الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحرقة الصهيونية : الواقع والدلالات

سعاد جبر

2008 / 12 / 30
حقوق الانسان


أمطر الاحتلال الصهوني غزة الصمود بوابل من الصواريخ في يوم السبت الأسود ، في مجزرة همجية وحشية ، تم فيها انتهاك كل ما يخطر ببالك وما لا يخطر من قيم حقوق الإنسان الدولية ، لدوافع دعائية ، تدق طبولها على شلال الدم الفلسطيني البرئ ، تم فيه الإسناد الأمريكي والعربي ، والتغطية العربية من قبل مصر وقيادة عباس ، كرازاي رام الله ، لكي يأتي إلى غزة على متن الدبابات الصهونية الغاشمة .

وهذه المجزرة الوحشية ، تحمل دلالات استفزازية ، وسقوط في الواقع العربي لا نظير له سابقاً ، ولفلفة على الحقائق ، وتغيير للمسميات ، وتبرئة القاتل ، وتجريم الضحية ، وبجاحة سياسية ، وتخاذل عربي ، وطنطنة بالخيانة على الملأ ، حتى كلمات الاستنكار غدت مشتهاه نادرة النوع فريدة في امرها في ظل هذه الأوضاع المزرية لواقع النظم العربية ، إذ ما كان مملولاً سابقاً ، غدا كلمة تشتهي سماعها في هذا الزمن العصيب العجيب ، الذي غدت فيه القاهرة مسرح للتصريحات العدوانية على الشعب الفلسطيني الأعزل ، وتحميله المسؤولية على خياره الديمقراطي في العملية السياسية ، إذ لا بد أن تكون الديمقراطية حالة استنساخ كرازيات في المنطقة العربية والإسلامية بأسرها ، وليس مسموحا للشعوب أن تعبر عن خياراتها السياسية في صناديق الاقتراع ، إذ يجب أن تكون النظم السياسية وفق القياسات الصهيونية والأمريكية بوجهيهما البشع المنتهك بهستيريا لحقوق الإنسان في العالم اجمع .

والمتتبع قي قراءته السيكولوجية السياسية للمحرقة البشعة على غزة والتي ما تزال مستمرة على مرأى كاميرات العالم ، تبرز له الدلالات السياسية الآتية :

• التواطؤ العربي في هذا العدوان البشع على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة .

• الغباء السياسي لدى النظام الأمريكي والصهيوني في محاولات فاشلة لالغاء حقوق الشعوب في التعبير عن خياراتهم السياسية في المقاومة ومواجهة المحتل ، عسكريا وسياسيا من خلال ثقافة الممانعة ، وهنا لا ننظر إلى كم الدماء النازفة بل إلى المستقبل السياسي الناشئ من تلك المجازر الهمجية المنتهكة لحقوق الإنسانية ، حيث يستهدف المدني في ترصد وحشي وتعمد مقيت ، ففي تاريخ الشعوب لا يمكن أن تلغي خياراتها في الحياة كما تريد حرة أبية ، وتمنع حقها من المقاومة ، وهذا من ابرز علامات الغباء السياسي ، إذ تعتقد انك عبر الحل العسكري الهمجي بإمكانك إلغاء خيار الشعوب في مواجهة المحتل وان تعيش حرة كريمة ، وهذا محض حماقة تبنتها أمريكا في سياسة بوش الابن ، التي تتسم سياسته بالكذب والتضليل والحماقة بلا حدود * وسلوكا يجري في دم الصهيونية العالمية .

• غدت السياسة مافيا تضم مجرمي حرب ، ومص للدماء ، وغابت اللغة الحضارية في التفاهم البشري لدى كل من أمريكا والعدو الصهيوني ، فأي منطق يبرر سفك الدماء كشكل من أشكال الدعاية الانتخابية عند المرأة المتوحشة " ليفني " لكي يلتف حولها الجمهور الصهيوني الهمجي الذي لا يفهم إلا لغة الدماء ، ولكي تمدد فترة حكم كرزاي رام الله محمود عباس ، لكي يقدم المزيد من التنازلات السياسية لحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها القدس ؛ تحت قناع وهمي اسمه مفاوضات السلام مع إسرائيل .


• في تحليل سيكولوجي لشخصية ليفني ، فيبرز لدى المتأمل عقد النقص التي تمتلئ بها ، وتعبر عنها من خلال مدة العنق بكبر ، ولكن الكبر فيها لا يحمل القوة والاعتداد بالذات هنا ، بل يحمل التوتر والقلق ، حيث تحاول أن تتظاهر بالتماسك ، وهي تحاول تقليد شخصية أستاذها شارون ، ولكن الإرباك كان بادياً، حيث كشفت أوراقها لكل من تابع المقابلة التي أجرتها مع الرئيس المصري في مصر ، وكانت دلالتها ما حدث في الأيام التالية في غزة ، فضلا عن اعتدادها بشعار "اكذب ، اكذب حتى تصبح الكذبة حقيقة" ، وربما كانت صورتها البشعة تعبر عنها أكثر في المقابلة الباهتة التي وجه فيها اولمرت - الملاحق قضائيا على قضايا فساد سياسي ومالي - كلمته للداخل الإسرائيلي والعالم ، حيث حاول أن يظهر بثوب الإنسانية ، في حرب نفسية فاشلة حمقاء غبية ، فلا ادري أين خبراء إسرائيل النفسيين في تلك المسارح السياسية ، فصور قادتهم مكشوفة مفضوحة ، وكلماتهم تثير السخرية ، والكذب بادي عليهم بأقبح صورة ، والديبلوماسية مفقودة ، واللباقة السياسية مقبورة ، وتصريحاتهم علنية بأنتهاك حقوق الإنسان لفظيا وسلوكيا ، ولا ادري أي عالم نحن فيه ، الذي لا يستحى فيه من بث عقيدة الكراهية ومص الدماء وإعلانها على الملأ وكاميرات التلفزة .

• مشاركة النظام المصري الذي ما زال يصر حتى اليوم الثاني من المحرقة في إغلاق معبر رفح ، وهذا التمسك بإغلاق معبر رفح يؤكد مشاركة النظام المصري في العدوان الغاشم على غزة ، وانتهاكه حقوق الإنسان الغزاوي ، من خلال إصراره على إغلاق معبر رفح .

• فوضوية الهدف العسكري في المحرقة الصهيونية على ارض غزة ، فالعدو الصهيوني الغاشم يستهدف الطفل والشجرة والمستشفى والدواء والمسجد ، حيث يبرز للمتابع لمجريات تلك المحرقة الصهيونية ؛ أنها لا تدري أين تضرب أهدافها ، وأين تحدد أهدافها ، ولكن يمكن أن تستنتجه هدف واحد هو ضرب المدنيين في وضح النهار ببشاعة مقيتة ، وتنكر لكل الأعراف الدولية الإنسانية ، في جرائم حرب ، تنم عن إرهاب دولة ، لا يقدس إلا عقيدة الكراهية والعنصرية السلوكية والسادية المرضية .

• إن المتتبع لتصريحات العدو الصهيوني يستخلص أن الهدف الصهيوني للمحرقة بالتواطؤ مع النظام العربي المتواطئ في هذه المحرقة هو إسقاط نظام حماس ، واستغلال الفراغ السياسي ، في هذه الوقت الاستثنائي من رحيل بوش وقدوم حكومة أمريكية جديدة ، واقتراب موعد انتهاء ولاية محمود عباس " كرزاي رام الله " ورغبة تلك الأنظمة العربية المتواطئة من التخلص من حماس ، بل حتى تناقلت إنباء عن ليفني عن رغبة بعض النظم العربية برؤية رؤوس حماس ذليلة في يد العدو الصهيوني وهي تحمل الراية البيضاء ، وهذا محال في قراءة تاريخ الشعوب وانتصارها على جزاريها ، فتاريخ المظلومية في حياة الشعوب ، تؤكد أن الحلول لا يكون في التخلص من الأجساد ، والتجويع ، لغاية التركيع ، لأن الروح والحياة تنبعث من الداخل ، الذي عمرها عمر الزمن ، لايمكن أن تمحى بدبابة وطائرة اباتشي .

• إصرار بعض النظم العربية على تأخير موعد عقد القمة العربية ، ورفض بعضها ذلك حتى تتفادى الإحراج ، وهذا يؤكد التواطؤ على العدوان مع العدو الصهيوني ، وهذا يدل على ارتباط الأنظمة العربية مع العدو الإسرائيلي في محرقته الوحشية على غزة الصمود ، وذلك لمنح إسرائيل وقت إضافي لتحقيق خطتها العسكرية التي أعدت منذ ما يقارب ستة أشهر، هذا مع العلم أن تلك القمم العربية هي عبارة عن مهازل عربية لا تمت للحنكة السياسية ، وحسن التعامل مع الأوراق السياسية ، واستخدام القوة العربية المتاحة في اللعب بالأوراق السياسية لصالح القضايا القومية العربية ، دون الخنوع والتخاذل والتواطؤ مع العدو الصهيوني .

• الحمق الصهيوني الأكبر سيكون ، فيما لو تورطت إسرائيل في اجتياح بري لغزة ، وبالتالي لن تتعلم من تجربة شارون في غزة التي أنهته سياسيا وجسديا ، وكل شئ متوقع من قبل الهمجية الصهيونية ، لأن الفوضى ما زالت تعتري العملية العسكرية على غزة .

وفي نهاية مقالتي هنا ، الواقع مرير ، والتحليل السياسي لها أكثر ألماً ، والرؤية السيكولوجية لهذا الواقع السياسي المخزي لا يمكن وصفه بالكلمات ، خنوع وانصياع للسادية الأمريكية والصهيونية ، وتقليد أعمى أمعي للغالب الموهوم " الجزار " ، وتجريم للضحية ، وفقدان الإنسانية ، وانتهاك وحشي لحقوق الإنسان على مرأى الكاميرات ، وإلغاء لخيار الشعوب ، وحرمان الحياة ، وإعلان الموت البطئ والسريع في إيقاعات واحدة صهيونية أمريكية عربية على غزة الصمود ، ويقولون بين الحياة والموت تولد الحياة على نكهة جديدة وفي قوة لا تحد ، وعلى وتر الحرية الحمراء تولد الشعوب ، وتحرر الأوطان .

..............................
* لمزيد من التفاصيل حول القراءات السيكولوجية المتنوعة لشخصية بوش الابن و اولمرت وليفني ، يمكن متابعة ذلك في كتاب سيكولوجيا السياسة " قراءات في شخصيات بارزة وأحداث ساخنة" وكتاب " انتهاكات حقوق الإنسان وسيكولوجية الأبتزاز السياسي ، د. سعاد جبر ، دار عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع ، اربد : الأردن.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال