الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول اعادة تنظيم المدنية في المجتمع العراقي

فالح مكطوف

2009 / 1 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


البحث عن المدنية في المجتمع العراقي يندرج في مدى السعي الحثيث لتلك الرؤية الكامنة خلف العقلية السياسية والاجتماعية التي تمارس المسؤولية بأبعادها الأنسابية سواء بشكل علني أو أحيانا كرغبة باقية رهن الطموح غير المتجلي كونها افتراضيا، محاربة بالتغييب ألعمدي في خضم الإشكالات المحيطة في مجتمعنا، وهذه العقلية باختلاف تجلياتها تخوض حرب المقاومة ضد التجهيل والتبليد المستشري لأسباب معروفة، ورغم ذلك فان علنيّة تلك الحرب لم تصل إلى الدرجة التي تفرض حضورها المتماهي طبيعيا مع حاجة المجتمع لتأثيرها المرتجى الذي كان ينبغي له أن يحقق تناسبا مع تلك الأهمية، رغما من أجندات الآخرين، وبالتالي تسترعي الاهتمام المأخوذ باللاأبالية والمأسور بتأجيج حروب أخرى لتعميق المآسي، والتي تختلف نوعيا عن حرب إعادة تنظيم المدنية، على أن طرح مثل هذا الموضوع المهم في المجتمع يضاهي، قيميّاً وبمقاييس المدنية، الحرب على الإرهاب والتقسيم الطائفي والقومي وتداعياتها، إن لم يكن هو المفتاح لحل تلك المعضلات، لاسيما إذا كان التأسيس أصلا يعتمد على خلفية رصينة تجذرت عبر تاريخ الدولة العراقية والمجتمع، حيث لم يكن المنهج والتوجه الباحث عما يسمى (بالموزائيكية) أو التعددية التي أصبحت المفردات المفضلة لدى ساسة (العهد الجديد) هو المعيار المعتمد في أجندة القوى السياسية في فترات سابقة، لان تلك المقولات لم يشكلا يوما مرجعية فكرية أو سندا أيديولوجيا للتمييز اللاانساني المجسد حاليا على صعيد الممارسة الواقعية بل كان المجتمع في العراق يعي بديهية التحرر والثقافة التقدمية والوعي الثوري وكانت مثل هذه المفردات خيار حر لم يتم إقحامه أو فرضه بالقوة،وبالتالي فانه ينبذ ثنائية الاستقطاب المستحدثة (عرب أكراد، سنة شيعة ، أكراد تركمان، مسلمين مسيحيين ....الخ).يسمو عليها سواء بادراك واعي أو عفوي، ليجد تمييزه في ثنائيات أخرى ذات عمق إنساني يعبر عن كنه الاندماج في روح العصر ليكون بالتالي مصدر إشعاع على المجتمع في الدول المجاورة، تلك الثنائيات كانت أيضا تقسّم المجتمع إلا أنها تمثل آراء ومصالح الغالبية ضد الأقلية، الشعب ضد السلطة من قبيل (الوطنية والعمالة، التقدمية الرجعية، الظلم العدالة، التقدم التخلف،.....الخ). ومن هنا يبرز السؤال حول ماهية المدنية التي يراد لنا بناؤها ؟ وهل تدرك هكذا كونها مسؤولية تضامنية وفعل واقعي حقا في خضم هذا السيناريو الأسود والخيارات ذات المصالح الضيقة والمجتزئة أم تبقى فكرة مجردة لا تجد تطبيقها العياني؟
ليس هنالك خلاف بان الجميع يتفق على ثقل التركة التي خلفها النظام السابق والتي تمحورت بشكل أساس على قتل الوعي والحس الإنساني والثقافة الحرة بل على قتل الإنسان أيضا، إلا أن تعميق التحميق والاحتفال به بعد الاحتلال لغايات سياسة متخلفة اوجد عائقا حقيقيا أمام التحضر والتمدن وأصبح الوعي الغريزي لدى قطاعات كبيرة من المجتمع ــ الذي اثر على ردة فعله التفكير الشمولي الشوفيني السابق ــ مشروعا جاهزا لتفكير شمولي جديد اتخذ اطر الطائفية والقومية بديلا له، وانغمست الجماهير المغيبة والتي نشأت في تلك الظروف (حكم البعث) وخاصة جيل الشباب في الشمولية الجديدة وكانها اكتشفت الفردوس المفقود ومن جانبها استغلت الزعامات التي انبثقت من ردود الافعال تلك ــ مدفوعة بتصوراتها التي يتحكم بها الفكر المطلق غير الخاضع للنقاش أو النقد والذي يمثل لديها " وبناء على اعتقادها" مجمل الحياة الاجتماعية بكل أبعادها والحياة السياسية بشكل خاص، حتى أصبحت (الطاعة) السياسة تعد من الفروض الدينية بل والطائفية أن لم تكن أوجبها وصورتْ وكانها مسالة (أما أن تكون أو تموت) لتزيد من الابتعاد عن ابسط المفاهيم الإنسانية بما فيها قبول الآخر كصاحب وجهة نظر مغايرة ــ للسعي إلى إيجاد صراعات فرضت عن طريق العنف وجودها على الأرض بهذا الكم الهائل واتخذت من أدلجة العنف والإرهاب والارتباطات الخارجية المشبوهة خطابا لها بحيث اضمحل معه محاولة تبني أي خطاب جديد لنبذ العنف، بعد أن فات الأوان لبعث المفاهيم الإنسانية المنافسة لتلك العقلية الجديدة (عقلية الموت ذات الأهداف السياسية) وتلاشت المفاهيم المتعارف عليها من قبل وشمل التدخل بالحياة الشخصية حد الاعتراض على مراسيم الزواج على سبيل المثال، التي هي مناسبة لإظهار الفرح، أو بيع أقراص الأغاني، أو حلاقة الشعر، أو عدم لبس الحجاب الخ.... وبهذا أصبحت بديهيات الحرية الشخصية المرتبطة بالمدنية ممنوعة وعليهم فرض تغييرها بالقوة من الخارج، أما البحث في مفردات مثل (العلمانية ، التقدمية، اليسار) فانه يمثل ضربا في الخيال فهو من محرمات (الشريعة) كما تروج لها أحزاب الإسلام السياسي، بالرغم من تجذرها في المجتمع حتى أصبحت الكلمة الفصل لقطع الرؤوس.
وإذ كانت المدنية تعني فيما تعنيه بدولة القانون والأمان والاستقرار وتعني الرفاه والمساواة والحرية الشخصية وحرية الرأي وعدم التمييز على أسس الدين والقومية والطائفة والجنس، فإنها تفرز ابتداء اصطفافات تلك العقلية والوعي المتجذر ايجابيا إزاء الوعي المزيف والخادع المبني على أسس القتل والإرهاب وتدمير الآخر، وحينما يكون (العلاج) بالبحث عن معنى الديمقراطية، كما يتمنى مروجوها، وبالسعي الذي يحفه الغموض إلى تطبيقها، فعلينا إذا أن نفتش أولا عنها في برامج وسياسات (أحزاب العملية السياسية) أو الاحزاب والحركات المعارضة قبل فرضها على الإرهابيين والقتلة، كنهج غريب عنهم عليهم في النهاية الخضوع الجبري له، ولو دققنا ببرامج وسياسات تلك الاحزاب لتأكد لنا أنها ذات نهج إقصائي واضح أو مْستتر أحيانا، ويتستر ظاهريا بالبعد الإنساني وان مرد ذلك هو كونها (الاحزاب) تدمج بين مطلقاتها الدينية والقومية وبين سياستها بحيث يضمحل مفهوم الحوار كون الآخر هو النقيض والعدو الذي لا يمكن الاستمرار بوجوده. وبقدر تعلق الأمر بالديمقراطية وبالابتعاد عن الممارسات اليومية لتلك الاحزاب ــ فهي التي ساهمت برسم السيناريو الأسود الذي يمر به المجتمع في العراق ــ فان النظر إلى برامجها من منظور ابسط بديهيات الديمقراطية، التي اعتبرتها البرجوازية رايتها الأيديولوجية وأسست عليها مطالبيها في فصل الدين عن الدولة والمساواة إمام القانون وعدم التمييز على جميع الأسس الخ...، فإننا لا نجد أي حزب معني من خلال برنامجه بتأسيس دولة عصرية ــ حتى تلك التي رسمها الاحتلال واقنع الآخرين بها ــ قادرة على ممارسة مهامها بأبسط المفاهيم أو أن تأخذ على عاتقها إعادة تنظيم المدنية. ففصل الدين عن الدولة الذي هو من بديهيات الديمقراطية اعتبره الكثيرون ضربا في الإلحاد والمروق على الدين بل و الردة التي توجب الرجم، ليحتفلوا في النهاية بمنجزات القتل الديمقراطي لـ (عمر وعلي) على أسس مذهبية وعلى أساس الهوية، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء أن يضمّنوا مبدأ فصل الدين عن الدولة ببرامجهم لأنه مبدأ تقويض بالنسبة لهم فهو ينهي سياسة التثقيف القائمة على إحياء الأموات لكي يمارسوا السياسة مع وكلائهم الأحياء من اجل الدين والمذهب والقومية.
لقد مثل القانون مرجعية حضت باعتبار المجتمع فهو ينظر إليه وكأنه محايدا إزاء الجميع في اقل تقدير إلا أن دعاة تطبيق القانون هم أول من يخترقه بالرغم من التعسف الذي يلوذ في طياته ــ وهنا لا ينبغي محاكمة هذا الرأي وفقا للرؤية التحليلية التي تنفرد بها المادية التاريخية باعتباره يمثل رؤية لتسلط طبقة على طبقات أخرى كبناء فوقي للبرجوازية أسوة بغيره من مفردات كالدولة والسياسة والأخلاق ....الخ إذ أن الدفاع عن القانون والمساواة أمام القانون وإقرار دولة القانون الحقيقية واعتماد معيار المواطنة في ظل ظروف العراق الراهنة التي لا تماثلها أي ظرف في تاريخ البشرية المعاصرة يجعل المسألة في غاية الأهمية فهو بمثابة طلب الحد الأدنى الذي لا يمكن تحقيقه بسهولة ــ وعلية فان إعادة دمج القانون بمؤسسة الدولة قد يعيد الأمور إلى نصابها خصوصا إذا أدركنا بان دولة القانون عليها أولا الالتزام بمنجزات الحضارة والتمدن ولاسيما فيما يتعلق منها بحقوق الإنسان ولعل هذا هو المعيار المهم في تمييز الدولة العصرية عن تلك التي تهيأ الفرص للقفز فوق القانون محيلة مؤسسة الدولة إلى كابينات مبعثرة يلتزم المنتمون إليها بما يشاءون بشكل انتقائي مما أدى بالتالي إلى الانفلات الذي نعانيه اليوم وهو يعبر تماما عن قيام (دولة ثأرية) تمييزية تحكمها عصابات لا تمتلك أي قدرة لإدارة دولة عصرية، لقد أصبح منطق عصابات ومليشيات أحزاب الإسلام السياسي هو السائد مما أدى إلى تعطيل دور القانون في كثير من المفاصل المهمة وقد أدى ذلك إلى قتل العديد من رجال القانون من القضاة والمحامين عدا ما يقرب من مليون إنسان برئ ومرد ذلك إلى أنها ترى إن واجب القتل هو واجب شرعي على خلفية شرعنة القتل والإرهاب وإضفاء طابع القدسية والرضي على القائمين به، إن مهمة إعادة تنظيم المدنية في المجتمع العراقي هي مهمة التحرريين والعلمانيين ومهمة اليسار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة