الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغيرية في رواية المتجول للكاتب الهولندي أدريان فان ديس

نجاة تميم

2008 / 11 / 30
الادب والفن


صدرت باللغة الهولندية رواية المتجول للكاتب الهولندي أدريان فان ديس عن دار أغسطس للنشر في هولندا وبلجيكا. والملاحظ أن الغيرية هي الثيمة المهيمنة في مؤلفات الكاتب. فهو يستلهم قسم من مواضيعه من رحلاته المتعددة والقسم الآخر من الموروث الثقافي لوالديه اللذان عاشا فترة في الجزر الهندية، المستعمرة الهولندية سابقا علما أن أصل والده من هذه الجزر. فبعد زيارته لمصر والمغرب أحب قارة إفريقيا. ومن ضمن ما كتب مجموعة قصصية تحت عنوان الدار البيضاء (1986). كما زار اليابان والصين ودول افريقية أخرى. وجاء إنتاجه كالأتي : الأرض الموعودة، في أفريقيا، بربري في الصين وغيرها. ومن أشهر كتاباته وأروع ما قرأت له قصة نبيذ النخيل ورواية المتجول.

من الغريب حقا أن الكاتب يعاني منذ صغر سنه من عسر القراءة (ديسلكسي). لكنه عوضها بقدرته الفائقة على التحدث بطلاقة، حيث كان ومازال يقدم برامج تلفزيونية أدبية وأخرى كصحفي متجول في دول جنوب إفريقيا. أليس رائعا أن تقرأ لكاتب مازال يعاني من اختلاط الحروف ؟

لقد اشترت عديد من دور النشر حقوق نشر رواية المتجول التي صدرت عام 2007 وستصدر بعد ترجمتها في كل من ألمانيا، إنجلترا، ايطاليا، الدانمرك، إسرائيل، ورومانيا علما أن أول ترجمة باللغة الفرنسية سترى النور في ربيع هذا العام (2008).

تستهل الرواية بشهادة غريبة " رأى الكلب كل شيء" ومع هذا الأخير بدأت القصة. لقد اختار الكلب حضن مولدر الهولندي المقيم في باريس رغم أن أيادي كثيرة كانت تتلقفه. لكن قبل أن يتراقص الكلب، كما يسميه مولدرعلما أنه لم يطلق عليه اسما آخرا، أمام الشباك ويقفز هربا من النيران، كان مولدر متجها إلى مركز الشرطة ليبلغ عن اسم بديله ، نيكولا مغتان؛ الإسم الذي لمحه على لوحة أحد الأبواب في العمارة التي اشتعلت فيها النيران.

المتجول قصة رجل هولندي يعيش في رفاهية في باريس. ومن المفارقات أن فان ديس أيضا يقطن العاصمة الفرنسية منذ أكثر من خمس سنوات وتبعا لنصيحة طبيبه كان يقوم بجولات يومية على نفس طريق مولدر. في أحد الأيام دفعت جوقة من الناس مولدر إلى شارع لم يتعهد التجول فيه ليكون من ضمن شهود عيان لحريق شب بعمارة مهجورة. هذه الأخيرة كانت مكتظة بمهاجرين أفارقة شرعيين وغير شرعيين. حسب صاحب المحل، العربي الأصل، فنساء هؤلاء الرجال الكسلاء هن من أحسن زبائنه. واسترسل في رواية أحداث غريبة عنهم.

بينما ترزح باريس تحت وطأة المظاهرات والتصعيد ضد الأجانب، تعرف مولدر، بفضل كلبه، على المدينة وبعض سكانها. وتعرف كذلك على الأب بغونو، قس كنيسة الحي الذي كان يتناقش معه حول الدين و الحياة وأسئلة أخرى أخلاقية. كان بغونو يصر على أن الغرب لم يستطع تقديم المثل الأعلى، فالذي يهمه هو مصالحه. مولدر، رجل أبيض ثري، يحس بالذنب ويريد المساعدة. هذا الثري الذي يعيش من إرث لم يستطع أن يتخلى عن ترفه رغم أنه يريد أن يساعد الفقراء والمهاجرين الغير شرعيين. فعندما جاءت المتسولة ذات الرجل الواحدة إلى بيته لم يستطع تحمل عفونتها ووساخة جسمها وملابسها. فركض ليخفي نبيذه المعتق وأقلام الحبر الغالية الثمن كما وضع غطاء على حاسوبه. لقد حاول مرة أخرى مع الأب بغونو مساعدة لاجئ غير شرعي للحصول على جواز مزور. فتعاون لأول مرة مع الألباني احد أعضاء المافيا. وفشل في مهمته. محاولة إنسانية أخرى مع "سري" أو سريمانتا السريلانكية التي لم تكن في حاجة للعمل في حقول والدها وأكملت تعليمها الجامعي في بلدها. سري، ألأرملة التي فقدت زوجها في الحريق، لم تملك نقودا كافية لدفنه في بلدها، وهي التي كانت تقوم بأعمال بمدينة ليون، ترفض الأيادي البيضاء القيام بها. باسم بديله نيكولا مغتان، أرسل مولدر مالا لمساعدتها. البديل هو الذي يوسوس في أذان مولدر وضميره الذي يؤنبه. كان مولدر يقوم كذلك بزيارات اجتماعية للفتاة الصغيرة، ضحية الحريق والمتعلقة بالكلب التي كانت تعالجه عند مرضه ولا يقبل غيرها للعناية به. محاولات كثيرة لمد يد المساعدة لكنها تنتهي بالفشل. لا لشيء وإنما لجهله بنمط حياة وثقافة هؤلاء الناس. لم يستطع بماله تغيير حياتهم إلى الأحسن فعفة وعزة نفوسهم تمنعهم. تورط مولدر مرتين مع الشرطة، الأولى عندما صرح باسم بديله، نيكولا مغتان، والثانية عند تواجده وسط مظاهرات و احتجاجات الغاضبين و المستائين من أوضاعهم السيئة. أرسلت الشرطة في طلبه. لكن الشرطي أستاء منه: " تمنيت طردك من البلد لكن مع الأسف لون بشرتك يمنعني".

برواية المتجول برهن فان ديس أنه كاتب ملتزم. رغم أنه عالج ثيمة صعبة ومعقدة شيئا ما لكنه استطاع أن يحبك قصة غنية. وبأسلوبه الساخر تمكن من إبراز معانات المهاجرين الأفارقة وتكدسهم في بنايات غير صالحة للسكن وسوء المعاملة التي يلقونها وممارسة العنصرية ضدهم. وعكس هذا الوجه الآخر لهذه الثيمة التي تجسدت في ألتوق إلى المحبة والأمان.

جعل الكاتب، الشخصية الرئيسة، مولدر يكتشف باريس وسكانها بمساعدة صديقه الكلب حيث من خلال جولاته اليومية تعرف على أناس من طبقات أخرى كان يجهل وجودهم، أناس بدون مأوى وآخرين فقراء معدمين و مهاجرين غير شرعيين و فقراء ضواحي باريس المهمشين. لقد ملئوا وحدته كما تعلق بالكلب بالرغم أنه كان لا يجرؤ النظر في عينيه. فيرمي الغطاء على رأس الكلب الذي يكشف بدوره عن عينيه. كان الكلب يعاتبه بنظراته. يسأله مولدر:" ماذا تريد مني؟" يصمت الكلب. لكن عينيه تقول:" ترى إنسانا يموت مداسا وأنت منشغل بثنية في سروالك. تعطي مالا للمتسولين لكن لا تجرؤ على مصافحتهم. تتأنق للآخرين لكن لا تترك أحدا يتقرب منك. تسخر من السكارى وأنت تشرب زجاجتي نبيذ". هذا الكلب فتح عيني مولدر على عالم غير عالمه. لكن في النهاية اضطر أن يتخلى عنه للفتاة اليتيمة، ضحية الحريق التي يبدو أنها بحاجة له أكثر منه. وكانت النهاية أنه سار وحيدا وقد رأى وسمع كل شيء بعدما كان "الكلب" هو الشاهد على كل شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة