الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عباس اليوسفي في محنته: مبكرا وصلتك أيها الموت وبدل أن تسعى سعيت اليك

حسام السراي

2008 / 12 / 21
الادب والفن



الإنتكاسة الصحية الخطيرة التي مرت بالشاعر والأكاديمي د.عباس اليوسفي ،منعته من التواصل مع المشهد الثقافي ومع مشروعه الشعري الذي بدأ فيه قبل ما يقارب العقدين من الآن، فالرجل بالكاد يتذكر أصدقائه ويحييهم بهز رأسه وايماءاته المرتجفة ، بعد إصابته بجلطة دماغية وقلبية ألّمت به،وجعلته في حالة شلل شبه تام ، عجزت خلالها عائلته عن معالجته في مستشفيات بغداد الحكومية ، خاصة وان الإمكانات الصحية فيها خجولة ،مما يستدعى علاجه خارج العراق ، لإعادة حياته الى ما كانت عليه، من حضور شعري وعلاقات حميمة مع طلبته في الجامعة التي كان يحاضر فيها ، ومازالت جدرانها وممراتها تتذكر خطواته الدؤوبة فيها .
(في إنتظار حياة من تنادي!)
أدباء وكتاب ناشدوا من على صفحات عدد من الصحف العراقية والمواقع الألكترونية لمساعدة الأديب العراقي د.عباس اليوسفي في وضعه الصحي الحرج ، دون جدوى أو استجابة تذكر، آخرها دعوة شقيقه القاص عبد علي اليوسفي الجهات المسؤولة في العراق للإنتباه الى حال أخيه المقعد منذ مايقرب العامين .
وبدأت المناشدات منذ دخوله مستشفى الجملة العصبية ببغداد ، إثر اصابته بالجلطة بتأريخ 18-12-2006، حيث عبر مثقفون عراقيون من بغداد وعواصم الشتات العراقي ، عن قلقهم البالغ حيال مايمر هذا المبدع المنسي ،موجهين نداءات استغاثة وتضامن تطالب بمد يد العون والرعاية لواحد من الأدباء
والمبدعين العراقيين، كمثقف وأكاديمي ملتزم ،معروف بمحبته لوطنه وبمواقفه الشجاعة والمبدئية في زمن الدكتاتورية وما تلاها ،ومن أبرز ماكـُتب ، مقال لصديقه الشاعر العراقي فرج الحطاب بعنوان ( من أجل عباس اليوسفي :أعيدوا الحياة الى جسده المعطوب ولسانه الذي صمت وابتسامته التي اختفت في عتمة اليأس ) ، وجاء فيه: "ان عباس اليوسفي الان هو طريح فراش المرض بانتظار اليد البيضاء القادرة على انتشاله من محنته. لنكن احياء بقوة امام جميع انواع الموت،هذا الموت الذي لن ننجح بازاحته من دون اهتمام ورعاية لابناء هذا البلد بشكل عام ولكفاءاته بشكل خاص. لا اصدق بان وطني العراق يصبح قاسيا الى الحد الذي يمتلىء بالموت والموتى دون ان يلتفت الى الحياة " .
في حين وجه الشاعر العراقي المقيم في الدنمارك سليمان جوني رسالة الى رئيس الجمهورية العراقي جلال الطالباني بعنوان "قلب اليوسفي ... انتظار يد الله" ، والتي أورد فيها:" قلب اليوسفي ينبض برفق بانتظار الشمس ، ولكن من يقوى على ما يحدث ، ما أخشاه أن يتوقف هذا القلب الذي أدعي انه اجمل من ليلة النفط مقابل الغذاء ، أجمل من نهار سقوط الصنم ...... قلب اليوسفي الان في مستشفى الجوادر ،في مدينة الصدر بانتظار يد الله ، لتمتد اليه ،هل بامكاني ان ادعي ان يد الله هي يد الدولة ، معذرة سيادة الرئيس اترك لي أن أقترح ذلك " .
ومن مونتريال كتب الشاعر عيسى حسن الياسري، ضمن حملة نداءات أُطلقت خلال العامين الماضيين
:عباس اليوسفي في كل مواقفه كان مبدعا حقيقيا ورائعا.. ومن المؤلم الا يهتم به اولئك الذين يمثلون الثقافة.. وكم تمنيت ان يكون لمؤسستنا الثقافية التأثير الذي وجدته عند مؤسسات العالم الثقافية ومدى اهتمامها بمبدعيها ،حتى يتحقق لنا هذا الفعل الثقافي المؤثر " .
(رحلة الى أطراف بغداد: مسكن اليوسفي)
اليوسفي الذي أحبط بعد كل هذه المساعي غير المجدية، لإنتشاله مما حل بيداه وقدمه اليمنى وفقدانه النطق السليم (بسبب الجلطة)، لم تخفف من اعباء وضعه هذا وتبعاته الصحية والمادية،إلا زيارات بعض الأصدقاء من الأدباء والكتاب العراقيين،الذين لم ينفكوا عن الإطمئنان عليه ومتابعته تطورات حالته.و كان الوصول الى بيت الأديب اليوسفي في بغداد، يعد رحلة بحد ذاتها، كونه يقع في أطراف بغداد (قرب السدّة) وهي من المناطق الساخنة والخطرة جدا قبل عام من الآن ،ولدى بلوغ بيته والدخول الى غرفته حيث يرقد على فراشه متوقفا عن الإبداع الذي يعني له حياته برمتها ،لترى حركات جسده حينها ،توحي بسعادة غامرة ، وكأنه يريدنا أن نبقى لأعوام في ضيافته ، فالرجل يفتقد الزيارات المتكررة لأحبائه واصدقائه ، كون منطقة سكناه لاتتوسط بغداد،كما ذكرنا، وأخذ ينطق بشكل متقطع " لا أقوى على الكلام ... هذا حالي " ، بينما أعاد شقيقه مطالبته للمسؤولين العراقيين بأن يهتموا به ، كمبدع عراقي أولا وأكاديمي ثانيا .
في تلك الزيارة رافقنا الناقد بشير حاجم الذي إستصحبنا الى بيت اليوسفي المتواضع، وهو يذكرنا بما أهم ما كتب عن اليوسفي كشاعر عراقي تسعيني .
(اليوسفي ... الأنا الشاعرة )
ولخضوع الشعر العراقي لظاهرة التجييل ، فإن اليوسفي يعد من جيل التسعينات ، له خصوصيته في كتابة قصيدة النثر ، أصدر عام 1996 ديوان "اليوسفيات" ، وفي عام 2007 أصدر ديوان "مسلة الطيور ". في مجموعته الأولى ، يظهر لنا الشاعر قدرة كبيرة علر رسم الصور الآخاذة بتعبيرات مكثفة وخاطفة ، تستنهض موسيقى تتسرب الى الأعماق بقوة ، خالقة ذلك التواصل مع المتلقي، ومن ثم تعمل على إدامته بما تحدثه هذه الومضات الشعرية في نفس قارئها .
مجموعته الأولى "اليوسفيات " صاخبة منذ الإهتداء الذي يتقدمها: "للأصدقاء على حين غرة تسرقهم من بين أيدينا شهقات جنونية " ، ومما علق منها في الذاكرة :"أثامي لها مرتكبون عدة / لم أفلح / أن أكون واحدا منهم! ...."متى تستريح / أيها الزمن الواقف / فوق رؤوسنا ؟!" ...."صباح يغلي هذه الوجوه / ومساء مرتبك/ ونهار ليس بحوزته/ ثمن قيلولة واحدة " .... "كلما أبصر هذا الكم الهائل / من النجوم التي لاتضىء/والتي لاتتقن غير ثرثرة الكؤوس / أخال صوتي وتدا/ وهذه المفازة لاتضمني!" ..... "سلاما / للدواوين الراكدة في المتاحف / للأسماء الحيّة/ في ضمائر الموتى /للأحياء من الموتى / للأصدقاء حين مضوا/وتركوا قلوبهم في الجعب / ت ن ا د ي" .
مايثير الدهشة في مجموعته الثانية "مسلة الطيور "، انها مكتوبة بلغة المتنبيء بما سيحل به من مرض يؤجل مشروعه الإبداعي الى إشعار آخر ، فيقول في نص 18/12 من ديوان "مسلة الطيور" : مبكرا/وصلتك أيها الموت/ دون تجاعيد / دون ثلوج/ دون أي شيء / دون كل شيء / وصلتك /بيدين حازمتين/ حززت عرشك/وبدل أن تسعى / سعيت اليك ".
أو في نص "هذيان":"أفكر في موتي/هل سيصمت طويلا عليّ/في أشكال تابوتي الهندسية / في الزهور التي ترمي/في أعدائي /وهم يبكون دمّا وحسرة /في أصدقائي/يسيرون على مضض خلفي " أو تلك النصوص الفجائعية التي تصرخ فيه أناه " قيامتي / ياقيامتي / الى متى تقومين/ تنبذين جلوسك المر / متى / ياقيامتي " ، أو "حروب كثيرة / تتوّسد أيامي / تتوّسدني / كأن
لاحبور لي سواها / كأن السلام /نزع السلام/ فإرتدته الحروب " ، ونصوص أخرى يبدي فيها الشاعر قلقا إبداعيا من الوجود والحياة ..."كنت أؤكد للحمامة / ان السلام رهين أجنحتها البيض/ أؤكد لها /ان جهشاتي بلا أقدام /بلاذبذبات / وانها الوحيدة بطغيانها" ...."يوما ما /ككلب وحيد أغرد/أنوح ككناري/ أصلب جوعي / خوفا يعود يوما يسألني /يوما ما / ساقتني إمرأة / لتقبر بهجتي ".
في نصوص اليوسفي ، صور سردية تظهر مأساوية الراهن العراقي وفداحته ، تتسم نصوصه المكتوبة قبل أعوام، بتجددها وحيويتها، وكإنها إبنة لما استجد من حزن عراقي ،أطبق جحيمه على البلاد في اللحظات الحرجة. وكتب الناقد العراقي د.محمد صابر عبيد في توطئته لديوان اليوسفي ،" مسلة الطيور ... بعد اليوسفيات فيها الكثير من الإضافات النوعية على أكثر مستويات التعبير الشعري بمختلف أدواته ،لاسيما تلك الإلتفاتات المدهشة الى أحوال الأنا الشاعرة وخصوصيات وضعها الشعري ".
(واقع المثقف العراقي واليوسفي مثال صارخ )
كان نبأ اغتيال المفكر العراقي كامل شياع قبل مدة بكاتم صوت، صاعقا لكل المثقفين العراقيين ، الذين عرفوا الكامل أم لم يعرفوه عن كثب ، وكان ذلك بمثابة جرس انذار لكل المشتغلين في الإنتاج الفكري والثقافي ، ينبه الى ضرورة وجود مشروع تنويري ينزل الى الطبقات الإجتماعية جميعها، ويخاطب عقولها ويهدم معاينتها للحروب ولويلات الدكتاتورية وما آل اليه العراق بسبب مألوفيتها لديه، وأن نملك الإيمان بالعمل التراكمي ،وبمد الجسور مع كل المثقفين في العالم ليكونوا أصداء أمينة لأصوات من هم في العراق ،ويبقى المثقفون وبالذات في العاصمة بغداد ، رافعين أعلى أصواتهم آملين من الدولة تقديم العون لرموزها وأسماءها الإبداعية ، ومنهم د.عباس اليوسفي ،لمساعدته ، كي لا يكون للكلام عن مجلس أعلى للثقافة في العراق مرتبط بالدولة ، بلا معنى أو فائدة ، بإستمرار صاحب "اليوسفيات " و"مسلة الطيور " قعيد الهم والحسرة ومايجلبه له المرض.
كم هي المعادلة قاسية بالنسبة للمثقف ، الظلاميون يتصيدون له الفرص لتصفيته جسديا ، والدولة منشغلة بجيشها وشرطتها ، متناسية دوره التقويمي في المجتمع .

سيرة شخصية لـ د.عباس اليوسفي :
*مواليد بغداد 1967
*حاصل على بكالوريوس آداب لغة عربية من كلية الآداب –الجامعة المستنصرية
*حاصل على ماجستير في الأدب الحديث – دراسة فنية في شعر توفيق صايغ
*حاصل على الدكتوراه بإمتياز لرسالته عن الأديب والناقد عبدالجبار داود البصري
*حاضر في كلية الآداب – الجامعة المستنصرية
*عمل أستاذا للغة العربية في الكلية التربوية المفتوحة ببغداد
*عمل مقررا لقسم اللغة العربية في الكلية التربوية نفسها
*صدر له ديواني "اليوسفيات" و"مسلة الطيور" في بغداد
*نشر عدة قصائد ومقالات وبحوث في صحف ودوريات عراقية وعربية
*عضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في