الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الأنفاق هل أصبحت أمراً واقعاً؟!

زياد جرغون

2008 / 12 / 16
القضية الفلسطينية


لم تعد ظاهرة الأنفاق برفح جنوب قطاع غزة المحاصر تأخذ الطابع السري، بل أصبحت ظاهرة شبة علنية، والحديث بها تجده في جميع مجالس الفلسطينيين المحاصرين بغزة، ففي الأماكن العامة وسيارات الأجرة والمحال التجارية والشوارع تجد من يتحدث عن الأنفاق وما تجلبه من بضائع ومواد وتشاهد هذه السلع والمواد بجميع مناطق قطاع غزة وفي الطرقات العامة، وهذه الأنفاق هي نتيجة للحصار الظالم والجائر من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني منذ ما يقارب العامين على قطاع غزة.
إن الأنفاق في رفح جاءت في ظرف احتلالي وكرد طبيعي على قهر الاحتلال، ومن هنا تخدم مشروعيتها إسناد المقاومة، وحاليا محاولة لكسر الحصار الظالم والجائر الذي أصبح يشمل كافة مناحي الحياة بدءا من الكهرباء والماء والأدوية والمواد التموينية الأساسية وأخيرا منع تحويل النقود للموظفين.
فالأنفاق تحاول التخفيف عن السكان المحاصرين بقطاع غزة الذين تجاوز عددهم المليون والنصف. ـ وإذا تتبعنا ظاهرة الأنفاق نجدها بالظاهرة القديمة، وهي ليست ظاهرة جديدة فأول نفق أكتشف من قبل جيش الاحتلال الصهيوني كان عام 1983م، أي بعد أقل من عام من" تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1982"، أو ما يسمى عند أهل رفح مصر، ورفح فلسطين " بالفصل ". لكن الأنفاق في تلك الفترة كانت محدودة جدا وكانت سلطات الاحتلال تحاول السيطرة عليها ومنعها وهدم ما تكتشفه من أنفاق، خوفا من دخول السلاح لفصائل المقاومة المسلحة وخصوصا مع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987م.
لكن الشيء الأبرز لعمل الأنفاق قبل عام 2000م هو تهريب المخدرات والذهب، أي بمعنى الممنوعات التي كانت تدر أرباحا هائلة، ونادرا ما كان يهرب السلاح للمقاومة.
ومع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000م ـ بدأت الأنفاق تأخذ منحى آخر وهو تهريب السلاح لفصائل المقاومة، وازداد عددها وتوسع نشاطها، وعملت سلطات الاحتلال مع بداية الانتفاضة على تفجيرها حينما يكتشف أي نفق، واستشهد واعتقل العشرات ممن كانوا يعملون بالإنفاق.
لكن لم يمنع ذلك من مواصلة العمل بها، بل استمرت وتواصلت دون توقف. وعملت فصائل المقاومة على حفر العديد من الأنفاق وتفجيرها بالدبابات الإسرائيلية التي كانت متمركزة على الشريط الحدودي الذي يفصل فلسطين عن مصر.
ويبلغ طول الشريط الحدودي من البحر غربا حتى حدود عام 1967م شرقا تقريبا 13 كيلو متر، لكن المسافة التي تمتد بها الأنفاق هي تقريبا 8 كيلو متر، وتمتد من تل زعرب غربا حتى نهاية منطقة الجرادات شرقا، أي شرق معبر رفح، وهذه المسافة تربتها طينية وهي التي تصلح لحفر الأنفاق.

مع بداية الحصار الظالم والجائر على قطاع غزة عام 2006م ، بدأت تنمو وتتوسع ظاهرة الأنفاق برفح وأصبح يهرب بها المواد والسلع بأنواعها المختلفة، لكن حتى الآن لم يتم إدخال المواد الأساسية ( كالطحين ـ الأرز ـ الزيت ـ البقوليات ـ الأسمنت والحديد للبناء .....الخ )، والسبب في ذلك لأن حجمها كبير وسعرها رخيص نسبيا ولا تدر الأرباح، لكن المحروقات بأنواعها المختلفة تدخل عبر الأنفاق. لكننا نجد الأنفاق تستخدم لإدخال البضائع والمواد من جانب واحد فقط ولا يجري تصدير أي مادة أو سلعة من غزة إلى مصر والخارج مثل (الورود ـ الخضراوات ـ التوت الأرضي ـ الحمضيات ـ البسكويت ..... الخ ) ، بمعنى أن اقتصاد غزة استهلاكي 100%، والنقد يسير في اتجاه واحد فقط خارج قطاع غزة.
إن شبكة الأنفاق حاليا توسعت وعددها وصل إلى 800 نفق تقريبا، سواء الجاهزة وتعمل أو التي قيد الإنشاء، والذي يشرف ويراقب عمل الأنفاق هو بلدية رفح التي " تديرها حماس ", والأمن الوطني المنتشر على الشريط الحدودي" التابع لحكومة حماس"، لكن مع بداية شهر 12/2008م أوقفت البلدية والأمن الوطني حفر الأنفاق الجديدة ربما لكثرة عدد الموجود منها حاليا.
إن كل نفق بحاجة إلى عدد من العمال ليعملوا به ، ويبلغ عدد العمال بكل نفق من 15 ـ 20 عامل، وهؤلاء يعملوا نظام ورديات، كل وردية من 6 ـ 8 عمال وهؤلاء مهمتهم إخراج البضائع والمواد والسلع من الأنفاق. ويبلغ طول النفق من 300 متر ويصل في بعض الأحيان إلى 1500 متر، وعمق النفق من 8 متر ويصل في بعض الأحيان إلى 30 متر تحت الأرض. لكن تجد بعض الأنفاق نظام "طوابق" ، أي تجد نفق على عمق 8 متر ، وتحته نفق على عمق 15 متر ، وثالث على عمق 20 متر.
إن أصحاب الأنفاق هم من الأغنياء أو من يملكون رؤوس الأموال، والبعض يعتبرها تجارة مربحة تدر الأموال ومن خلال هذه الأنفاق يستطيع أن يشغل رأس ماله ويجني الأرباح الطائلة وفي أقصى سرعة، فتكلفة النفق الواحد تصل من 70 ـ 100 ألف دولار، وفي بعض الأحيان يزيد المبلغ عن ذلك.
ويوجد بالنفق أكثر من شريك ويدار عبر الأسهم، ويجري توقيع العقود لدى محامين ومن خلالهم يحدد سعر كل سهم وعدد الشركاء ونظام توزيع الأرباح على المساهمين. فتحة النفق في الجانب المصري تسمى " عين النفق "، واسم المشرف على هذه العين يسمى " أمين " ويكون جنسي المصرية وفي الغالب من سكان رفح سيناء، ويكون نصيبهم نصف أرباح النفق. ومهمة الأمين المسؤولية عن هذه العين، وإنزال البضائع في العين والمحافظة عليها.
يقدر البعض بأن الاستيراد الشهري عبر الأنفاق يتراوح ما بين 35 ـ 40 مليون دولار ، مع العلم بأنه لا يتم تصدير أي سلعة أو مادة لخارج قطاع غزة، أي أن الاقتصاد في قطاع غزة استهلاكي، والنقد يخرج من قطاع غزة باتجاه مصر والخارج فقط، وتقدر الأرباح التي يجنيها أصحاب الأنفاق والعاملين بها سنويا من 200 ـ 300 مليون دولار.
عملت بلدية رفح مع بداية شهر 9/2008م ، بجباية رسوم من أصحاب الأنفاق تحت مسمى " نشاط تجاري عبر الحدود" ، ويدفع كل صاحب نفق مبلغ 10000 آلاف شيكل ( ما يعادل 2700دولار)، ومن لم يدفع يمنع من استكمال حفر نفقه، أو يغلق نفقه إن كان يعمل، وتقول البلدية بأن هذه المبالغ يتم جبايتها من أجل تأمين مرتبات الموظفين والعاملين بالبلدية، وسد النفقات التشغيلية للبلدية.
وفي نفس الإطار تقوم شركة الكهرباء بفرض رسوم اشتراك كهرباء " 3 فاز " على كل نفق، لأن كل نفق بحاجة إلى خط كهرباء، ورسوم اشتراك الكهرباء تبدأ من 1000 شيكل ويصل المبلغ إلى 3000 شيكل ما يعادل (800 دولار). وتقوم مصر بشكل مستمر بتدمير بعض الأنفاق وفي بعض الأحيان تمنع وصول البضائع إلى الشريط الحدودي من الجانب المصري وما تضبطه يتم مصادرته، لكن في أغلب الأحيان يتم غض الطرف من قبل مصر عن البضائع المهربة التي تصل إلى قطاع غزة، وأيضا تغض الطرف عن الأنفاق الموجودة بالشريط الحدودي الذي يفصل بين فلسطين ومصر.
غالبية الأنفاق تحولت من عمل سري إلى عمل علني، لكن هناك عشرات الأنفاق ذات طابع سري، وأصبحت شبكة الأنفاق صناعة يوجد متخصصون بعمل الأنفاق بدءا من " القطيع "، ومن يحدد وجهة النفق، والعامل، والمشرف على إخراج البضاعة، مرورا بمن يقوم بعمل صيانة لهذه الأنفاق بشكل مستمر.
وتحصل عشرات المشاكل بين أصحاب الأنفاق لدخول الخطوط على بعضها ويجري حلها عبر أشخاص متخصصون بحل مشاكل الأنفاق. نسبة كبيرة من أصحاب هذه الأنفاق هم من صغار السن من 25 سنة حتى 40 سنة، ودافعهم جني الأرباح بأقصى سرعة ممكنة. وهم من جمهور حماس أو المحسوبين عليها، أو أشخاص عاديين ومن بعض التنظيمات الأخرى، أو من التجار ورؤوس الأموال. يبلغ عدد العمال الذين يعملون بالأنفاق أكثر من 12 ألف عامل ، ومستثنى من ذلك من يعملوا بالتجارة والنقل والتوزيع. وهؤلاء العمال من جميع مدن ومخيمات قطاع غزة، لكن النسبة الأكبر منهم من محافظة رفح وخان يونس. وتوجد نسبة من هؤلاء العمال من صغار السن " الأطفال".
حاليا تدخل المواد والسلع والبضائع بكافة أنواعها، لكنها تعتبر أسوأ البضائع وبأغلى الأثمان، وما يصل مرتبط بحجم الأرباح التي تحققها. وبعض الأنفاق والتجار يقوموا بإدخال السلاح وبأنواع مختلفة وذلك لمد فصائل المقاومة بالسلاح والعمل بشكل مستمر من أجل تطوير سلاح المقاومة، وجاري العمل من قبل أصحاب الأنفاق على توسيع بعض الأنفاق من أجل إدخال المواد الكهربائية كبيرة الحجم وتوسيع حجم التهريب ليشمل مختلف المواد والسلع التي بحاجة لها سوق غزة الاستهلاكي.
الغالبية العظمى من السلع والمواد التي تهرب وتدخل غزة سعرها أضعاف مضاعفه مقارنة مع سعرها بغزة قبل الحصار. لكن هناك بعض السلع والمواد المحدودة أسعارها تقترب من نفس سعر السلعة قبل الحصار. فباستثناء المحروقات ( السولار ـ البنزين ـ الكاز)، والتي تدخل عبر تمديدات أرضية " برابيش"، فهي سعرها أقل من مما يصل من إسرائيل بأكثر من النصف.

و تجري محاولات من قبل أصحاب الأنفاق لإدخال غاز الطهي، عبر تمديدات " مواسير حديد " وأجهزة ضخ متطورة.
البضائع التي تدخل عبر الأنفاق هي بضائع مصرية ـ صينية بالأساس ومن بعض دول الخليج وليبيا والسودان.
من ايجابيات الأنفاق:
تعتبر الأنفاق مصدر لمد المقاومة بالسلاح، وأيضا تطوير نوعية السلاح وكميته، وتساهم إلى حد ما في التخفيف من الحصار الظالم والجائر، وعملت على توفير المحروقات بسعر أقل من النصف مما يصل من إسرائيل، وتوفير السلع والمواد الغير متوفرة حاليا بقطاع غزة. وأصبحت الأنفاق تعتبر مصدر للدخل للعاملين بها حيث يعمل بها بين عامل وتاجر وصاحب نفق أكثر من 15 ألف شخص. وهؤلاء العمال نتيجة لتقطع السبل بهم وارتفاع نسبة البطالة ولا وجود لاماكن عمل بغزة مما أضطرهم للعمل بالأنفاق بالرغم من خطورتها، والعمل بها يشبه لعبة الموت. حيث لا حقوق للعاملين بالأنفاق.
لكن إذا تحدثنا عن سلبيات الأنفاق نجد أن الأنفاق حولت قطاع غزة إلى سوق استهلاكي فقط حيث لا يتم تصدير أي مادة أو سلعة عبر الأنفاق، مما ينذر بأزمة نقود بقطاع غزة كونها تذهب إلى خارج القطاع. وعملت على إضعاف الاقتصاد الوطني وخاصة قطاع الصناعة بالرغم من محدوديتها.
خففت الأنفاق الضغط على إسرائيل لفتح المعابر ورفع الحصار، وتعمل إسرائيل عبر محاولات تدريجية للتخلص من قطاع غزة وزجه في وجه مصر، وعبر المحاولات التدريجية يتم ربط قطاع غزة بمصر اقتصاديا، وتهدف إسرائيل من ذلك عزل قطاع غزة والتنصل من مسؤولياتها كدولة احتلال مسئولة عنه، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والقدس.
إن الأنفاق تعمل على تهديد حياة العاملين بها حيث توفي 49 شخص فلسطيني داخل الأنفاق، منذ بداية العام الحالي، لانعدام وسائل الأمان، وعدم توفر معدات الإنقاذ.
ارتفاع أسعار السلع والمواد التي يجري تهريبها وهذا ناتج عن جشع التجار وأصحاب الأنفاق، وأيضا إلى الضرائب والرسوم التي تفرضها البلدية وحكومة حماس، وعدم وجود رقابة على السلع والمواد تمنع الاحتكار وغلاء الأسعار، أي بمعنى أن الأنفاق وفرت المواد والسلع لكن أسعارها ليست في متناول المواطن العادي العاطل عن العمل والذي لا مصدر دخل له وهذا خلق أزمة جديدة لدى المواطنين بغزة، فأصبحت الأسواق مكتظة بالبضائع لكن الغالبية العظمى من المواطنين غير قادرين على الشراء نتيجة الارتفاع الفاحش بالأسعار.
وتعمل الأنفاق على توتير العلاقة مع مصر بشكل دائم، فمصر تحاول غض الطرف عن التهريب عبر الأنفاق، لكن يجري بين الفينة والأخرى تدمير بعض الأنفاق، وضبط بضائع مهربة داخل مصر ويتم مصادرتها، واعتقال مهربيها، وهذا الوضع يخلق توترا دائما مع مصر.
إن الأنفاق حاليا ليست خيارا فلسطينيا، وإنما هي حل للأمر الواقع الذي يجب أن ينتهي بأقصى سرعة، ويجب ألا يدوم طويلا. ومن هنا يجب الضغط لإنهاء الانقسام الفلسطيني ـ الفلسطيني والعودة إلى طاولة الحوار الوطني الشامل الذي يجمع جميع القوى الوطنية والإسلامية، وإعادة إحياء العامل الذاتي الفلسطيني، وعدم الانتظار للعامل الخارجي، أو المراهنة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية أو قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة أوباما.
ووحدة العامل الذاتي الفلسطيني هو القادر على كسر الحصار الظالم والجائر عن قطاع غزة. فيجب العمل على إعادة بناء الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، فالانقسام طريق الفشل وضياع الحقوق الوطنية معا، والوحدة الوطنية طريق النصر والتحرير، طريق النصر والاستقلال والعودة، ومن هنا يجب أن نضغط موحدين على سلطات الاحتلال لفتح المعابر التجارية ورفع الحصار الظالم والجائر عن قطاع غزة، وأيضا مطالبة مصر بفتح معبر رفح الحدودي بشكل دائم.
يجب علينا أن نستعيد وحدتنا الوطنية وأن نستعيد وحدة شطري الوطن من أجل استكمال مهمة التحرير وإقامة الدولة المستقلة وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم ،ويجب العودة إلى قرارات الإجماع الوطني اتفاق القاهرة، ووثيقة الوفاق الوطني، ومن خلالهما نستطيع أن نكسر الحصار الظالم والجائر عن غزة، ونستكمل مشوارنا النضالي والتحرري في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، مع ضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها.

* عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا