الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابعاد الوجود العسكري الاميركي في الخليج والاتفاقية الامنية العراقية الاميركية

سهيلة عبد الانيس

2008 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يدور الكثير من الجدل حول الاتفاقية المزمع توقيعها بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، التي ستحدد الملامح بعيدة المدى للعلاقة بين الجانبين لاسيما على الصعيد الأمني ، ورغم كون الاتفاقية ثنائية الإطراف إلا أنها تحوي قدراً كبيراً من المضامين ذات الصلة بالأمن الإقليمي والخليجي منه على وجه الخصوص ، وإذا ما سارت الأمور على النحو المخطط لها فستولد من رحم هذه الاتفاقية صورة جديدة لخارطة توزيع القوة السياسية في المنطقة بل ربما تلامس تداعياتها بعيدة الأثر الوظيفة الجيوبوليتيكية لبعض القوى الإقليمية .
ترمي الاتفاقية والمعروفة باسم "اتفاقية وضع القوات" (Status of Forces Agreement) إلى وضع أسس قانونية لتواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية بعد 31كانون الأول 2008 ،وترى الحكومة العراقية من جهتها بأن الاتفاقية ستضع نهاية لبقاء العراق تحت تدابير مجلس الأمن الدولي وفقاً للفصل السابع وتعيده بالتالي إلى وضعه القانوني السابق للقرار المرقم (661) الصادر في 6 آب 1990 حيث ينتهي مفعول هذا القرار ويعد بذلك مكسباً سيادياً للعراق ، الى ذلك سيحصل العراق في حال التوقيع على الاتفاقية على مكسبين مهمين الأول هو خروج العراق من الوصاية الدولية ، وثانيهما جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من المدن أولاً في يونيو المقبل ثم من العراق مع نهاية عام 2011 .
يحدثنا التاريخ القريب ان العراق ليس باول دولة توقع مثل هكذا اتفاق مع دولة عظمى كالولايات المتحدة فعلى صعيد دول الخليج " موضوع البحث " نجد ان جذور التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج واضحة للعيان فالمملكة العربية السعودية هي اول من دشنت الروابط الدفاعية المشتركة ، ففي 1945 أبرمت السعودية اتفاقية تسمح للولايات المتحدة ببناء قاعدة جوية في "الظهران" واستهلت بذلك عصراً بارزاً من التعاون العسكري الأمريكي- السعودي ويبلغ حجم القوة العسكرية الاميركية البشرية فيها مابين 300 و500 عسكري أمريكي. الى ذلك يذكر ان عدد القوات الأمريكية المنتشرة في السعودية حتى انتهاء العمليات الرئيسية للحرب على العراق بلغ نحو 8500 عسكري اميركي. ولحقت البحرين بالسعودية في هذا الشأن فوقعت بعد الانسحاب البريطاني منها في1971 اتفاقية مع الولايات المتحدة تقوم بموجبها بتوفير تسهيلات للبحرية الأمريكية، وفي 1991 وقع البلدان اتفاقية أشمل للتعاون الدفاعي مدته عشر سنوات نصت على تقديم تسهيلات اكبر للقوات الأمريكية ومنحها الحق في التموضع المسبق لمعداتها وعتادها ، ويتمركز نحو 3000 عسكري أمريكي في "قاعدة الجفير العسكرية" القريبة من المنامة التي تضم مركز قيادة الأسطول الخامس وميناء سلمان و"قاعدة الشيخ عيسى الجوية" ومطار المحرق. أما سلطنة عُمان فقدمت للقوات الأمريكية تسهيلات عسكرية باستخدام المرافئ والمطارات العُمانية حسب الاتفاقية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة1980 كما أن الاتفاقية أتاحت إقامة منشآت في جزيرة مصيرة والثمريات والسيب لاستخدام سلاح الجو الأمريكي فضلاً عن منشآت أخرى لقوات البحرية الأمريكية ، ويصل عدد القوات الاميركية في السلطنة إلى أكثر من 270 جندي اميركي.وعقدت الكويت اتفاقاً مع الولايات المتحدة في 1987 تقوم بموجبه الثانية بحماية إحدى عشرة ناقلة نفط كويتية بعد ان تعرضت للتهديد من طرف قوات البحرية الإيرانية إبان ما سمي بـ"حرب الناقلات" خلال الحرب العراقية - الإيرانية في الفترة 1986- 1988 ، في1991 وقع البلدان اتفاقية للتعاون الدفاعي قدمت الكويت بمقتضاها تسهيلات واسعة للقوات الأمريكية كما وفرت لها قواعد تمركز جوية وبرية ومستودعات تخزين للمعدات والعتاد فضلاً عن استضافة الآلاف من القوات الأمريكية بغرض حماية الأراضي الكويتية من أي تهديدات عراقية، ويوجد في الكويت نحو 25 ألف عسكري أمريكي حسب تقرير االتوازن العسكري لعام2006. و أبرمت قطر اتفاقية في 1992 وفرت بموجبها تسهيلات للقوات الجوية والبحرية الأمريكية وتخزين المعدات والعتاد للجيش والقوات الجوية على أراضيها وفي نهاية 1996 بدأت الولايات المتحدة تشييد "معسكر السيلية" وفي 2001 منحت قطر للولايات المتحدة حق استغلال "قاعدة العديد الجوية" التي تعد من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية خارج حدودها ، ويذكر "تقرير مجلة جينز الدفاعي" 2006 أن تكلفة بناء هذه القاعدة بلغ نحو 1.4 مليار دولار، و يبلغ عدد القوات الاميركية فيها نحو 6540 عسكري . ووقعت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً اتفاقية للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة 1994 سمحت لها استخدام منشآتها الجوية وكذلك موانيها لرسو القطع البحرية الأمريكية وتزويدها بالخدمات اللوجستية ويصل عدد القوات الأمريكية فيها الى مايقارب 1300 عسكري.

بعد هذا العرض السريع يشير واقع الأمر أن الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست كانت تتركز في توفير التسهيلات العسكرية المحدودة والمؤقتة، إلا ان اندلاع حرب الخليج 1990-1991 شكل تحولاً نوعياً في هذه الروابط فتخلى الطرفان عن مفهوم الوجود العسكري "المستتر" وتم نشر القوات الأمريكية على أراضي دول الخليج على نطاق واسع وإقامة قواعد عسكرية وتجهيزات شبه دائمة.
وكان لاحداث الحادي عشر من ايلول 2001 اثره في احذاث تحول آخر في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة إذ غدا ذلك الوجود أكثر عدداً وأوسع انتشاراً ، فالولايات المتحدة عندما شرعت في الحرب ضد طالبان 2001 قدمت كل دول الخليج التسهيلات اللازمة للعمليات الأمريكية وخصوصاً سلطنة عُُمان وقطر والبحرين والسعودية.
وبعدها وفي سياق الاستعدادات الأمريكية لشن الحرب على العراق 2003 لعبت الكويت دوراً رئيسياً في خطة الحرب إذ تمركز فيها نحو 150 ألفاً من جنود التحالف وانطلقت منها هذه القوات في الهجوم على العراق.
وتعد الكويت اليوم المحطة الرئيسية لتناوب القوات الأمريكية في العراق كما أنها (إلى جانب قطر) التي تعد أهم مستودع للمعدات والأسلحة الأمريكية في المنطقة.
على هذا يمكن القول انه لاتوجد دولة خليجية تخلو من وجود للقواعد والقوات الأمريكية فدول الخليج الست مجتمعة تضم اليوم نحو 40 ألف عسكري أمريكي.
في هذا المناخ نستطيع القول ان الجغرافيا الاستراتيجية ستبقى مختلة إلى ان تحل محل الجغرافيا السياسية وهذا الوضع الجيوسياسي يطرح أسئلة هامة للغاية في إطار تناول الاستراتيجية الأميركية في العالم وخطتها لتوقيع الاتفاقية الامنية مع العراق تستدعي توقفا جديا ، فالادارة الاميركية الجديدة ستضطر الى التعامل مع القضايا المرتبطة بماضي رامسفيلد ومعالجتها وعملية اعادة تنظيم القواعد العسكرية الامريكية واستعراض الوضع العالمي لا تضع في اعتبارها بعض الشؤون والمسائل العسكرية مثل الضعف الدائم للقوات الامريكية في «غوام» حيث يجري في الوقت الحاضر بناء القوات الامريكية بشكل كبير وكذلك مستقبل القواعد الامريكية في العراق على المدى الطويل ولعل الشيء الاهم هنا هو التوتر الكبير ان لم يكن التناقض في الفلسفة الخاصة بهذه العملية والتي جرت بقيادة رامسفيلد، اذ ان هناك وجهتا نظر بهذا الخصوص، فمن جهة يتحدث مهندسو هذه العملية الخاصة باستعراض الوضع العالمي بشكل متفائل عن بناء شبكة عمل ذات قاعدة عالمية لحرب طويلة الامد ضد الارهاب على جبهات عدة ، لذلك يتطلب الامر التعاون مع عدد كبير من الدول الشريكة ، من جهة اخرى ترمي تلك العملية الى تقليل آثار تواجد الولايات المتحدة عبر البحار وما ورائها لاسيما في المانيا وكوريا ، ولتجنب بناء قواعد كبيرة في اماكن اخرى حتى مع ظهور الحاجة الى قدرات جديدة محددة ومعظم التسهيلات الجديدة كما هو الحال في رومانيا وبلغاريا واجزاء كبيرة في افريقيا يجب ان تكون مرنة ومؤقتة في الوقت ذاته وتبقى القوات الامريكية بشكل اكبر في البلدان التي لديها تقليد والتزام قوي وبعيد الامد بالسماح للولايات المتحدة باستخدام تلك القوات بشكل مستقل مثل بريطانيا واليابان، ويقدم الوجود الامريكي في العراق استثناء لهذا الاتجاه ولكنه من المهم تذكر ان معظم الدوافع التي من اجلها تم تأسيس عملية استعراض الوضع العالمي في الفترة ما بين عامي 2002 و2003 جاءت عندما لم يكن يتوقع ان يشكل العراق التزاما عسكريا بعيد الامد بالنسبة للولايات المتحدة ، والتناقض الموجود في هذه الفلسفة ينبع من حقيقة «ومثلما تعلمنا في العراق» ان وجود شراكة فعالة ومؤثرة في الحرب على الارهاب يتطلب التزاما للامن بعيد الامد بالنسبة للحلفاء، وتحقيق اكبر قدر ممكن من المرونة بالنسبة للولايات المتحدة امر مرغوب بالنسبة لها ولكنه يجب ان لا يذهب بعيدا الى حد تقليص رغبة الولايات المتحدة في الوقوف الى جانب اصدقائها ومساعدتهم في تحقيق الاستقرار وحماية بلدانهم على المدى الطويل، وتكمن الانباء الجيدة في امكانية الادارة الامريكية القادمة في تصحيح هذه المشكلة عن طريق الابتعاد عن الاسلوب الخطابي والاداري للرئيس جورج بوش وادارته وضمان انها تعمل من اجل دعم القدرات الامنية لحلفائها وتقديم المساعدة لها من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل والادوات ، لكن هذا الوضع يتطلب الاهتمام والانتباه جيدا ، ورغم ان الجميع يتحدث عن عملية استعراض الوضع العالمي ودورها في تعزيز قدرات الولايات المتحدة في الخارج فيما وراء البحار وتحسين قدراتها في مجال الاستجابة بطرق مختلفة الا ان الواقع يبين ان هناك العديد من الجهات حول العالم تنظر الى وجود اتجاه لتقليل الالتزامات الامريكية في الخارج انطلاقا من الرغبة الامريكية في الحفاظ على المرونة وضمان ان الولايات المتحدة لا تريد التدخل في القضايا والمشاكل الداخلية والاقليمية لحلفائها ومعظم الاستراتيجيين والقادة الامريكيين لايزالون ملتزمين بالشكل التقليدي الخاص بالارتباط بالشؤون العالمية بما فيها الدعم القوي للحلفاء والشركاء المهمين الاخرين.
ويرى الكثيرون ان على الادارة الامريكية القادمة العمل على اعادة تأسيس الادراك الصحيح بخصوص النوايا الامريكية والاعتمادية الامريكية خصوصا في الاماكن والمواقع التي ثبت فيها سوء تلك النوايا، وسيكون امام هذه الادارة فرصة جيدة لمخاطبة ومعالجة جميع القضايا بشكل ناجح فضلا عن اجراء مراجعة شاملة ناجحة للموقف الامريكي العالمي .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة