الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم (العدو والدولة المعادية) في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969

فالح مكطوف

2009 / 1 / 1
دراسات وابحاث قانونية


يعتمد تحديد مفهوم ( العدو أو الدولة المعادية ) على محددات سياسية إبتداء تتمثل في فلسفة نظام الحكم أو الدولة ورؤاها السياسية والأيديولوجية وينعكس هذا في العمل الدؤوب على تهيئة الرأي العام من اجل القبول أو على الأقل، السكوت عن هذا التوجه السياسي، ومؤكد أن هنالك أسباب عديدة لجعل النظرة إلى دولة ما كونها دولة معادية، تبررها الأنظمة الحاكمة بما تشاء من مبررات منها الحد من التدخل في الشؤون الداخلية، أو ضرورة الدفاع عن الأمن القومي من تهديدات محدقة أو كون دولة ما راعية للإرهاب وغيرها من الأسباب التي لا يمكن حصرها، ولكي تتخذ هذه الحيثيات شكل الإلزام فلابد إذن من تقنينها وتشريعها كمرحلة أخيرة لتصبح ملزمة للجميع ويترتب عليها في معظم الأحيان عقوبات على الأفراد غير الملتزمين بوجهة نظر النظام السياسي وبقانونه، وذلك بمعاداة تلك الدولة التي يراها النظام معادية ولاشك أن معظم الأنظمة الحاكمة تستنفر كافة قواها في سبيل ترسيخ هذا المفهوم في الأوساط الشعبية، خدمة لمصالحها وبقاءها أطول فترة ممكنه وذلك من خلال الإقناع الأيديولوجي، ويأتي ذلك بواسطة التقنين والتشريع الذي بدوره يجسد الأهداف السياسية لتلك الأنظمة.
وبقدر تعلق الأمر بقانون العقوبات العراقي النافذ فان هذا الموضوع اخذ طابع الخصوصية منطلقا من حساسية النظام السياسي ونظرته للعالم المحيط به في حين نص قانون العقوبات العسكري على بعض العقوبات التي لا تتعلق بمفهوم العدو أو الدولة المعادية ولا ترقى إلى ما نص عليه قانون العقوبات رقم ( 111 ) لسنة 1969 بما يتعلق بتنظيم الجرائم والعقوبات المتعلقة بالأمن الخارجي والسيادة.
لقد جرت العادة سابقا على اعتبار بعض الدول معادية مثل (إسرائيل، الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا نوعا ما، إضافة إلى عموم العالم الغربي بدرجة اخف) وذلك كبديهية مفروغ منها، وان لم يحددها القانون تجنبا للتطورات السياسية المفعمة بالتغيير والتبدل ــ فالسعودية الرجعية وفرنسا الرأسمالية أصبحتا الأولى شقيقة والثانية صديقة بعيد الحرب مع إيران، وأصبحت الولايات المتحدة اليوم دولة صديقة جرى التحالف معها ضمن اتفاقية أمنية ويصح هذا الأمر على الأردن ( الشقيق) وغيره من الدول ــ ولا يمكن في أي حال من الأحوال حصر الدول كونها معادية ضمن نص قانوني ذلك أن القانون معني فيما يتعلق بهذا الصدد، بالقواعد العامة وتترك للتطورات السياسية تحديد المفاهيم .
وقد كان قانون العقوبات العراقي الحالي الذي تطرق لمفهوم العدو والدول المعادية يعكس بروز التيار القومي وتصوراته وبالتالي مواقف الأنظمة السياسية القومية التي تغازل بقدر ما تصورات اليسار حيث مثْلا كليهما الخريطة السياسية للعراق بعيد ثورة 14 تموز.
إن قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 كان أوضح القوانين التي أشارة إلى مفهوم العدو والدولة المعادية، وقد فرق بينهما، فمفهوم ( العدو ) قد عرفته في المادة 189 /1 بأنه ( هو الدولة التي تكون في حالة حرب مع العراق وكذلك احد رعاياها وتعتبر في حكم الدولة الجماعة السياسية التي لم يعترف لها العراق بصفة الدولة وكانت تعامل معاملة المحاربين. كما يشمل تعبير العدو العصاة المسلحين ) ويتبين من هذا التعريف أن المشرع أراد بمفهوم (العدو) للتعبير عن وجود حالة حرب بغض النظر عن الجهة المقابلة سواء كانت دولة أو احد رعاياها أو جماعة سياسية معادية لا تحمل صفة الدولة أو من يعصي الدولة ويحاربها ويعني هنا التنظيمات المسلحة، أما مفهوم ( الدولة المعادية ) فإنها ليست بالضرورة أن تكون الدولة المعادية (عدوا) إلا أن كل عدو (فيما إذا كانت دولة) هو دولة معادية بالمعنى الوارد في القانون، وقد نرى في كثير من مواد هذا الباب دمج بين المفهومين، ومؤكد أن العدو، في غالب الأحيان يشير إلى وجود حالة حرب وعمليات عسكرية، في حين يشير مفهوم الدولة المعادية إلى خلاف سياسي وأيديولوجي يتسم نسبيا بالثبات وهو أكثر ديمومة إذ أن تهديده للنظام الحاكم ربما يبقى طوال فترة بقائه.
إن القانون أعلاه، أورد الكتاب الثاني تحت عنوان ( الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ) وافرد الباب الأول منه تحت عنوان ( الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي ) ومؤكد أن موضوعنا مرتبط بأمن الدولة الخارجي لان هنالك ( عدو ودولة معادية ) تهدد النظام من الخارج وتنحصر المواد القانونية في هذا الباب، بين المادة (156) إلى المادة (189) وتعتبر العقوبات في هذا الباب من اشد العقوبات إذ تغلب على معظمها عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، فالمادة (157/1) تنص على انه (( يعاقب بالإعدام كل مواطن التحق بأي وجه بصفوف العدو أو بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع العراق ...)) وقد أعطت هذه المادة للنظام السابق المبرر القانوني لتصفية حساباته مع جميع المعارضين السياسيين.
وقد أشارت المادة (158) والمادة (159) إلى التجسس وان القانون اوجد صلة للربط بين التجسس لـ ( دولة أجنبية ) أو ( دولة أجنبية معادية ) وتندرج الدول العربية تحت يافطة الدولة الأجنبية إذا وقع التجسس لصالحها كونها لم تظهر حسن النية بالتعامل وقد كانت محاكم النظام السابق تطلق أحكامها المجحفة بحق الكثيرين متهمة إياهم بالتجسس لمجرد عبورهم الحدود لدول الجوار فرارا من الحروب أو البحث عن فرصة للعيش خارج أسوار الدكتاتورية دون نية تقديم المعلومات أو التخابر مع الجهات الأمنية لتلك الدول، وقد نصت المادة (158) على انه (( يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من سعى لدى دولة أجنبية أو تخابر مها أو مع احد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدائية ضد العراق قد تؤدي إلى الحرب أو إلى قطع العلاقات السياسية أو دبر لها الوسائل المؤدية إلى ذلك )) هنا نلاحظ أن المشرع ركز على الدولة الأجنبية كائنة من تكون في حين يشير في المادة (159) إلى الدولة الأجنبية المعادية حيث نصت على انه (( يعاقب بالإعدام كل من سعى لدى دولة أجنبية معادية أو تخابر معها أو مع احد ممن يعملون لمصلحتها لمعاونتها في عملياتها الحربية ضد العراق ...)) وهنا نلاحظ أن هذه الدولة المعادية المشار إليها في هذه المادة قد تضمنت أيضا مفهوم العدو الذي سوف نشير إليه لاحقا، وإضافة إلى المادتين أعلاه تشير المادة (164) أيضا إلى التخابر (التجسس) فتنص على انه (( يعاقب بالإعدام... 1ــ من سعى لدى دولة أجنبية أو لدى احد ممن يعملون لمصلحتها أو تخابر مع أي منهما،وكان من شان ذلك الإضرار بمركز العراق الحربي أو السياسي أو الاقتصادي )). وكما يظهر فان المشرع قد غلظ العقوبات لجريمة التجسس إلا أن الأزمات التي مر بها نظام الحكم أدى إلى استخدام هذه المواد لتصفية الخصوم السياسيين كما أن من يحكم وفقا لهذه المواد بغير الإعدام فان حكمه سيكون السجن المؤبد ولا يشمله أي قرار بالعفو أو تخفيض فترة الحكم الذي كان النظام يلجأ إليه نتيجة لازمات داخلية أو ضغوط خارجية، ولنا أن نؤكد بان شبح الدول المعادية ما انفك يتابع النظام إلى درجة الاستفزاز فقد شهد قسم الأحكام الخاصة في سجن (أبو غريب) وجود قضايا وأشخاص ليس لهم أي علاقة تذكر بالتجسس وقد أكملوا فترات حكمهم لمدة (20) عاما في ظل أسوء الظروف، بل ومات قسم منهم في السجن وهو برئ من الفعل المنسوب له.
أما بالنسبة لمفهوم (العدو) فبالإضافة إلى تعريفه الذي أوردناه أعلاه فان هنالك العديد من مواد هذا الباب قد أشارت له إلا أننا سنذكر مادتين فقط للدلالة على معناه وفقا للقانون، هما (162) التي تنص على انه (( يعاقب بالإعدام كل من سهل للعدو دخول البلاد أو سلمه جزءا من أراضيها أو موانيها أو حصنا أو موقعا عسكريا أو سفينة ....أو أمده بالجند أو الأشخاص أو المال أو نقل إليه أخبارا أو كان له مرشدا)) والمادة(168) والتي تنص على انه (( يعاقب بالسجن المؤبد من أدى لقوات العدو خدمة ما للحصول على للحصول على منفعة أو فائدة أو وعد بها لنفسه أو لشخص آخر....))
إن ما جاء من استعراض موجز للمواد الخاصة بتلك المواد وغيره تؤكد تحصين النظام السابق لذاته أكثر من تأكيدها على الحفاظ على الدولة بالمفهوم السياسي.
وقد جرى تطور ملموس في الكثير من المفاهيم والمصطلحات القانونية بعد سقوط النظام السابق حيث تم العمل وفقا للرؤية الأمريكية ومصالحها في ترتيب القانون.
ويبدو إن المدير الإداري للسلطة الائتلافية المؤقتة (بول بريمر) قد قام بمسح شامل لقانون العقوبات وأدرك بشكل مدروس ما ينبغي عليه فعله إزاء المواد الخطرة في القانون ومن ضمنها مواد التجسس والمواد التي تتضمن مفهوم العدو والدولة المعادية وفد ربط تحريك أي دعوى سواء الماسة بأمن الدولة الخارجي أو الداخلي بإذن خطي جاء ذلك حسب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم ( 7 ) المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد(3978) والصادر في 17 آب2003 ص27 ، وتحت عنوان ( قانون العقوبات ) القسم (2 ) المعنون بــ ( تعليق العمل ببعض أحكام قانون العقوبات ) قد نصت الفقرة ( 2 ) من هذا القسم على ما يلي:
2 ــ لا يجوز إقامة دعاوى ضد مرتكبي الجرائم التالية إلا بإذن خطي من المدير الإداري للسلطة الائتلافية المؤقتة:
1. .....
2. الجرائم التي تنص عليها المواد من 156 ــ 189 من ( الكتاب الثاني / الباب الأول )، وهي الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
3. الجرائم التي تنص عليها المواد من 190 ــ 199 ومن 201 ــ 219 من ( الكتاب الثاني / الباب الثاني ) وهي الجرائم الماسة بالأمن الدولة الداخلي ......
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل مضى السيد بريمر إلى ابعد من ذلك فأباح التجسس لـ (قوات الائتلاف والسلطة الائتلافية) حيث جاء في الفقرة (3) من القسم (3) المعنون بـ (العقوبات) من ذات الأمر ما يلي: (( لا يحاكم أي شخص نتيجة قيامه بتقديم العون أو المساعدة لقوات الائتلاف أو السلطة الائتلافية المؤقتة أو نتيجة علاقته بقوات الائتلاف أو نتيجة قيامه بالعمل لحساب أي منهما )) وبهذا يكون بريمر قد عطل قانون العقوبات وبالأخص ما يتعلق منه بالسيادة وأعطى مبررا للتجسس لجميع دول العالم ما دامت الدعوى لا تحرك إلا بإذن خطي منه ومن الغريب في الأمر أن بريمر قد رحل وتعاقبت ثلاث حكومات على العراق إلى الآن وشكل مجلس النواب وبدأ بمراجعة الأوامر الصادرة من بريمر إلا انه لم يتخذ حيال هذا الأمر شيء ويمكن أن نستنتج من ذلك انه في عراق اليوم لا يمكن أن يوجد عدو أو دولة معادية ولا يمكن أن نجد احد سواء أكان مواطن أو أجنبي يتهم بتهمة التجسس لان جميع الدول ورعياها ومن يقيمون علاقات تخابر معهم أصبحوا بناء على أمر سلطة الائتلاف من الأصدقاء.
إن تعطيل مواد مهمة بالقانون أمر خطير يتطلب معالجة بأسرع ما يمكن وإعادة صياغتها لخلق التوازن بين الفعل الإجرامي والعقوبة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا جزيلا
القاضي سالم روضان الموسوي ( 2009 / 1 / 1 - 11:06 )
شكرا جزيلا

اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا