الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ضبابية بفقرات الدستور التي تتعلق بالنفط - ثانيا

حمزة الجواهري

2008 / 12 / 22
الادارة و الاقتصاد


اختصاصات الاتحادية والإقليم في القطاع النفطي وفق الباب الرابع والخامس من الدستور
2008-12-20
كان من الضروري كتابة الجزء الثاني من هذه المقالة لأن كان هناك قراءات خاطئة للجزء الأول من هذه الدراسة المتواضعة. فقد قرأها البعض على أنها موقف ضد إقليم كوردستان وليس قراءة لمعاني أو روح الفقرات الدستورية، وفي هذا الجزء سوف نتطرق لما يكمل الموضوع.
الباب الرابع من الدستور جاء بعنوان " اختصاصات السلطات الاتحادية " وفيه سبعة مواد وهي المواد من109 ولغاية115 كان من ضمنها موضوع النفط والغاز والذي ورد ذكره تحديدا في المادتين 111 و112، في حين كانت المواد الأخرى ذات طبيعة عامة كان الكثير منها له صلة بالنفط بشكل غير مباشر.
لاستنباط المنهج الصحيح الذي يحول العلاقة بين الإقليم والاتحادية إلى علاقة جدلية متوازنة تنهض بالعراق لا علاقة جدلية تناحرية، يجب الخوض في تفاصيل الواقع الموضوعي لهذه الصناعة وكل ما يجري بداخل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي بالنسبة للعراق لكي نخرج بخارطة طريق أو توزيع عقلاني لاختصاصات الطرفين وتحديد الاختصاصات المشتركة وصلاحيات كل منهما إذا كانت مشتركة. هذا الاستنباط سنقوم به من خلال واقع هذه الصناعة ووفق الدستور وليس اجتهادا منا.
مفردات الصناعة النفطية كالآتي:
1. التخطيط للاستكشاف التطوير.
2. التعاقد أو إعداد صيغ وضوابط وطنية للتعاقد مع الشركات الخدمية أو الاستثمارية.
3. عمليات التطوير والإنتاج للحقول التي تم اكتشافها أو التي كانت قد اكتشفت في فترات سابقة:
وهذه المفردة تعني توفير بيئة خدمية تخصصية وعامة تقدم خدمات متكاملة للصناعة النفطية بشقيها الأب ستريم، الصناعة الاستخراجية، والداون ستريم، أي تصنيع النفط والغاز، وهي خدمات قد يصل عددها إلى بضعة مئات تخصصية مختلفة، وأكثر منها خدمات ذات الطبيعة العامة، تقوم بتنفيذها بضعة آلاف من الشركات ذات التخصص العالي مثل شركات الحفر، أو عمليات دعم الحفر، أو شركات المسح الجيوفيزيائي، خدمات استشارية متعددة لا حصر لها، وشركات بناء صناعي (تخصص عام أو عالية التخصص)، وشركات تشغيل منشآة، هذا فضلا عن الخدمات الاستشارية في مجالات الإدارة أو إدارة المشاريع، وشركات تجهيز مختلفة التخصصات، وشركات تدريب مهني وجامعات لإعداد الكوادر لمختلف التخصصات، وشركات ذات طبيعة عامة كالنقل والخدمات الفندقية وخدمات أخرى كثير بنفس هذه الطبيعة. كما وتحتاج هذه الصناعة إلى وجود بنية تحتية ضرورية لإتمام عمليات التطوير.
4. التسويق وضخ النفط والغاز إلى منافذ الاستهلاك المحلي أو الخارجي.
5. تصنيع النفط والغاز داخل البلد أو خارجه لحساب العراق.
عند مراجعة المفردات الأساسية للصناعة النفطية نجد أن المادة114 رابعا والتي تنص على الآتي: "رسم سياسات التنمية والتخطيط العام." فهذا يعني بلا أدنى شك أن مهمة التخطيط لاستغلال هذه الثروة هو مهمة اتحادية من حيث الأساس، لكن الدستور لم يهمل دور الإقليم أو المحافظة في رسم هذه السياسات والتخطيط لها ففي المادة112 ثانيا التي تنص على الآتي ": تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار. " . نرى أن الدستور يضمن دور الإقليم والمحافظة كشريك إلى جانب الاتحادية، ولكن كون المادة أساسا تقع ضمن اختصاصات الاتحادية، فإن ذلك يعني أن المهمة أولا هي من اختصاصها. ومن الجدير بالذكر هنا هو أن الإقليم لا يحق له تعديل أو التجاوز على هذا الحق الحصري للاتحادية وفق المادة121 ثانياً التي تقع ضمن اختصاصات الإقليم التي تنص على الآتي: "يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألةٍ لاتدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية." حيث يمكن للإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي، وليس الدستور الاتحادي، أضف إلى ذلك فإن النص يحدد مرة أخرى شرطا واضحا وهو أن الأمر لا يسري على أي مسألة مختلف عليها تدخل ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وهذه المهمة وفق الدستور تأتي حصريا من اختصاص الاتحادية كما وهو واضح من النص الدستوري وموقعها في الدستور.
وحين ترد المادة111 في الباب الرابع، أي اختصاصات الاتحادية والتي تنص على أن: "" النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات."" فهذا يعني أن حماية ملكية النفط كملكية عامة للشعب العراقي تقع ضمن اختصاص الحكومة الاتحادية، وهي الجهة الوحيدة التي تمثل كل العراقيين أينما كانوا كما أسلفنا في المقال السابق، إذ ليس من الطبيعي والمنطق السليم أن يتعاقد أحد الملاك مع أية جهة للتصرف بملكية هو مشترك بها مع آخرين إلا إذا كان لديه تخويل بذلك، والإقليم أو المحافظة لا يملكان هذا التخويل من جميع أبناء الشعب العراقي، كما وأن الدستور يضمن حقوق الملكية أيضا، ولا أعتقد أن اثنين يختلفان على ذلك، أضف إلى هذا وذاك، حقيقة أن دستور إقليم كوردستان ينص صراحة بما نصت عليه المادة111 بعد التعديل الأخير الذي جرى على دستور الإقليم.
التسويق هو الآخر من مهمات الاتحادية ولا خلاف على ذلك لأنه من الوضوح بحيث لا يمكن تأويله ولا التجاوز عليه رغم أن الإقليم يهدد برسالة بعثها لمجلس الوزراء أخيرا من أن الإقليم سوف يقوم بتصدير النفط ما لم يحل الإشكال بين الطرفين خلال فترة شهر ونصف من تاريخ إصدار الرسالة أوائل شعر كانون الأول، وكأن العملية عملية لوي ذراع للحكومة الاتحادية وأن عليها القبول بما هو غير دستوري ولا شرعي ما لا لم ترضخ لمطالب الإقليم! وهذا أمر غريب جدا، حيث بالأمس كان الإقليم يعاني من سياسات لوي الذراع والتهميش أصبح هو اليوم يمارسها ضد الحكومة الإتحادية. برأي المتواضع إن سلوك الإقليم غير مقبول وأنه يضعف الحكومة الاتحادية التي نتمنى جميعا أن تكون مهابة بين العراقيين جميعا وبين الدول وخصوصا دول الجوار.
من مراجعة المواد الواردة في الباب الخامس من الدستور التي تحدد اختصاصات الإقليم، فإننا نجد أن جميع هذه الاختصاصات ذات طبيعة تنفيذية من حيث الجوهر، لأن حتى التشريعية منها هي تنظم تنفيذ اختصاصات الإقليم ولا تتجاوز على اختصاصات الاتحادية الدستورية. ولكن نجد أن النقطة3 من مفردات الصناعة النفطية هي تقريبا بالكامل ذات طبيعة تنفيذية وهذا يعني بلا شك أن الدور الأكبر يعود للإقليم أو المحافظة في هذه المساحة تعتبر الأوسع في الصناعة الاستخراجية، فهي من اختصاصات الإقليم، لكن طبعا مع مراقبة من الاتحادية لضمان سلامة التنفيذ كما أشار الدستور إلى ذلك أيضا بصراحة في أكثر من فصل أو باب.
النقطة5 من مفردات الصناعة النفطية وهي تصنيع النفط والغاز، وهي صناعة يمكن أن تكون أوسع من الصناعة الاستخراجية بعدة مرات من حيث التوظيفات المالية أو المتطلبات البشرية، فإنها بلا شك مهمة تنفيذية بطبيعتها عدا ما يتعلق بالعقود إذا كانت الشركة المتعاقد معها أجنبية، لأن المادة110 أولا تمنح هذا الحق حصريا للحكومة الاتحادية، ولكن هذا لا يعني بغياب إدارة المحافظة أو الإقليم، كما وأن هذه الصناعة تعتبر من أكبر الملوثات للبيئة وإن مسألة حماية البيئة تقع ضمن اختصاص الاتحادية أيضا وفق الدستور، لذا ينبغي أن تكون مساحة مشتركة يحكمها الدستور وقانون الاستثمار المعمول به في العراق.
مسودة قانون النفط هي الأخرى تجاوزت على الدستور العراقي بكثير، فقد أصر ومازال الإقليم الذي شارك بكتابة المسودة على فرض عقوده وأسلوبه الذي اختاره تجاوزا على الكثير من البنود الدستورية الأساسية، كما وأنه وفي محاولة منه لصرف الأنظار عن الخلافات الأساسية سالفة الذكر نحو جدل فارغ يتعلق بالحقول المكتشفة والتفسير الخاطئ لمفردة "المكتشفة"، وحتى هذه الإشكالية متهافتة أيضا، حيث تم تفسير معنى الحقول المكتشفة في مسودة القانون هي الحقول التي تم اكتشافها في السابق، وهذا يعتبر تجاوزا على اللغة التي كتب بها الدستور، حيث أن مفردة مكتشفة هي اسم مفعول، وفي اللغة يأخذ اسم المفعول زمنه من زمن الفعل، أي إذا كان فعل الاكتشاف قد تم في الماضي، فإن زمن اسم المفعول سيكون في الماضي، أي الحقول التي تم اكتشافها في الزمن الماضي، وإذا تم الاكتشاف في المستقبل سيكون معنى مفردة ""المكتشفة""، المكتشفة مستقبلا. وهكذا تم صرف الأنظار عن المعضلة الحقيقية والتي تتمثل بالتجاوز على الدستور بقضية ثانوية تفصيلية وعلى أسس خاطئة أيضا. كما وأن مسودة القانون تبيح ملكية النفط العراقي لشريك أجنبي من خلال عقود المشاركة بالإنتاج دون سبب مقنع، والمسودة تبيح سياسة الفوضى بالإنتاج، وأخيرا تجعل من العلاقة بين المحافظات والأقاليم علاقة تناحرية تزيد من التناحر الحالي الذي بلا شك سينتهي بالعراق مقسما متحاربا وربما يبتلع أجزاءه الجيران بما يملكوه من أسباب القوة العسكرية والسياسية والأعوان في الداخل، ومن الجدير بالذكر هنا أن مسألة حماية وحدة الأراضي العراقية تقع من ضمن اختصاصات الحكومة الاتحادية حصرا كما هو وارد في الدستور.
وهنا يجب أن نضع سؤالين تفرض نفسها:
• فإذا أخذ الإقليم مهمات التخطيط والتعاقد والتنفيذ والتسويق والتصنيع، أي النقاط الخمسة التي أسميناها مفردات الصناعة النفطية بالكامل، فما الذي بقي للحكومة الاتحادية من اختصاصات نص عليها الدستور؟
• إن تجريد الاتحادية من اختصاصاتها يعتبر أولا تجاوزا على الدستور على جميع العراقيين أن يرفضوه بقوة، وهو أيضا إضعافا لدور الاتحادية لحساب الإقليم أو المحافظة، ويجعل منها مجرد كيان شكلي ضعيف لا يقوى على مواجهة أي تحد كان، وسوف لم يبقي ثمة سيادة أو هيبة للدولة العراقية؟ فإذا كانت الحكومة الاتحادية قد جردت من جميع اختصاصاتها فهل تلام على شيء فيما لو استباح العراق أي من جيرانه كما هو الحال فيما تفعله تركيا في كوردستان أو إيران وسوريا وآخرون في العراق عموما؟ ولمصلحة من هذا؟
أسئلة يجب أن يجيب عليها البرلمان العراقي وحكومة الإقليم وبرلمان الإقليم، وإذا لم نصل إلى جواب شافي، فإن المحكمة الدستورية يجب أن تقوم بمهمتها قبل أن يفلت زمام الأمور من قبضة الحكومة الاتحادية. حيث في الحقيقة إن توزيع الاختصاصات في الدستور لم يأتي من فراغ، ولكن من طبيعة العلاقة الجدلية بين الإقليم أو المحافظة والحكومة الاتحادية في النظام العراقي الجديد، والتي يجب أن لا تكون علاقة تناحرية، ولكن علاقة تنسيقية متضامنة لكل منهم اختصاصه الذي ينبغي عليه القيام به وفق الدستور، فلو ضعفت الحكومة الاتحادية للحد الذي يريده الإقليم حاليا سوف ننتهي بحكومة هزيلة لا يحترمها أحد حتى أبناء العراق، ولو كانت قوية للحد الذي تمسك به بجميع السلطات، فإن الإقليم سيكون كيانا شكليا وربما ننتج في المستقبل دكتاتورية جديدة، كلا الأمرين غير مرغوب به، فلابد من توازن بين السلطات، وهذا ما تمخض عنه الدستور الذي أجده واضحا جدا عندما يتعلق الأمر بالنفط.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطور كبير فى أسعار الذهب بالسوق المصرية


.. صندوق النقد يحذر... أزمة الشرق الأوسط تربك الاقتصاد في المنط




.. صندوق النقد الدولي: تحرير سعر الصرف عزز تدفق رؤوس الأموال لل


.. عقوبات أميركية على شخصيات بارزة وشركات إنتاج الطائرات المسيّ




.. متحدث مجلس الوزراء لـ خالد أبو بكر: الأزمة الاقتصادية لها عد