الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر مناهج التعليم في المدارس العراقية على ثقافة المتعلم

حسن كريم عاتي
روائي

(Hasan Kareem Ati)

2008 / 11 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


توطئه:

يرد كثيراً مصطلح (المنهج المدرسي) وهو عنوان واسع ، والمراد به غير المعلن عنه، للتداخل الواسع والشائع بين المراد من ( المقرر المدرسي) و (المنهج الدراسي) . وهو ما جعل تداول (المقرر المدرسي)،بوصفه يمثل أو يمتلك منهجاً. في حين المراد من المنهج: ((طريق محدد يعتمد على خطة واعية)) (1). وهي صفة البحث العلمي عموماً.فالمنهج (( عنصر ثابت في كل معرفة علمية، أما مضمون هذه المعرفة والنتائج التي تصل إليها، ففي تغير مستمر )) (2). وهو محل نظر في المقرر المدرسي في المراحل قبل الدراسة الجامعية الأولية. لذا فان التداخل لا يعني إغفال هذه الملاحظة. وقد تحدث مقارنة بين المقرر المدرسي للدراسة قبل الجامعية وبين المنهج الأكاديمي في الدراسات الجامعية، فإنها لا تعني الاعتراف بكفاءة الثانية.



يُعد من المعضلات المنهجية في تناول هذا الموضوع ، الاتفاق على مجموعة من المصطلحات التي تُعد مدخلاً علمياً وعملياً إليه، من بينها، (التعلم والتعليم) و (الثقافة) و (المنهج). والاتفاق على خلق تصور عن طبيعة التفاعل بينهما. ولعل تعدد، حد الكثرة الكاثرة، في تعريفها وجه آخر من وجوه المعضلة.

فالثقافة في أقدم تعريف لها وأكثرها شهرة ، ذلك الذي قدمه (ادوارد تايلور) في عام 1871م، والذي يؤكد على العناصر اللامادية في حياة المجموعة. فالثقافة لديه:
((كُلٌ مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات ، والفنون والأخلاق ، والقانون والعرف، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع)) (3).

ولعل أبسط تعريف للثقافة ما قدمه (روبرت برستيد) عام 1963م ، والذي يعمد الى جمع الفكري والمادي والسلوكي فيه. فالثقافة على وفق تصوره:
(( ... الكُلُ المركب الذي يتألف من كل ما نفكر به ، أو نقوم به أو نتملكه كأعضاء في المجتمع))(4).

ولعل التوكيد على جزء من التعريف الأول وهو (المعرفة) ، وعلى جزءٍ من التعريف الثاني وهو( ما نقوم به) ،لصلتهما الوثيقة بالتعلم. الذي يُعرف بأنه: (( تعديل السلوك من خلال الخبرة))(5). أو بعبارة ثانية: ((...سلسلة من المتغيرات في سلوك الإنسان))(6).

وإذا كانت (الثقافة) من المقتنيات الأثيرة لعلم الاجتماع ، فأن التعلم من أنفس مقتنيات علم النفس. وبذلك نكون أمام مجموعة علوم ، قد يكون بالإمكان اختصارهما بعلم النفس وعلم الاجتماع عبر المنهج المشترك لدراسة ظاهرة التعلم، وان كان من الناحية النظرية ،حسب،(( فالمنهج العلمي يُعد أساساً واحداً لكل العلوم ، وان اختلفت تفصيلات أدواته وتكنيكاته باختلاف الظاهرة المدروسة))(7).

وبالعودة الى الموضوع ، يمكن إثارة السؤال المباشر الآتي:
- هل يحقق المنهج المدرسي أثره الايجابي في مدارك المتعلمين، بما يؤدي الى إحداث متغير في سلوكهم المعرفي؟
وقد يكون السؤال الأهم ، وتتوقف عليه الإجابة عن السؤال الأول:
- هل يتبع التعليم المدرسي في العراق منهجاً محدداً؟

وهو سؤال قد يبدو تجريدياً، وقد يدفع الى راديكالية الإجابة. لكن لنستعير من كتاب (نظرية الثقافة) خيارات الإدارة لتطويع الحاجات والموارد عبر العلاقة التبادلية بينهما من خلال الاحتمالات المنطقية الأربعة الآتية:
(( 1. عدم القدرة على إدارة كل من الاحتياجات والموارد.
2. القدرة على إدارة الاحتياجات دون الموارد.
3. القدرة على إدارة الموارد دون الاحتياجات.
4. القدرة على إدارة كل من الاحتياجات والموارد.))(8).

وباستبدال (الموارد) بالمنهج الدراسي، و(الاحتياجات) بالثقافة، فان الوصول الى مستوى من التناغم بين المنهج وهدفه الثقافة، بمعنى الخبرة التي تساعد على تحقيق السلوك المعرفي الايجابي للمتعلم، يعتمد في الأساس على الإدارة المدركة لهذا الهدف لتحقيق الاحتمال الرابع. وهو القدرة على خلق التفاعل بين المنهج والثقافة . أي الاحتياجات والموارد.

وهو ما يبرر السؤال:
- هل تحقق المعارف المدرسية ثقافة للمتعلم؟

وعلى الرغم من الرغبة في الإجابة السريعة عن التساؤل. لكن حين تكون خاليةً من مرجعية معيارية تتهم بالتسرع.

في الإصدار السادس من التقرير العالمي (لليونسكو) لرصد التعليم للجميع في عام 2008م ، والذي يمثل منتصف المدة بين عام 2000م والأجل المحدد لتحقيق هدف البرنامج عام 2015م ، وهو برنامج لحركة دولية طموحة تسعى الى توسيع وتحسين فرص التعلم ، وحددت له ستة أهداف تُعد معيارية لقياس البرنامج. يكون الهدف الخامس منها على صلة مباشرة بموضوعنا. وهو مقدار التعلم لدى الأطفال؟ وقد اعتمدت (اليونسكو) في تعيين (مقدار) الجودة في التعليم . واتخذت من مادتي (اللغة) و (الرياضيات) معياراً لتلك الجودة. وعدت نتائج التحصيل الدراسي، وظروف التعليم، والقوى العاملة في التدريس، معايير مضافة لقياس مقدار الجودة.

وباستعارة المعيار نفسه، وبالاعتماد على المقياس الكمي لعدد ساعات الدرس المخصصة للمادة المدرسية وعدد سنوات دراستها لمادتي (اللغة) و (الرياضيات)، تتضح المفارقة بين حجم الموارد والإشباع المتوقع لهدف التعليم ، وهو تحقيق الخبرة ، كالآتي:
المادة الدراسية المرحة الدراسية عدد سنواتها
اللغة العربية ابتدائية 6
متوسطة 9
إعدادية 12
اللغة الانكليزية ابتدائية 2
متوسطة 5
إعدادية 8
الرياضيات ابتدائية 6
متوسطة 9
إعدادية 12

وبالمقارنة مع عدد سنوات الدراسة الجامعية الأولية ، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بالقدرات العقلية بين الفئات لاختلاف النضج العقلي وتفاوت الأعمار، وهو ما يجعل من مراحل الدراسة قبل الجامعية ثلاثة أضعاف الدراسة الجامعية الأولية في أعلى تقدير ، ولا تقل عن مرة ونصف المدة في أقل تقدير. غير ان ما تحققه الدراسة الجامعية من حيث حجم الخبرة أفضل من سواها، ضمن المقارنة المجتزاءة، بالاعتماد على فرضية التناسب بين المادة المدروسة والقدرة الاستيعابية المفترضة للفئة العمرية . وهو ما يدفع بنا للاعتقاد ، بان الخبرة المتحققة لا تساوي حجم الجهد المبذول طيلة مدة المرحلة الدراسية قبل الجامعية. وهو ما يعيدنا الى منطقة التساؤل ، ويفتح كوة ضوء للإجابة:
- إذا كان المنهج المقدم للمتعلم طوال مدة مرحلة دراسية لا يحقق هدفه، ألا نكون أمام خيارين:
- الأول: تقليص المدة باستثمار منهج يتناسب مع حجم الخبرة التي يحصل عليها المتعلم الحالي؟
- الثاني: تعديل المنهج المدرسي بما يتناسب مع طول المدة لتحقيق خبرات أوسع من التي يحصل عليها المتعلم الحالي؟

وهو ما يعيدنا الى التساؤل الثاني:
- وهل يمتلك التعليم المدرسي في العراق منهجاً ، يحسب على أساسه حجم الخبرة ،بوصفها هدفاً، وطول مدة المرحلة الدراسية؟

((ونظراً لان التعليم لا يقاس بعدد سنوات الدراسة ، حيث ان الكثافة التعليمية لا بد من ان تحتسب))(9)، فان المقياس الكمي (أي عدد سنوات المرحلة الدراسية)، لايثبت جديته في تحقيق الخبرة المكتسبة المؤثرة في السلوك المعرفي للمتعلم.
وهو مثلب أول في نظام المناهج المدرسية القائمة الآن.

وبمقارنة النظام التعليمي في العراق الآن بمثيله قبل الحرب العالمية الثانية في اليابان ، والذي ((كان يعتمد كثيراً على الحفظ عن ظهر قلب، مما يفرخ خريجين من الحفظة ، يتسمون بالتبعية ، أكثر منهم مواطنين يعملون فكرهم))(10). نكون أمام مثلب ثانٍ في ضعف التراكم النوعي للخبرات عند اجتياز مرحلة دراسية الى التي تليها ، لوهن العلاقة المعرفية في مناهج المراحل. مما يعني انعدام أو ضعف الترابط الضروري بين المراحل الدراسية، وحضور التعاقب المجرد. فلم يؤخذ حجم المعرفة المتحققة في مرحلة دراسية أساساً في التصور العلمي للمرحلة اللاحقة، لضعف التراكمية والتنظيم بين المراحل . مما يجعل المقرر المدرسي بعيداً عن التفكير العلمي ، ويفقده صفة المنهج ، لتكون مادة دراسية يغلب عليها صفة عدم التنظيم المعرفي.

وبالعودة الى خيارات الإدارة في تطويع الحاجات والموارد عبر العلاقات التبادلية بينهما، نلاحظ قدرة الإدارة تقتصر على إدارة الموارد(المقرر المدرسي) دون الاحتياجات (الثقافة). مما يؤشر خللاً كبيراً في العلاقة بين ( المناهج المدرسية)في العراق بوصفها (خبرة)، وبين الثقافة بوصفها (معرفة). ويغلب على هذه العلاقة الصفة السلبية.


الهوامش
(1) التفكير العلمي /د. فؤاد زكريا/عالم المعرفة ( النسخة الالكترونية- ن.أ)/ مارس 1978/ص15.
(2) م.س/ص26.
(3) قدم ادوار تايلور تعريفه في كتابه المعنون: (الثقافة البدائية).
عن: نظرية الثقافة/ مجموعة من الكتاب / تر: د.علي سيد الصاوي : عالم المعرفة ن.أ./يوليو1997/ص9.
(4) م.س/ص39.
(5) نظرية التعلم/دراسة مقارنة/ د.مصطفى ناصيف/ تر:د.علي حسين حجاج/مراجعة: د.عطية محمود هنا/ عالم المعرفة ن.أ./ أكتوبر 1983/ص15.
(6) م.س./ص16.
(7) اتجاهات نظرية في علم الاجتماع /د.عبد الباسط عبد المعطي/ عالم المعرفة ن.ا./اغسطس1981/ص10.
(8) س.ذ./ص85.
(9) اليابانيون/ص228.
(10) م.س./ص231.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير