الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة والنظام الرسمي العربي

كاظم محمد

2009 / 1 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


هكذا ، وبالشكر الذي تقدم به جورج بوش لحسني مبارك ، لدوره (الريادي) في معالجة (ازمة غزة) كما اسماها ، يكون قد كفانا التدليل على طبيعة مواقف النظام المصري ورغبته في التخلص من حماس واخضاع قطاع غزة لحكم سلطة محمود عباس ومجموعته التي عولمت نضالها الوطني واخضعته للجراحة الليبرالية ، وهي بصمة وشهادة من ادارة بوش على حسن السيرة والسلوك للقيادة المصرية ، التي لم تعد تخفي تحالفها غير المعلن مع اسرائيل وتنسيقها معه للتخلص من (اعداء السلام وتوابع ايران ) في المنطقة .
وقد اكدت القيادة المصرية دورها (الريادي) خلال الايام الماضية ، بعدد من التحركات السياسية والتصريحات الصحفية ، التي استجابت معها لرغبات اسرائيل وامريكا في محاصرة التحرك العربي الرسمي وافشال القمة المقترحة ، وتقليص وسحب البساط من التحرك السوري القطري ومحاصرة المبادرة التركية ، ومن ثم طرح (مبادرتها ) المفاجئة
وفي نفس السياق فانه ليس مستغربآ ان يكون الخطاب السياسي للقيادة المصرية وقيادة محمود عباس يستهدف حماس بالدرجة الاولى ويحملها المسؤولية عن المذبحة التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ، وهذا ما يذكرنا بالعدوان الذي شنته اسرائيل على لبنان في عام 2006، حيث حملت دول (الاعتدال) العربي ، حزب الله المسؤولية عن التدمير الذي تعرض له لبنان ، وكانت هذه الانظمة تأمل في ان تنجح اسرائيل في كسر شوكة المقاومة اللبنانية واخضاع لبنان لهيمنة حلفائها لينخرط في المشروع الصهيوامريكي .
ان بقعة غزة الرافضة والمقاومة لنهج الخنوع للأملاءات الصهيونية وابتلاع الارض الفلسطينية ، تتعرض اليوم بمساحتها الصغيرة وبسكانها المحاصرين الى عملية تدمير منهجي وذبح يومي للاطفال والنساء والشيوخ ، في محاولة صهيونية وبضوء اخضر امريكي ، ليس فقط لتجاوزالفشل الصهيوني في لبنان واعادة الاعتبار (لجيش الدفاع) الاسرائيلي ، بل لتحقيق نجاح في كسر حلقة من حلقات المقاومة والممانعة ، ولتصفية القضية الفلسطينية بابعادها السياسية والتاريخية والجغرافية ، ولوضع ادارة البيت الابيض الجديدة امام واقع جديديد يستبق اي تغير محتمل في تفاصيل سياستها الشرق اوسطية ، لاسيما وان قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله قد ذهبت بعيدا في تقديم التنازلات السياسية والاستراتيجية ارضاء لنزوات ومصالح نخبة من القيادات الانتهازية التي تلبرنت ونبذت وحذفت مصطلح المقاومة من قاموسها ،وتواطأت امنيا عبر عملية تنسيق مع الجانب الاسرائيلي ، وباشراف امريكي بجمعها للسلاح المقاوم واعتقال المجاميع المقاومة ومحاصرة نشاط حماس في الضفة الغربية ، وحماية الحواجز الاسرائيلية ومنع الاحتكاك معها ، والصمت على الاجتياحات المتكررة للجيش الاسرائيلي في مدن وقرى الضفة الغربية ، اضافة الى الاستمرار في التفاوض الغير مجدي مع القيادة الاسرائيلية .

لقد كشفت الايام القليلة الماضية حجم التواطئ الرسمي العربي لبعض الانظمة ، تناغما وتماهيا وتنسيقا مع القيادات الاسرائيلية ، والتي لم تعد تخفي او تتحرج من اصطفافاتها المخزية في رسم وتكريس واقع عسكري وسياسي جديد وفرض معادلة فلسطينية وعربية تلبي الاهداف والطموحات في اضعاف حماس على اقل تقدير وتحويلها الى قوة سياسية هامشية بعد سحب غزة من سيطرتها وتسليمها الى سلطة ابو مازن تحت عناوين الترتيبات الجديدة المفروضة بقوة الماكنة العسكرية الصهيونية وبقوة (الشرعية الدولية) ، لتهيأ لواقع اقليمي جديد، يسهل تسوية (المشكلة الفلسطينية) كما تسميها وسائل الاعلام الصهيونية وبعض (مثقفي) النظام المصري ومثقفي (اليسار) المتلبرن ، وذلك وفق الشروط الاسرائيلية ، اما باقامة كانتونات جغرافية تحت صيغ هلامية او الحاقها مستقبلا بدول الجوار العربي (المعتدل) مع نسيان القدس وحق العودة وكل ما يمكن ان يترتب على الاحتلال وجرائمه من التزامات قانونية او اعتبارية .
ان طبيعة هذا التواطئ المرتبط بالمصالح الاقتصادية والسياسية للفئات الحاكمة وحواشيها مع اللوبي الاقتصادي الصهيوامريكي وشركاته العابرة ، والذي جعل من دولا عربية بعينها تؤدي وظيفة المَسير والمسهل لنشاط هذه الشركات الاقتصادي وما يتطلبه من تكييف لطبيعة النظام السياسي ونهجه ، وتسخير للامكانيات التشريعية والامنية والاجتماعية لحماية هذا النشاط والمنخرطين فيه ، ان طبيعة هذا التواطئ اخذ ابعادا جديدة واصبح يشكل خطرآ على الامن الوطني والقومي العربي ، لا تدركه ربما عقول هذه الفئات الحاكمة ، بقدر ما يهمها المحافظة على مصالحها في الاستمرار بالحكم والاستحواذ على المقدرات الاقتصادية لشعوبها .
ولذلك فهي تجد ، ان اصطفافها الى جانب سياسات ونهج الادارة الامريكية واسرائيل اصبح ضمانة لأستمرارها وبقائها ، حتى لو تطلب الامر الدخول في تنسيق متكامل مع اسرائيل يؤدي في نتائجه السياسية الى تصفية القضية الفلسطينية ، وهذا ما تفعله اليوم القيادة المصرية بدعم صامت من دول الاعتدال ، وبتشجيع كامل من ادارة بوش .
ان من يقرأ جيدا بنود المبادرة المصرية ، كتحصيل حاصل لمواقف القيادة المصرية منذ بداية الحصار حتى اليوم ، يدرك ، اولا - حرص حسني مبارك على فهم مقاصد اسرائيل من محرقة غزة وثانيا - موقفه المتشدد من حماس ومقاومتها للعدوان الاسرائيلي وثالثا - الرغبة الشديدة في ايجاد معادلة عربية واقليمية جديدة تحشر سورية وحزب الله وحماس في زاوية الاهمال السياسي .
لقد كشفت خدعة قرار مجلس الامن الاخير في 8-1-2009 ، نوعية التفاهم المصري الامريكي الاسرائيلي ، باحالة القضية في تنفيذ هذا القرار الى (المبادرة المصرية) ، وهذا ما اكدته اسرائيل برفضها لقرار مجلس الامن واستعدادها للنقاش حول المبادرة المصرية ، مع استمراراها بقتل اطفال غزة واهلها .

ان هذا الدور (الريادي) الذي تلعبه القيادة المصرية ، يتناقض بالتاكيد مع دورشعب مصر ووزنها وتأريخها القومي ، انه دور الفئات الحاكمة وقيادتها السياسية الذي اصبح من الصعب عليها الانفكاك من دائرة تحالفاتها السياسية وتشابكها الاقتصادي إلا بتغيير مؤثر لسياسة الادارة الامريكية القادمة ، وهو امر مستبعد ، او بتغيير داخلي ناتج عن ضغط شعبي حقيقي يهدد المؤسسات الحاكمة والقائمين عليها .
ما نشهده هذه الايام من تحركات شعبية واسعة ضد ما يجري في غزة ، هو في نفس الوقت استفتاء قومي واسع على رفض ليس فقط المواقف والسياسات لهذا النظام الرسمي العربي ، وانما رفض استمرار هذه الانظمة وبقائها ، وهو تعبير حي بعدم السماح باختلالات في المنطقة لصالح المشروع الصهيوامريكي واعوانه ، مع شعور متصاعد بوجوب التغيير ، وهذا ما يخشاه هذا النظام الرسمي ، ويخشى معه توسع ودخول القوى المقاومة والممانعة ، في مجابهة عسكرية مع اسرائيل تؤدي الى مضاعفات غير محسوبة بالنسبة لها . تتجذر معها المطالبات الجماهيرية وتتوسع فيها المواجهة مع حراس هذه الانظمة وحماتها .
لذلك فبقدر ما تؤرق المقاومة البطولية لابناء غزة وحماس انظمة الاعتدال العربي ، بقدر ما تحاول هذه الانظمة جرها لحلبة مساوماتها السياسية تحت القصف والتدمير البري والبحري والجوي الاسرائيلي ، الذي فشل في تحقيق اهداف حربه المعلنة ، في محاولة لاجبارها على الاستسلام السريع لتنقذ بذلك ماء وجهها وتتجنب تداعيات مواقفها وترضي حلفائها .
ان الايام الماضية اثبتت ثبات وصمود المقاومة في غزة ونجاح تصديها لقوة النار الصهيونية واستطاعتها ايقاع الخسائر المؤلمة بجيش اسرائيل ، وهذا الصمود ما سيغير الكثير على الارض رغم الماسي والالام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من هي قوى الصمود والممانعة؟
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 1 / 12 - 02:37 )
هل كلامك عن الأنظمة الرسمية يشمل النظام السوري أم أنه من قوى الممانعة. للتذكير إذا كان هناك يسار متلبرن كما تسميه فماذا عن اليسار المتأسلم وشكرا

اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق