الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسيحيو العراق في ذمة المجتمع الدولي

سليمان يوسف يوسف

2008 / 11 / 12
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


مرة أخرى، يقف العالم مذهولاً أمام فصل دموي جديد من "مآسي مسيحيي المشرق".فصل يخص هذه المرة مسيحيي العراق،معظمهم من الكلدوآشوريين السريان، سكان العراق الأوائل،حيث يتعرضون لعمليات تطهير عرقي وديني منظمة وممنهجة في مناطقهم التاريخية،تسببت حتى الآن بمقتل آلاف المسيحيين و نزوح أكثر من ربع مليون خارج العراق.كما في كل الفصول الدموية السابقة،التي بدأت منذ نحو قرن في ظل الاستعمار العثماني للمنطقة،الابطال هم من المسلمين،اتراك كانوا أم أكراد، عرباً كانوا أم عجم.كل على طريقته،تسبب في تقلص وانحسار الوجود المسيحي في المشرق حتى تلاشى من بعض دوله، مثل الجزيرة العربية وشمال افريقيا،وكاد أن يتلاشى من بعضها الآخر،مثل تركيا وايران.وما تبقى منهم مهدد بخطر التلاشي والاندثار، لأسباب كثيرة متشعبة ومتداخلة،سياسية واجتماعية ودينية وثقافية واقتصادية وتاريخية.هذه الاسباب مجتمعة تدفع بالمسيحيين لترك أوطانهم والهروب بكل الاتجاهات، بحثاً عن "ملاذ آمن" في مكان ما من العالم، بعد أن افتقدوه في أوطانهم الأم،وبعد أن تلاشت أحلامهم بـ"دولة وطنية- دولة مدنية حديثة"، تحقق لهم"المواطنة الكاملة" والمساواة التامة مع شركائهم المسلمين.
بلا ريب،أن الغزو الامريكي للعراق في آذار 2003،زاد من تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة،ولبد أجواءها بغيوم الاحتقان الطائفي والمذهبي والنزاعات العرقية.كما تنامت في ظله،بشكل لا فت ومخيف،الاتجاهات الاسلامية المتشددة والتكفيرية وانتشار المنظمات الارهابية العابرة للقارات،التي زادت من القلق الكياني والخوف على المصير لدى المسيحيين المشرقيين.ويخشى الكثيرين اليوم من أن يكون مصير مسيحيي المشرق مثل مصير يهود المنطقة الذين اختفوا منها نتيجة سياسات التمييز الديني والعرقي التي مورست ضدهم والتي تضاعفت بعد قيام دولة اسرائيل واستمرار النزاع العربي الاسرائيلي. وفي سياق محنة المسيحيين المشرقيين كانت الكاتبة الفرنسية، آني لورنت" قد تنبأت بعد أحداث ايلول 2001" أن المسيحيين في العالم الإسلامي سيكونون شهداء العقيدة المسيحية التي يؤمنون بها وضحايا العدوان الإسلاموي المتطرف عليهم".
صحيح أن ما قتل في العراق من المسلمين هم أضعاف مضاعفة ما قتل من المسحيين، لكن صحيح ايضاً أن للمسلمين( عرب،شيعة وسنة، وأكراد) ميليشيات مسلحة تتحارب لأجل امتيازات ومكاسب سياسية واقتصادية تخص طوائفهم ومذاهبهم،بينما يقتل المسيحيون من غير أن يكونوا طرفاً في حروب هؤلاء،اذ لا ميليشيات مسلحة لهم،وليسوا هم بمن جاء بالأمريكان للعراق،اذا كان البعض يبرر قتلهم انتقاماً.أنهم"المسيحيون" يقتلون لا لذنب ارتكبوه، وانما على خلفيات دينية وبسبب عقيدتهم المسيحية،في ظل صمت عربي واسلامي عام، باستثناء بعض المثقفين والكتاب اللبراليين والمتنورين.يفسر البعض هذا الصمت على أنه تغطية،عراقية وعربية واسلامية ودولية، غير معلنة لتهجير المسيحيين من المنطقة .اذ تؤكد معظم التقارير الواردة من العراق حصول عمليات القتل والتهجير الجماعي لمسيحيي الموصل وباقي المدن العراقية أمام أنظار قوات الاحتلال الامريكي والجيش العراقي وبالتواطؤ من قبل اطراف عراقية أساسية.وما يزيد الشكوك بالموقف الامريكي والأوربي من قضية مسيحيي الشرق،اقتصار ردود فعل المجتمع الدولي على قتل وتهجير مسيحيي الموصل على بيانات الشجب والاستنكار والادانة ومطالبة البعض بتقديم مساعدات انسانية للنازحين.وبالرغم من حجم الكارثة التي حلت بالمسيحيين العراقيين ومحنتهم المفتوحة لم تتحرك القوى العظمى باتجاه الدعوة لعقد "مؤتمر دولي" يبحث قضيتهم ولاتخاذ خطوات عملية تحميهم من خطر القتل والخطف والتهجير الذي يلاحقهم في كل أنحاء العراق،كتوفير "منطقة آمنة" لهم داخل العراق.مثلما فعل"المجتمع الدولي" للأكراد في الشمال العراقي في تسعينات القرن الماضي في اعقاب النزوح الكردي هرباً من هجمات جيش صدام حسين.وبفضل التدخل الأمريكي المباشر في العراق تحولت المنطقة الكردية الآمنة الى اقليم فدرالي شبه مستقل عن الحكومة المركزية تديره حكومة كردية وفق المصالح القومية للشعب الكردي.بينما ترك المسيحيون العزل في العراق بدون حصانة وطنية ومن غير حماية دولية يواجهون الارهاب المنظم الذي يستهدفهم. وقد جاء رفض بريطانيا،الحليف التقليدي لأمريكا، لمنطقة آمنة لمسيحيي العراق على لسان،بيل راميل، وزير الدولة البريطاني للشرق الاوسط،في مؤتمر صحفي مشترك اقامه مع نيجرفان برزاني، رئيس وزراء الحكومة الكردية، قال بيل: "ان المملكة المتحدة غير مقتنعة بفكرة انشاء منطقة آمنة للمسيحيين".
ازاء هذا المشهد العراقي القاتم والوضع المسيحي المؤلم يشعر المسيحيون العراقيون ومعهم معظم مسيحيي المشرق باستياء وغضب شديدين، من "المجتمع الدولي"الذي تخلى عن واجبه في حماية مسيحيي العراق وتركهم في مواجهة المخاطر الجسيمة المحدقة بهم.أليس أمراً يدعو للتساؤل والدهشة والشكوك، أن يتحدث السفير الفرنسي لدى بغداد "جان فرنسوا جيرو" عن حرص أوروبي"على عراق تعددي وديمقراطي" بعد أن كاد العراق يخلو من مسيحييه ومن جميع مكوناته الصغيرة مثل الصابئة المندائيين والشبك واليزيديين!. وقد عبرت الكثير من الشخصيات السياسية والدينية المسيحية في مختلف دول المنطقة والعالم عن استياءها الشديد مما جرى لمسيحيي العراق والموصل تحديداً وعن قلقها العميق على مصيرهم وحملت الحكومة العراقية وامريكا،باعتبارها دولة محتلة للعراق، مسؤولية ما جرى وطالبتها بتوفير الحماية اللازمة للمسيحيين ولباقي المكونات العراقية الصغيرة، ضحايا الصراع السياسي والمذهبي والعرقي المنفلت في العراق،ومن غير أن يكونوا طرفاً في هذا الصراع. فقد ذكرت بعض التقارير الصحفية نقلاً عن شهود عيان من داخل مدينة الموصل: ان مسلحين كانوا يتجولون بسياراتهم ويقتلون مسيحيين عزل ويرعبون الأهالي الآمنين وهم يمرون عبر السيطرات الامنية التابعة للجيش الحكومي وتلك الواقعة تحت سيطرة "البيشمركة الكردية" من دون ان توقفهم او تعتقلهم.كما أشارت هذه التقارير الى وقوف عناصر الاسايش "الامن الكردي" خلف رسائل التهديد المكتوبة على جدران بيوت المسيحيين تحثهم على مغادرة بيوتهم والا واجهوا مصير الموت.معلوم أن الأكراد طرف اساسي ومتنفذ في الحكومة المركزية ببغداد وفي كل مفاصل وسلطات الدولة العراقية،السياسية والأمنية والاقتصادية والقضائية.
في عالم جديد حر ومنفتح، يتصدى للارهاب الدولي و يسعى للوصول الى مجتمع انساني خال من العنف ومن كل أشكال التعصب والكراهية،من حق"الشعوب المهددة" بوجودها طلب الحماية من "الاسرة الدولية".خاصة وقد تكفل المجتمع الدولي ممثلاً بـ"الأمم المتحدة" بحماية "الشعوب" من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، اذا فشلت حكومات،هذه الشعوب، في تحمل هذه المسؤولية. وفي هذا السياق، شكك فردريكو لومباردي، المتحدث باسم البابا بنديكت السادس عشر، بجدية الحكومة العراقية في توفير الحماية اللازمة للمسيحيين في الموصل. ودعا لومباردي في تصريحات له أدلى بها لوكالة رويترز للأنباء الثلاثاء الماضي،"الحكومة العراقية ومنظمات حقوق الإنسان لعمل المزيد لحماية المسيحيين في الموصل الذين أصبحوا عرضة ليس فقط لمخاوف الاستهداف المتكرر، وإنما أيضا لحملة ممنهجة من التهديدات".فهل ينتظر "المجتمع الدولي" مزيد من قوافل القتلى والمهجرين والنازحين من المسيحيين العراقيين ليتأكد من اخفاق وفشل وربما عدم رغبة الحكومة العراقية في توفير الحماية لهؤلاء المعذبين،حتى يتحرك بشكل جدي وفاعل لأجل توفير"رادع دولي"يحمي مسيحيي العراق، وبقية شعوبه الصغيرة العاجزة عن حماية نفسها، من خطر الارهاب الذي يستهدفها؟؟؟؟.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص