم.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تعتزم فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني بدعوى دعمه


.. توقيف مسؤول في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس- لحساب الصين




.. حادثة «كالسو» الغامضة.. الانفجار في معسكر الحشد الشعبي نجم ع


.. الأوروبيون يستفزون بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال الق




.. الجيش الإسرائيلي ينشر تسجيلا يوثق عملية استهداف سيارة جنوب ل